array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 164

الركيزة الخليجية أساس نجاح تفاعل الدوائر الثلاث وعكست تلاحمًا مهمًا

الثلاثاء، 10 آب/أغسطس 2021

على الرغم من أن العلاقات بين الدول لا تخلو من أزمات فإن منطقة الخليج العربي يمكن أن توصف بأنها "منطقة أزمات مزمنة" ابتداءً بأزمة الثورة الإيرانية عام 1979م، التي استهدفت منطقة الخليج العربي في بدايتها ومروراً بأزمة الحرب العراقية -الإيرانية 1980م-1988م، وانتهاءً بأزمة الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990م، وتحريرها عام 1991م، ثم الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، تلك الأزمات التي لم تكن دول الخليج العربي طرفاً فيها باستثناء أزمتي غزو الكويت وتحريرها التي كانت غير مسبوقة في تاريخ منطقة الخليج العربي، وتثير تلك الأزمة تساؤلات ثلاثة:

 الأول: لماذا كان الغزو العراقي لدولة الكويت تحدياً هائلاً وكيف أدارت دول الخليج العربي تلك الأزمة؟

 والثاني: ما هي أسس ومضامين مساهمات دول الخليج العربي في حرب تحرير دولة الكويت وآليات إدارتها لتلك الأزمة؟

 والثالث: ما هي الدروس المستفادة من تلك الأزمة؟

 

الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990م: طبيعة الأزمة ومسبباتها

 قبيل الحديث عن إدارة دول الخليج لتلك الأزمة، من المهم التعرف على طبيعة تلك الأزمة، وكغيرها من الأحداث التي شهدتها منطقة الخليج العربي على مر تاريخها توجد العديد من المؤلفات العلمية التي تناولت تلك الأزمة و خلاصتها أنه توجد أسباب كثيرة كانت سبباً في الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990م، آت من بينها أن انفجار القوة يعني تمددها، بمعنى آخر أن خوض العراق حرب ضروس ضد إيران وعدم قدرة الأخيرة على تحقيق انتصار حاسم في حرب استمرت زهاء ثماني سنوات فإن ذلك كان أحد دوافع اتخاذ قرار الغزو، بالإضافة إلى ما كتب بشأن معضلة الدول الحبيسة وسعي العراق لإيجاد منفذ بحري كبير على الخليج العربي، وغيرها من التفسيرات التي لم تنته بعد، ربما كان العنوان هو الخلافات الحدودية بيد أن ذلك كان ضمن دوافع أخرى عديدة، وبعيداً عن تلك التفسيرات فإن جل القول أن تلك الأزمة كانت تحدياً هائلاً لأمن منطقة الخليج العربي بشكل غير مسبوق لثلاثة أسباب، السبب الأول: أنها عكست تحولاً في القناعات التي كانت سائدة آنذاك من أن تهديدات أمن الخليج العربي خارجية وليست من داخل الإقليم ذاته، وعلى نحو خاص جاءت من جانب دولة حظيت بدعم خليجي هائل على الصعد المالية واللوجستية خلال حرب الثماني سنوات مع إيران إلى الحد الذي أضحى فيه أمن تلك الدول في مرمى الخطر نتيجة استهداف إيران لناقلات النفط الخليجية فيما عرف "بحرب الناقلات" نتيجة دعم دول الخليج العربي للعراق، حيث يشير أحد المصادر إلى أن دول الخليج قدمت حوالي 14 مليار مساعدات للعراق إبان حربه مع إيران،  والسبب الثاني:  أنها لم تكن أزمة عابرة وإنما وجودية ترتبط ببقاء دولة عضو في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة، وقد مثل ذلك الغزو مأزقاً لدول الخليج العربية التي تشهد خللاً في توازن القوى مع الأطراف الإقليمية آنذاك "العراق، إيران" ومن ثم تجسدت فيها عناصر الأزمة الثلاثة أي الحدث المفاجئ الذي يحمل تفسيرات متضاربة ويحتاج إلى قرار في مدى زمني محدود للغاية، ففي الوقت الذي كانت تشير فيه وكالات الأنباء أنه تم  نزع فتيل الأزمة، فقد فوجئ العالم بدخول القوات العراقية الأراضي الكويتية فجر الثاني من أغسطس عام 1990م، في ثماني ساعات، وقد لوحظ سعي العراق في أعقاب الغزو مباشرة لطمس هوية دولة الكويت من خلال إجراءات على الأرض منها الإعلان عن حكومة مؤقتة واعتبار الكويت المحافظة التاسعة عشرة وهي إجراءات  تعد انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي التي تنص على سيادة الدول واستقلالها،  أما السبب الثالث فهو: أنها لم تكن المرة الأولى التي تشهد فيها دولة الكويت تهديداً من هذا النوع ،فقد كانت هناك تهديدات مماثلة في عامي 1961م، و1963م، إلا أن النظام العربي آنذاك كان لها بالمرصاد إلا أن ذلك الموقف لم يكن ذاته في أعقاب الغزو العراقي عام 1990م، حيث كان الانقسام هو سمة المواقف  في اجتماع لمجلس جامعة الدول العربية بالقاهرة ما بين دول أدانت الغزو وطالبت العراق بالانسحاب الفوري وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثاني من أغسطس عام 1990م، وما بين دول ساندت ذلك الغزو والتي عرفت فيما بعد "بدول الضد".

 دول الخليج العربي وإدارة أزمة الغزو العراقي لدولة الكويت1990م

لم تكن أزمة الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990م، تهديداً مباشراً لأمن دول الخليج العربي فحسب بل للأمن العالمي في الوقت ذاته ؛ في ظل كون أمن الطاقة كان-ولايزال- ضمن ما يمكن أن نطلق عليه "الخطوط الحمراء" التي يتطلب اجتيازها استخدام القوة العسكرية لحفظ توازن القوى في تلك المنطقة الاستراتيجية من العالم، وليس أدل على ذلك من أن كافة استراتيجيات وخطط الأمن القومي للدول الكبرى خلال الفترة السابقة واللاحقة للغزو تضمنت التأكيد على محورية أمن الطاقة بالنسبة للأمن القومي لتلك الدول، وفي ظل  أحداث الغزو العراقي وما تردد عن توجه النظام العراقي آنذاك للسيطرة على نفط المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية فإن ذلك كان سوف يعني ببساطة أن ثلثي الاحتياطي النفطي العالمي سيكون تحت سيطرة النظام العراقي، من ناحية ثالثة فإن توقيت الغزو على المستوى العالمي لم يخل من دلالات فعام 1990م، كان انتهاء حقبة الحرب الباردة والحديث عن ظهور الولايات المتحدة كقطب عالمي أوحد، فضلاً عن كون الغزو كان اختباراً للأمم المتحدة ذاتها المعنية بحفظ الأمن والسلم الدوليين والتي جاءت على أنقاض عصبة الأمم التي أنشئت للغرض ذاته، ناهيك عن انقسام عربي داخل أروقة الجامعة العربية .

 ويعني ما سبق أن دول الخليج العربي كان عليها التحرك على ثلاثة محاور متوازية في الوقت ذاته الأول: محور الأمن الوطني من خلال تأمين منشآتها الحيوية خشية تعرض أي منها لعمليات تخريب في ظل أجواء إقليمية كان الاحتقان سمتها، والثاني: محور العمل العربي من خلال حشد المواقف المؤيدة لعودة الشرعية لدولة الكويت، أما المحور الثالث والأخير فهو المحور الدولي الذي يتضمن المنظمة الأممية والقوى الكبرى التي لعبت دوراً مهماً في حرب تحرير دولة الكويت عام 1991م.

على الرغم من حدة الأزمة وما رتبته من تداعيات بالغة الخطورة على أمن الخليج العربي، فإن دول مجلس التعاون لم تكن ترغب في إنهائها بالسبل العسكرية لإدراكها مخاطر وتداعيات الخيار العسكري ومن ثم فقد انتهجت الخيار الدبلوماسي في ثلاثة مسارات متوازية الأول: المسار الخليجي فقد لوحظ خلال كافة اللقاءات الخليجية المشتركة سواء القمم أو الاجتماعات الوزارية التأكيد على مبدأ مفاده" أن أمن دول الخليج العربي كل لا يتجزأ" ومطالبة العراق بالانسحاب الفوري من دولة الكويت الشقيقة وتنفيذ كافة القرارات ذات الصلة بالغزو، ففي كتاب أصدره مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والطاقة "دراسات" بعنوان ملحمة العطاء في محنة الأشقاء: دور مملكة البحرين تجاه غزو وتحرير دولة الكويت ،تضمن أن" مملكة البحرين لم تسع فقط لحشد المواقف لدعم الشرعية في دولة الكويت بل أيضاً في الوقت ذاته تفنيد الادعاءات التي أعلنها النظام العراقي في تبريره للغزو والربط بين الغزو وقضايا أخرى في المنطقة، كما اقترحت مملكة البحرين آليات أكثر فاعلية للتعامل مع أزمة احتلال العراق لدولة الكويت منها أهمية عقد قمة خليجية لتثبيت مواقف دول العالم من الغزو وصياغة خطط للتحرك الخليجي تجاه دول العالم في الوقت الذي كان يواصل فيه العراق إرسال مبعوثيه إلى دول عديدة وهو الاقتراح الذي حظي بتأييد دول الخليج العربي"  المسار العربي: وربما كان هو الأصعب بالنسبة لدول الخليج، حيث لوحظ انقسام المواقف العربية من الغزو ما بين إدانة صريحة للغزو وتأييد حق دولة الكويت في عودة الشرعية، وما بين الضبابية والتأرجح بين هذا وذاك وهي خريطة سياسية كانت تتطلب حنكة دبلوماسية للتعامل معها في مدى زمني محدود للغاية، فضلاً عن تحرك دول الخليج على المستوى الإسلامي، المسار الثالث: على المستوى الدولي والذي يتضمن التحرك داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة، فللمرة الأولى يظل مجلس الأمن في حالة انعقاد دائم على مدى ستة أشهر على مستوى وزراء الخارجية وأصدر 12 قراراً منذ 2 أغسطس عام 1990م، وحتى نوفمبر من العام ذاته جميعها كانت وفقاً للبند السابع من الميثاق، الذي يتضمن أن مجلس الأمن الدولي يقرر عما إذا كان هناك تهديدًا للسلم الدولي أو إخلال به ومن ثم اتخاذ إجراءات قسرية لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه حيث يجيز استخدام القوة للدول سواء فرادى أو جماعات، كانت تلك القرارات نتيجة جهود دول الخليج داخل المنظمة الأممية، من ناحية ثانية وبشكل مواز  ومع تعنت النظام العراقي وعدم الاستجابة لكافة النداءات الإقليمية والدولية للانسحاب من دولة الكويت، فقد قامت دول الخليج بحشد المواقف الدولية المؤيدة لحق دولة الكويت بكافة الوسائل الممكنة استناداً إلى نص القرار الأممي رقم 660 والذي تضمن  صراحة تحديد موعد الخامس عشر من يناير 1991م، كموعد نهائي لانسحاب القوات العراقية من دولة الكويت وإلا فإن لدولة الكويت الحق في تحرير أراضيها بكافة الوسائل الممكنة.

    إدارة دول الخليج العربي لحرب تحرير دولة الكويت 1991م

كما تمت الإشارة إليه لم تكن دول الخليج ترغب في الخيار العسكري إلا أن عدم حل تلك الأزمة كان سوف يؤسس لمسار بالغ الخطورة في الأمن الإقليمي من ناحية، ومصداقية مبادئ القانون الدولي من ناحية ثانية، ومن ثم وتأسيساً على القرار الأمم رقم 660 والذي اعتبر أن الغزو العراقي لدولة الكويت يعتبر عدواناً سافراً ويمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وتهديداً للسلم والأمن الدوليين وإخلالاً بهما ومطالبة العراق بسحب قواته على الفور وإعادتها للمواقع التي كانت عليها قبل الأول من أغسطس عام 1990م، وفي ظل تعنت ورفض العراق فقد أصدر  مجلس الأمن الدولي القرار رقم 678 في 26 أكتوبر من العام ذاته ويتضمن الإذن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تتعاون مع دولة الكويت باستخدام جميع الوسائل اللازمة لإعادة السلم والأمن الدوليين إلى ما كانت عليه الأمور، وقد أثير الكثير من الجدل حول مهمة التحالف الدولي الذي تأسس آنذاك من خلال 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتحرير دولة الكويت إلا أنه ودون الخوض في طبيعة ذلك الجدل فإنه يجب الأخذ بالاعتبار ثلاثة أمور الأول:  أن الأمم المتحدة ليس لديها جيش دولي لتنفيذ قراراتها وإنما تصدر قراراتها كمرجعية شرعية للمهام المرجوة بغض النظر عمن سوف يتولى المهمة كما كان عليه الحال خلال مهام وأزمات عديدة منها مهمة مواجهة تهديد القرصنة قبالة سواحل الصومال وخليج عدن عام 2008م، والتي صدرت بشأنها ثلاثة قرارات لم تشر نصاً إلى أطراف تلك المهمة ولكنها أفسحت المجال أمام الدول وكذلك المنظمات المعنية ومنها حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والثاني:  أن تحرير دولة الكويت بالإضافة إلى أنه يستند إلى قرارات دولية وفقاً للفصل السابع من الميثاق فإنه في الوقت ذاته استند إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة  والتي تنص على"    ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس- بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق- من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه" بما يعنيه ذلك من أنه لكل الدول في حق الدفاع عن نفسها فرادى أو جماعات، ومن الجدير ذكره أيضاً أنه يعد السند القانوني لتأسيس حلف شمال الأطلسي "الناتو" كمنظمة للأمن الإقليمي ذات أهداف دفاعية،  أما الأمر الثالث:  فهو  أنه لا يمكن الجزم بوجود مسار واحد اتخذته دول العالم في مواجهة حالات تهديد الأمن والسلم الدوليين لارتباط ذلك بتوازن القوى من ناحية وطبيعة الأزمات ومدى تأثيرها على الأمن الإقليمي والأمن العالمي من ناحية ثانية، وبالنظر إلى تحرير دولة الكويت فإن الظروف الدولية السائدة آنذاك والتي تمثلت في انتهاء حقبة الحرب البادرة قد أتاحت الفرصة للولايات المتحدة كقطب أوحد بقيادة التحالف الدولي المشار إليه لتحرير دولة الكويت مع انهيار المنظومة الاشتراكية ويجد ذلك أيضاً تفسيره في تكرار تأسيس تحالفات لمواجهة  تهديدات الأمن الإقليمي والأمن العالمي ومنها التحالف الدولي لمحاربة داعش2014م، والتحالف العسكري البحري لأمن وحماية حرية الملاحة في الخليج العربي 2019م، وكلاهما بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى صعيد مجلس التعاون لم تكن القرارات الأممية هي المرجعية الشرعية الوحيدة للتعامل العسكري مع تلك الأزمة بل ميثاق مجلس التعاون الذي تضمن وبوضوح أن أمن الخليج كل لا يتجزأ، فضلاً عن النص الواضح للمادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون والتي تنص على أن" تعتبر الدول الأعضاء أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها كلها وأي خطر يتهدد إحداها يتهددها جميعاً، فضلاً عن القرارات الخليجية الجماعية التي صدرت على سواء على مستوى القمم أو الاجتماعات الوزارية الخليجية.

وتأسيساً على ما سبق فقد كان لدول مجلس التعاون دوراً محورياً في تحرير دولة الكويت، وربما أثارت تلك القضية الكثير من الجدل-ولاتزال- ومضمونه أن الإطار العسكري المتمثل في قوات درع الجزيرة يبدو متواضعاً مقارنة بحجم القوات الأخرى التي شاركت في عملية التحرير، إلا أن ذلك الأمر مردود عليه من خلال الكتاب المشار إليه آنفاً والصادر عن مركز البحرين بشأن دور المملكة ودول الخليج العربي في تحرير دولة الكويت كان محورياً سواء من خلال المساهمات العسكرية المباشرة أو الدعم اللوجستي، وخلال ذلك المؤلف تضمن أن هناك خمسة أسباب تبرهن محورية دور قوات درع الجزيرة خلال حرب تحرير دولة الكويت، الأول: أن تكوين التحالف الدولي لتحرير الكويت قد اتخذ وقتاً فالأمر لم يكن من السهولة بمكان حيث أن إرسال قوات للخارج يتطلب موافقة برلمانات بعض الدول في الوقت الذي كانت تتسارع فيه إجراءات العراق للتقدم على الأرض على محاور التقدم الرئيسية في شمال المملكة العربية السعودية ومن ثم كان لابد من قوات ردع وفي الوقت ذاته تأمين الموانئ والسواحل الخليجية وهو ما قامت به قوات درع الجزيرة، والثاني: دراية قوات درع الجزيرة بمسرح العمليات، صحيح أن العمل ضمن تحالفات عسكرية هو أمر معتاد في الأزمات إلا أن التأقلم على بيئات مختلفة بالنسبة لقوات تتباين في عقيدتها العسكرية وخبراتها ربما يحتاج بعض الوقت، والثالث: دور قوات درع الجزيرة في بناء القدرات الدفاعية والهجومية لدول الخليج العربي لحماية المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، والرابع: كيفية مواجهة قوات درع الجزيرة لعنصر المفاجأة ، فدول الخليج العربي لم يكن لديها توقعات بالغزو من جانب دولة حظيت بدعم هائل خلال حربها مع إيران ،ففي غضون 8 ساعات أرسل العراق 100000 جندي من الحرس الجمهوري مزودين ب 350 دبابة  إلى الأراضي الكويتية، والخامس: أنه في ظل الخلل في توازن القوى فإن وجود قوة ردع خلال تقدم القوات العراقية كان ضرورة استراتيجية.

وتوجد الكثير من الأرقام والإحصاءات بشأن عدد القوات ومسار العمليات العسكرية والتي لدى المتخصصين من القادة العسكريين دراية بها ربما بشكل أكبر من الباحثين ، إلا أنه في المجمل فقد كانت العمليات العسكرية لتحرير دولة الكويت عام 1990م، نموذجاً لكيفية تفاعل الأمن الإقليمي مع نظيره العالمي بل أنها أسست لانتهاء الفجوة بين هذين المستويين.

  الدروس المستفادة من إدارة دول الخليج العربي لأزمتي غزو وتحرير دولة الكويت عامي 1990م و1991م

على الرغم مما شهدته منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية من أزمات رتبت آثاراً هيكلية على منظومة الأمن الإقليمي ومن ثم العالمي فإن تلك الأزمات لم تحظ باهتمام كاف على المستوى الأكاديمي ليس لسرد وقائعها والتي لدى الجميع دراية بها وإنما لاستخلاص الدروس المستفادة والتي أراها في هاتين الأزمتين تتمثل في الآتي:

أولاً:  أنه في أزمات الأمن القومي يجب أن يكون لدى صانع القرارات العديد من الخيارات والتي أسماها الدكتور مصطفى علوي في أطروحته  للدكتوراه حول إدارة الأزمات" حلول ضاغطة وتوفيقية" وهو ما تجسد بالفعل في تلك الأزمة لأن الاستمرار في المسار الدبلوماسي دون إجراءات عسكرية موازية كنوع من الإجراءات الاحترازية والاستعداد لخوض الحرب يعني استفادة الطرف الآخر بتوظيف "شراء الوقت".

ثانياً:  خلال الأزمات، يتعين أن تعمل الآلة الإعلامية بذات قوة الآليات الأخرى الدبلوماسية والعسكرية، لأن الحملات الإعلامية يكون لها تأثير بالغ على الرأي العام في الوقت الذي تسعى فيه الأطراف المعادية لطمس الحقائق من خلال توظيف  قضايا ذات اهتمام من جانب الرأي العام في العديد من الدول وبالتالي لا يجب تأخر المسار الإعلامي عن المسارات الأخرى.

ثالثاً: في ظل عدم وجود جيش دولي تحت إمرة منظمة الأمم المتحدة فإنه لا يوجد نمط واحد لإعادة الأمن والسلم الدوليين بما يعنيه ذلك من أهمية بناء التحالفات والتي تتطلب جهداً دبلوماسياً هائلاً، ولعل التحالف الدولي لتحرير دولة الكويت كان كاشفاً لمدى الشراكة الاستراتيجية التي تربط دول الخليج العربي بالقوى المؤثرة في النظام العالمي .

رابعاً: إبان الأزمات وفي ظل تسارع وتيرة الأحداث تبرز مسألة الأولويات والتي كانت بالنسبة لدول الخليج العربي حماية المنشآت الحيوية ومنع تقدم القوات العراقية وهو ما تحقق بالفعل بالرغم من الفجوة في القوة بين الجانبين الأمر الذي يعيد التأكيد على أهمية تطوير خيار الدفاع الذاتي الخليجي.

خامساً: على الرغم من وجود ثلاثة مستويات للتنسيق ضمن هاتين الأزمتين خليجياً وعربياً ودولياً، فإن الأساس الراسخ لنجاح تفاعل الدوائر الثلاثة يتمثل في الركيزة الخليجية التي عكست تلاحماً خليجياً بل وأداءً دبلوماسياً بالغ الأهمية فيما يطلق عليه" دبلوماسية الأزمات" والتي يختلف العمل فيها بشكل جذري عن الأوقات الاعتيادية.

ويقترح كاتب هذه السطور إيلاء مسألة الأزمات أهمية بالغة ليس فقط لإعادة اكتشاف جوانب الأزمات التي شهدتها منطقة الخليج العربي بل في الوقت ذاته الاهتمام بإجراء "تمارين افتراضية" لأزمات متوقعة وهي القضية التي أولتها العديد من المؤسسات الأكاديمية العسكرية في دول العالم اهتماماً بالغاً والتي من خلالها تتحدد القدرات والتهديدات والفجوات إن وجدت والعمل على الاستعداد الكافي لها. 

مقالات لنفس الكاتب