; logged out
الرئيسية / الصين مقبلة على خريف علاقاتها مع إفريقيا و أمريكا أكثر عزمًا على مواجهة التحدي الصيني

العدد 165

الصين مقبلة على خريف علاقاتها مع إفريقيا و أمريكا أكثر عزمًا على مواجهة التحدي الصيني

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

يسيطر على الولايات المتحدة الأمريكية شعور متزايد بوطأة المنافسة التي باتت تمثلها الصين على الانفراد الأمريكي كقوة عظمى وحيدة تقود النظام الدولي وزعيمة له، وباتت السياسات الأمريكية التي تم اتخاذها خلال العقدين الماضين والتي شهدت تصاعد الوجود الصيني محل مراجعة وتقييم الآن، ومنها السياسات الأمريكية تجاه قارة إفريقيا في ضوء التدني في مؤشرات المكاسب الأمريكية في مقابل ما حققته الصين من نفوذ متزايد في القارة، بالإضافة إلى ما تمثله من عامل إمداد بالخامات والطاقة للاقتصاد الصيني والذي تزايد حجمه وتطور تكنولوجيًا بوتيرة أقلقت الولايات المتحدة الأمريكية. وتحتل القارة موقعًا جِيُوسِيَاسِيًّا لا يمكن إغفاله في إطار الصراع بين القوى العظمى، خاصة في ضوء التطور التقني للصناعات العسكرية الصينية وبناء أول قاعدة عسكرية خارج حدود الصين في دولة جيبوتي.

فما هي عوامل النجاح الصيني داخل القارة وأهدافها التي سعت وراء تحقيقها، وأسباب انحسار النفوذ الأمريكي خلال المرحلة الماضية وأخيراً مآلات التنافس بين الدولتين داخل القارة.

أولًا: أهداف وآليات تنفيذ السياسات الصينية داخل إفريقيا.

صرح الزعيم الصيني ماو تسي تونج بأن عودة الصين إلى الأمم المتحدة ممثلاً للشعب الصيني جاءت محمولة على الأعناق الإفريقية، وهو تعبير يوضح الأهمية التي مثلتها ومازالت إفريقيا للصين كقوى سياسية واقتصادية وعسكرية كونية صاعدة.

  1. أهداف السياسات الصينية داخل إفريقيا.

عملت الصين مع نهاية القرن الماضي وبدايات القرن الحالي على إعادة توظيف القارة الإفريقية لخدمة مصالحها، وتطورها الاقتصادي، وربما في وقت لاحق لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وقد هدفت الصين من التحرك تجاه إفريقيا خاصة بعد انتهاء مرحلة القطبية الثنائية التكتل أمام التدخل الأمريكي في شؤون الدول وفي نفس الوقت تقديم نموذج آخر للدول الإفريقية التي تضررت من السياسات الأمريكية والغربية، والتي هدفت إلى فرض عولمتها من وجهة النظر الأمريكية والغربية، وبدأت في وضع مشروطيات وأطر على العالم أن يتبعها، وهي نماذج قد تختلف معاييرها من ثقافة إلى أخرى، وهو النموذج الذي واجهته الصين، واتجهت إلى القارة التي تضررت من تلك المشروطيات الأمريكية.

ومن ناحية أخرى فقد سيطرت قضية إصلاح الأمم المتحدة وتوسعة مجلس الأمن على سياسات الصين تجاه قارة إفريقيا، فهدفت في إطار تطوير علاقاتها مع دول القارة الإفريقية، إلى مواجهة محاولة انضمام اليابان والهند إلى العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وهي معركة دائرة بين الصين واليابان في إطار التنافس في شرق آسيا، ودعم الولايات المتحدة الأمركية لليابان وتحالفها معها لمواجهة الصين،  فالتصويت الإفريقي في الهيئة الأممية كان بالنسبة للصين عاملاً مساعدًا في تحقيق كثير من سياستها تجاه رؤيتها الخاصة بإصلاح الأمم المتحدة.

وقد أدى النمو الاقتصادي الصيني إلى ارتفاع طلبها على الموارد الأولية وإلى المزيد من الطاقة وتأمين مصادره، فهي كما يطلق عليه "مصنع العالم"، وهى فقيرة في مصادره ومن ثم كان عليها التوجه إلى الخارج لتظهر الدول الإفريقية كأحد المرتكزات في هذا التوجه حيث تحتل القارة حاليًا موقعًا مهمًا في خريطة إنتاج الموارد الأولية والطاقة على مستوى العالم.

كذلك فإن التطور الاقتصادي وطبيعة المنافسة مع العالم الغربي خاصة الولايات المتحدة احتاج إلى تأمين الحفاظ على خطوط الإمداد لشرايين الاقتصاد الصيني من المواد الخام، فعملت على تثبيت أقدامها في إفريقيا من خلال إنشاء نفوذ اقتصادي قوي بتقديم قروض ميسرة والاستثمار في البنية التحتية.

 وأخيرًا الاتجاه إلى تأمين المنافذ البحرية التي تعتمد عليها، فشهدت إفريقيا تدشين أول قاعدة عسكرية بحرية خارج الصين والتي تم تدشينها في دولة جيبوتي  وتعد دلالة تدشين القاعدة إن الصين تتجه إلى توظيف قدراتها العسكرية لحماية مصالحها بالقوة العسكرية وأبرمت صفقة مع دولة جيبوتي لشراء حصة من ميناء جيبوتي الاستراتيجي، نظرًا إلى أهمية موقعه الاستراتيجي المطلّ على المحيط الهندي والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب الذي يُعدّ ممرًّا مهمًّا للتجارة العالمية، ولأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة باتجاه منطقة الخليج العربي وشرق إفريقيا وشرق آسيا، بالإضافة إلى انخراطها في قوات حفظ السلام داخل القارة.

  1. آليات تنفيذ السياسات الصينية داخل قارة إفريقيا:

استطاعت الصين تقديم نموذجًا فريدًا لنفوذ "ناعم" يعتمد على توظيف القوى الناعمة التي تملكها وعوامل مشتركة بينها وبين الدول الإفريقية قدمتها الصين بعناية مما مهد الطريق لتوطين النفوذ الصيني في أرجاء القارة، وتتمثل هذه الآليات في الآتي:

  • توظيف القضايا الإفريقية لتحقيق المصالح الصينية.

عملت الصين على استغلال بعض القضايا الإفريقية لتعزيز وجودها داخل القارة،  على أساس مبدأ "التضامن بين دول العالم الثالث"، فقدمت نفسها على إنها في نفس الخندق الإفريقي والذي يعاني من تدخل القوى الغربية في شؤونه الداخلية، فتشارك الطرفان مواجهة التدخل الغربي، وقامت الصين بتوظيف موقعها في مجلس الأمن للوقوف مع عدد من الدول الإفريقية لمواجهة الإدانات والتدخل الأممي في شؤونها الداخلية، فطرحت نفسها بديلًا بصفتها قوة تمكين يمكن أن تمثل حامية للدول الإفريقية، وذلك نظير أن تحصل الصين على دعم الدول الإفريقية لسياستها الخارجية خاصة طلبها تحديد المناطق البحرية في بحر الصين الجنوبي والقرارات التي تتعلق بمجمل سياستها الخارجية في إطار صراعها الكوني مع القوى الغربية.

  • استغلال الإرث الاستعماري للدول الغربية.

ساعد الصين على دعم نفوذها داخل القارة اللعب على الإرث الاستعماري التقليدي والذي عانت منه القارة السمراء، خاصة إن الصين كانت تعاني من استعمار سابق لها وليس لها إرث استعماري داخل القارة.

ولعل الكتاب الأبيض الصيني الذي تصدره الصين بصفة دورية ما يؤكد تفهم الصين للذهنية الإفريقية، حيث قدمت نفسها على إنها دولة نامية تسعى للتعاون والتنمية والمصالح المتبادلة، ودائمًا تذكر أن الصين تعمل على إقامة نوع جديد من الشراكة الاستراتيجية تتسم بالمساواة والثقة المتبادلة في مجال السياسة والتعاون اعتمادًا على عقلية الربح المتبادل على المستوى الاقتصادي.

  • تسويق نمط النظام السياسي القائم على الحزب الواحد، ومركزية التخطيط الاقتصادي للدول الإفريقية.

يتشابه النظام السياسي الصيني مع أغلب النظم السياسية في قارة إفريقيا، وهو ما مثل عامل جذب للنموذج الصيني، وقد وظفت الصين ذلك التشابه لدعم نفوذها داخل القارة على أساس أنه نمط ناجح في الحكم، وفي التقدم الاقتصادي كبديل للنموذج الذي ينادي به العالم الغربي، وهي دعوة تجد آذانًا صاغية في العديد من الدول الإفريقية.

ثانيًا: أسباب نجاح سياسات الصين داخل قارة إفريقيا.

  1. التوافق مع واقع القارة اقتصاديًا وسياسيًا.

وجد تباين واضح بين مستهدافات السياسة الأمريكية تجاه القارة ونظيرتها الصينية، خاصة بعد انتهاء مرحلة القطبية الثنائية وأحداث سبتمبر 2001م، وهذا التباين أدى إلى انحسار النفوذ الأمريكي في مقابل تزايد النفوذ الصيني، ويرجع ذلك بالأساس إلى سيطرة شعور متزايد بين النخب السياسية الإفريقية بأن الولايات المتحدة لم تعد تعنى بالعلاقات الأمريكية ــ الإفريقية بقدر اهتمامها بمصالحها في مناطق أخرى في العالم على حساب علاقتها بالدول الإفريقية.

دعم ذلك الشعور اتباع الإدارات الأمريكية سياسات اتسمت بالجفاء والإملاء على النخب السياسية الإفريقية وهو ما أطلق عليه المشروطيات الغربية، وهي السياسات التي تبنتها الإدارات الأمريكية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبزوغ مفاهيم العولمة ومحاولات الإدارات الأمريكية فرض نموذجها القيمي والاقتصادي على العالم. ومن ناحية أخرى ركزت أمريكا على الاستثمار في التكنولوجيا العالية، والتجارة والخدمات، ولم يكن السوق الإفريقي مهيأ لذلك النمط من الاستثمارات، في ذلك الوقت.

في مقابل ذلك، فأحد أبرز المظاهر الإيجابية للوجود الصيني في الدول الإفريقية تمثل في أن النمو المتزايد للصين أسهم في ارتفاع الطلب العالمي على الخامات وارتفاع أسعارها، وبالطبع كان للدول الإفريقية النصيب الأكبر، حيث أن الهيكل الاقتصادي لمعظم الدول الإفريقية يميل إلى تصدير الخامات الأولية، والتي كانت في أشد الاحتياج إليها المصانع الصينية والتي وصفت بإنها "مصنع العالم"، وهو ما انعكس إيجابيا على الدخل القومي والفردي للدول الإفريقية وأسهم في تحسين البنى التحتية ومستوى دخول الدول الإفريقية، ومن ناحية أخرى سرعة الصين في تلبية احتياجات القارة من الخدمات العامة والبنية التحتية.

فالصين من خلال تمويلاتها واستثماراتها استطاعت أن تملأ بنجاح البعد الأمريكي عن القارة، وعولت الدول الإفريقية كثيرًا على اليد السخية الصينية على الاستثمار وإعطاء القروض، والشكل التالي يوضح حجم تجارة الصين بالمقارنة بالولايات المتحدة خلال الثلاث السنوات الأخيرة وهو ما يوضح مدى النجاح الذي حققته الصين داخل القارة:

  1. الانشغال الأمريكي بقضايا الإرهاب خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001م.

يرجع انحسار النفوذ الأمريكي والغربي داخل قارة إفريقيا خلال العقدين الماضيين وهي الفترة التي بدأت الصين تضع أقدامها وتحقق استراتيجيتها الرامية إلى زيادة نفوذها داخل القارة إلى سيطرة قضايا الإرهاب ومحاربة التنظيمات الإرهابية على الذهنية الأمريكية.

كذلك فإن عامل ضعف الدولة القومية في إفريقيا والذي مثل عامل جذب للكثير من التنظيمات والحركات الإرهابية والتي ناصبت الولايات المتحدة الأمريكية العداء، أدى إلى التشدد الأمريكي في قضايا الحكم الرشيد والحوكمة وتداول السلطة، ونشر قوات عسكرية والتمركز في قواعد عسكرية داخل القارة، وهي قضايا تلبي متطلبات الأمن القومي الأمريكي في الأساس ولم تكن تتوازى مع المتطلبات الإفريقية الراغبة في الحصول على معونات اقتصادية وقروض واستثمارات دون مشروطيات سياسية، والتدخل في الشأن الداخلي.

ثالثًا: الموقف الأمريكي من النفوذ الصيني داخل قارة إفريقيا.

باتت الولايات المتحدة على وعي تام بالتحدي الإستراتيجي الذي تشكله الصين بالنسبة للهيمنة الغربية على العالم، وتبرز وثيقة نشرها موقع ويكليكس حقيقة الموقف الأمريكي من الدور الصيني المتنامي على مستوى القارة، فالبرقيات الأمريكية الدبلوماسية السرية التي كشفها هذا الموقع أظهرت المراقبة اللصيقة والدائمة والشديدة التي تقوم بها الإدارة الأمريكية للدور الصيني السياسي والاقتصادي المتنامي داخل القارة، والتي أصبحت التاجر والمستثمر الأول خلال السنوات الأخيرة مع قارة إفريقيا.

وفي هذا الإطار مضت الولايات المتحدة في مسارين، الأول: تركيز الجهد الأمريكي لمواجهة واحتواء الصين، والثاني: تعزيز موقعها في مناطق النفوذ الصيني ومن ضمنها قارة إفريقيا، وتتمثل أبرز مسارات التحرك الأمريكي للحد من النفوذ الصيني داخل قارة إفريقيا في الآتي:

  1. احتواء النمو الاقتصادي والتكنولوجي للصين:

لعل الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الصين ما يشير إلى أن صناع القرار في الولايات المتحدة باتوا على وعي تام بالتحدي الاستراتيجي الذي تشكله القوة الصينية بالنسبة للهيمنة الغربية على العالم، فهي لم تكن مجرد نزوة رئيس متقلب المزاج كما اعتقد البعض.

وبدأت في مواجهة التطور التكنولوجي الصيني، فما أثير حول تكنولجيا الجيل الخامس والخوف المشروع حول حدوث اختراقات لمناطق حساسة للأمن القومي الأمريكي، كالتجسس، وإحداث اضطراب محتمل للبنية التحتية الحيوية”، والشكوك الأمريكية حول ما يصفه الأمريكيون بحملة صينية للتجسس الإلكتروني، جعل الولايات المتحدة تقف بقوة أمام سيطرة الصين على تكنولوجيا الجيل الخامس، وإنها تسعى حسيسًا لاستغلال الفرص لجعلها المزود الأول لتكنولوجيا الجيل الخامس.

وقامت الولايات المتحدة الأمريكية في إطار سياسة احتواء النمو الاقتصادي والتكنولوجي، بفرض ضرائب على المنتجات الصينية، والحد من نقل التكنولوجيا إلى الصين، فمثلًا فقد هاجم ترامب الصين مرات عدة بسبب العجز التجاري الهائل للولايات المتحدة، وبدأ في فرض رسوم تجارية على الصادارات الصينية للولايات المتحدة لخفض هذا العجز.

وتعد قارة إفريقيا أبز الميادين التي ستشهد الصراع الأمريكي ـ الصيني، في إطار سياسة الاحتواء التي تنتهجها الولايات المتحدة للتحدي الصيني، فواقعيًا وبلا شك تمثل القارة ميدان تنافس وصراع بين الدولتين، وبالنسبة للولايات المتحدة يبدو تطلعها إلى القارة لمواجهة الصين أكبر لأسباب عدة، منها عرقلة النمو الصيني وتجارتها مع العالم، ومن ناحية أخرى تضم القارة أكبر تجمع للدول النامية في العالم ذات الأسواق المتعطشة للاستثمارات، والثروات الهائلة والتي تعد رافد يغذي الآلة الصناعية الصينية.

ومما يزيد من أهمية القارة في هذه المرحلة، حاجة الصين الملحة لتنويع مصادر واردات الطاقة، وهي التي احتلت في عام 2016م، صدارة قائمة مستوردي النفط عالمياً، لأول مرة في تاريخها ومازالت تحتل تلك الصدارة حتى عام 2020م، وذلك بعد تخلي الولايات المتحدة عن ذلك الموقع، ناهيك عن حاجة بكين لأسواق جديدة لمنتجاتها، تساهم من خلالها في تنويع شركائها التجاريين.

  1. تركيز الجهود الأمريكية والتفرغ لمواجهة الصين

يأتي الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، ضمن عدد من السياسات ستتخذها الولايات المتحدة الأمريكية للتفرغ لمواجهة التحدي الصيني، فقد أدركت أخيرًا أنه يجب استخدام ذات الفزاعة تجاه الآخرين والتي واجهتها خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وشتت الجهد الأمريكي لمواجهة الإرهاب، وأتاح الفرصة للنمو الصيني والروسي، وباتوا يشكلون تهديدًا لزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما قد يرى في انسحابها من أفغانستان ذات الموقع  الاستراتيجي والتي تجاور ألد أعدائها ومنافسيها الصين وروسيا الاتحادية، ويحملون تراثًا من العداء تجاه الحركات الإسلامية المتشددة

كذلك إلى جانب الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها فإنها تعمل على مراقبة التغول الصيني ومواجهته، وتخطط مثلًا لوجود عسكري كبير ودائم في الغرب الإفريقي وبما يكفل بتوفير برج مراقبة آمن وقريب من الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، ومركز للتدخل السريع في حال تغيرت الحسابات، ونقطة انطلاق لمواجهة التمدد الصيني في القارة، وقاعدة تأسيسية لنفوذ أمريكي حقيقي فيها.

ففي نهاية سبتمبر 2016م، نشرت مجلة “ذي إنترسبت” وثيقة سرية لقيادة القوات الأمريكية في إفريقيا – أفريكوم، تشير إلى عملها على إنشاء قاعدة للطائرات من دون طيار في النيجر، على أن يشمل نطاق عملها دول المنطقة، وبما يعد جزء من “توجه نحو تدخل أكبر، ووجود دائم في غرب إفريقيا، بما في ذلك أجزاء من المغرب (العربي) والساحل”، وذلك لتدارك الضعف في النفوذ الأمريكي بالمنطقة مقارنة بالنفوذ الفرنسي، ولاستباق التغلغل الصيني القادم من شرقي القارة.

ومن جانب آخر، فإن الخطوة الأمريكية “التاريخية”، برفع العقوبات عن السودان في أكتوبر2020م، قد تفسر جزئياً في إطار مساعي خلق جدار يحجز النفوذ الصيني في الجنوب الشرقي لقارة إفريقيا.

  1. إصدار حزمة من التشريعات تهدف إلى تزويد الدول ببديل عن الاستثمارات الموجهة من قبل المنافسين الاستراتيجيين للولايات المتحدة، مثل جمهورية الصين الشعبية. 

على الرغم من النقد الذي وجه للولايات المتحدة نتيجة تأثرها بشكل كبير بالحرب التجارية بين بكين وواشنطن، وذلك نتيجة ازدياد الترابط التجاري بين دول جنوب الصحراء والصين، إلا أنه في أكتوبر 2018م، اتخذت الولايات المتحدة أول خطوة لتصحيح مسار علاقتها بالقارة الإفريقية، حيث أصدر الكونجرس قانون الاستخدام الأفضل للاستثمارات المؤدية إلى التنمية (BUILD)، والذي يهدف إلى تزويد الدول ببديل عن الاستثمارات الموجهة من قبل دول منافسة لها مثل جمهورية الصين الشعبية. 

وعمل هذا القانون على دمج كيانين قائمين لتقديم التمويلات الأمريكية، هما (مؤسسة الاستثمار الخاص الخارجي) و(هيئة ائتمان التنمية)، حيث تم إنشاء وكالة جديدة تسمى مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC)، التي ستقدم عددًا أكبر من القروض والضمانات القانونية للقطاع الخاص الأمريكي لحثه على تعزيز استثماراته في البلدان النامية، كما يحظر على الشركات المدعومة من DFC الانخراط مع دول تدعم الإرهاب أو تنتهك حقوق الإنسان.

  1. اتباع نموذج القمم الرئاسية التي تعقدها الصين مع دول القارة.

أدركت الولايات المتحدة الأمركية بأن عسكرة علاقاتها بدول القارة أدى إلى انحسار دورها وإن القارة غنية بالفرص الاقتصادية وإن الفراغ الاقتصادي الذي تركته ملأته الصين، فقامت إدارة الرئيس بالاهتمام بعقد قمم أمريكية ــ إفريقية تُعنى بالشأن الاقتصادي في إفريقيا على غرار منتدى التعاون الصيني الإفريقي والمنتدى الهندي الإفريقي، والقوى الدولية والإقليمية الأخرى، التي سعت إلى عقد قمم سنوية تجمع فيها القادة الأفارقة لتنسيق السياسات ودعم الاستثمار والتبادل التجاري، وذلك في محاولة منها لمعالجة نتائج إهمالها للقارة خلال السنوات الماضية، ومعالجة نتائج التصريحات السلبية للرئيس الأمريكى السابق ترامب بشأن القارة والتي عززت التباعد الأمريكي- الإفريقي،لإشارته مرارًا وتكرارًا إلى الدول الإفريقية باسم "الدول القذرة". كما أن "ترامب" ترك الزيارات الرسمية للقارة الإفريقية لتتولاها زوجته وابنته، ولم يعمل على توطيد العلاقات السياسية مع الدول الإفريقية.

رابعًا: مآلات الصراع بين الصين وأمريكا في إفريقيا.

حَالِيًّا الترحاب الذي وجدته الصين سابقًا أصبح محل مراجعة خاصة في ضوء مؤشرات توضح تنامي الإحساس الإفريقي بعدم وجود اختلاف بين مرامي السياسة الصينية وسياسات الدول الغربية التقليدية والتي لا تزال تحتفظ بنفوذها داخل القارة، وبدء الولايات المتحدة الأمريكية مواجهة الصين داخل القارة، وإنه على الصين التكيف مع تلك المتغيرات.

فتبدو الصين مقبلة على خريف لعلاقاتها مع الدول الإفريقية، حيث باتت أمريكا أكثر عزمًا على مواجهة التحدي الذي تمثله الصين، وتراجع سياساتها التي أدت إلى نفاذها إلى داخل القارة.

وظهرت مؤشرات على انتهاج عدد من الدول الإفريقية سياسات حذرة تجاه الاستثمارات الصينية، لأنها بدأت تدرك إن اليد الصينية لم تكن سخية بالقدر الذي بدا لهم في بداية التعاون مع الصين، حيث وضح إن مرامي السياسات الصينية لا تختلف كثيرًا عن مرامي السياسات الغربية، حيث كبلت الكثير منها بقروض لم تعد تستطيع سدادها.

ومنذ عام 2000م، قدمت قروضًا تراكمية بقيمة 143 مليار دولار أمريكي في إفريقيا، مما جعلها أكبر دائن ثنائي لإفريقيا، وإن العوائد الاقتصادية كان أكثرها لصالح الصين وليس للدول الإفريقية، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية التي نتجت عن جائحة كوفيد 19، وما ألحقته من خسائر اقتصادية بالقارة؛ بسبب انخفاض أسعار النفط والسلع، مما أدَّى إلى زيادة تكاليف خدمة الديون الخارجية، إضافةً إلى انكماش النمو الاقتصادي، وهو ما يُمثّل ضغوطًا متضاعفة على ميزانية الدول الإفريقية.

ومن ناحية أخرى الاحتكاك الصينى بالمجتمعات الإفريقية خلال العقدين الماضين كانت له أيضًا نتائج سلبية، بعض منه نتج من مزاحمة العمال الصينيين للعمال الأفارقة مما يعطي نتائج عكسية سلبية اجتماعية وثقافية من خلال المواجهة مع مكونات المجتمع الإفريقي، ومزاحمة العمال الإفريقيين حتى في أبسط الأعمال، وهى مؤشرات قد تساهم في فاعلية السياسات الأمريكية التي عزمت على اتخاذها لمواجهة النفوذ الصيني داخل القارة.

ختامًا:

استطاعت الصين خلال العقدين الماضيين استغلال البعد الأمريكى عن قارة إفريقيا وقامت باتخاذ عدد من السياسات بطريقة ممنهجة مكنتها من فرض نفوذها الاقتصادي على إفريقيا، إلا أن هذه النجاحات تواجه حاليًا تحدي اليقظة الأمريكية للنهوض الصيني الذي على وشك ليس مزاحمة أمريكا على زعامة العالم بل تبوؤ مكانتها، فتعد قارة إفريقيا هي المرشح الأبرز لأن تكون ساحة المواجهة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فالجهد الذي يبذله الطرفان يتركز أساسًا على تأمين حاجتهما من الموارد الخام والطاقة والتي قد تقود فى السنوات المقبلة أو العقود التالية إلى مواجهة مباشرة بين القوتين الكبيرتين داخل القارة التى تنعم بمكامن طاقة لم تكتشف بعد، وثروات طبيعية تعد رافدًا لأى قوة اقتصادية تطمح بالحفاظ على معدلات نموها.

مقالات لنفس الكاتب