array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 164

الحل داخل البيت العربي يحقق الأمن للجميع إذا انطلق من مصالحها

الثلاثاء، 10 آب/أغسطس 2021

إن الغزو العراقي للكويت كان – ولا يزال- كارثة على العراق والأمن القومي العربي ومخالفة للقوانين والأعراف الدولية وميثاق الجامعة العربية التي كان العراق من الدول المؤسسة لها عام 1945م، وللميثاق القومي الذي أعلنه الرئيس العراقي نفسه في فبراير 1980م، والذي كانت إحدى دعائمه " رفض اللجوء إلى القوة من طرف أي دولة عربية ضد أية دولة عربية أخرى، وتسوية كل النزاعات بين العرب بالوسائل السلمية "، وكان الرئيس العراقي أول من خالف الميثاق الذي أعلنه! وتؤكد دروس التاريخ أن النزعة الفردية في اتخاذ القرار غالبًا ما تؤدي للكارثة وكما قال المفكر الاستراتيجي الألماني كلاوزفتز "الصدفة والشك من أهم وأكثر عناصر الحرب شيوعاً"، والزعامة الفردية والنظام الدكتاتوري غالباً  ما يعيش في حالة الشك والريبة، ويذكرنا  كتاب إريك دورتشميد "The Hinge factor: How chance and stupidity have changed History ، الذي يؤكد فيه بأن القرارات غير العقلانية  والصدفة  تغير مجرى التاريخ في أحيان كثيرة ، فقرار غزو الكويت كان خطأً استراتيجيًا وكارثياً  وليس غريبًا أن يعلن نائب رئيس النظام العراقي السابق عزت الدوري اعتذاره عن غزو الكويت عام 1990م، بعد 29 عاماً من الغزو ويعتبره خطأً مبدئياً  واستراتيجيًا وأخلاقيًا ويقول إن الكويت لم تكن يومًا من الأيام جزءًا من العراق .

             من النمو الاقتصادي ووفرة احتياط العملات الأجنبية  إلى تراكم الديون

تولى صدام حسين رئاسة العراق في يوليو 1979م، بعد إزاحة الرئيس أحمد حسن البكر ، كان البكر رئيسًا للعراق بعد انقلاب يوليو 1968م، وكان صدام نائبًا له، وإذا نظرنا للاقتصاد العراقي في الفترة 1960-1980م، فقد بلغ  معدل الناتج المحلي الإجمالي ما بين  1960-1980م، 8% سنويًا ، وبلغ معدل نمو القطاع النفطي خلالها 7.6% بينما حقق القطاع غير النفطي معدل نمو أعلى وصل8.7%، ونتيجة لهذا النمو السريع  في الناتج المحلي الإجمالي فقد ارتفع دخل الفرد ارتفاعًا كبيراً  من 1555 دولاراً إلى 3984 دولاراً عام 1980م، أي بمعدل نمو سنوي قدره 4.8% ، فحقق بذلك المستوى الأعلى في تاريخ  العراق الحديث، وبذلك فإن الاقتصاد العراقي قد عاش عصراً ذهبياً طوال السنوات العشرين، ولكن مع وصول صدام للسلطة كرئيس للعراق في يوليو 1979م، دخل العراق في دوامة الحروب، حيث دخل في الحرب مع إيران لمدة ثماني سنوات 1980-1988م، سببت أضراراً بالاقتصاد العراقي وبالشعب العراقي عامة، ووضعت العراق على سكة الانهيار على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، فقد تكبد الاقتصاد العراقي خسارة ما يقرب من 62 مليار دولار من العائدات النفطية، واستنزاف ما بين 35-40 مليار دولار من أرصدة الاحتياطات الأجنبية، وتراكم الديون الخارجية التي قدرت بنحو 42 مليار دولار لدول غير عربية،  و35 مليار دولار لدول عربية، وتحميله لنفقات عسكرية إضافية قدرها 105 مليارات  دولار وتدمير بنية تحتية بما يعادل 30 مليار دولار. وعلاوة على ذلك توقفت عجلة التنمية الاقتصادية بسبب غياب الاستثمارات وتجنيد الشباب العراقي لخوض الحرب، وبعد ثماني سنوات من الحرب العراقية الإيرانية لم ينعم العراق بالسلام إلا سنة واحدة .

وكما كشفت كثير من الدراسات، أن دخول العراق في حرب مع إيران كانت بتشجيع من الرئيس الأمريكي كارتر الذي كان يعاني من أزمة الرهائن الأمريكية في إيران عام 1979م، وكان عام 1980م، عام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة والتنافس بين كارتر ودونالد ريغان، واستغلت الدول الغربية والشرقية الحرب لاستنزاف الطرفين ولإطالة الحرب، فكل من المتحاربين دولة بترولية وتحتاج إلى السلاح وكما قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر يجب إضعافهما وضرب الثورة الإسلامية بالقومية العربية، ودخلت إسرائيل بالبرجماتية السياسية لتزويد إيران بالسلاح كما الولايات المتحدة وتقديمها المعلومات الاستخبارية للعراق عن تحركات القوات الإيرانية وكما يقول حامد الجبوري الذي تقلد عدة مناصب وزارية وكان مدير مكتب الرئيس العراقي أن الولايات المتحدة لها دور رئيس في تحرير الفاو من خلال المعلومات التي قدمتها للعراق، وكانت فضيحة إيران جيت نوفمبر 1986م، بزيارة مستشار الأمن القومي السابق روبرت  مكفرلين لإيران زيارة سرية فضحتها صحيفة الشراع اللبنانية، وأكد وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو في كتابه  The English Job: Understanding Iran (2019)  دور إسرائيل في تزويد إيران بالسلاح ، فالقضية متواترة من خلال ما كشف من وثائق، فالطرفين أصبحا فريسة للاستنزاف من الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وغيرها حتى توقفت الحرب في أغسطس 1988م، وخرج العراق مدينًا ورجعت جحافل المشاركين في الحرب تحتاج إلى فرص العمل ؟ ولكنه توفرت لديه ترسانة من الأسلحة وطورها علماء العراق مما أقلق واشنطن وإسرائيل .

 

الجامعة العربية والأزمة: انقسام عربي ودول كبرى تتحين الفرصة

كان الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990م، مفاجأة على كافة المستويات حتى يتردد أن وزير الدفاع العراقي ورئيس هيئة الأركان لم يعلما بالغزو إلا بعد استدعائهما للقصر الجمهوري ويقال أن ثلاثة فقط كانوا على علم بالغزو الرئيس العراقي وصهره حسين علي المجيد وثالث لم تحدده بعض المصادر، ولذا الأزمة مفاجأة وتحتاج إلى حل سريع وفي ظروف نفسية تحت ضغط الأزمة، ولفهم موقف الجامعة خاصة والموقف العربي عامة من الأزمة، ننظر إلى الظروف الدولية التي تمت فيها الأزمة والعلاقات العربية –العربية، فقد كانت سابقة خطيرة أن تغزو دولة عربية ،دولة عربية أخرى .

كان النظام الدولي في حالة تحول حيث انهارت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية في 1989م، وسقوط حائط برلين وتوحيد ألمانيا والاتحاد السوفيتي في أزمة اقتصادية وعلى وشك الانهيار حيث انهار رسمياً في ديسمبر 1991م، ويحتاج للمساعدات الاقتصادية، ولذلك لم يكن فعالاً، وكانت الولايات المتحدة في نشوة النصر بسقوط الشيوعية وعبر عن النشوة فوكوياما في مقالته

"نهاية التاريخ"، والولايات المتحدة تفكر في نظام عالمي تحت الهيمنة الأمريكية. ولذلك كانت فرصة ذهبية للولايات المتحدة لترتيب النظام الدولي لمصلحتها وكانت الأزمة، غزو العراق  فرصة ذهبية استغلتها ادارة بوش .

أما علاقة العراق مع بريطانيا، فكانت علاقته متوترة مع حكومة رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت تاتشر، بعد إعدام العراق للصحفي البريطاني من أصل إيراني فارزاد بازوفت في 15 مارس 1990م، بتهمة التجسس على العراق وحكم على الممرضة البريطانية آن باريش التي كانت برفقته بالسجن ولكن أفرج عنها فيما بعد قبل الحرب.

كانت تاتشر مع بوش في يوم الغزو في ولاية كولارادوا وأكدت لبوش ليس فقط وقف العدوان بل إسقاط الدكتاتور حسب ما قالت وخاطبته " لا تكن متردداً" وحتى بوش في مذكراته أشار لتشجيع تاتشر له، وبالمصادفة أيضًا يوم الغزو، أن وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر كان في لقاء مع وزير الخارجية السوفيتي شيفردنادزه في مدينة ايركوتسك الروسية وفي مؤتمر صحفي مشترك في مطار فنوكوفو في موسكو 3 أغسطس1990م، أدان الوزيران الغزو ودعا المجتمع الدولي لوقف دولي لإمداد العراق بالسلاح.

كانت الولايات المتحدة تنظر بقلق للقوة العراقية والأسلحة التي تراكمت لديه خلال الحرب العراقية الإيرانية، ففي الوقت الذي ينظر الرئيس العراقي بأن العراق قوة إقليمية وقفت في وجه الثورة الإيرانية ويجب أن تكافئه واشنطن إلا أن صوت أمريكا الذي يعبر عن  سياسة الولايات المتحدة كان يشن بين فترة وأخرى حملة قوية على سياسة العراق بشأن حقوق الإنسان، بل وجدت أن قوة العراق تمثل تهديداً للمصالح الأمريكية وفي مايو 1990م، نشر معهد الدراسات الاستراتيجية التابع لوزارة الدفاع دراسة عن التهديد  العراقي Iraq Power and U.S. Security in the Middle  East 

وهذه الدراسات التي تصدرها مراكز الدراسات الاستراتيجية تؤخذ بجدية عند صانعي القرار الأمريكي سواء في الكونغرس أو البيت الأبيض والدفاع والخارجية. كانت الولايات المتحدة  قلقة خاصة من قوة العراق وتوازن القوى الإقليمي وأمن إسرائيل.

ولذلك وقع الرئيس العراقي في سوء إدراك للموقف الأمريكي وتفسيره لموقف السفيره الأمريكية ابريل غلاسبي في لقائها 25 يوليو فجوابها كان دبلوماسيًا، بأن الولايات المتحدة ليست معنية بالخلافات الحدودية أو أنه ليس لها اتفاقيات دفاعية، ولكن  عندما تشعر بتهديد مصالحها فتتدخل فالمصلحة تفرض التدخل العسكري والسياسي. فليس هناك أخلاقاً في السياسة كما يردد وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق كيسنجر  وطلابه من بعده والذين تولوا مناصب حساسة في الدوائر الأمريكية.

فحسب ما ذكره إلكسي فاسيليف مستشار الرئيس جورباتشوف للشرق الأوسط والذي حضر قمة بوش-جورباتشوف  في هلسنكي 9سبتنبر 1990م، أن الهدف الأمريكي استغلال الأزمة من أجل تدمير الترسانة العسكرية العراقية والتحكم في البترول وإقامة قواعد عسكرية، ولذلك كان تصريح بوش بأنه لن يسمح للنظام العراقي بالسيطرة على 40% من احتياطي البترول العالمي.  ووفق ما جاء في وثيقة مؤرخة بـ 7 أغسطس 1990م، وصادرة عن مؤسسة غورباتشوف، سأل شيفرنادزه نظيره وزير الخارجية الأمريكي بيكر، ما إذا كان القرار الأمريكي قد أتخذ بالفعل، وعندما اعترف بيكر بالقول أجل، في الليلة الماضية، تساءل شيفرنادزه بمراره عن سبب عدم استشارته ؟؟ فالواقع لم تعد القيادة السوفيتية في وضع يأخذ رأيها وحساباتها، وعندها أخذ بوش يردد عبارة النظام العالمي الجديد؟ بعد أن وقع الرئيس العراقي في الفخ الأمريكي مرتين في الحرب على إيران وغزو الكويت.

أما على المستوى الإقليمي، فالعراق كان في حالة حرب مع إيران وإسرائيل تعتبر العراق تهديداً لها بالترسانة الني حشدها خلال الحرب مع إيران ولذلك  فبالنسبة لإيران جاءتها فرصة للتخلص من النظام العراقي أو إضعافه وكذلك إسرائيل والتي قامت في يونيو 1981م، بتدمير المفاعل النووي العراقي.

أما الموقف العربي، فكانت دول الجامعة العربية منقسمة على نفسها والخلافات العربية منذ نشأت الجامعة وهي بين الصعود والهبوط، وظهر الانقسام العربي بعد كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ونقل الجامعة العربية إلى تونس وتعيين الشاذلي القليبي أمينًا عاماً لها، وبقيت في تونس 1979-1990م، عندما أخذت قمة عمان 1987م، بقرار إنهاء مقاطعة مصر ورفع العلم المصري في مقر الجامعة العربية في 2 يونيو 1989م، بتونس، وفي مارس 1990م، عادت الجامعة العربية للقاهرة وأصبح الدكتور عصمت عبدالمجيد وزير خارجية مصر أميناً عاماً للجامعة، وبعد عدة أشهر حدثت الأزمة.

قامت الجامعة العربية بالوساطة بين العراق والكويت مرتين وفقًا لميثاق الجامعة، عندما بدأت الأزمة في 18 يوليو 1990م،  بعد  اتهام العراق الكويت بإغراق سوق النفط وحول خلافات ترسيم الحدود والمطالبة بإلغاء الكويت لديونها على العراق ، علماً بأن دول الخليج وخاصة الكويت والمملكة العربية السعودية قدمتا دعمًا قويًا بأشكال مختلفة للعراق في حربه مع إيران.

كانت علاقة النظام العراقي ببعض الدول العربية متأزمة  وفي حالة برود، خلافات بين بعث العراق وسوريا وتوتر العلاقات الشخصية بين حافظ الأسد وصدام حسين وموقف سوريا بمعارضة الحرب مع إيران وكذلك علاقة ليبيا القذافي وإيران والوساطة الجزائرية بين العراق وإيران لإنهاء الحرب وفقدت فيها وزير خارجيتها محمد الصديق بن يحي مع 13 جزائريًا آخرين معه الذي كان يقوم بجولات مكوكية بين البلدين وسقطت طائرته بصاروخ عراقي من صنع روسي ، في مايو 1982م، ويتهم وزير الدفاع السابق خالد نزار النظام العراقي بإسقاط الطائرة ، والواقع أن هناك خلافات سياسية بين بعض الزعماء وأغلبها أنظمة عسكرية، القذافي، حافظ الأسد، وبن علي، علي صالح، والبشير ، وطبيعة الأنظمة العسكرية أنظمة فردية في اتخاذ القرار، إن الرئيس العراقي أخذ رتبة فريق ولم يدخل كلية عسكرية ولم يخدم في القوات المسلحة هذا هو الواقع عند حدوث الأزمة .

الرئيس بوش وفريقه يراجع مسودة البيان المشترك لقمة بوش-جورباتشوف هلسنكي 9 سبتمبر 1990م.

صراع الزمن بين الجامعة العربية والتدخل العسكري الأمريكي

إحدى خصائص الأزمة الدولية سرعة اتخاذ القرار لاحتوائها قبل التصعيد ، ولكن الجامعة منذ أول جلسة لمعالجة الأزمة دخلت في دوامة الخلافات، عقد مجلس الجامعة جلسته غير العادية في يوم الغزو 2 أغسطس، بناء على طلب دولة الكويت، ونص قرار مجلس الجامعة على " إدانة العدوان العراقي على دولة الكويت ورفض أية آثار مترتبة عليه، وعدم الاعتراف بتبعاته، ومطالبة العراق بالانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات العراقية إلى مواقعها قبل الأول من أغسطس 1990م، وكالعادة رفع الأمر إلى أصحاب الجلالة والفخامة  والسمو رؤساء الدول العربية للنظر في عقد اجتماع طارئ لمناقشة العدوان ولبحث سبل التوصل إلى حل تفاوضي دائم ومقبول من الطرفين المعنيين وفي الثالث من أغسطس عقد اجتماع وزراء الخارجية وظهرت الخلافات أيضًا وأعلنت مصر إدانة العدوان. ورغم احتلال دولة عربية وإدانة العدوان فحدث الانقسام العربي في الجامعة بتحفظ بعض الدول وتغيب بعضها وامتناع بعضها عن التصويت0اليمن، وترى بعض الدول أن الاستعجال بإدانة العراق أدى لعدم انسحاب العراق، ولكن هذا ليس مبرراً لأن الغزو لدولة عربية يحتاج للإدانة لمخالفة للقانون الدولي وميثاق الجامعة العربية ويدل على سوء تقدير القيادة العراقية لخطورة غزوها وسوء الإدراك للموقف الدولي والتغيرات الدولية؟ وعقدت القمة العربية الطارئة 9-10 أغسطس 1990م، وظهرت الخلافات بين الزعماء عندما أعلن مبارك بصورة مفاجئة التصويت على القرار الختامي للقمة وهو إدانة الغزو 12 صوتاً من أصل 20 دولة، وعندما اعترض القذافي قال مبارك " قعدنا نتكلم نتكلم 7 ساعات، لم أسمع صراخ فعال لاحتواء الأزمة "، وحسب وصف عمرو موسى وزير الخارجية المصري الأسبق وأمين عام الجامعة العربية لاحقاً بأنه " لم يكن ليصدر القرار لو لم يفاجئ مبارك الجميع بالتصويت عليه على الملأ"، إذ كانت هناك احتمالات أن تتكتل الدول الرافضة لإدانة الغزو العراقي للكويت وتحبط استصدار القرار".

 وفي الوقت الذي استمرت فيه الخلافات العربية، فإن إدارة بوش اتخذت قرارها وبسرعة باستغلال الأزمة لتحقيق أهدافها،  فاتخذت قرار تدخلها العسكري في يوم 6 اغسطس وأخذت فعليًا على أرض الواقع تصل قواتها للخليج، ورغم اتصال بعض الزعماء العرب في الثاني من أغسطس مع الرئيس العراقي لسحب قواته إلا أن عناد الرئيس كان كارثة على العراق والنظام الإقليمي العربي، وأدان مجلس الأمن الدولي بالإجماع الغزو العراقي واستطاعت إدارة جورج بوش حشد 34 دولة لإضفاء الشرعية الدولية على التدخل الأمريكي وبقرارات  مجلس الأمن الدولي لإخراج العراق من الكويت في الوقت الذي فشلت الجامعة والقمة بسبب الخلافات وزادت عدم الثقة بين الدول العربية.

الأمن القومي العربي وإصلاح الجامعة العربية وتفعيل دورها

إن أزمة الكويت تعطي درساً بليغاً لأن عدم ردع دول عربية من قبل الدول العربية أدى لكارثة ليس على العراق بل أثر على جميع الدول العربية اقتصاديًا واستراتيجيًا، فالانقسام أضعف توازن القوى الإقليمي وجعل الدول غير العربية في الشرق الأوسط تتدخل في شؤونه، ولذلك فإن سياسة الترضيةappeasement  التي انتهجتها بعض الدول اتجاه النظام العراقي أدت إلى عناده واستمرار احتلاله، وكان بإمكانه الانسحاب في اليوم الأول للغزو، ولكن سياسة النظام العراقي منذ 1978م، عندما عقدت قمة بغداد ونقل الجامعة أصبح يتصرف وكأنه زعيم المنطقة في الوقت الذي كانت علاقاته إما في توتر أو جمود وتجاهله بعض الأنظمة ثم تورط في حربه مع إيران بتضليل غربي وتصويرها له بأن نظام الثورة في إيران في حالة انهيار بعد سقوط الشاه، علماً أن الحرب ساعدت نظام الخميني بتعزيز قوته لأن الحرب توحد عادة الداخل ضد العدو الخارجي وحتى معارضة النظام داخل إيران لا تستطيع ممارسة نشاطها أمام الرأي العام لأن الدولة في حالة حرب، ثم كان غزو الكويت وانقلب النظام العراقي على الدول التي كانت سنداً له في الحرب ودعمها له خلال ثماني سنوات .

إن الجامعة العربية تأسست عام 1945م، وكانت الدول المؤسسة سبعة دول، اليوم هناك 22 دولة وتغيرت الظروف الدولية والإقليمية وحتى داخل أنظمة الدول العربية ولذلك بحاجة لميثاق جديد يتناسب مع الظروف الحالية، فالإجماع في القرارات بالجامعة لم يعد مناسباً في ظل 22 عضواً علماً بأن الخلافات كانت موجودة حتى في ظل سبعة دول .

 آليات حل الخلافات من خلال المؤسسات العربية

إن الخلافات العربية أضعفت الجامعة العربية ، كما أنها عرضت الأمن القومي العربي للتدخل الخارجي مما أثر بشكل مباشر أو غير مباشر على جميع دول النظام الإقليمي العربي وحدت من دوره العالمي ويمكن حل الخلافات بين الدول العربية من داخل دول  الإقليم من خلال عدة وسائل :

  • محكمة العدل العربية، رغم أن فكرة محكمة العدل تعود إلى عام 1964م، عندما وافق الزعماء العرب في قمة الإسكندرية على فكرة محكمة العدل، وبعد عقد من الزمن 1974م، تم إنجاز مسودة أول مشروع لإنشائها عندما كلفت الأمانة العامة للجامعة العربية الدكتور مفيد شهاب أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة بإعداد المشروع وأرسلت مسودة المشروع إلى كافة دول الجامعة، إلا أن الخلافات العربية –العربية أدت إلى تجميد مشروع المحكمة بعد اتفاقية كامب ديفيد ونقل مقر الجامعة إلى تونس وبعد عودة الجامعة إلى مقرها في القاهرة تم اعادة طرح المشروع عام 1994م، أثناء دورة وزراء الخارجية العرب ، وعام 2005م، أعدت اللجنة التي شكلتها القمة العربية إعداد المشروع في صورته النهائية وبعد عقد أيضًا وفي يناير 2015م، قامت لجنة من الخبراء القانونيين للدول العربية الأعضاء في الجامعة، ورغم تلك السنوات الطويلة فالحاجة ضرورية لاعتمادها فعليًا لمباشرة عملها، على غرار محكمة العدل الدولية ومحكمة العدل الأوروبية.
  • إنشاء قوة تدخل سريع بقيادة يتفق عليها في مجلس الجامعة للتدخل لحفظ الأمن في حالة النزاعات وحتى داخل الدول العربية كما حدث بإرسال القوات العربية في لبنان إبان الحرب الأهلية والقوات العربية التي أرسلت للكويت 1961م، عندما هدد عبد الكريم قاسم الكويت كما نزلت القوات البريطانية للكويت فكان موقف الجامعة العربية وبريطانيا فعالاً، فقد أرسلت كل من السعودية والأردن والجمهورية العربية المتحدة (مصر العربية) والسودان قواتها إلى الكويت وإن كانت رمزية إلا أنها أنهت الأزمة .
  • تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان لتلعب دوراً في حل الخلافات العربية والضغط على حكوماتها للمساهمة في حل الخلافات العربية، فالرأي العام الشعبي له دور مهم لاستنكار التدخل في شؤون الدول الداخلية .
  • تفعيل المشاركة في عملية صنع القرار من خلال المؤسسات الرسمية،المجالس النيابية، ومجالس الشورى ، والأحزاب السياسية ، فالمشاركة التي ينص عليها الدستور تكون صمام ضد غطرسة حكم الفرد والقرارات غير الرشيدة ، ففي أزمة كوبا عام 1962م، شكل الرئيس كنيدي فريقاً للأزمة وكلف أخيه روبرت وزير العدل آنذاك بفتح قنوات خلفية مع السفير السوفيتي لايجاد حل للأزمة بين واشنطن وموسكو، إن الحروب عادة تأتي بسبب سوء الإدراك وغطرسة القوة في غياب المؤسسات التشريعية والتنفيذية الفعالة وكما يقال الديمقراطيات لا تحارب بعضها لأن القرار فيها تقيده المؤسسات الدستورية . والتدخل الخارجي لا يحقق الأمن ولا ينهي الخلافات ويستنزف الدول وخيراتها فالحل داخل البيت العربي هو الذي يحقق الأمن للجميع، إذا انطلقت من مصالحها .
مقالات لنفس الكاتب