; logged out
الرئيسية / الاستثمارات تجعل الصين وسيطًا مقبولاً لحل خلافات المنطقة

العدد 165

الاستثمارات تجعل الصين وسيطًا مقبولاً لحل خلافات المنطقة

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

تعود العلاقات الصينية العربية إلى عهد طريق الحرير القديم وهي تتعزز اليوم مع طريق الحرير الجديد، ما يعرف حاليًا بمبادرة الطريق والحزام التي تشمل 68 دولة، وأصبحت الصين قوة اقتصادية عالمية، ثاني قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية وتنافسها على المركز الأول ويتوقع أن تتجاوزها مع عام 2028م، وهي الثانية بعد الولايات المتحدة في البحث العلمي، وإذا كانت الصين كقوة إقليمية مهيمنة في شرق آسيا فهي الآن أصبحت تسعى لدور قوة عالمية، امتدت علاقاتها من آسيا إلى إفريقيا وأمريكا الجنوبية وتغزو بمنتجاتها الأسواق العالمية حتى سوق الولايات المتحدة وهي  دولة دائنة وليست مدينة، ويطلق عليها "مصنع العالم" بسبب إنتاجها الصناعي ولوفرة القوة العاملة ورخصها مما يجعلها منافسة للبضائع الغربية ولذا تبقى المصالح الاقتصادية الهدف الأول لتحرك الصين وتبني استراتيجية تحقق هذا الهدف؟  

مبادرة الطريق والحزام والقوة البحرية والبرية والشرق الأوسط

كان الأسطول البريطاني عماد القوة البريطانية لحماية خطوط التجارة ولذلك قامت بريطانيا بالسيطرة على الممرات المائية والموانئ العالمية المهمة للمصالح البريطانية وكانت القوة العالمية المهيمنة في القرن التاسع عشر، وكان الأدميرال الأمريكي ألفرد ماهان  صاحب نظرية القوة البحرية أول من نبه لأهمية هذه القوة وتنافست الدول الكبرى من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان لبناء القوة البحرية، واليوم تتبنى الصين نظرية القوة البحرية لأنها تريد حماية خطوط تجارتها، فتتحرك من مضيق ملقة الذي يربط بحر جنوب الصين مع بحر بورما والطريق لخليج البنغال ويقصر المسافة بين الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، وقامت الصين بإنشاء قاعدة لها في جيبوتي بالقرن الإفريقي ولذلك تمر من ملقه لميناء جوادر بباكستان وميناء هامبانتونا في سيرلانكا وجزر المالديف وتقوم بتوسيع هذه الموانئ بالاتفاق مع حكومات هذه  الموانئ، وبذلك تؤمن خطوطها التجارية البحرية ضمن مبادرة الطريق البحري، وكان  اليمن وقع في منتصف نوفمبر  2013م، في العاصمة الصينية بكين على اتفاقية توسعة وتعميق محطة الحاويات بميناء عدن بين مؤسسة موانئ خليج عدن والشركة الصينية لهندسة الموانئ المحدودة، وذلك في إطار زيارة الرئيس هادي للصين. ولكن الصين انسحبت منها بسبب تفاقم الأزمة اليمنية وعدم استقرار اليمن، وتقول الدكتورة فرجينيا وولف الخبيرة في التجارة الدولية "لدى القيادة الصينية رؤية أكبر تهدف إلى تحويل الصين لقوة بحرية عالمية قادرة على تعزيز مصالحها في البحار والمحيطات، وخلال الفترة الممتدة من 2012 إلى 2019م، أنفقت الحكومة الصينية 153 مليار دولار لبناء مرافق لموانئ جديدة وتحديث البنية التحتية للموانئ القائمة، وأسهم ذلك في زيادة النشاط في الموانئ الصينية الرئيسة"

وبالاضافة للقوة البحرية الصينية تسعى الصين لتعزيز قوتها ونفوذها في أوراسيا، ونذكر أن أستاذ الجغرافيا البريطاني ماكندر طرح فكرة من يسيطر على أوراسيا يسيطر على العالم وخاصة بسيطرته قلب اليابسة واعتبر روسيا القيصرية ثم الاتحاد السوفيتي فيما بعد القوة البرية المنافسة للقوة البحرية البريطانية التي كانت سيدة البحار مع مد خط سكة حديد سيبيريا آنذاك، والصين من خلال مبادرة الحزام اليوم تخترق أوراسيا بالسكك الحديدية وتربط الصين بجيرانها بخط اكسبرس الشرق الجديد وتم توقيع اتفاقيات للعمل بالخط السريع فعملت على مد خط سكة حديد يمتد إلى التبت ونيبال ودول جنوب شرق آسيا كلاوس وسنغافورة وكمبوديا وفيتنام وتايلاند وميانيمار وبناء خط سكة حديد يمتد من سينكيانغ في غرب الصين إلى إيران ويصل غرب أوروبا، وعلى أمل أن يصل إلى العراق مستقبلا والخليج العربي،  خاصة لأهمية الخليح العربي للصين من حيث الطاقة وحجم الاستثمارات والتبادل التجاري، وتوجت الصين أهدافها بتوقيع "اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشامل" مع إيران لمدة 25 عامًا تنفق الصين خلالها 400 مليار دولارًا وهي اتفاقية لها أهدافها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية مستفيدة من الصراع بين الولايات المتحدة وإيران والحصار الاقتصادي على الأخيرة.

وتريد الصين في ظل الانسحاب الأمريكي من أفغانسان والعراق تأمين مصالحها والاستقرار السياسي في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، واستقبلت الحكومة الصينية وفد حركة طالبان في 29 يوليو الماضي برئاسة عبدالغني برادار رئيس المكتب السياسي للحركة واجتمع بوزير الخارجية الصيني وانتغ بي بوفد الحركة، وترى طالبان في الزيارة مصدراُ للشرعية الدولية في الوقت أن ما تريده الصين، هو احتواء طالبان التي أصبحت قوة رئيسة في أفغانستان وعلاقة قوية مع حليف الصين باكستان وهو محور سابق في مواجهة الهند.

انتزعت الحكومة الصينية من الحركة تعهداً علنياً، بأنها لن تسمح للمقاتلين الأجانب والجماعات المناوئة للصين من العمل في أفغانستان وهي تقصد المسلمين الأيجور الذين يتعرضون لاضطهاد الحكومة الصينية، فالمهم للصين استقرارها وأمن حدودها وهي سياسة برجماتية لأهدافها الاقتصادية بعيداً عن الاختلاف الأيديولوجي مع طالبان وإيران، وحسب مراسلة مجلة التايمز البريطانية "فإن رحيل القوات الأمريكية من أفغانستان يجعل البلاد فريسة سهلة للاستراتيجية الدولية للصين، والتي تتضمن جلب الحكومات الأجنبية المحتاجة إلى مجال نفوذها وكسب دعمها في المحافل الدولية "، وهناك كثير من الدول أنهكتها الحروب الأهلية والإقليمية وبحاجة للاستثمارات الصينية".

ويؤكد الخبير الأمريكي في الشؤون الصينية روش دوشي في كتابه الذي صدر مؤخراً، أن الصين تريد استبدال النظام الدولي الذي هندسته واشنطن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مستغلة انسحابها من الشرق الأوسط وأزمتها الداخلية التي سببها ترامب واليمين العنصري وانقسام المجتمع الأمريكي وأثر جائحة كوفيد-19، إضافة إلى انسحاب حليفتها بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وترى الصين أن نظاماً دولياً متعدد الأقطاب الدولية يخدم مصلحتها، وتأتي مبادرة الطريق والحزام لتحقيق نفوذها في أوراسيا والعالم وكقوة بحرية وبرية . وتعدد الأقطاب الدولية يفيد أيضًا النظام الإقليمي العربي في المناورة السياسية بين هذه الأقطاب بما يحقق مصالح الدول العربية وتعدد العلاقات يخدم الأهداف القومية  بدلاً من وضع الأوراق السياسية في سلة دولة واحدة.

العالم العربي: الصين الاقتصاد وواشنطن  تغيير المجتمعات

تعود العلاقات السياسية العربية مع الصين إلى مؤتمر باندونغ أبريل 1955م، عندما عقد مؤتمر الدول الأفروآسيوية وحضرته 29 دولة إفريقية وآسيوية لانتهاج سياسي الحياد بين الصراع السوفيتي- الأمريكي في ظل الحرب الباردة بينهما، والتقى الرئيس عبد الناصر مع رئيس وزراء الصين شو إن لاي، الذي توسط فيما بعد مع الاتحاد السوفيتي في صفقة الأسلحة التشيكية لمصر، ورغم عدم اعتراف الولايات المتحدة بالصين الشعبية آنذاك، فقد اعترفت مصر بجمهورية الصين مايو 1956م، ثم تبعتها في نفس العام كل من سوريا والعراق واليمن ثم أخذت تتبعها الدول العربية عبر السنوات لإقامة علاقة دبلوماسية مع الصين. أدانت الصين العدوان الثلاثي على مصر 1956م، وعندما أعلنت الحكومة الجزائرية المؤقتة في القاهرة 19 سبتمبر 1958م، اعترفت بها الصين بعد ثلاثة أيام، كما أن الصين أول دولة خارج الدول العربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية وزيارة رئيس المنظمة لبكين عام 1966م، وفتح مكتب للمنظمة في العاصمة الصينية وتزويدها بالسلاح، وأيدت الصين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 لعام 1975م، الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية. كانت الصين في عهد ماوتسي تنغ مؤيدة لحركات التحرر الوطني في إفريقيا وآسيا وضد سياسة الدول الاستعمارية، ولكن بعد وفاة ماو في سبتمبر 1976م، حدث تحول في الصين كما حدث أيضًا تحول في الدول العربية، فقد تبنت القيادة الجديدة عام 1978م "الإصلاح الداخلي والانفتاح على العالم الخارجي "وركزت على الجانب الاقتصادي، وبالنسبة للدول العربية كانت اتفاقية كامب ديفيد 1978م، بين مصر وإسرائيل والانقسام في النظام الإقليمي العربي، كما حدث تحول في العلاقات الصينية الأمريكية وزيارة الرئيس  نيكسون للصين في فبراير 1972م، بعد زيارات سرية قام بها وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر للصين، وكان الهدف إنهاء حرب فيتنام واحتواء الصين بإلتزامها  بميثاق الأمم المتحدة حيث حلت عضواً دائم العضوية في مجلس الأمن بدلاً من تايوان (الصين الوطنية)، وأصبحت القيادة الصينية تنظر للمصالح الاقتصادية وتبتعد عن أدلجة سياستها الخارجية مما أثر على سياستها الخارجية في دعم حركات التحرر الوطني.

لم تقيم الصين علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل إلا عام 1991م، بعد أزمة احتلال العراق للكويت وتوجه الدول العربية لمؤتمر مدريد أكتوبر 1991م، وأثرت الخلافات بين الدول العربية على سياسة الصين تجاه المنطقة وتبنت سياسة العلاقات الثنائية أي لكل دولة عربية حسب مصالح الصين مع كل دولة، والصين لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وتدعم الاستقرار السياسي وسياسة الأمر الواقع،  فعندما نشبت أحداث الربيع العربي وقفت الصين على الحياد، فقد كان لها 30 ألف من رعاياها في ليبيا تعمل بالشركات الصينية وتهتم الصين بالعلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمار، فإن الولايات المتحدة تتدخل في الشؤون الداخلية للدول وتسعى لتغيير المجتمعات وحتى المناهج الدراسة وتتخذ من حقوق الإنسان وشعارات الديمقراطية لتغيير الأنظمة كما كان دورها في الربيع العربي الذي تستغل الانتفاضات الشعبية وتوجيهها لأهدافها، على عكس الصين التي تتجاهل شعارات واشنطن وتريد مصالها الاقتصادية مما جعل سياسة بكين مريحة لكثير من الأنظمة العربية في المنطقة.

برجماتية الصين والعالم العربي:  صديق  للجميع رغم التنافس

اهتمت الصين بعلاقاتها في الشرق الأوسط وبأربعة دول لمصالحها مصر، والسعودية، وإسرائيل، وإيران مع إقامة علاقات مع الدول الأخرى، ورغم أن إيران تهدد دول الخليج العربي إلا أن الصين وقعت اتفاقية معها لمدة 25 عاماً لمصالها لاستيراد البترول والغاز الطبيعي والاستثمارات في إيران، فهي تستثمر سنوياً في إيران 1.8 مليار دولار ، واستثماراتها في السعودية أكثر من إيران وتعتبر السعودية المصدر الأول للبترول إلى الصين وهناك تعاون اقتصادي واستثمارات صينية في السعودية، وخلال زيارة الملك سلمان إلى الصين في مارس 2017 ، جرى توقيع 21 مذكرة تفاهم تتجاوز قيمتها 65 مليار دولار  في مجالات الطاقة والفضاء، واتفقت الشركة السعودية للصناعات (سابك) التي تدير مجمعاً للكيماويات مع سينوبك الصينية في تيانجين على تطوير مشاريع بتروكيماوية في الصين والسعودية .

ولأهمية الدول العربية للصين، أصدرت الحكومة الصينية عام 2016م، بمناسبة الذكرى الستين للعلاقات العربية ــ الصينية وجولة الرئيس الصيني لمصر والسعودية وإيران وثيقة سياسية اتجاه الدول العربية "جاء فيها "يعتبر العالم العربي شريكاً هاماً للصين التي تسلك بخطوات ثابتة طريق التنمية السلمية في مساعيها لتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية وإقامة علاقات دولية من نوع جديد تتمحور على التعاون والكسب المشترك "؟

إن الاقتصاد ما زال يلعب دوراً مهمًا في العلاقات العربية ــ الصينية، فعلى سبيل المثال كان حجم التبادل التجاري بين مصر والصين 12.2 مليون دولار عام 1954م، ولم يتجاوز 452 مليون دولار عام 1995م، ولكن وصل عام 2013م، إلى أكثر من عشرة مليارات دولار وفي عام 2020م، وصل إلى 14 مليار دولار و560 مليون دولار أي تضاعف الف مرة خلال خمسة وستين عاماً .

أما بالنسبة لحجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي فقد بلغ عام 2019م، حوالي 180 مليار دولار وبين السعودية والصين لوحدها مايو 2020م، بلغ 78 مليار دولار ، وحسب بيانات وزارة التجارة الصينية وصل  حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية عام 2019م، إلى 266.4 مليار دولار  بزيادة سنوية 9% ، وبلغ حجم الواردات الصينية من الدول العربية 146 مليار دولار، بينما حجم صادرات الصين إلى الدول العربية 120.4 مليار دولار، ومن حيث الاستثمارات الصينية المباشرة في الدول العربية بأكملها فقد بلغت مليار و420 مليون دولار عام 2019م، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 18.8% بينما بلغت قيمة عقود المشروعات المتعاقد عليها والتي وقعتها الشركات الصينية في عام 2019م، مع الدول العربية 32.5 مليار دولار؟ وبذلك يظهر طابع العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية أكثر من الجانب العسكري والاستراتيجي على العكس في علاقاتها مع إيران أو مع إسرائيل.

اعترفت إسرائيل بالصين الشعبية عند إعلانها 1949م، رغم أن نظام تشانغ كاي تشيك رئيس الصين الوطنية ( تايون)  اعترف بإسرائيل عند إعلانها، إلا أن ماوتسي تونغ كان ينظر لإسرائيل بحذر ويعتبرها وليدة القوى الاستعمارية الغربية، وأقلق بكين دورها في الحرب الكورية وتقديم السلاح للهند في حرب الحدود مع الصين 1962م، ولذك كانت الصين مؤيدة للقضية الفلسطينية والكفاح المسلح، ولكن حدث تحول مع سياسة الإصلاح بعد ماوتسي تونغ ، وبسبب حاجة الصين للتكنولوجيا الحديثة، أقامت إسرائيل لها مكتباً تجارياً في الصين وكانت تسرب إسرائيل للصين تكنولوجيا متقدمة أمريكية كانت واشنطن تمنعها عن الصين حتى أن الكونغرس الأمريكي أثار عدة مرات قضية التسريب الإسرائيلي للتكنولوجيا التي تحصل عليها إلى الصين، وكان هدف إسرائيل دفع الصين، وقف بيع الأسلحة وخاصة الصواريخ للدول العربية وإيران، وكانت إسرائيل خلف إثارة واشنطن لصفقة شراء صواريخ ريح الشرق التي اشترتها السعودية من الصين عام 1988م، ثم تطورت العلاقات التجارية بين البلدين وبلغ حجم التجارة بين الصين وإسرائيل نحو  12 مليار دولار  عام 2018م، مع أفضلية لجانب الصين 6.9 مليار دولار صادرات صينية لإسرائيل مقابل 4.8 مليار دولار صادرات إسرائيلية للصين، ولكن ما أقلق واشنطن فوز شركة شنغهاي الدولية للموانئ، مارس 2015م، بمناقصة دولية لإنشاء ميناء حيفا الجديد وتشغيله ومتوقع انتهاء العمل منه العام الحالي، لأن ميناء حيفاء يعتبر أحياناً مرسى للأسطول الأمريكي السادس واعتبرت واشنطن وجود الصين في الميناء خطراً لجمع المعلومات والتجسس عن نشاط البحرية الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط، وعندما طلبت واشنطن من إسرائيل إجراء فحص أمني شامل لميناء حيفا رفضت إسرائيل الطلب الأمريكي  خوفاً من أن تكون هناك برامج سرية معينة مع الصين لا تريد الكشف عنها، وسياسة إسرائيل، لعب ورقة الدول الكبرى لخدمة مصالحها، انتقلت الحركة الصهيونية من دعم بريطانيا إلى الولايات المتحدة وتقيم اليوم علاقات  مع الصين لأنها قوة عظمى ناشئة وتسرب لها المعلومات لكسب ودها، وقد تستخدمها للضغط على إيران مستقبلا  واحتواء دعم الصين للقضية الفلسطينية.

وتؤيد الصين الحقوق الفلسطينية وتدعم القرارات الدولية المتعلقة بفلسطين ولها مكتب سياسي لدى السلطة الفلسطينية وطرحت عدة مبادرات لحل الصراع من بنودها ـ إنهاء الأعمال العسكرية وخاصة الإسرائيلية وتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وإنهاء الحصار عن غزة والدعم الدولي لحل الدولتين، ورغم هذه المبادرة ترفضها إسرائيل، وبذلك تتعامل الصين بما يحقق مصالحها مع جميع الأطراف رغم الخلافات والصراعات بين دول الإقليم .

جائحة كوفيد -19 والتعاون الصيني العربي

جاءت جائحة  عام 2020  "كوفيد-19" لتضيف بعداً جديداً للتعاون العربي الصيني في مجال مقاومة الأوبئة، وفي الوقت الذي شنت الدول الغربية وخاصة إدارة ترامب هجوماً على الصين واتهامها بأنها وراء انتشار الوباء وطالبت بالتحقيق في أسباب الجائحة، كان هناك تفاهماً وتعاوناً عربياً مع الصين وتقديم الدعم لها ، فقد اتصل الملك سلمان بالرئيس الصيني شي  جين بينغ معبرًا عن دعم الإجراءات الصينية المتعلقة بمكافحة الجائحة واستعداد المملكة لتقديم المساعدة للصين كما أرسلت الصين الخبراء، وزارت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد الصين لتقديم الدعم لها، وتبرعت دول الجامعة العربية بنحو عشرة ملايين كممامة وحوالي 3.2 مليون زوج من القفازات ومائة الف ملبس واق و65 الف نظارة واقية، وعندما تفشت الجائحة في الدول العربية أرسلت الصين الخبراء إلى الدول العربية، العراق والسعودية والكويت والجزائر والسودان وغيرها، وقدمت مختبرات لبعضها لفحص الفيروس وقدمت اللقاح الصيني للوقاية من انتشار الجائحة.

واتصل الرئيس الصيني بأكثر من عشرة قادة الدول العربية واتصل رئيس الوزراء الصيني تشاينغ برئيسي وزراء الجزائر والسودان، وعقدت الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي عبر الانترنت في يوليو 2020م، وصدر عن الاجتماع بياناً يشيد بالتعاون الصيني العربي في مكافحة كوفيد-19.

وفي ظل الهجمة الإعلامية الغربية على الصين بشأن كوفيد-19 وحقوق الإنسان وانتهاك الحقوق للايجور في سينكيانع وجدت الصين في موقف الدول العربية مسانداً لها، لذا في الأول من ديسمبر 2020م، أرسل الرئيس الصيني رسالة تهنئة للاحتفال باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني معبراً عن دعمه للحقوق الفلسطينية وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، وقدم المواد الطبية وإرسال فريق من الخبراء الصينيين  للاراضي الفلسطينية للإسهام في مكافحة الوباء وتقديم التبرعات لوكالة غوث للاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ونلاحظ أن التعاون أخذ بعداً سياسيًا بسبب توتر العلاقات الصينية الأمريكية.

مستقبل  العلاقات الاقتصادية  واستقرار المنطقة العربية

كان التعاون الاقتصادي بين الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية وإنشاء السوق الأوروبية المشتركة سبيلاً للتعاون والاستقرار في أوروبا ونهاية الحروب بينها، والدول العربية تعاني من مشكلات اقتصادية والبطالة والفقر ودول عربية لديها خطط اقتصادية ومشاريع كبرى لتنمية بلادها، وحيث أن الصين قوة اقتصادية عالمية فإنها تبحث عن الأسواق والاستثمارات، وفي ظل تراجع الولايات المتحدة وانسحابها من آسيا الوسطى والعراق والخلاف مع الصين يفسح المجال للتعاون العربي الصيني في زيارة الاستثمار في البنية التحتية العربية وتوفير فرص العمل في البلاد العربية من مغربها لمشرقها، والصين أكثر قبولاً في المنطقة لأنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية العربية كما إنه ليس لها تاريخ استعماري في المنطقة فتبقى مقبولة شعبياً ورسميًا، فهي تشارك في مشاريع كبرى في الدول العربية حالياً؟

وبسبب علاقاتها مع إيران والخليج العربي والاستثمارات والتبادل التجاري فقد تكون وسيطًا مقبولاً بين دول المنطقة لحل الخلافات لتحقيق الاستقرار الإقليمي، وحيث أن واشنطن تعلن أنها توجهت لشرق آسيا والهادئ فالصين مصالحها تتجة غربًا لآسيا الوسطى والشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج وكل دول الإقليم في حالة اعتماد متبادل لمصالح اقتصادية وهذه تعتبر مدخلاً لتحقيق الأمن والتعاون، وحيث أن الولايات المتحدة فقدت ثقة الأنظمة والشعوب لإزدواجية المعايير وتدخلها في شؤون الدول الداخلية تبقى الصين دولة البديل الجديد في ظل نظام دولي متعدد الأقطاب الدولية مما يوفر فرصة للدول العربية للمناورة السياسية.

 

مقالات لنفس الكاتب