; logged out
الرئيسية / الصين تركز على "الترابط" الاقتصادي لضمان نجاح الدبلوماسية بدلًا من "الضغط"

العدد 165

الصين تركز على "الترابط" الاقتصادي لضمان نجاح الدبلوماسية بدلًا من "الضغط"

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

"يمكن للصين أن تلعب دورًا كبيرًا في عملية المصالحة في أفغانستان وفي إعادة إعمارها وبنائها وتأهيلها"

هذا التصريح الصادر من المتحدث باسم طالبان بعد استعادة الجماعة المتطرفة للسلطة في كابول في أغسطس يعكس أهمية بكين ومكانتها المتزايدة في الشؤون العالمية، وذلك على حساب الولايات المتحدة إلى حد ما. وبالرغم من الاختلافات حول معاملة الإيغور في منطقة شينجيانغ، التقى مسؤولو طالبان والصين في بكين في يوليو الماضي لتطوير استراتيجية لضمان استمرار مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني المجاور لأفغانستان دون عوائق.

وتعكس استراتيجية الصين في أفغانستان استراتيجيتها الاقتصادية والدبلوماسية المتطورة في الخليج والشرق الأوسط، والتي يمكن أن تشكل السياسة الأمنية العالمية لبكين في المستقبل. وبالنظر إلى أن الاعتبار الأساسي لبكين هو حماية وتعزيز المصالح الاقتصادية للبلاد، فإن الخبراء يدعون إلى استخدام أساليب تشمل الوساطة للدفاع عن المصالح التجارية بدلاً من المصالح الأمنية؛ و"إدارة" النزاع بدلاً من "حل" النزاع؛ وتعزيز علاقة غير متنازعة بين الشركاء الاستراتيجيين للصين في المنطقة ممن تمزقهم الانقسامات، والضالعين في الحروب بالوكالة.

وتُعد المنطقة جزءًا رئيسيًا من مبادرة الحزام والطريق التي تربط علاقات الصين في مجال الطاقة والتجارة مع بقية العالم. وبالتالي، فإن الاستقرار هو مصدر قلق كبير للصين وسط العداوات الشديدة ودلائل تراجع مشاركة الولايات المتحدة ونفوذها، وهو ما يشجع أيضًا على المناقشة حول آليات الأمن البديلة في المنطقة.

ويروج أحد الاتجاهات "دبلوماسية شبه الوساطة" إلى الدفاع عن "المصالح التجارية والسياسية والدبلوماسية بدلاً من المصالح الأمنية الأساسية والاستراتيجية". إن الدولة التي تستثمر في هذا النموذج "تعمل دون أن تسعى إلى الهيمنة؛ تتبع لا تقود؛ تشارك في مراجعة جدول الأعمال بدلاً من وضعه؛ تشجع وقف تصعيد النزاع بدلاً من الانخراط بعزم في حل النزاع."

وقد ينطوي هذا النهج على "التدخل متعدد الأوجه، والمشاركة الاستباقية، والوساطة المحدودة والمشاركة غير المباشرة"، مما يقلل من المخاطر التي قد تواجهها الصين أثناء إدارة صراعات المنطقة. وعلاوة على هذا النهج، فثمة نزوع واضح من الصين إلى "البحث عن أرضية مشتركة مع الاحتفاظ بالخلافات"، مما يشير إلى وجود ميل نحو إدارة النزاع بدلاً من حل النزاع.

وبما يتعارض مع التصور الشائع بأنها ابتعدت عن التدخل في مستنقع الشرق الأوسط، فقد انخرطت الصين في "دبلوماسية الوساطة" في سوريا، والسودان، واليمن، وإيران، وفي عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن هذه الجهود لم تغير أي شيء، إلا أنه من الممكن تفسيرها على أنها محاولة لبكين للابتعاد ببطء عن سياستها المفضلة المتمثلة في عدم التدخل.

ويوصي خبير آخر بالعمل مع جميع البلدان المتنافسة لضمان عدم تصعيد التوترات السائدة، ويركز بشكل خاص على التأثير على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من ناحية، وإيران وتركيا من ناحية أخرى لاستيعاب ضغط بكين لإدارة الصراع. وتكتسب هذه الأفكار زخمًا وسط الاتفاق الاستراتيجي بين إيران والصين لمدة 25 عامًا بقيمة 400 مليار دولار، الذي يغطي قطاعات الطاقة والبنية التحتية والدفاع، والذي تم توقيعه في أبريل. ومع وجود مؤشرات على أن إدارة بايدن ستوقع في النهاية اتفاقًا نوويًا مع إيران، تشعر بكين أن هناك فرصة لتعزيز مصالحها.

وفي ظل التحول المثير للاهتمام، وبدلاً من وضع عبء مثل هذا الترتيب على حماية المصالح الاقتصادية للصين فقط، يُقال بأن بكين يجب أن تشير لشركائها بأنها تتوقع إعادة معايرة الحقائق الإقليمية كشرط مسبق لمشاركتها الاستباقية في الأمن والجغرافيا السياسية الإقليمية.

وعليه فإن الرسالة الموجهة: “لتجنب خسارة الصين، تحتاج دول الخليج إلى خلق درجة من الاستقرار الإقليمي". ويتمثل الأساس المنطقي لهذا النهج في أن أي فشل في تخفيف حدة التوتر يمكن أن يؤثر إما على الصين للحد من مشاركتها الاقتصادية في الشرق الأوسط والخليج أو التركيز على تحسين العلاقات مع تلك الدول فقط التي تتقبل سياسات الصين."

وتخدم هذه التوصيات غرضين: أولاً، التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة إلى بكين باعتبارها غير مهتمة وتعمل بمستوى أدنى مما هو متوقع للمساهمة في استقرار المنطقة. وبدلاً من ذلك، فإنهم يشيرون إلى أن بكين تدرس بجدية الخيارات المختلفة لتحقيق المزيد من المشاركة السياسية في الشؤون الإقليمية والعالمية. ثانيًا، الترويج للنظرية الصينية المتمثلة في اتباع نهج دبلوماسي متوازن يختلف عن النهج الأمريكي.

وبالرغم من أن الصين لا تلعب دور الوسيط الرئيسي في أي أزمة دولية، إلا أن رهاناتها الاقتصادية طويلة المدى جعلت بكين تنخرط في الدبلوماسية الإقليمية. ومثال على ذلك، دورها الخامل ولكن المهم في محادثات مجموعة 5 + 1 مع إيران. وقد شكر الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في عام 2015م، لدور بكين البناء في تأمين الصفقة النووية بعد أن بدأت الصين في تشجيع إيران على النظر في الصفقة بموضوعية بعد إعادة انتخاب أوباما في عام 2012م.

وهناك مساهمة أخرى قد حظيت باهتمام وتتمثل في أن الأساطيل البحرية الصينية رافقت 6600 سفينة بين عامي 2008 و2018م، في خليج عدن والمياه قبالة الصومال، من بينها 51.5٪ سفن أجنبية، مما يعكس مساهمتها في حماية المصالح الدولية.

ويؤيد بعض الباحثين الأمريكيين هذه الاتجاهات: "إن الصين لا تريد أن تملأ الفراغ الأمريكي (في المنطقة أو في أي مكان آخر)؛ وتساعد مشاركتها على نمو الاقتصادات دون تهديد النظام السياسي، الذي يحظى بشعبية في الشرق الأوسط ... وإن نهجها شبه العسكري القائم على التجارة له بصمة دبلوماسية أكثر شمولًا من الاستبعاد ".

ومع ذلك، وفي ظل الدعوات للمشاركة النشطة في الساحة الدبلوماسية، هناك بعض الصينيين الذين يعربون عن الحذر  والحيطة، خاصة بشأن التدخل في الساحة الأمنية. "إذا كنا سنقوم بعمليات مرافقة في مضيق هرمز، فمن المحتمل جدًا أن يحدث نزاع مع واحدة أو أكثر من دول الخليج الساحلية ... (وبالتالي)، لا ينبغي للصين أن تتعجل في التدخل العسكري في هذه المنطقة."

ولكن تكتسي هذه الأفكار والأفكار المضادة أهمية في سياق الضغط الأمريكي على دول الشرق الأوسط للحد من مشاركتها مع الصين. وفي إشارة إلى دور هواوي في مشاريع البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس في الإمارات، صرحت واشنطن في مايو 2020م، أنها ستجعل من "الصعب" على القوات الأمريكية والخليجية التواصل، و"أنه يجب على هذه الدول أن تقدر قيمة شراكتها مع الولايات المتحدة."

وهناك أيضًا وجهة نظر أخرى متمثلة في أن "اتفاقيات إبراهيم" هي طريقة واشنطن لفرض قيود على مشاركة بكين وموسكو المتزايدة في المنطقة من خلال الترويج لحليف الولايات المتحدة، إسرائيل، كشريك اقتصادي وتكنولوجي وأمني بديل في المنطقة. ويعتبر ذلك بمثابة السماح لواشنطن بترف الاستمرار في الانفصال التدريجي، دون التنازل عن مساحة لخصومها الاستراتيجيين. وبوجه عام، تعكس المناقشات في الصين محاولة بكين لإعادة التوازن من "السياسة بين الدول" إلى التركيز على "الترابط" الاقتصادي. وإن هذا النهج الدقيق، الذي يتضمن "أقصى قدر من الدبلوماسية" بدلاً من "أقصى ضغط"، قد يساعد في التخفيف من حدة التوترات بدلاً من تأجيج نيران التوتر في منطقة الخليج، بينما يعزز أيضًا إمكانية وجود بنية أمنية جماعية لا تتمحور حول الولايات المتحدة في المنطقة وخارجها.

مقالات لنفس الكاتب