array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 165

دول الخليج ملزمة بالتفكير مع الحليف البريطاني المرتبط بمصالح مع الصين

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

تدفع التطورات في منطقة الشرق الأوسط عامة ، بدول مجلس التعاون الخليجي الست إلى إعادة مراجعة علاقاتها الدولية على المستويين الاقتصادي والأمني، ونجدها الآن في مرحلة دولية مماثلة لمرحلة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي السابق والتي جعلتها تحت المظلة العسكرية الأمريكية ، ووجه التلاقي جوهرية رغم وجوه الاختلاف المتعددة ، ليس على المستوى الأيديولوجي فحسب ، وإنما المهددات الوجودية للدول الخليجية، فهي لم تعد أمنية / عسكرية خالصة ، وإنما أصبح الأمن يقترن بالاقتصاد، وقد يتداعى الأمن بسبب الاقتصاد ، لذلك لم تعد المصلحة الاستراتيجية للخليج العربي في الانحياز لقوة عظمى على حساب أخرى، وإنما صناعة التوازن بين القوى كلها، دون أن تنجر إلى عداوات قد تؤثر على معادلة الأمن والاقتصاد الجديدة.

فهذه المعادلة نجدها في إقامة علاقات متوازنة مع واشنطن والصين دون الإغراق في جدلية الصراع بينهما حول السيادة العالمية، وبالتالي ينبغي العمل بذكاء على عدم صناعة العداء مع بكين مهما كانت الضغوطات الأمريكية، ومبررات إقامة العلاقات المتوازنة بين القوتين الأمريكية والصينية يمكننا أن نجملها في الآتي :

  • خذلان واشنطن أمنيًا حلفائها في الخليج منذ عهد باراك وترامب ، والآن بايدن .
  • مساعي واشنطن في عهد بايدن التركيز على شأنها الداخلي أولاً ، وإعادة انتشارها العسكري في المنطقة لصالح آسيا .
  • مخاطر تفكك أمريكا ، ومؤشرات فعلية تنذر بذلك، أبرزها تفكك نسيجها الاجتماعي .
  • انتصار حركة طالبان يعزز حالة عدم الثقة في المظلة العسكرية الأمريكية ، ويشكل نجاحها حالة إلهام للجماعات الأيديولوجية في المنطقة .
  • التحليلات الموضوعية تشير إلى عدم نجاح بكين بالاستفراد بالسيادة العالمية، أو استمرار واشنطن لوحدها بها، وإنما تقاسمها بينهما، كلاً في تفوقه.

وهنا تبدو الصين، المعادلة الدولية المطلوبة للدول الخليجية الست من منظورين متلازمين هما، الاقتصاد والأمن، دون الإغراق في البعبع الأمريكي الذي يكيل بمكيالين متناقضين مع الصين، فهو يرفع سقف الضغط عليها مع تلويح خبرائه بالحرب، وفي الوقت نفسه، يجري معها محادثات للتوصل إلى اتفاقية تجارية جديدة ، من هنا ، تحتاج الدول الست إلى تحليل دقيق وعميق لماهيات المرحلة الدولية المقبلة، وانعكاساتها على المستويين الأمني والاقتصادي في الخليج .

كل السيناريوهات ينبغي أن تضع فوق الطاولة الخليجية، فالصين لم تعد القوة التي ينبغي أن تضع في الخيار الآتي: إما بكين أو واشنطن ؟ وإنما قد أصبحت المصلحة الخليجية مع القوتين معًا، وفي آن واحد، وعليه ينبغي أن تعمل السياسة الخليجية على بلورة هذه الثنائية بصورة جماعية .

سنتناول ما تطرحه مقدمة المقال من أبعاد وخلفيات وإشكاليات من خلال البحث في العلاقات العمانية الصينية بين الواقع والمستقبل والمخاطر في عهد بايدن ، وستكون منهجية بحثنا وفق المحاور التالية :

أولا  : العلاقات العمانية الصينية تتأسس من منظور التاريخ المشترك.

ثانيًا : الانفتاح العماني المبكر على بكين رغم دعمها لثورة ظفار.

ثالثًا : العلاقات العمانية الصينية واقع وآفاق مصيرية .

رابعًا : الرهانات الخليجية على الصين في عهد بايدن ؟؟

خامسًا : مسقط والرياض .. رؤية مشتركة لمواجهة التحديات الأمريكية .

المحور الأول : العلاقات العمانية الصينية تتأسس من منظور التاريخ المشترك

تشعر كل من مسقط وبكين بأن لهما تاريخًا حضاريًا وتجاريًا مشتركًا ومتجذرًا، يرجع إلى ما قبل الميلاد، ويميزهما عن الكثير من الدول، وينبغي توظيفه لتأسيس شراكتهما المعاصرة، وكل من يلقي نظرة على اهتمامات المؤرخين بالعلاقات التاريخية بين عمان والصين ، سيجد أنهم يركزون فقط على الجانب التجاري دون الحضاري، رغم توفر المصادر التاريخية التي تغوص في البعدين معًا.

وتقول هذه المصادر أن رحلات التجار العمانيين البحرية للصين، بدأت منذ القرن الثاني الهجري، وكانت من أقدم رحلات العرب إليها، وتذكر  أن أبا عبيدة عبدالله بن القاسم كان من أوائل الذين اشتغلوا في نشر الإسلام في الصين في ذلك القرن ، كما يوثق التاريخ الصيني شخصية التاجر عبدالله العماني الذي كان رجلاً ثريًا يدير تجارته بنفسه، وأقام في الصين، وكان رئيس الجالية العربية هناك في عهد أسرة سونغ، ومندوبًا معتمدًا لدى الصين عن مدينة صحار عاصمة عمان قديمًا، وعينه كذلك الإمبراطور ضابطًا للهجرة، وأرخ المؤرخ الصيني سو شي (1027 – 1101م ) وقال:  توجه الشيخ عبدالله شخصيًا إلى العاصمة كاي فانغ عاصمة أسرة سونغ الشمالية لتقديم مراسيم الاحترام للإمبراطور وتقديم الهدايا"

كما كانت له أعمال خيرية كثيرة في الصين، وأحبه الشعب الصيني كثيرًا لمساهماته الخيرية في الكثير من المجالات كالبناء، والتعليم، فقد أنشأ المدارس لأبناء المدينة الصينية التي كان يعيش فيها، ولذلك أكرمه الإمبراطور الصيني بوسام ولقب الجنرال وبعض المصادر تقول جنرال الأخلاق، وأبا عبيده، والتاجر العماني، هما نموذجان من الشخصيات العمانية التي كان لها أدوار إنسانية وحضارية في  الصين .

 

في وقت كانت تشهد فيه عمان التاريخية حراكًا حضاريًا وتجاريًا مع العديد من الحضارات القديمة في آسيا وإفريقيا وأوروبا بحكم موقعها الجغرافي على ملتقى الطرق التجارية البحرية، ولإشرافها على مسطحات مائية واسعة،  مما مهد لها القيام بمهام الوسيط التجاري بين الشرق والغرب، وشعوب الشمال والجنوب،  وقد اشتهرت بتصدير الكثير من المنتجات إلى مختلف المناطق الحضارية ،كالنحاس والتمور والأسماك واللُبان، وهذه الأخيرة، عرفت في فترات ما قبل الميلاد بقرون طويلة، حيث كان اللُبان في مقدمة صادرات الجنوب العربي في العصر القديم، وكان يصل إلى مناطق بعيدة واستمر ذلك النشاط وازدهر في العصور الإسلامية الأولى.

 

 ونتيجة لذلك برزت موانئ عديدة في ظَفار عبر التاريخ لنقل تجارة البخور منها إلى موانئ الشرق على طول السواحل الآسيوية بداية من الهند وجنوب شرق آسيا وصولاً إلى الصين حيث نهاية الطريق البحري والذي من مسمياته (طريق البخور) الممتد من الشواطئ الجنوبية لعُمان(شاطئ العطور) كسمهرم ومرباط وظَفار (البليد) وريسوت إلى الموانئ الصينية مرورًا بأهم الموانئ الواقعة على هذا الطريق كموانئ جنوب وجنوب شرق آسيا، حيث كان عبر هذا الطريق ينقل اللُبان.

 

وهذا التاريخ بين السلطنة والصين، لم يستغل الاستغلال الأمثل ، إلا حديثًا في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد الذي استشرف منذ السبعينيات مستقبل الصين العالمي، وتجاوز بعقلانية استشرافية  الدور الصيني التاريخي في دعم ثورة ظفار -1965 ، 1975 - .

 المحور الثاني : الانفتاح العماني المبكر على بكين رغم دعمها لثورة ظفار.

تعد إقامة علاقات مع دولة شيوعية ساندت ثورة ظفار المناوئة للإنجليز ولنظام السلطان سعيد بن تيمور، وبعده نظام أبنه السلطان قابوس، كان استثنائيًا في التفكير السياسي العربي ، فمسقط كانت الدولة الخليجية الثانية بعد الكويت التي أقامت معها علاقات دبلوماسية عام 1987م، أي بعد مرور سنتين من انتهاء ثورة ظفار ، وهنا تكون القيادة الجديدة في السلطنة آنذاك، قد غلبت البرغماتية، وانتقلت سريعًا من ردة الفعل إلى الفعل الذي يجعلها تنظر للمستقبل من خلال مبادئها الجديدة التي  طبقتها بحزم، وجعلتها اليوم بلا أعداء من الدول والجماعات المسلحة .

وحتى لما قرر السلطان قابوس توثيق العلاقات مع الصين، لم ينظر سوى للتاريخ معها، متجاوزًا بذلك  مفصل الدور الصيني في ثورة ظفار ، لأنه يعتبر الثورة رد فعل مسلم به نتيجة الظروف المعيشية القاسية التي كان المجتمع العماني يعيشها إبان عصر أبيه، والمتأمل اليوم في هذه العلاقات، سيجدها من أقوى العلاقات استقرارًا وثقة ، وفي كل الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في كلا البلدين ، يتم الإشارة إلى هذا التاريخ المشترك بين البلدين، ودوره في قيادة العلاقات الحديثة  بينهما .

وأخر هذه الزيارات ، كانت لعضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني لمسقط وانغ يي ، فقد كررا ما يلوح به كل مسؤول صيني يزور السلطنة عن الدور التاريخي للحضارتين العمانية الصينية الذي يعود إلى طريق الحرير، وأبدى رغبة بلاده في أن تكون أكثر أصدقاء عمان جدارة بالثقة، والسعي بشكل مشترك نحو تحقيق تنمية أكبر للشراكة الاستراتيجية بين البلدين في العصر الحديث .

المحور الثالث : العلاقات العمانية الصينية واقع وآفاق مصيرية .

شهدت العلاقات العمانية الصينية مراحل مختلفة، بدأت مختلة، تقتصر على التعاون في مجال الطاقة مع تواضع للاستثمارات الصينية في القطاعات غير النفطية، وانتقلت منذ عام 2018م، إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية في ضوء تقاطع المصلحتين العمانية والصينية، ففي هذا العام الأخير ، تم وضع تصور كبير للتنمية المستقبلية، كما تم توقيع اتفاقية تفاهم للعلاقات بين البلدين ضمن مبادرة " الحزام والطريق " مما ساهم في تعزيز وتكثيف الاستثمار الصيني في السلطنة في عهد السلطان قابوس، وتمضي مسقط قدمًا الآن في عهد السلطان هيثم على نفس المسار في ظل انفتاحها أكثر على الاستثمارات الخارجية بعد التعديلات الجديدة على قوانين الاستثمار الخارجي ، فنجاح الرؤية العمانية 2040م، يتوقف على هذه الاستثمارات، والصين من الدول المستهدفة لمسقط لنجاح رؤيتها 2040م .

كيف تبنى الشراكة العمانية الصينية المعاصرة ؟ وماذا يميزها عن الشراكات الأخرى ؟ سنتناول هذا المحور في ثلاثة أجزاء مهمة ،الأول ، ملامح عامة مستهدفة لرؤية عمان 2040 ، وكيف تتقاطع الشراكة العمانية الصينية معها ، وثانيًا البناء الثقافي للشراكة ، وثالثًا ، البناء التجاري والاستثماري .

أولاً : ملامح عامة لرؤية 2040، والرهانات على الشراكة مع الصين .

تستهدف رؤية عمان 2040، بلوغ  السلطنة إلى مصاف الدول المتقدمة ، وهذه المكانة لها استحقاقاتها المتعددة وفي كل المجالات العالية الجودة، الاقتصاد، التكنلوجيا، الطاقة النووية، الفضاء والأقمار الاصطناعية، فالرؤية العمانية مهتمة بكل هذه الجوانب ، فلو توقفنا عند الاقتصاد ، فالتوجه الاستراتيجي للرؤية يتجه نحو اقتصاد متنوع ومستدام يعتمد على التكنولوجيا والمعرفة والابتكار، ويعمل ضمن أطر متكاملة، يضمن التنافسية، ويحتضن الثورات الصناعية، ويحقق الاستدامة المالية، وهنا تظهر بكين الدولة العالمية الأولى التي يمكن أن تساعد مسقط على تطوير اقتصادها، وتعزيز قدرته التنافسية في معظم القطاعات والأنشطة مثل السياحة والتعليم والتصنيع، بما في ذلك الصناعات القائمة على النفط والغاز.

 ومن أهداف الرؤية كذلك الاهتمام بالمحاور البحرية للاستفادة من موقع عمان الاستراتيجي على مفترق الطرق بين بحر العرب والمحيط الهندي، ودعماً للبنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية، طورت مسقط موانيها الرئيسية كالدقم وصلالة وصحار، وأصحبت تتلاقى مع مبادرة الحزام والطريق الصيني ، لذلك، كانت مسقط من بين الدول الموقعة على تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في الشرق الأوسط ، ومن ثم انضمامها لمبادرة الحزام والطريق .

 ثانيًا : البناء الثقافي للشراكة العمانية الصينية .

تحاول مسقط وبكين تأسيس شراكتهما على أسس ثقافية واقتصادية معًا ، وليس اقتصاديا فقط ، وفي مبادرات متبادلة بين البلدين، بدا لنا المشهد، وكأن بينهما سباق نحو البعد الثقافي كمقدمة للشراكة الاقتصادية المصيرية، وقدمت مسقط ، مجموعة مبادرات ثقافية نحو بكين ، أبرزها :

إقامة كرسي السلطان قابوس لدراسات اللغة العربية بجامعة بكين عام 2007م،  وتوجيه  السلطان الراحل  قابوس بتسيير رحلة بحرية من عمان إلى الصين على غرار الرحلات التاريخية بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين السلطنة والصين بفترة قصيرة جدًا، فكانت رحلة السفينة صحار التي أعادت الأمجاد البحرية العمانية، وأعادت إلى الأذهان طريق الحرير التاريخي، وتاريخ العلاقات العمانية الصينية .

ويتحدث بعض الكتاب العمانيين، عن انتفاء الصدفة في انطلاق الشعلة الأولمبية الصينية من دوار قصر البستان بسلطنة عمان، حيث كانت تقف السفينة صحار ، وهذا له دلالة صينية ، ودلالة أخرى مهمة ، وهى اختيار مدينة مسقط مكانًا وحيدًا لمرور الشعلة الأولمبية، كما تم أيضًا تأسيس جمعية الصداقة الصينية العمانية ، وكذلك إنشاء صندوق التبادل الودي الصيني العماني مما سيسهم في زيادة التفاهم الودي بين شعبي البلدين، كما تم توقيع اتفاقية مشتركة بين البلدين للإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لمواطنيهما، واتفاقية التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا، إضافة إلى توقيع البرنامج التنفيذي للتعاون في المجال الإعلامي والصحي والثقافي بين السلطنة والصين للأعوام 2020 – 2024م، و تخصص الصين مقاعد للطلبة العمانيين مقاعد جامعية بالمجان سنويًا .

ثالثًا : البناء التجاري والاستثماري للشراكة العمانية الصينية .

تمثل الصين 64 % من صادرات السلطنة ، يتربعها النفط والغاز ، أما الاستيراد فتمثل الصين 11% ، ومنذ عام 2018م، تعد مسقط أحد أهم شركاء الصين في مجال الاستثمار في الشرق الأوسط، وبالتالي من الدول الرئيسية في مبادرة الطريق والحزام ، ويمثل إقامة منطقة صناعية صينية ضخمة في الدقم باستثمارات تقدر بعشرة مليارات دولار ، واستثمارات أخرى في المنطقة ، نقطة نجاح واعدة في مبادرة الحزام والطريق ، فالدقم بإطلالتها على بحر العرب تشكل قاعدة تشغيل محتملة للشركات الصينية قريبة من أسواق التصدير التي تتطلع بكين لتطويرها في الخليج وشبه القارة الهندية وشرق إفريقيا، كما أن الدقم قريبة من بعض موارد المواد الخام التي ستحتاجها الشركات الصينية، وهى موارد النفط والغاز في الخليج .

وقد أدرجت بكين المنطقة الصناعية في الدقم في قائمة المناطق الستة عشر  النموذجية للتعاون الدولي في مجال القدرة الإنتاجية، وتضم المرحلة الأولى من المدينة الصناعية عشرة مشاريع متنوعة هي، سوق مواد البناء، ومشروع إنتاج الميثانول لاستخدامه في مشروع الأولفين، وإنشاء محطة لإنتاج الكهرباء، وأخرى لتحلية مياه البحر، واستخراج البروم، ومصنع إنتاج ألواح ومعدات الطاقة الشمسية، ومصنع لإنتاج الأنابيب المستخدمة في حقول النفط والغاز ،ومصنع أخر لإنتاج الانابيب غير المعدنية المركبة المستخدمة في حقول النفط والغاز ، ومصنع لإنتاج أنابيب الصلب والأسلاك والصلب المقوى من نوع ( بي إي ) وقطع الغيار ، ومصنع لإنتاج سيارات الدفع الرباعي عالية التنقل ، إضافة إلى فندق فئة خمسة نجوم سيقام بالمنطقة السياحية في الدقم ..الخ .

 وستقدم الصين خبراتها في المجال اللوجستي مما سيكون لها نتائج ملموسة خاصة على موانئ السلطنة في صلالة وصحار والدقم وصور، وهى موانئ مفتوحة على بحر العرب وبحر عمان والمحيط الهندي، وأمام مسقط الآن الآفاق الرحبة لتحقيق طموحاتها المعاصرة خاصة في المجالات التالية، التصنيع ونقل التكنولوجيا الإنتاجية والطاقة، والطاقة النووية، والزراعة، والتكنولوجيا الدقيقة، وحتى صناعاتها العسكرية المتطورة كالطائرات المسيرة ، والفضاء إضافة فرص التعاون المالي والاستثماري بين الجانبين، فهذه فرص يمكن أن تحصل عليها مسقط بسهولة من بكين إذا كانت ضمن طموحاتها مقارنة بالدول الأخرى.

 

المحور الرابع : مدى الرهانات الخليجية على الصين في عهد بايدن ؟

يطرح التساؤل أعلاه في كل العواصم الخليجية بما فيهم مسقط، ووفق كل الحسابات المحتملة في ضوء تحليل دقيق لمبادرة الحزام والطريق، فهو أكبر من مجرد مشروع اقتصادي وتنموي تتبناه الصين، وتحاول تجمع عليه دول العالم، فهو مبادرة شاملة، تمثل كذلك رؤية استراتيجية لدور بكين في النظام العالمي، وهى تقوم على عدة أسس، منها تطوير دبلوماسية جديدة للصين ذات طابع عالمي تتناسب مع مكانتها كقوة كبرى في العالم- وفق تحليلات موضوعية -  كما تقدم الصين نفسها كبديل في مجال التنمية الاقتصادية في ظل تركيز الولايات المتحدة والدول الأوروبية على الأمن.

وبالتالي ، فإن مبادرة بحجم مبادرة الحزام والطريق التي تبلغ قيمتها من 1،2 – 1،3 تريليون دولار بحلول 2027م، وتهدف بكين من خلالها إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية مثل تلبية احتياجاتها المتزايدة من إمدادات الطاقة، والاستفادة من عوائد التعاون الاقتصادي في مجالات البنية التحتية، لابد أن يكون لبكين من رؤية عالمية تؤمن لها مصالحها الضخمة، وتساهم في الحفاظ على استقرار حلفائها، لذلك ، فلابد أن يكون لدى بكين من الآليات التي تحافظ على مصالحها في الخارج ، عسكريًا ، والوقوف مع حلفائها سياسيًا .

وإلا ، فإنها تغامر باستثماراتها في المنطقة، وبالتالي، فإن هناك الكثير من التحليلات الموضوعية تذهب إلى أن العلاقات الخليجية – الصينية، يمكن أن تساهم  في إحلال الاستقرار والأمن في المنطقة ، لاسيما في ظل العلاقات الصينية الجيدة مع طهران، وكون طهران شـريك رئيـسي فـي مبــادرة الحــزام والطريــق، من هنا تكمن أهمية انضمام دول مجلس التعاون الخليجي لهذه المبادرة، وتعميق شراكتها مع بكين، لأنها مؤثرة إيجابيًا على الصعيدين، تنويع اقتصاديات الخليج،  والتأثير الإيجابي على نمط العلاقات الخليجية الإيرانية .

والرهان على بكين نجده في خطوة تعديل دستورها، لكي يسمح لها باستخدام قواتها المسلحة خارج حدودها لحماية مصالحها، عندما ترى أنها مهددة، وقد تم تطبيق هذا التعديل 2021م ، وإقامة أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، وهذا البعد العسكري، يمكن أن يتبلور مستقبلاً في دور صيني للأمن الإقليمي في الخليج عوضًا على الاعتماد على المظلة العسكرية الأمريكية، وهنا يظهر لنا أهمية الحوض الجاف لإصلاح السفن في منطقة الدقم العمانية فهو مؤهل لاستقبال كل أنواع السفن، ويشكل محطة مهمة للسفن المختلفة عابرة البحار المفتوحة .

 

 المحور الخامس : مسقط والرياض .. رؤية مشتركة لمواجهة التحديات الأمريكية.

مما تقدم تجد دول مجلس التعاون الخليجي مصلحتها المستقبلية مع واشنطن وبكين، وبالتالي، فلا ينبغي أن تنصاع للخيار الأمريكي " معي أو مع الصين " وعليها أن تعمل مع الحليف البريطاني القديم المتجدد الذي هو يعاني من مثل هذه الضغوطات الأمريكية على بلورة موقف مشترك لمواجهة التحدي الأمريكي، إذ أنه ليس من مصلحتها المستقبلية معاداة بكين في الوقت الذي تجري فيه واشنطن الآن محادثات جادة مع بكين للتوصل إلى اتفاق تجاري جديد رغم تشديد موقفها ضدها .

وهنا نطرح تساؤلات افتراضية ، لكنها واقعية

ماذا لو توصلت واشنطن وبكين لاتفاق تجاري بينهما؟ فما موقف الدول الخليجية إذا ما انصاعت مسبقًا لمعاداة  بكين بسبب الضغوطات الأمريكية ؟ ولنا في التجربة الصينية الاسترالية نموذجًا، والتساؤلان يلزمان الدول الخليجية الست بتفكير مختلف لمواجهة الضغوطات الأمريكية، وبصورة جماعية أو ثنائية مع الحليف البريطاني الذي يرتبط ببكين بمصالح استراتيجية رغم خلافاته معها، وهى خلافات طبيعية، كقضية هواوي وجبل طارق، ومتجاوزة وإلا فإن خسارة لندن الاقتصادية ستكون كبيرة بعد خروجه من الاتحاد الأوروبي .

ويمكن لمسقط والرياض أن تقود زمام مبادرة المواجهة الذكية بحكم شراكتهما الاستراتيجية الجديدة، وبحكم ما يسود بينهما الآن من تقارب وتنسيق سياسي غير مسبوقين، وتكاد تكون مواقفهما متقاربة، كما سيكون للشراكة العمانية الصينية انعكاسات إيجابية وملموسة على المصالح السعودية سواء تلكم التي ستكون موجودة على الأراضي العمانية كمنتوجات المصانع وأنبوب النفط السعودي،  أو تلك القادمة من السعودية بعد دمج البعدين الجيواستراتيجي بين الرياض ومسقط في منظومة مشتركة.

فالدقم ستكون قاعدة تشغيل للشركات الصينية، وهى قريبة من أسواق التصدير التي تتطلع بكين لتطويرها في دول ذات كثافة سكانية – كما سبقت الإشارة – لذلك، ستفتح الطرق الآمنة أمام التجارة العمانية والسعودية مع دول مثل دول آسيا الوسطى وأفغانستان والقارة الإفريقية مثلاً، وهذا يتمشى مع رؤيتي عمان 2040، والسعودية 2030م، وهذا يحتم على البلدين، بلورة رؤية استراتيجية مشتركة تعملان من خلالها وبذكاء على حيادهما في الصراع الأمريكي الصيني .

مقالات لنفس الكاتب