; logged out
الرئيسية / العلاقات الثقافية الصينية/الخليجية بين التاريخ واحتمالات المستقبل

العدد 165

العلاقات الثقافية الصينية/الخليجية بين التاريخ واحتمالات المستقبل

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وبالرغم من التوثيق الجيد للنطاق الواسع من العلاقات المتعلقة بالتجارة، والاقتصاد، والطاقة التي تطورت بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، فقد تم التغاضي عن الدور متزايد الأهمية المتمثل في توسيع نطاق العلاقات الثقافية والعلمية والتعليمية. وتوضح المشاريع البحثية العلمية المشتركة الأخيرة، إلى جانب الإصلاحات التي أدخلت على المناهج الوطنية في كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والتي تتضمن تعليم اللغة الصينية في جميع مستويات التعليم الابتدائي والثانوي، والعلاقات الثقافية والتعليمية لم تعد فقط مكونًا رئيسيًا من مكونات العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، بل هي أيضًا دلالة على أهميتها وعلى آثارها المحتملة على المدى الطويل. وستسلط هذه المقالة القصيرة الضوء على العديد من الأمثلة النموذجية على المكونات المختلفة لهذه العلاقات الثقافية، وستضعها في سياق تاريخي للعلاقات التجارية، وستناقش المناطق المحتملة لمجالات التبادل الثقافي والعلمي في المستقبل، كما ستناقش الدور الفريد والمهم للجاليات المسلمة الصينية، في كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في تسهيل وتعزيز العلاقات بين هاتين المنطقتين.

حطام سفينة العصر العباسي - الكشف عن التبادل التجاري بين الصين والخليج في وقت مبكر

لقد مثلت الصين والعالم الإسلامي لعدة قرون أكبر مركزين للتعلم والثقافة والفن في العالم، وقد خلقت التجارة ذهابًا وإيابًا موجات من التأثيرات برًا وبحرًا. وقد شملت هذه التأثيرات الحس الجمالي، والتقنيات الفنية، والقيم الثقافية والدينية. وعلى الرغم من أن معظم الناس يتصورون أن سفن الشحن المتوجهة نحو الخليج والمكدسة بالبضائع المصنوعة في الصين بكميات كبيرة، هي ظاهرة حديثة نسبيًا، ففي الواقع، وبسبب الاكتشاف الأثري البحري الاستثنائي في عام 1998م، نحن نعلم الآن أن هذا الطريق التجاري يعود تاريخه إلى أوائل القرن التاسع، إن لم يكن قبل ذلك. وكان حطام السفينة، وهو مركب شراعي يُعتقد أنه تم بناؤه في عمان، متوجهاً من الصين إلى الخليج (ومكدسًا بشحنة تزيد عن 000,70 قطعة من البضائع تم إنتاجها للتصدير في مناطق مختلفة من الصين)، عندما غرق قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لجزيرة سومطرة. وقد ظلت الشحنة التي تتكون أساسًا من أعمال الخزف سليمة تحت الماء على مدى ألف عام، ولم تتضرر في الغالب. وقد وثقت البضائع المعروضة لأول مرة في سنغافورة في عام 2011 م، بوضوح مدى حجم التجارة المتخصصة التي تم إنشاؤها بين الصين ومنطقة الخليج على طول ما يُعرف الآن باسم طريق الحرير البحري. وقد تعجب علماء الآثار من اكتشاف أقدم الأمثلة المعروفة لما أصبح فيما بعد مشهورًا في جميع أنحاء العالم باسم الخزف الصيني الأزرق والأبيض. وقد تم تداول الكوبالت من إيران مع الصين في وقت سابق بكثير مما يُفترض، مما سمح بإنشاء الزجاج الأزرق. وفي الوقت الحاضر، تمكن مؤرخو الفن الإسلامي الذين يركزون على أعمال الخزف في العصر العباسي من توثيق مصادر التأثيرات الصينية المبكرة على أعمال الخزف المحلي (هاليت) بشكل أكثر وضوحًا. وقد أدى حجم التجارة أيضًا إلى قيام المؤرخين بإعادة النظر في المجتمعات الكبيرة من التجار المسلمين الذين بدأوا بالاستقرار في الصين منذ أوائل العصر الإسلامي. وبينما كان التجار الأوائل المسافرين برًا من الشرق الأوسط متمركزين في العاصمة القديمة تشانغآن (شيان حاليًا)، استقر التجار المسافرون بحرًا لأول مرة في قوانغتشو، ولاحقًا في تشيوانتشو (المعروفة في المصادر العربية باسم مدينة الزيتون) التي تقع شمالًا أعلى الساحل في مقاطعة فوجيان. وقد تم عرض هذه المجموعة الهامة من العناصر التجارية في جميع أنحاء العالم، ولكن للأسف لم يتم عرضها حتى الآن في منطقة الخليج. ومع ذلك، فقد استطاع معرض الفنان الصيني المشهور عالميًا "كاي غو شيانغ" في قطر في عام 2012م، أن يُحيي هذه العلاقات البحرية المبكرة من خلال الأعمال الفنية.

إعادة تخيل وإنشاء العلاقات الثقافية والتجارية بين الصين والخليج من خلال الفن

في مايو 2012م، تم إغلاق معرض الفنان الصيني "كاي غو شيانغ" بعد ستة أشهر من العرض في متحف: المتحف العربي للفن الحديث في الدوحة. حقق المعرض نجاحًا باهرًا حيث تمكن الفنان من إنشاء مجموعة واسعة من الأعمال الفنية التي تعكس القيم والعادات الخليجية التقليدية، فضلاً عن الجماليات الصينية، وفي الوقت نفسه تُذَكِر المشاهدين بالعلاقات الثقافية والتجارية بين هاتين المنطقتين والتي تعود إلى أوائل العصر الإسلامي. ربما كانت مدينة تشيوانتشو (التي تقع على الساحل الجنوبي الشرقي للصين) مسقط رأس الفنان كاي أكبر ميناء تجاري في العالم خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر وجذبت الآلاف من التجار المسلمين من منطقة الخليج وآسيا الوسطى، الذين قاموا بتأسيس المجتمعات وبناء المساجد ونجحوا وازدهروا اقتصاديًا لعدة سنوات هناك، حيث يُعد العدد الهائل من السكان المسلمين الصينيين اليوم أحفاد هؤلاء المستوطنين الأوائل.

وعندما كان "كاي" طفلاً كان يلعب في مقبرة إسلامية في ضواحي المدينة وهو يذكر كم كان مذهولًا بالتصاميم الغريبة على شواهد القبور، وقد قرر دمجها في أحد أعماله، حيث أعاد رسم النقوش العربية المختلفة من شواهد القبور الإسلامية المنقوشة بعناية على 60 صخرة كبيرة من تشيوانتشو والتي تم شحنها بعد ذلك إلى قطر ووضعت عند مدخل المتحف. ومن بين هذه النقوش: "كل نفس ذائقة الموت - كل متعة في الحياة وهم؛ من يموت على أرض أجنبية فهو شهيد". وبالنسبة للزوار من الخليج، كان النقش الأخير بمثابة تذكير قوي بمدى المسافة التي سافرها التجار من المنطقة واستقروا بها، وكيف يجب أن تكون بعيدًا عن الأصدقاء والعائلة. أطلق "كاي" على هذا المعرض اسم "العودة إلى الوطن"، وكان يمثل بالنسبة له عودة رمزية لأرواح الراحلين إلى وطنهم. وهناك عمل آخر مثير للإعجاب بشكل خاص وهو لوحة ضخمة تم إنشاؤها باستخدام البارود تصف قطيعًا من 99 حصانًا يركض عبر الصحراء، حيث ضرب جمال الخيول على وتر حساس لدى الزوار وأعاد 99 اسمًا من أسماء الله إلى الأذهان، بالإضافة إلى الكلمة الصينية التي تعني اللانهاية. تلك الأعمال ليست سوى اثنتين من عشرات الأعمال الفنية الرئيسية التي أنشأها "كاي" والتي استحضرت جوهر العلاقات الطويلة بين الصين والخليج، ودعت المشاهدين إلى إعادة النظر في أفكارهم حول الروابط التاريخية بين هاتين المنطقتين. (كاي)

المسلمون الصينيون في الصين - شبكات التجارة وشبكات التعلم الإسلامي

ومن بين سكان الصين المسلمين الذين يُقدر عددهم بنحو 25 مليون نسمة، تُعرف أكبر مجموعة باسم "هوي"، ومعظمهم من نسل التجار، والمسؤولين، والمهندسين، والعلماء، والحرفيين المسلمين الذين استقروا في الصين خلال عهد سلالة يوان (القرنين الثالث عشر والرابع عشر ح.ع) عندما جندهم حكام المغول للمساعدة في الحكم وتطوير إمبراطوريتهم سريعة التوسع. وعلى مر القرون، ازدهرت هذه المجتمعات في جميع أنحاء الصين، على الرغم من فترات العزلة الطويلة عن بقية العالم الإسلامي. عندما تم السماح بالسفر إلى الخارج، استغل المسلمون الصينيون الفرصة للذهاب للحج إلى مكة بالإضافة إلى البحث عن تعليم ديني متقدم في مراكز الدراسة الإسلامية. وبالرغم من أن مجتمعات صغيرة من المسلمين الصينيين قد عاشت في السعودية على مر القرون، وبشكل أساسي في مكة، لمساعدة الحجاج من الصين، إلا أن ذلك لم يكن حتى منتصف القرن العشرين عندما كانت أعداد كبيرة من المسلمين الصينيين تسعى للهروب من الحكم الشيوعي في الصين، ولذلك لجأوا إلى السعودية وانتهى المطاف بمعظمهم في الطائف (جيونغ). وفي أوائل التسعينيات عندما سُمح مرة أخرى بالدراسة في الخارج، بدأ عدد كبير من المسلمين الصينيين في السفر إلى مراكز تعليم الدين الإسلامي في القاهرة، ودمشق، والمدينة المنورة، وإسلام أباد. وبعد عقد من الزمن، بدأت أعداد متزايدة من الصينيين في الوصول إلى دبي، كان من بينهم مسلمون صينيون درسوا في الخارج وكانوا يجيدون اللغة العربية وعلى دراية بالثقافة المحلية، وقد لعبوا دورًا هامًا في تسهيل إنشاء الأعمال التجارية الصينية من خلال توفير خدمات الترجمة، بالإضافة إلى التعريف بالعادات المحلية والمجتمع. وقد نمت وازدهرت الجالية المسلمة الصينية في دبي على مدار العشرين عامًا الماضية ويُقدر عددها الآن بأكثر من 000,10 شخص. وخلال شهر رمضان 2018م، تم افتتاح مسجد صيني في دبي، ويُعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط، إن لم يكن في العالم بأكمله. ويوجد أيضًا مركز ثقافي صيني إسلامي يقدم خدمة الترجمة، ودروس تعليم اللغة الصينية والعربية، ومجموعة من دورات الدراسات الإسلامية للعامة. ويقدم المسجد خلال شهر رمضان وجبات الإفطار الصينية الحلال لمئات السكان من الجالية القريبة في المدينة العالمية (أرميجو وكاي). وكذلك ينظم المسجد مجموعة متنوعة من الفعاليات الثقافية التي تعرف العامة بالثقافة الصينية والمجتمع الإسلامي الصيني التقليدي. وقد أثبت هذا المسجد والخدمات التي يقدمها شعبيته بين الجالية المسلمة الصينية وكذلك المجتمع عمومًا. وقد تظهر في المستقبل مساجد مماثلة في أجزاء أخرى من المنطقة.

 

المشاريع والمبادرات التربوية والعلمية

وبحسب التقديرات الأخيرة، ستكون الصين قد تجاوزت الولايات المتحدة لتصبح رائدة العالم في الإنفاق على البحث والتطوير وذلك بحلول 2022م. وقد حققت الصين أيضًا تقدمًا كبيرًا في التصنيفات الدولية في التعليم، مع احتلال المزيد والمزيد من جامعاتها الكبرى للمراتب الأولى. وفي الوقت نفسه، تخصص الصين أيضًا الكثير من هذه الموارد لتطوير مبادرات علمية دولية مع جميع الدول في العالم، ولتقديم أعداد متزايدة من المنح الدراسية للطلاب الدوليين (مسعود). ومنذ عدة سنوات، أمرت الصين العشرات من أبرز جامعاتها بالبدء في تقديم برامج الدراسات العليا في اللغة الإنجليزية في المجالات التي حددت الصين أن هناك حاجة ماسة لها من قبل البلدان الأخرى، مع إيلاء اهتمام خاص بتلك البلدان التي تشارك بنشاط في مشاريع مبادرة الحزام والطريق. وبالرغم من أن أزمة فيروس كوفيد- 19 الحالية قد خلقت تحديات للدراسات الدولية، فقد بلغ إجمالي عدد الطلاب الأجانب في الصين نصف مليون طالب، وذلك قبل تفشي المرض مباشرة.

وبالتزامن مع تركيزها على البحث والتعليم الجامعي، أطلقت الصين أيضًا مبادرة دولية طموحة لتوسيع تعليم اللغة الصينية إلى المدارس الابتدائية والثانوية في البلدان في جميع أنحاء آسيا. وبالنسبة لبعض البلدان التي كان نهجهم هو تقديم منح دراسية لآلاف الطلاب للحصول على درجات متقدمة في تدريس اللغة الصينية كلغة ثانية حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم للتدريس في المدارس الابتدائية والثانوية. ومع ذلك، في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، خصصت الصين نصيب الأسد من إجمالي عدد مدرسي اللغة الصينية المدربين لتقديم دورات اللغة الصينية في المدارس في جميع أنحاء المنطقة. وهذا الالتزام من جانب الصين يعكس الأهمية المتزايدة للتعليم والعلاقات العلمية بين المنطقتين، واهتمام الصين بوجود عدد أكبر بكثير من الطلاب من المنطقة الذين يسعون للحصول على شهادات التعليم العالي في الصين. وفي الوقت نفسه، يوجد حاليًا عشرات الآلاف من الطلاب الصينيين الذين يواصلون حضور البرامج التعليمية للحصول على درجات مختلفة بالجامعات في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من عدم وضوح هذا الأمر، استنادًا إلى الأبحاث التي أجراها مؤخراً الباحث السعودي " بجامعة هونج كونج، فإن أحد الأسباب التي تجعل المسؤولين الصينيين والسعوديين يدعمون بنشاط الدراسات المتقدمة في بلدان بعضهم البعض هو كونهم مكاناً أقل إثارة للمشاكل فكريًا لأجيالهم القادمة. ففي مقالهما الأخير، "الحماية من تهديد التعليم في الغرب: دراسة مقارنة للخطابات والممارسات الأمنية الثقافية الصينية والسعودية تجاه الدراسة في الخارج"، يوثق الدكتور محمد السديري والأستاذ يان المخاوف المتزايدة في كل من الصين والمملكة العربية السعودية بشأن التأثيرات السلبية المتصورة للدراسة في الخارج في الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص (يان والسديري).

الاتجاهات والإمكانيات المستقبلية

وثمة مبادرة ثقافية أخرى مثيرة للاهتمام وهي الرحلات البحرية الأثرية المشتركة التي يتم تنفيذها حاليًا بين الصين والمملكة العربية السعودية مع التركيز على البحر الأحمر. ونظرًا لأن علماء الآثار في جميع أنحاء العالم يركزون بشكل أكبر على الاكتشافات البحرية، فإن العمل الحالي للباحثين الصينيين السعوديين يمكن أن يثبت جيدًا أنه يقدم مساهمات مهمة في فهمنا لتاريخ التجارة عبر المحيط الهندي بشكل عام، والعلاقات التاريخية بين الصين والخليج (شينخوا).

ومع استمرار الصين ودول الخليج الرئيسية في تطوير المشاريع العلمية والبحثية بناءً على اهتمامات بعضهما البعض ونقاط قوتهم واحتياجاتهم، فمن المؤكد أن بقية دول العالم ستستفيد أيضًا. وبالإضافة إلى تنفيذ مجموعة من المشاريع المتعلقة بأشكال الطاقة المتجددة والبديلة، بدأت الصين أيضًا تنفيذ العديد من مشاريع الأمن الغذائي مع المنطقة، وكان أكثرها إثارة للاهتمام هو المبادرة الناجحة الأخيرة بين علماء الزراعة الصينيين والإماراتيين في دبي لتطوير سلالة أرز مقاومة للملوحة. ويُجري حاليًا توسيع المشروع الذي يستخدم مياه البحر في الحقول الصحراوية للإنتاج التجاري (جان). ويُعد هذا المشروع بشكل خاص مثال ممتاز على عمل الصين ودول مجلس التعاون الخليجي معًا لتطوير أوجه التقدم العلمي التي يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في مناطق أخرى من العالم أكثر عرضة لتغير المناخ وارتفاع مستويات سطح البحر.

وربما يكون الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو محاولة تخيل التأثيرات طويلة المدى للأعداد المتزايدة من الشباب من الخليج والصين الذين يتقنون لغة بعضهم البعض، واستكمال الدراسات المتقدمة في بلدان بعضهم البعض، واستخدام خبراتهم العلمية المكتسبة حديثًا، جنبًا إلى جنب مع فهم أعمق لمجتمع وثقافة بعضهم البعض، من أجل تطوير مناهج جديدة لحل التحديات المتزايدة والمعقدة التي تواجه عالمنا.

مقالات لنفس الكاتب