array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 165

من الضروري عدم الانقياد لخطأ الانحياز بل استمرار علاقة دول الخليج بأمريكا والصين معًا

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

"الصين دولةٌ كبيرةٌ للغاية، ويسكنها كثير من الصينيين"، تعود هذه الكلمات إلى الجنرال والرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول، وحين يدلي  ديغول بتصريح غير مفيد مثل هذا  ينبري المنافقون باستخلاص الحكمة منه قسرا، لكن الحقيقة أن ذلك يكشف عن ضحالة في التفكير حين يكون السياسي أحد أقدار الشعوب المريرة؛ وفي الخليج العربي هناك إدراك بقيمة الصين في الألفية الثالثة، لكن لا نعلم إن كان في  جزء منه  جراء انقياد للسرديات الغربية التي تهول من الصين لأنها تحدي لهم، أم إنه إدراك خليجي واع بقيمة الصين لنا في الخليج، و أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به الصين في دعم الأمن والاستقرار بمنطقة الخليج العربي.

الشراكة الاستراتيجية بديل للتحالفات

لا يترك الصينيون شيئًا للصدفة فهم يعملون لبسط نفوذهم في كل صوب متسلحين بالدبلوماسية، لتحقيق أهدافهم الاقتصادية. وفي سياق مبادرة الحزام والطريق ارتقت العلاقات الصينية مع دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية خلال الأعوام القليلة الماضية. تماشياً مع تحول العلاقات الدولية إلى استخدام اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية، كبديل عن التحالفات. ويبدو أن لهذا التحرك نصيب من النجاح رغم سعي الصين إلى الجمع بين التناقضات، كزيارة الرئيس الصيني شي جين بينج للرياض وطهران وتأييد نظام الأسد، و اضطهاد الإيغور . رقي العلاقات الخليجية / الصينية ساهم على نحو كبير في ترجيح سيناريو اضطلاع الصين بعبء الحماية الخليجية لاسيما وأنها رغبة خليجية أيضًا. رقي العلاقات مع صعودِ الصين كقوة اقتصادية كبرى، وسع مجالات التعاون مع دول الخليج في الاستثماراتِ المشتركة والمباشرة والتعاون في مجالِ العلومِ والتقنيةِ والفضاء، ولعل العنوان الأبرز،" مشروعِ طريق الحرير الجديد" أو "مبادرة الحزام والطريق" أو "حزام واحد - طريق واحد"،  والتي تم تصميمها  حول خمس أولويات للتعاون: تنسيق السياسات، وتطوير البنية التحتية، والتجارة، والتكامل المالي، والعلاقات بين الشعوب. وربط الخليج بها هو من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف؛ وهي تلبية احتياجات الصين المتزايدة من إمدادات الطاقة، والاستفادة من عوائد التعاون الاقتصادي مع دول المجلس في مجالات البنية التحتية، والتصنيع، ونقل التكنولوجيا الإنتاجية، والطاقة، والطاقة النووية، والزراعة، والتكنولوجيا الدقيقة، بجانب فرص التعاون المالي والاستثماري بين الجانبين، وهو ما يؤكد استمرار أولوية الاقتصاد في السياسة الخارجية الصينية تجاه الخليج . ومبادرة الحزام والطريق "حزام واحد - طريق واحد"، كما يسوق لها الصينيون  ليست مجرد مشروع اقتصادي وتنموي تتبناه الصين، وتدعو دول العالم إلى المشاركة فيه، لكنها مبادرة تمثل رؤية استراتيجية لدور بكين في النظام العالمي.  لكن هناك تحديات اقتصادية لن نغرق فيها وسنركز على الجانب الأمني .فقد رحّب  الخليجيون بالمبادرة  وتطورت علاقات الصين مع دول المجلس لتشمل الدعم المتبادل في المحافل الدولية، وقامت الصين بإرسال ملحقين عسكريين إلى بعض دول المجلس، يتكلمون العربية بطلاقة، والملحق كما هو معروف قفزة في العلاقات العسكرية فهو مستشار وخبير في قضايا الدفاع. يقدم  استشارته ومعونته في تسيير وحل الأزمات. ويحرص على تطوير وتنشيط العلاقات العسكرية الثنائية والتي تتمركز حول ثلاثة محاور رئيسية هي  الحوار الاستراتيجي الذي وقع بين الصين والعديد من دول مجلس التعاون، والتعاون العسكري المباشر وهو أقلها، ثم التعاون في مجال التسلح، حيث هناك الكثير من السلاح الصيني في يد جنود مجلس التعاون. كل ذلك في ظل تحديات أمنية لا يمكن تجاهلهاـ حيث ظهر وكأن دول الخليج  أمام خيارين إما فض الشراكة مع الصين لأن أمريكا باقية. أو فك ارتباطها مع أمريكا لرحيلها  المعلن. لكن غير المعلن هو الضغط الأمريكي الذي ظهر على أشكال عدة .

الضغط على الخليج  للاختيار بين واشنطن أو بكين.

وفق قاعدة "إما أن تكون معنا أو ضدنا"، وضع الخليجيون أمام رهان الاختيار بين إحدى القوتين العظميين واشنطن، أو بكين. فتم خلق  قلق لا يقتصر على الخليج فحسب، وإنما يمتد إلى علاقات القوى العظمى الولايات المتحدة والصين نفسها.  وإن كان هناك من يشكك في وجود مثل هذا القلق، فالصين تحصل على 40٪ من نفطها من دول الخليج، وتعتمد بشكل متزايد على استيراد الغاز الطبيعي من قطر. وتحتفظ الولايات المتحدة بما بين 60 ألفاً إلى 80 ألف جندي يتمركزون في منطقة الخليج .والتوازن قائم .

ووفق تحليلات عدة فإن الولايات المتحدة لم تلب طلبات حلفائها الخليجيين، الأمر الذي دفع الصين إلى استغلال ذلك، عبر محاولة جذب هذه الدول إلى صفها، فتحركت واشنطن لوقف الميل الخليجي، مع استمرار المعضلة وهي أن واشنطن تريد ابتعاد هذه الدول عن الصين، بينما هي تتخلى تدريجياً عن الدور الذي رسخته لنفسها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كضامن لأمن المنطقة، وفي الوقت نفسه  أصبحت أمريكا منافساً لنفط الخليج.

  "سباعي خليجي" مثل "الرباعي الآسيوي"

 جراء التنافس الاستراتيجي الشامل المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، قامت واشنطن بتشكيل تكتل دفاعي مع أستراليا واليابان والهند ويُعرَف بـ"الرباعي"- من أجل التصدي للنفوذ الصيني في منطقة  المحيط الهندي والهادي. ولأن السماح بوجود سياسي أو أمني للصين في منطقة الخليج، سيضر بالتوازن الحالي القائم لصالح واشنطن مما يجعل المهمة أمام  أمريكا أصعب، بدليل أن  مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر في 15 يونيو 2020م، صرح " يتعين على دول الخليج النظر في علاقاتها مع الولايات المتحدة عند التعامل مع الصين". مما يعني  أن واشنطن قد تقوم باتخاذ نفس الإجراء في منطقة الخليج العربي وعلى  دول الخليج تشكيل "سباعي خليجي"  مثل "الرباعي الآسيوي". فما أكثر الهياكل العسكرية  في الخليج  ولعل آخرها وأكبرها التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، الذي يضم عشرات الدول الإسلامية، من بينها دولة نووية، هي باكستان، وعضو في الناتو، تركيا.  

و تأمل واشنطن أن  تجعل دول الخليج تختار الانحياز لها ؛لكن كيف !! فهناك في الجو ثقة خليجية مهتزة في واشنطن، وزادت بعد خيبة الأمل الخليجية من الأمريكان  في قضية أمن الخليج في أعقاب هجمات سبتمبر2019 على" بقيق"  والتي عززت الشكوك حول مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية. ولا ننسى تخبطاتهم  ففي عهدِ  الرئيس  جورج بوش "الابن" الإسلاموفوبيا بعد 11  سبتمبر  2001م، والفوضى الخلاقة  وفي عهد باراك أوباما  الربيعِ العربيِ ثم وعود  إدارة ترامب تجاه إيران التي لم تنجز ، وموضوع إعادة تقييم اهتمامات ومصالح الأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط، والنزوح للشرق.  

  يحتاج الخليجيون إلى مشترين موثوقين لنفطهم، وإلى شركاء تجاريين. والصين ملائمة لكلا الأمرين، باعتبار آن أكبر مستورد للنفط الخام هي الصين حيث  تشتري بكين ما بين 44 إلى 56% من إمداداتها السنوية من الشرق الأوسط. وتشير التقديرات إلى أن الصين ستستمر بحاجة قوية للنفط، ما يجعل منها زبوناً مربحاً جداً لدول الخليج بدرجة لا يسع معها تلك البلدان أن تخسره. كما أن بكين استثمرت ما يقرب من 62.55 مليار دولار في السعودية والإمارات في الفترة من عام 2008 إلى عام 2019م، كما وصل إجمالي المبلغ الذي استثمرته الصين في جميع دول مجلس التعاون الخليجي عن نفس الفترة، إلى 83 مليار دولار.

  التواجد الأمني الصيني في الخليج -القصور الصيني

 يتمثل أهم مظهر للقصور الأمني الصيني في أن الكل له مبادرة أمنية في الخليج إلا الصين. فمن خلال التحايل على أي مشاركة مباشرة في الصراعات الإقليمية، ترمي الصين إلى مزيدٍ من توسيع نطاق أنشطتها الاقتصادية. وخلال الأحداث الأخيرة في مضيق هرمز واعتراض الناقلات الصهيونية والبريطانية في بحر العرب وخليج عمان، والتي أفضت إلى تكثيف التوترات،  توقع البعض أن  تضطر الصين إلى الاضطلاع بدور أمني أوسع نطاقاً للحفاظ على حرية الملاحة وهو أمر لا غنى عنه لأمن الطاقة وتدفق إمدادات النفط عبر الخليج. لكن  الصين أحجمت عن العمل بوصفها ضامناً أمنياً في الخليج ومن غير المرجح أن تعلن بكين عن أي مبادرات سلام لصالح أمن الخليج العربي، وأن تستمر في دعواتها العامة لإقرار السلام في المنطقة، وهو ما يندرج تحت الحفاظ على سياستها الحالية بعدم التدخل.

 وما يجري حاليًا هو خطوات صينية إيجابية لكن بعيدة عن الخليج، فقد توسع الوجود العسكري الصيني في الخارج؛ لتحقيق الاستقرار ، وعملت على تحييد التهديدات الأمنية ضدها. فمن باب  «حراسة حدود المصلحة» تشكل وعي بضرورة حماية حدود المصالح الصينية أينما كانت، أدى إلى دفع وتشكيل البصمة العسكرية للصين في جوار الخليج وليس داخله. وإن كان لها جذور  منذ أواخر الثمانينات، فقد دخلت قضية إرسال القوات المسلحة إلى الخارج والدفاع عن المصالح جراء ثلاثة تغييرات:

-التحول من مفهوم الأمان الجديد لجيانغ زيمين إلى الأمن القومي الشامل لشي جين بينج، مما أبرز توسع الأنشطة العسكرية الصينية في الخارج.

- تغيرت القضايا الأمنية غير التقليدية في الخارج من اعتبارها فرصاً دبلوماسية كإجلاء  36 ألف مواطن صيني من ليبيا، باعتبارها تهديدات لشرعية النظام والأمن القومي الصيني.

- بدأ يُنظر إلى الأزمات الأمنية في الخارج على أنها تهديدات، وصار للقوات المسلحة الاستعداد للعب دور أكبر في السياسة الخارجية.

-البصمة العسكرية الصينية في الخليج

  1- بنت الصين أول قاعدة لها في الخارج في جيبوتي والقاعدة على أحد أهم الممرات البحرية في العالم إبان فورة القرصنة على يد الصوماليين، والقاعدة الصينية على بعد عشرة كيلو مترات فقط من مقر القيادة الإفريقية في الجيش الأمريكي. وبعد اتفاقية الربع قرن مع إيران تخطط الصين لبناء مقر شبيه للقاعدة الإفريقية على الساحل الإيراني المطل على الخليج، بحيث يصبح لها موطئ قدم في المكان الذي تعتبره البحرية الأمريكية بحيرة خاصة لها. وقد اعتمد الوجود العسكري الصيني قرب الخليج في البداية على إنشاء مراكز دعم لوجستية. وبعد انتزاعها  الريادة الاقتصادية، تسعى بكين لإثبات وجودها العسكري  على أبرز الممرات الملاحية ومنها مضيق هرمز وباب المندب لحماية مصالحها التجارية. لكن يبقى الخليج ليس أولوية صينية، ومعارك  بكين وواشنطن ستخاض في العالم السيبراني أو في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وليس الخليج، ورغم ذلك ، رافقت القوات البحرية لجيش التحرير الشعبي الصيني، العاملة قبالة سواحل عدن، 51% من السفن التجارية الأجنبية منذ عام 2008م.

 2ــ صفقة "الربع قرن "سلاح أم تحالف «على الورق» مع الصين

- دفعت عقوبات  ترامب  القصوى  إيران نحو الصين، حيث دفعت طهران إلى أن تعلن تخليها عن شعار "لا شرقاً ولا غرباً "وتعلن أنها تحتاج إلى بكين للخروج من العزلة الدولية وإنعاش اقتصادها من خلال العضو الدائم لمجلس الأمن. ومثل إسرائيل وأمريكا  سيحول الاتفاق   إيران   إلى مجرد جزيرة صينية متقدمة في الشرق الأوسط  كما أنها ستتحول إلى أداة في المشروع الصيني العملاق ،و اتفاقية الصين الاستراتيجية مع إيران ،هي "الشراكة الأكبر" في مطلع القرن الجديد،  وسيكون لها انعكاساتها على المنطقة. ورغم ما قيل عن أن إيران تتهرب من العقوبات بتحالف «على الورق» مع الصين. إلا أن الحقيقة هي أن صفقة الربع قرن هي ما عجل باندفاع الإمارات والبحرين إلى التعاون مع تل أبيب في ظل الانسحاب الأميركي شبه المؤكد. فالاتفاقية التي وقعت  27 مارس2021  تنطوي، على مكونات  استراتيجية  ومصمَّمةُ لضمان تعزيز شامل لكل جانب من جوانب العلاقات بين الصين وإيران على المدى الطويل". وفي البعد الاستراتيجي عمدت الاتفاقية إلى محاولة ترسيخ مواقف التعاون والقرب بين البلدين في هيئة آليات دائمة، مع تعزيز التبادلات والمشاورات والتعاون الوثيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك والاتفاق على مستوى العمل المؤسسي الإقليمي. ويمكن اعتبار تعزيز البنية التحتية الدفاعية وإجراء مناورات عسكرية منتظمة، ضمن عروض القوة والتوافق بين البلدين، فقد انطلقت  مناورات عسكرية صينية روسية إيرانية في خليج عمان للحفاظ على الأمن البحري . رغم تقليل الصين من قيمة المناورة، موحية أن مساهمتها فيه تقتصر على قوات غير قتالية. وقد تمثلت مشاركتها في تدخل أسطولها الخاص بمكافحة القرصنة، وهي قوة موجودة فعلاً في المياه الصومالية لحماية السفن التجارية وأيضًا العاملين المكلفين بحفظ السلام والمساعدات الإنسانية. وبالفعل، لم ترسل الصين وحدات من جيش التحرير الشعبي.

 لقد قيل هناك تشكك من قبل بعض الإيرانيين في دوافع الصين عند تسريب مسودة للاتفاق، فاتفاقات الحزام والطريق تهدف إلى خدمة مصالح الصين بالأساس. وتبين لاحقاً أن بعض الاتفاقات التي بدت جذابة هي في الحقيقة مجحفة وقاسية بالنسبة للدول الأصغر . ومن جانب آخر قيل إن التسريب تم من قبل طهران نفسها ، فطهران نزعت  عن "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية" مع  الصين، صفة المعاهدة للتهرّب من نشر تفاصيلها، وما احتوته من مضامين باعتبار أن السرية فيها مخالفة للدستور الإيراني والقوانين الدولية. وهناك تكتم على جوانب عدة فيها، و سبب التكتم يعود إلى أن السماح  للتنين الصيني بالنفاذ إلى قواعد عسكرية في منطقة الخليج العربي، ستفتح أبواب المواجهة مع الكبار على مصاريعها. ويعطي الجانب العسكري الصين القدرة على بناء قواعد عسكرية مشتركة في الخليج وبحر عمان والمحيط الهندي واستفادة السفن العسكرية من الموانئ الإيرانية، والأهم من ذلك السماح للصين بإنشاء معامل إنتاج أسلحة صينية على الأراضي الإيرانية وهو ما يعفيها من مشاكل قد تواجهها نتيجة العقوبات الأميركية.

   الجسر الصيني بين ضفتي الخليج

  لا تريد الصين أن تكون في موقع تضطر فيه إلى أن تختار بين إيران من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى، وهو ما تحاول الصين تحاشيه عن طريق سياسة الحياد ودبلوماسية التوافق. فهي ترى أنها قد تقوم بدور الجسر بين ضفتي الخليج ،حيث تستطيع الصين تحقيق اختراق مهم لو تمكنت من إقناع إيران بالتخلص من حلّتها الثورية، كما فعلت الصين نفسها منذ عقود، ويبدأ ذلك بتوقف إيران عن دعم الجماعات الإرهابية والطائفية. ويمكن أن يكون للصين دور أكبر حينما تدعم توسعة نطاق أي مفاوضات مستقبلية لتشمل معالجة سلوك إيران في المنطقة، وبرنامجها الصاروخي، بما في ذلك الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز والطائرات المسيّرة، وبرنامجها النووي، في سلة واحدة، وأن تدعم بكين إشراك دول مجلس التعاون في  اتفاق الإطار  الشامل بين إيران ومجموعة "5+1". وقد تكون مبادرة طريق الحرير مفيدة للتوجه نحو الترتيب الأمني وبناء الثقة بين  الخليجيين وإيران،

 الخليجيين لا يعرفون الصين

   للصين دور مهم يمكن أن تضطلع به في دعم الأمن والاستقرار  بمنطقة الخليج لما لها من علاقات متميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران في الوقت نفسه، لكنه لا يرقى ليكون بديل للدور الأمريكي بل الدور الغربي أو حتى دور حلف الناتو منفردًا ، بحكم أن هذه الهياكل -أمريكا أو الناتو- أقرب إلينا من الصين بما تعنيه الكلمة الأمنية والاستراتيجية من معنى ، فللغرب معاقل قديمة ورجال الخليج يعرفون طريقهم في دهاليز صانع القرار الغربي بعكس الصينيين فعلى  الرغم من  انتمائهما لنفس القارة إلا أنه  يجري التعامل مع  أمريكا كما لو أنها أقرب من الصين وكما لو أن الصينيين من كوكب الصين الذي نعرف لغته ولا نفرق بين سكانه ولا نميل إلى تقاليدهم، كما أن رجالنا يعرفون السلاح الغربي ويثقون به أكثر من مدفع بالدين الصيني أو طائرة جي-20 الصينية؛ لكن هذا لا يمنع من الاستثمار في  هذه العلاقات في التهدئة بالمنطقة، رغم شكنا في قدرة الصين على القيام  ببناء ركيزة إضافية لأمن الخليج، لأسباب أهمها العقيدة السياسية الصينية الحذرة والمتحفظة ثم الميل الصيني تجاه إيران بعد صفقة الربع قرن التي أشرنا إليها، بالإضافة إلى تحديات غير مرصودة حتى الآن متعلقة بالنفط نفسه سواء فيما يخص نضوبه أو وجوده في أسواق أخرى أو بوجود بديل له، وكلها قد  تحول بين قيامها بهذا الدور وعليه لا يمكن انتظار تغير مواقف الصين تجاه المشاركة الفاعلة في أمن منطقة الخليج في العقد القادم.

ورغم أن دول الخليج اعتمدت ولا تزال على المظلة الدفاعية والمواقف السياسية الأمريكية لضمان أمن تدفق الطاقة والبضائع عبر مياه الخليج وهذا هو  الوضع  المفضل للصين أن تبقى أكبر مشتر لنفط  إيران ودول الخليج  وشريك تجاري ضخم لهما، وترك الحماية الأمنية والسياسية على كاهل واشنطن- إلا أن العديد من مراكز الأبحاث  الاستراتيجية تذهب إلى أن  من الأرجح أن لا يستمر التوافق الصيني / الأميركي بل من الممكن أن  يتبلور التنافس الأمريكي / الصيني في صورة منافسة صفرية شبيهة بالحرب الباردة، ولن يكون مسرحها كما أشرنا الخليج العربي بل أماكن كثيرة من العالم وستبدأ في إفريقيا ثم آسيا ثم الخليج لانتفاء الوديعة الاستراتيجية التي يجب حمايتها . وبما  أن من المرجح أن  تبقى الشراكات المصلحية وليس  الشراكات الاستراتيجية لوقت طويل مع الغرب فمن الضروري عدم الانقياد لخطأ الانحياز بل ضرورة استمرار علاقة دول الخليج بأمريكا والصين على السواء، والذي يشددون على أنَّ الحلفاء الخليجيين يريدون تعاوناً أكبر مع كل من الولايات المتحدة والصين، لا أن يعلقوا وسط تنافس تاريخي بين القوتين. فالرهان على الجواد الثالث أمر عبثي حيث يحتل الجيش الأمريكي المرتبة الأولى عالمياً بينما يحتل نظيره الروسي المرتبة الثانية بين أقوى جيوش العالم، في حين يحتل الجيش الصيني المرتبة الثالثة عالمياً ويمتلك جيوش هذه البلدان قوات جوية، وترسانة نووية  مهولة.

مقالات لنفس الكاتب