; logged out
الرئيسية / يُخطئ من يقرأ التقارب الصيني ـ السعودي نتاج تباعد أمريكي ـ سعودي أو رد فعل صيني

العدد 165

يُخطئ من يقرأ التقارب الصيني ـ السعودي نتاج تباعد أمريكي ـ سعودي أو رد فعل صيني

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

يستخلص المتابع والمراقب في مجمل القضايا العربية والدولية والملفات الإقليمية المتعددة والشائكة، مدى التبدلات في "المناخات السياسية"، واستعصاءاتها في أفق لا نهاية له، وحلحلتها في مدى متشابك الألوان والأحجام. 

يُخطئ من يعتمد بقراءة ألوان صورة التقارب الصيني ـ السعودي أنها نتاج تباعد أمريكي ـ سعودي، أو أنها ردة فعل صينية لمواجهة الغرب بفتح قنوات جديدة مع حلفائه في الشرق كما يدعي البعض. 

لأن الصورة الحقيقية، إن الصين أساساً تولي اهتمامًا كبيراً وواسعاً منذ القدم بالعلاقات التاريخية مع الأمتين العربية والإسلامية، والمملكة العربية السعودية تعتبر ركن مفصلي في هاتين الأمتين، والشاهد على تلك الحقبات "طريق الحرير"، الذي لم يأت من فراغٍ أو مصلحة من طرفٍ واحد، إنما شقٌته إنجازات وتراكمات وثقافات وحضارات عريقة تحاكي الواقع، وتواكب التطورات. 

وبالعودة إلى مستجدات نمو العلاقات الصينيةــ الخليجية والتي وصلت إلى حدود "الشراكة الاستراتيجية"، فإن دول الخليج تشهد في هذه المرحلة تطوراً سريعاً من الطبيعي جداً أن تخوض شعوبها تحديات كبيرة في تحديدها لخارطة المستقبل، ومنه الانفتاح المنطقي على الشرق، والخروج من "شرنقة الغرب" التي يحاول بعض هذا الغرب وتحديداً الأمريكي أن يأسر الجميع لتبقى كأحجار الدومينو تدور في فلكه حيث يريد،  لا كما هي تريد، وما أرادته السعودية ليس جديداً أو مستجداً، فكلما تعززت العلاقات مع بكين كلما أبدى الجانب الأمريكي انزعاجه فيحرك ضغوطه عبر تحريك الاتهامات تحت راية حقوق الإنسان والديمقراطية ليصوب إعلامه سهامه تجاه العلاقات عبر اختلاق الأكاذيب. 

فالصيني لم يخبئ تقاربه من السعودية ودول الخليج، تعزيزاً لرؤية "السعودية 2030"، بالإضافة لمبادرتي “السعودية الخضراء” و  ”الشرق الأوسط الأخضر”، لتكون مدخلاً من مداخل التعاون بين الصين والمملكة العربية السعودية في مجالات الطاقة والاستثمار والتمويل، والمساعدة في تحقيق التنمية المتنوعة للاقتصاد السعودي، وصولاً إلى إنجاز عقد القمة الصينية العربية التي تتمحور حول مصير العلاقات وكيفية مقاربة القضايا المصيرية في المنطقة، ومن منطلق محدد وواضح، في الحفاظ على علاقاتها المتوازنة بدقة في جميع أنحاء المنطقة. 

في غضون ذلك سيتعين على دول الخليج أن تتعامل مع التنافس المستجد بين القوى العظمى و المتمثل بالولايات المتحدة والصين وأن تقاوم الانحياز إلى أي من الضفتين. 

فالاستراتيجية الشاملة بين الصين والمملكة العربية السعودية، لم تكن لتنسج لمرحلة مؤقتة وآنية إنما أبرمت لتكونان شراكة استراتيجية قائمة على أساس دولتان صديقتان معززتان بالثقة Yلى أبعد حدود. 

فأهمية هذه الشراكة أنها تفتح أبواب الطرق البحرية والبرية "الحزام والطريق" والذي يعتبر من أهم وأضخم المشاريع التنموية في العالم وخاصة لما يسمى شعوب العالم الثالث، كونه يؤسس لنهضة تجارية وصناعية ويربط دول آسيا بشرقيها الأدنى والأوسط بأوروبا وإفريقيا، جاء ذلك لأن الوعي الصيني، وصل مبكراً لحتمية استراتيجية بأن الحروب لا تأتي بالتطور والصعود إلى القمة، بل أنها تأخذ الشعوب إلى الانحدار والتخلف، وهذا ما تعيشه بعض الدول العربية من الحروب والتي أدت بها إلى استنزاف مقدراتها البشرية والمؤسساتية. 

واليوم باتت الصورة والمشهدية في أفغانستان واضحة من حيث تسارع الأحداث بطريقة مكشوفة، سيما أن التاريخ أثبت أنه لم تنجح أي محاولة للتدخل من قبل قوى خارجية، ولا يمكن تحقيق أية محاولة لفرض نموذج نظام خاص بجهة ما على الدول الأخرى. كما ثبت حتمية ووجوب سلوك خيار التشارك بهدف التنمية و نبذ خيار الحروب و الدمار .

من هنا فإن الصين تبني علاقتها ورؤيتها بتعزيز التعاون في الشرق الأوسط، وتسعى لتمتين دعم البلدان العربية والإقليمية في جهودها الرامية إلى بناء آلية أمن إقليمية شاملة ومشتركة للتعاون الجماعي، من أجل تحقيق السلام والازدهار والتنمية على المدى الطويل دون المرور في أتون التوسع الاستعماري.

كما أصبح واضحاً وجلياً أن الصين تدين بحزم جميع أشكال الإرهاب، ولم يسجل أنها دعمت او تدعم أية مجموعة إرهابية، ولأنها تعارض ازدواجية المعايير فهي تساند الدول العربية والإقليمية في مكافحة الإرهاب وتدفع باتجاه دعم القدرات الأمنية والعسكرية في هذا الشق. 

يحاول  بعض المحللين أن يستعملوا التعاون الصيني ــ الايراني للاستغلال الشعبوي، ويضعونه موضع اتهام للصين بدعم الإرهاب على قاعدة أن إيران تدعم منظمات حزب الله في لبنان وسوريا وفيلق القدس والحشد الشعبي في العراق والحوثي في اليمن، ويحاول الإعلام المناهض للصين والبعض الآخر المدعوم إيرانيًا تسويق أن التعاون الصيني الإيراني ينسحب أيضاً على دعم تدخلاتها في دول الجوار وذلك بهدف دق إسفين في العلاقات الصينية ـــ العربية ولكن لا يغيب عن الأذهان أن الصين ورغم تمسكها بالحفاظ على حقوق الشعوب والدفاع عنهم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية إلا أنها لا تفتح علاقات مع تنظيمات مسلحة وإنما تعتمد على العلاقات مع الدول والمؤسسات الشرعية وفق ما تنص عليه قواعد العلاقات الدولية محافظةً على مبدأ سيادة الدول واستقلالها وقرارها الحر، وبالتالي فإن علاقتها مع إيران مشروعةً وتنطلق من هذه المبادئ كعلاقة أي دولتين صديقتين يوجد بينهما مصالح مشتركة مميزة، كما أنها تؤكد أيضاً على علاقاتها المميزة والاستراتيجية مع الدول العربية بل وتسعى بشكلٍ كبير لتعزيزها، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والعراق.

انطلاقاً من الثابتة الصينية التي تقول إن مكافحة الإرهاب تحتاج إلى تدابير شاملة لمعالجة الأعراض والأسباب الجذرية على حد سواء، وأن عمليات مكافحة الإرهاب ينبغي أن تمتثل لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والمعايير الدولية، وأن تحترم سيادة جميع البلدان واستقلالها وسلامتها الإقليمية.

فالصين تؤكد استعدادها لتعزيز التبادلات والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع الدول العربية لإقامة آلية تعاون أمنى طويلة الأجل، وتعزيز الحوار حول السياسات وتبادل المعلومات المخابراتية، والقيام بالتعاون الفني وتدريب الأفراد من أجل مواجهة التهديدات بشكل مشترك.

فالصين ترفض أن يكون تحقيق التنمية على حساب مصالح الدول الأخرى، ولن تلقي مشكلاتها على الآخرين. لأن ما يهمها تحقيق السلام والتنمية المشتركة، والتمسك بالنظام التجاري المتعدد الأطراف، سيما أنها اعتمدت المشاركة في حوكمة الاقتصاد العالمي. وهي بذلك تدفع لبناء نمط جديد للعلاقات بين الدول الكبيرة، من خلال السير قدماً مع تيار تقدم العصر ودفع التنمية السلمية في العالم، وبناء العلاقات الجديدة لتدعيم بناء جسر الصداقة والتعاون بين قارتي آسيا وأوروبا.

الكل يدرك ما تحاول ان تروجه الإدارة الأمريكية عبر أبواقها الاستخبارية في منطقة الشرق الأوسط عن أن الصين لها أطماع اقتصادية واستثمارية على حساب شعوب المنطقة، وهذا لا ينسجم طبعًا مع مشروع "الحزام والطريق" والذي يعني(الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري والبحري)، وبالتالي هذا الحزام أهميته أن يخلق بيئة للتبادل بكافة المجالات بين الشعوب 

وهذا ما يدل أن الصين متمسكة بالمفهوم الدبلوماسي المتمثل في العلاقة الحميمة، والصدق، والمنفعة، والتسامح تجاه الدول. ما يؤكد أن الصين تهتم بتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية، من خلال تطوير روح طريق الحرير، وتعميق التعاون الصيني- العربي إلى جانب الصداقة والشراكة مع القارة السمراء، والدفع لتشكيل شراكة أقوى بين الصين وأمريكا اللاتينية والكاريبي.

ويسجل للصين أنها رفضت عبر التاريخ مسألة إنشاء الأحلاف العسكرية والانخراط فيها، وهي تُفضّل التركيز على بناء شبكة واسعة من الشراكات الاستراتيجية متخذةً من قاعدة "الشراكة وعدم الانحياز"أ ساساً لها معتمدة على قوتّها الاقتصادية المتنامية حيث وقّعّت الصين رسمياً عام 2019 م، شراكات استراتيجية مع 110 دول ومنظمة إقليمية و هذه المقاربة تساعد الصين على خلق بيئة تعاونية متعدّدة الأقطاب مواتية لها ومعادية لنزعة الهيمنة الأمريكية. 

وتثبيتاً لمبدئها الرافض لمفهوم الانخراط بالأحلاف و الانحياز قال الرئيس الصيني شي جين بينغ عندما تحدث في مقر جامعة الدول العربية عام  2016 قائلاً "إن الصين لا تقوم بتنصيب الوكلاء في الشرق الأوسط، ولا تنتزع ما يسمى بـ"مجال النفوذ" من أي أحد ولا تنوي "ملء الفراغ "، لم يكن يومها كلاماً عبثياً أو أتياً من فراغ، إنما يقال للغمز من قناة أن لا يمثل الصين سوى الصين نفسها، كرد على ما تحاول أمريكا تعميمه. 

لقد سعت الصين ومنذ تأسيسها لصياغة علاقاتها وشركاتها بتوازن فكانت أولى العلاقات المميزة والتي وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في المنطقة مع الجزائر وكذلك مع مصر التي تتشارك معها بأضخم المشاريع ، وصولاً إلى الإمارات العربية المتحدة التي أضحت شريكًا استراتيجيا في الشرق الأوسط، أما بخصوص المملكة العربية السعودية فقد خصها وزير خارجية الصين وانغ يي بأن تكون محطته الأولى في جولته الشرق أوسطية الأولى لعام 2020 م، لكي يطلق منها مبادرة الصين بشأن الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط، مثبتًا بذلك الدور المحوري والأساسي للسعودية على الصعيدين العربي والإسلامي.

إضافة إلى تلك العلاقات نسجت الصين علاقة تشاركية مميزة بإطار مشروع الحزام والطريق مع تركيا، وكذلك وقعت الاتفاقية الصينية العراقية والتي تعتبر من كبرى الاتفاقيات التي وقعتها الصين، والاتفاقية الصينية الإيرانية التي تأتي في هذا السياق، مثيلها مثيل باقي دول المنطقة.

 إن شراكات الصين مع دول المنطقة تأتي ضمن قواعد وأسس أخلاقية وندية من دولة إلى دولة بغض النظر عن الأنظمة التي تتبعها أو الجهات السياسية التي تتولى زمام الحكم، لأن الصين تعتمد في علاقاتها مع الدول على مبادئها الوطنية والقومية والتي خطها الأحمر هو دعم استقلال الدول وسيادتها. 

إن العلاقة الصينية الخليجية ومع السعودية خاصةً دخلت مؤخراً مرحلة الازدهار والشراكات عبر مجموعة من القطاعات، من الطاقة إلى الرعاية الصحية. وقد أبدى قادة الجانبين اهتماماً حقيقياً في زيادة توسيع وتعزيز علاقاتهم. وأثبتت هذه العلاقات مدى حاجة العالم إلى "الحزام والطريق"، وإلى التجارة غير المقيدة والممر الآمن للصادرات والواردات والتعاون في مجال التكنولوجيا الفائقة.

ومن هذا المنطلق يدرك قادة دول مجلس التعاون الخليجي)المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات العربية المتحدة(  أن النظام العالمي يتغير، ووجهته هي الشرق كونه مركز الثقل الاقتصادي العالمي وصعود الصين يرشحها لأن تقود هذا التحول.

فالعلاقة كما كانت تاريخية هي متينة وقوية على المدى الطويل. وهم يعتقدون أن بلدانهم تتمتع بتآزر كبير وإمكانات نمو كبيرة ،هذا هو السبب في أن كلا الجانبين يدعو إلى مواءمة خطط التنمية وقد تجلى ذلك عندما وقعت خمس دول من مجلس التعاون الخليجي (الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر وعُمان والكويت) لتصبح أعضاء مؤسسين للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، وهو بنك تنمية متعدد الأطراف ومقره في بكين يبلغ من العمر خمس سنوات ويركز على تمويل مشاريع البنية التحتية في الاقتصادات الناشئة. في عامي 2016 و 2018 م، على التوالي ، رفعت الصين علاقاتها الثنائية مع أكبر اقتصادين في دول مجلس التعاون الخليجي، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى مرتبة الشراكات الاستراتيجية الشاملة.

ومن أجل حماية مصالح دول مجلس التعاون الخليجي نرى أنه لا بد من تعزيز الثقة بالنفس والاستقلالية في استراتيجيتها ،هذا ما يجعلها تضمن عدم تعرضها للسحق ، لأن المنطقة عانت كثيراً من العوامل الجيوسياسية المتقلبة على مدى الثلاثين عامًا الماضية وتأثرت اقتصاداتها سلبًا نتيجة لذلك. كما أن دول مجلس التعاون الخليجي عليها أيضاً أن لا تكون طرفاً من أطراف الصراعات، أو أن تنحاز إلى أي طرف وأن تعمل على ضمان أن لا يتصاعد التنافس الاقتصادي والجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة إلى صراع عسكري. ويعتبر بناء قدرات دول الخليج وتعزيز القدرات الدبلوماسية من أجل التنسيق الرفيع المستوى للتنمية والاستثمار والسياسة التجارية أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق هذا الهدف

مقالات لنفس الكاتب