array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 165

المنطقة بحاجة لإعادة النظر في دورها والوصول إلى قواسم مشتركة مع الفرقاء

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

تعتبر العلاقات الأمريكية-الصينية الأهم في العالم بسبب آثارها البعيدة على العديد من القضايا العالمية ولأنها ربما تكون العامل الأهم في تشكيل النظام العالمي في المرحلة القادمة. كما وأنها على درجة كبيرة من الأهمية لدول المنطقة بسبب الدور المباشر وغير المباشر في واقع المنطقة ومستقبلها السياسي والاقتصادي، الأمر الذي يتطلب متابعة جادة من قبل المراقبين وصناع القرار.  لكن هذه العلاقات تمر بمنعطف خطير يجعلها مفتوحة على الكثير من الاحتمالات التي ينتابها الغموض، لدرجة أن البعض بدأ يتنبأ باندلاع حرب كونية بين الطرفين، ومع أن احتمالية نشوء صراع مسلح بين الولايات المتحدة والصين مستبعد على المدى المنظور على الأقل، إلا أن ذلك لا يعني أن طريق هذه العلاقات الحيوية معبد بالورود في ظل التصعيد القائم وغياب الرغبة والقدرة على إيجاد حلول للقضايا العالقة بين الطرفين.

 

 بادئ ذي بدء لا بد من الإقرار بصعوبة متابعة العلاقات الأمريكية-الصينية ناهيك عن التنبؤ بتوجهاتها المستقبلية وذلك لأنها مزدوجة الشخصية فهي في جانب من جوانبها المتعددة تمثل نموذجًا فريدًا في التعاون الإيجابي العالمي الذي أنتج العلاقات الاقتصادية الكبيرة بين الطرفين والذي شكل أساس نهضة الصين الحديثة، كما شرحنا ذلك في مقالة سابقة، وعلى الجانب الآخر فإن هذه العلاقات تحمل في طياتها بذور صراع عالمي جديد ليس له مثيل وهي تذكرنا برواية الكاتب الاسكتلندي ستيفنسون " قضية الدكتور جيكل والسيد هايد".

 

الحديث عن أهمية العلاقات يأتي مع احتفال الصين بالذكرى المئوية لقيام الحزب الشيوعي الصيني وهي مناسبة تستوجب وقفة مراجعة نستعرض فيها خلفية تلك العلاقات من وجهة النظر الأمريكية والطريقة التي تنظر بها إلى توسع الصين الاقتصادي والسياسي في العالم وأهم الفرص المتاحة والتحديات التي تواجه العلاقات المشتركة، وهي كثيرة جدًا ولذلك سوف نكتفي بذكر البعض منها، وانعكاسات ذلك كله على الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة وعلاقات الطرفين بها. 

 

الفرص المتاحة أمام العلاقات الأمريكية-الصينية

مرت على العالم علامة فارقة في الفترة الحالية وهي تجاوز حجم الناتج المحلي الصيني GDP لمثيله في الولايات المتحدة وليصبح الاقتصاد الأكبر في العالم من خلال هذا المعيار على الأقل. هذه القضية مع أهميتها مرت مرور الكرام بسبب العديد من القضايا الملحة التي تواجه العالم ومنها أزمة الكوفيد-19. الرسم البياني أدناه الذي يوضح حجم الناتج المحلي في الدول الخمس الأولى عالميًا.

 

 

رسم بياني يمثل توقعات صندوق النقد الدولي لحجم الناتج المحلي للدول الخمس الأولى عالميًا للعام الحالي

 

  الأرقام المبينة أعلاه توضح وبشكل بسيط التغيير الكبير الذي يحصل في العالم حيث أن ثلاثة من الاقتصاديات الخمس الأولى عالميًا اليوم هي آسيوية ودولة واحدة أوروبية.  إن النظرة إلى تلك الأرقام من خلفية الجمع الصفري وعلى أساس أنها سباق نحو من يكون الأول عالميًا تشكل المشكلة الأساسية أمام العلاقات الأمريكية-الصينية، ولأن تلك النظرة تدفع نحو السلبية القائمة على وضع العراقيل أمام المنافس، وتحجب الفرص الكبيرة التي تركز عليها النظرة الإيجابية القائمة على الاستفادة من المنح الكبيرة التي توفرها عملية النمو الاقتصادي العالمي لجميع الأطراف، والتي من أهمها:

 

  1. التعاون الاقتصادي حيث تشكل الصين ، بحسب مكتب الممثل التجاري الأمريكي، الشريك التجاري الثالث للولايات المتحدة وبتبادل تجاري بلغ 558 مليار دولار في 2019 م، شكلت الواردات من الصين 452 مليار والصادرات إليها 106 مليارات وتوفر التجارة مع الصين العمل لأكثر من 900 ألف أمريكي حسب تقديرات وزارة التجارة الأمريكية. هذه الأرقام بالطبع مرشحة للزيادة على المدى المنظور.
  2. الاستثمارات: الولايات المتحدة والصين شريكان كبيران في مجال الاستثمار. يوضح الرسم البياني أدناه النمو المتواصل في الاستثمارات المباشرة بين الطرفين.

 

 

حجم الاستثمارات الأمريكية في الصين والصينية في الولايات المتحدة في العقد الأخير (www.statista.com/statistics)

 

لا تشكل الاستثمارات المباشرة كل الصورة التي لن تكتمل إلا بذكر المبالغ الكبيرة التي تزيد على ترليون دولار التي تستثمرها الصين في شراء السندات الحكومية الأمريكية أو بعبارة أخرى تمويل الدين الحكومي الأمريكي الذي يبلغ اليوم رقمًا خياليًا وهو 20 ترليون دولار، حيث تعتبر الصين الشريك الثاني بعد اليابان في هذا المجال. بغض النظر عن الأسباب التي تدفع بالصين لشراء السندات الأمريكية لكن ذلك يمنحها قوة كبيرة في التأثير على صانع القرار الأمريكي.

 

  1. التعاون الدولي في قضايا البيئة والمناخ: هناك العديد من القضايا العالمية العالقة التي لا يمكن أن تحل إلا من خلال التعاون الدولي وخصوصًا بين الولايات المتحدة والصين، لعل من أبرزها وأكثرها إلحاحًا معالجة أزمة التغيرات المناخية والتلوث البيئي الناتج عن الأنشطة الإنسانية، حيث يعتبر تلوث الهواء من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني وتهدد عملية النمو الاقتصادي الذي يعتبر الأولويات الأولى للصين. هناك العديد من الدراسات التي رصدت آثار تلوث الهواء على الاقتصاد مثل مؤسسة راند وجامعة الصين في هونغ كونغ والتي أوضحت أن الاقتصاد الصيني يفقد أكثر من 6.5% من الإنتاجية مع أكثر من مليون وفاة. هذه القضية ليست محلية بل تحتاج إلى توفر الجهود العالمية في سبيل إيجاد حلول وبدائل فعالة في سبيل الارتقاء بمستوى الحياة وبأقل الآثار السلبية على البيئة.
  2. الأمن والسلم العالميين حيث تشكل الصين الشريك الأهم باعتبار موقعها السياسي وكذلك كونها أحد الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وتمتلك حق النقض على جميع قرارات المجلس. ولعل من أبرز الملفات العالقة الأنشطة النووية في كل من إيران وكوريا الشمالية والتعاون في تأمين طرق التجارة العالمية باعتبارها المهمة التي قامت بها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية بسبب امتلاكها للقوة البحرية الأكبر في العالم الأمر الذي جعل منها القوة الوحيدة القادرة على ذلك ولكون الصين الآن الدولة المستفيدة الأولى من التجارة العالمية. ليس من المتوقع أن تتنامى القدرات البحرية الصينية لكي تنافس سيطرة الأساطيل الأمريكية على المدى القريب، ولعل من أوضح الأدلة على ذلك امتلاك الولايات المتحدة 13 حاملة طائرات في حين أن الصين تمتلك اثنتين فقط بالإضافة إلى التطور التكنولوجي الكبير للبحرية الأمريكية.

 

نقاط الخلاف بين الصين والولايات المتحدة

هناك العديد من نقاط التماس بين الطرفين التي بدأت تظهر إلى السطح في الآونة الأخيرة وتعكر صفو العلاقات التي كانت وإلى فترة قريبة تعتبر نموذجًا للتعاون الإيجابي القائم على تبادل المنافع خصوصًا في المجالات الاقتصادية.  لكن تنامي دور الصين الاقتصادي الذي بدأ ينتج تناميًا في دورها العسكري والأمني على الساحة العالمية بدأ يشكل هاجسًا للمؤسسات الأمنية الأمريكية التي بدأت تطلق عبارات التحذير من تلك التطورات، وقد عدد تقرير وزارة الدفاع للكونغرس حول الموقف من تنامي النفوذ الصيني العالمي لعام 2018م، بعض النقاط الخلافية والتي كان في مقدمتها: 

 

أولاً- مركزية الحكم ودور الحزب الشيوعي

 بحسب تقييم مؤسسات الأمن القومي الأمريكي فإن الصين دولة قائمة على سياسة الحزب الواحد.  وإن مصدر السياسات العامة هو استراتيجية الحزب الشيوعي الصيني الذي ينفرد بالقرار في القضايا الأساسية واختيار القيادات السياسية ومنها الرئيس والحكومة.  ولذلك فإن الاستراتيجية العامة للدولة أساسها استراتيجية الحزب الشيوعي الصيني القائمة على العمل على تحقيق الأهداف التالية:

 

  • ديمومة حكم الحزب الشيوعي الصيني.
  • المحافظة على الاستقرار الداخلي.
  • إدامة النمو الاقتصادي وعملية التنمية الداخلية.
  • الدفاع عن وحدة البلاد والسيادة الوطنية.
  • ضمان مكانة الصين بوصفها قوة عالمية وإعادة هيمنتها الإقليمية.
  • تأمين المصالح الصينية في الخارج.

 

الاستراتيجية العامة أعلاه تشمل أوجه عديدة من الاختلاف مع منظومة القيم الأمريكية ومن أول ذلك أن مصدرها هو الحزب الشيوعي الذي كان وإلى زمن قريب الغريم الأول للمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، التي ربما تغاضت عن هذه القضية في السابق وساهمت في التنمية الاقتصادية في الصين لحسابات جيوسياسية كبيرة آنذاك من أهمها محاولة إحداث شرخ بين عملاقي المعسكر الشيوعي سابقًا وهما الصين والاتحاد السوفيتي، وهو الذي حصل بالفعل وكان أحد أسباب انهيار المعسكر الشيوعي،  كما وأنها ربما كانت تعتقد أن عملية التنمية الاقتصادية سوف تؤدي إلى إحداث تغيير تدريجي في البنية السياسية في الصين من خلال المراهنة على تنامي قدرات القطاع الخاص الذي كان من المعتقد أنه قد ينافس أو يزيح قيادة الحزب الشيوعي للدولة.  لكن الحزب الشيوعي الصيني أثبت ولحد الآن قدرة كبيرة على التعاطي مع متطلبات التنمية الاقتصادية وقيادة العملية مركزيًا من دون تقديم الكثير من التنازلات السياسية. هذه المركزية التي تدير الحركة الاقتصادية في الصين تشكل هي الأخرى نقطة من نقاط الخلاف بين البلدين ليس فقط من الناحية الأيدولوجية بل من النواحي الاقتصادية والأمنية.

 

مركزية القرارات وتضييق هامش الحريات على المواطنين برزت مؤخرًا من خلال موقف الحكومات الغربية وخصوصًا الولايات المتحدة وبريطانيا من سياسات الحكومة الصينية ومواقفها الأخيرة التعامل مع هونغ كونغ لكونها تسير باتجاه التخلي عن مبدأ "بلد واحد ونظامين سياسيين".  وهي الفكرة التي نشأت نتيجة الاتفاق بين الصين وبريطانيا التي كانت تحكم هونغ كونغ وإلى عام 1997م, حيث وافقت الصين على أن تتمتع هونغ كونغ بحكم ذاتي تتمكن من خلاله اختيار القيادات المحلية بحرية ومن دون تدخل الحكومة الصينية.  لكن هذا النظام الذي كان من المفترض أن يستمر لمدة خمسين سنة بدأ يتآكل من خلال فرض الحكومة المركزية قرارات تحد من صلاحيات الحكومة المحلية مثل قانون الأمن القومي لعام 2020م، والذي يمنح الحكومة المركزية صلاحيات الحق في إيقاف عقوبات شديدة على منتقدي سياستها وهو الأمر الذي كان بمثابة الشرارة التي أشعلت التظاهرات التي شهدتها المدينة.   

 

ثانيًا- النواحي السياسية والاقتصادية

تنظر الولايات المتحدة بعين الريبة إلى الصين بوصفها منافس في المجالات الاقتصادية والسياسية.  وقد عكست استراتيجية الأمن القومي الأمريكي تلك المخاوف عندما نصت على أن السياسة الصينية تجاه الولايات المتحدة تهدف إلى الأمور التالية:

 

  • إزاحة الولايات المتحدة من منطقة المحيطين الهادي والهندي.
  • توسيع امتداد نفوذ الصين الاقتصادي القائم على سيطرة الحكومة.
  • إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة بما يناسب مصالحها وتنمية دورها كقوة مهيمنة على المنطقة.

 

ولعل من أهم التطورات في هذا المجال هو استراتيجية الصين التوسعية القائمة على أساس إعادة بناء طريق الحرير والتي تسمى "الطريق الواحد والحزام الواحد" حيث تسعى إلى تنمية شبكة من الطرق البرية والبحرية التي تمنح الصين الفرصة للوصول إلى الأسواق العالمية والموارد الطبيعية التي تحتاجها خصوصًا في محيطها الإقليمي.  لكن هذه الخطط جرى تطويرها في الآونة الأخيرة لتشمل القارات الخمس وخصوصًا أمريكا الجنوبية، وهي القضية التي أثارت العديد من التساؤلات والشكوك في أذهان المسؤولين في الولايات المتحدة حول النوايا الحقيقية للصين.

 

ثالثًا- النواحي العسكرية والأمنية

يشير تقرير وزارة الدفاع الأمريكية إلى التوسع الكبير في الأنشطة الأمنية للصين خارج حدودها، ومن ذلك توسيع حدودها المائية من خلال بناء الجزر في بحر الصين وتزويدها بقدرات عسكرية مثل المطارات والموانئ، بالإضافة إلى التوسع العسكري الذي يتبع عادة التوسع الاقتصادي.  لقد استفادت الصين من مبادرة طريق الحرير لبناء مشاريع البنية التحتية على الطريقين البري والبحري مثل الطرق السريعة وخطوط سكك الحديد والموانئ حيث تبعت ذلك بتنمية مبيعات السلاح وطلب تسهيلات عسكرية للبحرية الصينية أو بناء قواعد عسكرية.

 

 رابعًا-غياب الشفافية وخصوصًا في القضايا التي تهم الطرفين مثل التحقيق في نشأة الكوفيد-19

 

خامسًا- الصراع في العالم الافتراضي

أضافت القيادة الصينية بعض المهام الجديدة للجيش الصيني ومنها حماية المصالح الصينية في العالم الافتراضي (digital space) وهي دلالة على الأهمية الاستراتيجية لتكنولوجيا المعلومات بوصفها سلاحًا دفاعيًا من حيث امتلاك القدرة على تطوير المعلومات لخدمة القدرات القتالية للجيش وتوفير أمن المعلومات الحيوية بوصفها مادة ذات طبيعة استراتيجية بالإضافة إلى أن حروب المعلومات أصبحت الآن من أشد الأسلحة فتكًا من خلال دورها في تحديد مواقع الأهداف البشرية والبنيوية وإحداث فوضى في المجتمعات من خلال مهاجمة المنشآت الحيوية مثل المطارات ومحطات توليد الكهرباء والمفاعلات النووية أو المختبرات البيولوجية. ولا ننسى هنا الأبعاد السياسية لحرب المعلومات ومن ذلك محاولات التأثير في الانتخابات الأمريكية، وكذلك الاقتصادية من خلال التجسس وسرقة المعلومات الحيوية من الشركات. ومن الدلائل على الأهمية الكبيرة التي توليها الصين للعالم الافتراضي مبادرة الرئيس الصيني شي والتي أطلق عليها "طريق الحرير الافتراضي للقرن 21" التي دفعت بشركات الاتصالات الصينية للقيام بمشاريع في الصين والعديد من دول العالم.

 

 هذه المقدمة تشرح خلفية الموقف الأمريكي الغامض من التعامل مع شركة هواوي حيث كانت أحد أهم القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس السابق ترامب تجاه الصين هي إضافة الرسوم الجمركية على العديد من البضائع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة وكذلك إعلانها في شهر مايو عام 2019 مرسوم الطوارئ باعتبار شركة هواوي عاملاً مهددًا للأمن القومي الأمريكي.  هذا الإعلان كان تصعيدًا في العلاقات المتوترة بين عملاق الاتصالات الصينية هواوي والحكومة الأمريكية والذي يعد من القضايا التي توضح طبيعة علاقة الشد والجذب بين البلدين.  يعود أصل القضية إلى أكثر من عشر سنوات عندما رفضت الحكومة الأمريكية، بناء على نصيحة المؤسسات الأمنية، منح الترخيص لشركة هواوي الصينية للعمل على الساحة الأمريكية التي تعتبر أكبر سوق اتصالات في العالم.  كان السبب؛ بحسب المسؤولين من الطرفين، هو خشية الحكومة الأمريكية من استخدام المعلومات التي تجمعها الشركة الصينية في التجسس على المواطنين والشركات الأمريكية.  إذن فالقضية تحمل في طياتها قضيتين هما في جوهر الخلاف الصيني الأمريكي، أولاهما تجاوز قوانين وأنظمة حماية الملكية الفكرية بالنسبة للشركات الأمريكية والتي تعتبرها الحكومة الأمريكية من أولويات عملها، والثانية هي التجسس وحقوق الإنسان حيث تتهم الحكومة الأمريكية الشركة الصينية بأنها أداة بيد الحكومة الصينية التي توفر لها المعلومات عن المواطنين.

 

الموقف من التعاون العسكري بين الصين ودول الخليج

تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أولى الاهتمامات العسكرية الصينية حول العالم، وقد تجلى ذلك من خلال إنشاء أول قاعدة عسكرية خارج الصين في جيبوتي المطلة على باب المندب والقرن الإفريقي.  بدأ إنشاء القاعدة في أوائل 2016م، وتم تدشينها من قبل القوات البحرية الصينية في أغسطس من العام ذاته.  تأوي القاعدة حوالي 2000 من الجنود الصينيين وتقوم بأنشطة مختلفة منها حماية طرق التجارة من خلال محاربة القرصنة البحرية في المنطقة وهي جزء من جهود الصين فيما يسمى الحرب على الإرهاب كما ويشتبه بقيامها بجهود استخباراتية وتجسسية. 

تسعى الصين إلى توسيع وجودها العسكري في المنطقة وقد توصلت إلى اتفاقات مع دولة الإمارات العربية حول مبيعات السلاح والتواجد العسكري.  هذه الجهود جلبت أنظار المسؤولين الأمريكان الذين بدأوا يدقون ناقوس الخطر, حيث أجرى مجلس الشيوخ جلسة لمناقشة محاولات الصين إيجاد قواعد عسكرية في المنطقة، أعلنت فيها ميرا رزينك مساعدة وكيل وزير الخارجية للشؤون السياسية-العسكرية "إن هناك بعض أنواع التعاون مع جمهورية الصين التي لا يمكن أن نقبل بها" وأضافت "لقد أوضحنا ذلك بصريح العبارة", وقد جاء رد المسؤولة الأمريكية على تساؤل رئيس اللجنة السناتور كريس ميرفي الذي أشار في كلمته إلى التناقض الناتج عن "قيام بعض حكومات دول المنطقة بالتفاوض حول صفقات سلاح مع الصين في ذات الوقت الذي تنعم فيه بالأمن تحت المظلة الأمريكية". بدورها قالت مساعدة وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط دانا سترول "الموقف الحالي هو أن الصين لها استراتيجية تسعى من خلالها إلى إيجاد قواعد عسكرية حول العالم ومن ذلك منطقة الشرق الأوسط" وأضافت "لذلك فإن أي بلد يرتبط معنا بشراكة قوية فإننا نتحدث معهم عن خطورة وجود قواعد عسكرية صينية على التكنلوجيا العسكرية الأمريكية والقوات الأمريكية".

 

بالطبع هذه الجلسة في مجلس الشيوخ هي جزء من سعي الحكومة والمشرعين لوضع العراقيل أمام صفقة بيع الولايات المتحدة طائرات أف-35 المتطورة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي أقرتها إدارة الرئيس السابق ترامب كجزء من اتفاقية تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل.  هذه الصفقة التي قدرت قيمتها بحوالي 23 مليار دولار تشمل 50 طائرة أف-35 بالإضافة إلى عدد من الطائرات المسيرة بدون طيار.  إن تلكؤ الحكومة في إقرار الصفقة بسبب صفقات سلاح مع الصين هو نوع من النبوءات التي تحقق نفسها، ذلك أن الشروط الصعبة التي تضعها الحكومة الأمريكية على صفقات السلاح هي التي تدفع بدول المنطقة للانفتاح على مصدري السلاح الآخرين مثل روسيا والصين الذين هم على استعداد لبيع السلاح لكل من يرغب، ثم تعود الولايات المتحدة إلى الشكوى من توجه دول المنطقة نحو المنافسين وتستخدم ذلك كمبرر لعدم بيع السلاح لدول المنطقة.    

 

خلاصة القول بأن الصراع الأمريكي-الصيني على المنطقة قد بدت بوادره بالظهور في العديد من القضايا التي أشرنا إلى البعض منها أعلاه. لكن هذا لا يعني أن الصين بإمكانها أن تحل محل الولايات المتحدة في الجانب الأمني على المدى المنظور، ويعود ذلك الى التفوق العسكري والتكنولوجي الأمريكي.  لأن الولايات المتحدة تنفق أكثر من ثلاثة أضعاف الإنفاق العسكري للصين (778 مليار مقابل 252 مليار حسب تقديرات معهد ستكهولم للسلام).  هذه الفجوة الكبيرة في القدرات العسكرية، وقد ذكرنا الفارق الكبير في عدد حاملات الطائرات أعلاه، لا يمكن جبرها على المدى القريب.

 

أما السؤال الأهم هنا فهو عن وضع المنطقة في هذه المعادلة المعقدة، وهل سوف تشهد إعادة لمسلسل الحرب الباردة التي كانت أساس العلاقات في المنطقة للفترة التي تبعت الحرب العالمية الثانية ومزقت المنطقة كل ممزق؟  الأمر يعود، في بعض جوانبه إلى دول المنطقة التي هي بحاجة إلى التشمير عن ساعد الجد وإعادة النظر في موقعها ودورها في السياسة العالمية وهي بحاجة إلى التفكير المشترك لإعداد العدة لذلك ومن ذلك الحوار مع الشركاء والحلفاء حول القضايا المحورية والوصول إلى قواسم مشتركة بين الفرقاء.  في غياب ذلك فعلى دول المنطقة الاستعداد لموجة جديدة من الصراعات والنزاعات بين القوى الكبرى والتي لن تكون محصورة بين الولايات المتحدة والصين فهناك روسيا والهند وبريطانيا والمجموعة الأوروبية.

مقالات لنفس الكاتب