array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 164

الفرصة مواتية لتشكيل منظومة أمن إقليمي لحفظ سلام المنطقة ومصالحها

الثلاثاء، 10 آب/أغسطس 2021

استيقظ العالم صباح الثاني من أغسطس عام 1990م، على زلزال كبير ليس من النوع الذي يزلزل الأرض فقط بل تجاوز ذلك إلى إحداث تغيير شامل في المنطقة والعلاقات الدولية ولاتزال اهتزازاته الارتدادية تتوالى إلى يومنا هذا وسوف تتواصل وإلى مدى كبير. مما لاشك فيه أن حدثاً بهذا الحجم ربما يحدث مرة في حياة جيل من الأجيال، حري بأن ينال قسطه من التحليل العميق الذي يجب أن يتناسب مع حجم الخسائر والآثار التي تسبب بها.  لكن، ومع الأسف فإن أغلب التحليلات لهذا الحدث، داخل المنطقة، جاءت ممزوجة بالكثير من العواطف والقليل من المعلومات ناهيك عن غياب الدروس المستفادة لإعادة هيكلة العلاقات في المنطقة. إن القاعدة العامة في تقويم الأداء بعد الكوارث تقوم على أساس الإجابة على السؤال "هل المنطقة الآن أفضل مما كانت عليه قبل الحدث؟ وهل استطعنا أن نتجاوز العوامل التي تسببت في تلك الأزمة وأن نضع صمامات أمان تحول دون تكرارها؟" باعتقادي أن الإجابة بالنفي، فالمنطقة ليست بأفضل حالاً مما كانت عليه، الأمر الذي يستدعي وقفة استدراك وتقويم. لذلك سوف نسعى في هذه الورقة إلى مراجعة سريعة نقف فيها عند أهم الأحداث ونقيم فيها أداء أطراف النزاع، مع مراجعة لحساب الخسائر والأرباح بالنسبة لتلك الأطراف، ونختم بتحديد أهم الدروس المستفادة من تلك التجربة المريرة.

 

أين نحن من مراجعة الأزمة؟

تكاد تكون عملية المراجعة التي تتبع الأزمات من أهم الصفات التي تتميز بها الأمم الناجحة عن غيرها والتي تقوّم فيها أداءها أثناء تلك الأزمات وتحدد نقاط القوة والضعف، وتجري تغييرات في المسار بناء على ذلك. عملية المراجعة هذه تتناسب مع حجم الأزمات التي تمر بها الأمم، لأن الخسائر كلما كبرت كانت حتمية إحداث التغيير لتجنب تكرار تلك المآسي.  فعلى سبيل المثال كانت عملية المراجعة في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية التي دمرت البلاد بالكامل وجعلت من مدينتين فيها ساحة لتجارب الأسلحة النووية لأول مرة في تاريخ البشرية، ونأمل أن تكون الأخيرة، الأساس لعملية إعادة الإعمار وتوجيه الجهود نحو بناء مستقبل أفضل لتلك الأمة التي أنهكتها مغامرات العسكر الذين استولوا على مقاليد الحكم وأوردها مواطن الهلاك.  لقد كانت عملية المراجعة التي مر بها المجتمع الياباني, وكذلك الأمر بالنسبة لألمانيا، بعد الحرب أول خطوات النقلة النوعية التي تبعت الحرب وجعلت من اليابان وهي الدولة التي هزمت في الحرب تتفوق بعد عقود ثلاثة على الدول المنتصرة مثل فرنسا وبريطانيا. 

 بدأت عملية المراجعة فور استسلام اليابان للحلفاء الذين أملوا عليها شروطاً مهينة، وسوف نذكر منها مثالين لعملية المراجعة أولهما ما أوردته صحيفة آساهي في افتتاحيتها التي علقت فيها على استسلام اليابان: "إن إيمان اليابان المفرط بالقوة العسكرية كان خطئاً فادحاً على المجالين الداخلي والخارجي. إن السياسات السابقة التي لم تحقق لنا شيئاً وجلبت علينا الكثير من المآسي يجب أن نسقطها من حساباتنا وأن نبدلها بأخرى متأصلة على التعاون الدولي وحب السلام."

وبعد عشرة أيام من إعلان الاستسلام كتبت صحيفة اليوميوري وهي الصحيفة الأوسع انتشارًا في العالم, "يجب أن يكون هنالك إيمانًا قاطعًا بأن الهزيمة العسكرية ليس لها علاقة بقيم المجتمع.  إن الهزيمة العسكرية يجب أن تكون نقطة انطلاق... ذلك أنه ربما ليس هناك أقل من الهزيمة لكي ترتقي بأفكار اليابانيين إلى العالم، ولكي يروا الأشياء بالموضوعية التي هي عليها، من أجل ذلك يجب إزالة كل الأفكار غير المنطقية التي غلفت الفكر الياباني بالاستفادة من التحليل الموضوعي... إن التحلي بالشجاعة هو السبيل الوحيد لمواجهة الهزيمة والاعتراف بها كحقيقة،  ولكن يجب أن نضع ثقتنا في اليابان الجديد."

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، أنه إذا أخذت اليابان وهي المثقلة بجراحها أيامًا قليلة لبداية تلك المراجعة، فأين نحن من غزو العراق للكويت بعد مرور ثلاثة عقود من الزمن؟  هل تعلمنا من تلك التجربة ولو درسًا واحدًا من الدروس التي يمكن الخروج منها وهي التي كلفتنا الكثير؟ وهل قامت دول المنطقة بتحصين نفسها لكي لا تتكرر الأزمة ولو بشكل آخر؟  إن حدثًا مثل هذا بحاجة إلى مؤتمرات وندوات تعرض فيها لجان مختصة نتائج بحثها في تحديد الأسباب والمسببات، وأداء مختلف المؤسسات الأمنية والسياسية في دول المنطقة منفردة ومجتمعة بالإضافة إلى أداء المؤسسات الدولية والخروج من كل ذلك بنتائج تكون الأساس في إحداث تغييرات هيكلية في البنى السياسية والأمنية.

 

شريط الأحداث

 

بعد مرور ثلاثة عقود من الزمن وتوالي الأحداث الجسام على المنطقة ربما نكون بحاجة إلى التذكير بأهم الأحداث التي صاحبت عملية الغزو التي بدأت بدخول القوات العراقية الكويت في الساعة الثانية صباح اليوم الثاني من شهر أغسطس عام 1990م، واحتلت الكويت من دون مقاومة تذكر. لجأ العديد من أبناء الكويت إلى المملكة العربية السعودية ومن ضمنهم أمير البلاد وأعضاء الحكومة. أصدر مجلس الأمن الدولي في نفس اليوم قرارًا يستنكر فيه الغزو العراقي للكويت ويطالب بالانسحاب الفوري. عاد مجلس الأمن في اليوم السادس من الشهر إلى إصدار قرار فرض حصار شامل على التعامل مع العراق. أعلنت الولايات المتحدة عن بدأ عملية "درع الصحراء" لحماية المملكة العربية السعودية في التاسع من الشهر وقامت بإرسال أعداد كبيرة من قواتها إلى المملكة. أصدر مجلس الأمن في التاسع والعشرين من نوفمبر قراره بتفويض استخدام القوة لإخراج القوات العراقية من الكويت والتي أمهلها إلى يوم 15 يناير لكي تستجيب للقرار. فشل اجتماع فيينا بين وزيري خارجية البلدين طارق عزيز وجيمس بيكر في التاسع من يناير في إيجاد حل سلمي للأزمة.  بدأت عملية "عاصفة الصحراء" في السادس عشر من يناير 1991 م، بمشاركة حوالي 700 ألف جندي من 32 دولة معظمهم من الولايات المتحدة والتي ابتدأت بحملة قصف جوي مكثفة على بغداد.  الدفاعات الجوية العراقية لم تبد مقاومة تذكر ولم يكن بيد القيادة العراقية سوى استهداف إسرائيل ببعض الصواريخ من نوع سكود في محاولة لجرها إلى الحرب كوسيلة للضغط على الدول العربية المشاركة في التحالف. لم تنجح تلك الخطة لأن إسرائيل لم تشارك في الحرب بصورة مباشرة خصوصًا وهي ترى الانهيار السريع للقوات العراقية أمام قوات التحالف الدولي.  لم يكن أمام القيادة العراقية سوى القبول بخيار الموافقة على الاستسلام والقبول بالشروط المهينة التي وضعت أمامها والتي أقرها مجلس الأمن ووضعت العراق تحت طائلة البند السابع لمجلس الأمن بوصفه دولة مارقة تهدد الأمن العالمي وفرض عليه منظومة عقوبات هي الأقسى في التاريخ الحديث وكانت مشروطة بتخلي العراق عن أسلحة الدمار الشامل ووضعت نظامًا تفتيشيًا صارمًا وبصلاحيات واسعة تشمل تدمير جميع المعدات التي يمكن أن يكون لها استخدام مزدوج, حيث تم بموجب ذلك تدمير المختبرات الجامعية وجميع مؤسسات التصنيع الحكومي والخاص بالإضافة إلى وضع العلماء العراقيين تحت المراقبة. كل ذلك كان بمثابة التمهيد للمرحلة القادمة والتي بدأت نهايتها المأساوية بغزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003م، تحت ذريعة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل.

 

لم تكن الغاية هنا سرد الأحداث التي مرت بها المنطقة في تلك الحقبة وإنما المرور على أهم المنعطفات في تطور الأزمة للاستدلال على بعض القضايا المهمة والتي منها:

  1. أخطأت القيادة العراقية أخطاءً قاتلة في مجمل العملية أولها بالطبع هو قرارها الخاطئ بغزو الكويت واستخدام القوة ضد بلد شقيق مثل الكويت وأتبعت ذلك بإطلاق الصواريخ على مدن المملكة العربية السعودية. وهو خطأ لا يغتفر لأن المشكلات بين الأشقاء يجري التعامل معها بوسائل غير القوة، بالإضافة إلى أن القرار كان مبنيا على قراءة خاطئة للمواقف الدولية وخصوصًا الدول العربية والولايات المتحدة، وإذا لم يكن ذلك كافيًا فإنها أضافت لذلك سوء أداء في إدارة الأزمة التي أدخلت المنطقة في ذلك النفق المظلم من دون أن يكون لها أي بدائل للتعامل مع المتغيرات سوى "علي وعلى أعدائي". كما يتضح هزالة أدائها وعدم قدرتها على المناورة السياسية أو العسكرية أمام الهجمات التي واجهتها مما أدى بها إلى العزلة الشاملة. ضعف الأداء السياسي بدا على أوضح صوره وأمام العالم أجمع في اجتماع فيينا في التاسع من يناير 1991م، بين وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر وطارق عزيز وزير الخارجية العراقي الذي ذهب إلى أهم اجتماع ربما في تاريخ بلده للاستماع فقط ومن دون أن تكون لديه أية مبادرة أو مقترح لتفويت الفرصة على الطرف الآخر أو على الأقل لشراء الوقت في سبيل البحث عن بديل، واختار بدلاً من ذلك التركيز على الشكليات مثل طريقة الدخول ولغة التخاطب، مع العلم بأن أخشى ما كانت تخشاه الولايات المتحدة هو قيام الجانب العراقي بتقديم مبادرة سياسية تحول بينها وبين القيام بالعمل العسكري الذي أعدت له عدته منذ اليوم الأول وكانت تسعى وراءه مهما كان الثمن.
  2. ضعف أداء المؤسسات الإقليمية مثل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي آنذاك) التي لم يكن لها دور يذكر سوى إعلان التأييد لقرارات مجلس الأمن الدولي من دون أي إدراك للآثار البعيدة لتلك القرارات على المنطقة عموما. وليس أدل على ذلك الضعف من غياب الرؤية الإقليمية التي كان يجب السعي وراءها لكي تحفظ للكويت استقلالها وللعراق سيادته وللمنطقة أمنها وسلامها وتوجه العقوبات نحو النظام العراقي وليس العراق. لكن العكس هو الذي حصل إذ أن العقوبات استهدفت العراق وأبقت على النظام الذي كانت تنتظره جولة قادمة.
  3. ضعف أداء منظومة الأمن الإقليمي التي فشلت بالتنبؤ بالحدث قبل وقوعه وفشلت في التعامل مع تداعياته بعد ذلك. . هذه المنظومة مع ضعفها، إلا إنها كانت تقف أمام أطماع بعض القوى الدولية والإقليمية في دول المنطقة ونجحت في ذلك طوال عقود من الزمن.
  4. انكشاف حقيقة دور منظومة الأمن الدولي متمثلة بمجلس الأمن والذي بدا واضحًا في تلك الأزمة بأنه مجرد أداة بيد الكبار يديرونه من خلال تقاسم الغنائم من دون أدنى اعتبار للدول ذات العلاقة أو للقيم والمواثيق الدولية التي يتم اللجوء إليها فقط عندما تتوافق مع مصالح الدول العظمى. إن الطريقة التي تمت بها إدارة الأزمة من خلال المنظور الأمريكي حصريًا، تذكرنا بمؤتمر السلام في فيرساي بعد الحرب العالمية الأولى والتي عقب عليها أحد الضباط البريطانيين المشاركين في المؤتمر بقولته المشهورة "ما إن انتهينا من الحرب التي أنهت كل الحروب حتى توصلنا اليوم إلى سلام أنهى كل سلام".

 

تقويم الأداء الأمريكي

  1. النجاح السياسي والعسكري: تمت عملية إدارة الأزمة من خلال الفريق القيادي في حكومة الرئيس جورج بوش الأب بقدرات فائقة استطاعت أن توظف تلك الأزمة لتحقيق العديد من المصالح وأن تقوم بقيادتها على جميع المستويات بحنكة كبيرة، حيث برزت خبرة الرئيس الأسبق التي اكتسبها خلال عمله في العديد من المؤسسات الحكومية وعلى رأسها وكالة الاستخبارات الأمريكية وعمله في الجانب التشريعي عندما كان عضوًا في مجلس النواب بالإضافة إلى ثمان سنين كنائب للرئيس ريغان، كما وأن الأزمة أبرزت قدرات وزير الخارجية جيمس بيكر ورئيس أركان الجيش كولن باول ومستشار الأمن القومي برينت سكوكروفت والقيادة الميدانية ممثلة بالجنرال شوارتزكوف. هذه الجهود تكللت بعزلة العراق سياسيًا وعسكريًا من خلال تشكيل تحالف عسكري دولي يشمل 32 دولة، وضمان الدعم الدولي من خلال قرارات مدروسة من قبل مجلس الأمن الدولي.
  2. ضعف أداء المؤسسات الاستخباراتية الأمريكية: كان هناك قصور واضح ناتج عن قلة المعلومات الاستخباراتية عند قوات التحالف الدولي حول مواقع تمركز القوات العراقية وتم التعويض عن ذلك باستخدام أكبر للقوة التي وصلت إلى درجة القوة المفرطة في العديد من الحالات مما زاد في عدد الخسائر البشرية لغير المحاربين والدمار الذي أحدثته الحرب في البنية التحتية لدول الصراع، هذا بالإضافة إلى ترك الكثير من مخلفات الحرب من قنابل غير متفجرة ومواد إشعاعية يصعب التخلص منها والتي أحدثت أضرارًا بيئية كبيرة في مسرح الصراع.

 

حسابات الربح والخسارة في الحرب

تقويم الأحداث إنما يتم من خلال حسابات الربح والخسارة وليس على أساس الأقوال أو النوايا. هذه الحسابات تختلف بحسب وجهة النظر بسبب ضبابة الأهداف البعيدة لأطراف الصراع. ولكن وبعد عقود ثلاث يمكن تحديد المكاسب لأطراف النزاع على الشكل التالي:

  1. الكويت ودول الخليج: تعتبر الرابح لأن الكويت استعادت سيادتها ونظام الحكم فيها الذي عاد بعد التحرير أقوى مما كان عليه بسبب إصرار جميع فئات الشعب على التحرير وإعادة النظام. أما على المدى البعيد فإن دول الإقليم، ومن ضمنها الكويت، فإن المنظومة الأمنية كانت هشة ولم تتمكن من إيقاف الغزو العراقي، أو لنقل لم تسنح لها الفرصة لذلك, إلا إنها أفضل بكثير مما تبع الحرب, حيث أدى غيابها إلى انكشاف الإقليم على الكثير من المشكلات التي يبدو أن لا نهاية قريبة لها.
  2. العراق: الخاسر الأكبر من العملية لأنه فقد سيادته من خلال قرارات مجلس الأمن التي اتخذت تحت طائلة البند السابع والتي اعتبرت العراق مهددًا للأمن والسلم العالميين وكذلك من خلال فرض الحصار الاقتصادي الذي يعتبر الأشد قسوة في العصور الحديثة, وخسارة البنية التحتية مثل أنظمة التعليم والصحة والصناعة والزراعة بالإضافة إلى خسارة النظام السياسي الذي تبعته الفوضى التي يعيشها البلد والتي تهدد المنطقة.
  3. إيران: النظام السياسي في إيران يعتبر من الرابحين من تلك الحرب التي أدت إلى دمار العدو الخارجي الأول وإزالته من الوجود، لا بل حولته إلى ساحة نفوذ بدلاً من كونه المنافس الإقليمي الأكبر وفتحت أبواب الإقليم أمام نفوذه من دون مقاومة تذكر. لكن وعلى المدى البعيد فإن إيران هي الأخرى خاسرة مثل بقية دول المنطقة، لأن حرب تحرير الكويت أنهت أي أمل بالتنمية في المنطقة وحولتها إلى ساحة صراع وعدم استقرار, وهو الأمر الذي أضر بجميع دول المنطقة وشعوبها.

4ـ إسرائيل: تعتبر إسرائيل الرابح الأكبر على جميع المديات القصيرة والبعيدة، لأن الحرب أنهت منظومة الأمن الإقليمي والتي كانت تعتبرها عدوًا وإن كان على المستوى النظري, كما وأنها أزالت القوة العسكرية للجيش العراقي الذي كان يعتبر العنصر الأكثر تهديدًا لأمنها القومي وأدخلت المنطقة في دوامات من الصراعات التي استنفذت موارد المنطقة البشرية والمادية.

  1. الولايات المتحدة: ليس من السهل الحكم على الموقف الأمريكي في العملية, فعلى الرغم من النجاح السياسي الكبير الذي حققته الولايات المتحدة من خلال قيادتها لتشكيل التحالف الدولي لإخراج العراق من الكويت والذي تبعته بنجاح عسكري أبهر الأنظار بإخراج القوات العراقية من الكويت بتلك السرعة الكبيرة, إلا إنها فقدت الكثير من المصداقية في سبيل ذلك كما وأنها رصدت الكثير من الموارد البشرية والمادية في العملية, لكن صورة الولايات المتحدة تحولت ولأول مرة في تاريخها إلى دولة معتدية خارج حدودها خصوصًا بعد المرحلة الثانية التي تمثلت بغزو العراق في عام 2003م، 

 

أهم الدروس المستفادة بالنسبة لدول المنطقة:

 

لقد كشف غزو العراق لدولة الكويت ضعف منظومة الأمن الإقليمي التي لم تكن من القوة التي تمكنها من التنبؤ أو إيقاف عمل كبير مثل عملية غزو الكويت والظروف والملابسات التي سبقتها ولحقتها.  وهذه إن دلت على شيء فإنها تدل على ضعف الأجهزة الاستخبارية في المنطقة والتي تعتمد اعتمادًا مباشرًا على المعلومات التي تصلها من أطراف أخرى آثرت عدم البوح لها بنوايا النظام السابق في العراق. إن تقوية القدرات الذاتية للأجهزة الأمنية في المنطقة وبناء قدراتها الذاتية التي تمكنها من رصد الأخطار الخارجية خصوصًا في هذا الزمان الذي تعددت فيه مصادر التهديد وعلى ضوء لجوء العديد من القوى الإقليمية والدولية إلى استخدام وسائل القوة غير المتوازية المتمثلة بالجماعات الإرهابية العابرة للحدود والقرصنة وهي أخطار هلامية يصعب التعامل معها مقارنة الجيوش المنظمة.

 

الدرس الثاني والأهم بالنسبة لدول المنطقة هي أن عملية التحرير أثرت على منظومة الأمن الإقليمي بالكامل، تلك المنظومة التي حققت الكثير من المصالح الكبيرة على مدى عقود من الزمن. وبدلاً من العمل على تقويتها فقد تم استبدالها بتوافقات وترتيبات أمنية أكثر هشاشة من السابق أثبتت عدم فاعليتها في العديد من المواقف الحيوية مثل التصدي للتمدد الإيراني في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن. إن هذه المناسبة يجب أن تشكل فرصة لإعادة التفكير بمنظومة أمن إقليمي تبدأ من دول مجلس التعاون الخليجي زائدًا العراق واليمن وتتوسع لتشمل مصر والأردن. إن قيام مثل هذه المنظومة ليس بديلاً للتعاون الأمني مع الولايات المتحدة بل قد تشكل عاملاً مساعدًا لها وللشركاء الآخرين الذين يهمهم أمن وسلام المنطقة وما تمثله من مصالح في مقدمتها الموارد الطبيعية التي تمتلكها وكونها على مفترق طرق التجارة العالمية.

 

كانت عملية إزالة العراق من المعادلة الأمنية للمنطقة إحدى أخطر نتائج غزو الكويت وتذكرنا بمقولة الشاعر روبرت فروست "لا تهدم سورا قبل أن تعلم السبب وراء بنائه".  إن مقارنة بسيطة بين أوضاع المنطقة قبل الغزو وأحوالها الآن تدل وبشكل كبير عن الدور الكبير الذي يمثله العراق في معادلة الأمن الإقليمي بسبب الإمكانيات الكبيرة التي يمتلكها وفي مقدمتها موقعه الاستراتيجي وإمكانياته البشرية.  إن الوضع في العراق يجب ألا يترك للصدفة لأن القضية لا تحتمل الخطأ، ومن لا يدرك ذلك فعليه العودة إلى غزو الكويت والآثار التي تبعته على المنطقة.  إن الوضع الأمني والسياسي في العراق يشكل مصلحة مصيرية لدول الإقليم ربما تكون غائبة عن المنظور الأمريكي الذي ينظر إلى المنطقة من زاوية الحفاظ على أمن إسرائيل فقط خصوصًا بعد تدني اهتمام الولايات المتحدة بالنفط, لذلك لا بد من الوصول إلى فهم مشترك بين دول الإقليم والشريك الأمريكي حول مستقبل الأوضاع في العراق يحفظ له استقلال قراره السياسي ولدول المنطقة أمنها¸ وإلا فإن الأخطار التي يمكن أن تأتي من تحول العراق إلى دولة فاشلة سوف تنسينا مأساة غزو الكويت بسرعة أكثر مما نتصور.

مقالات لنفس الكاتب