; logged out
الرئيسية / أثر التغير في أفغانستان على أمن البحار والممرات المائية

العدد 166

أثر التغير في أفغانستان على أمن البحار والممرات المائية

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

تمثل الممرات البحرية في المنطقة العربية والتي تحتوي على العديد من المضايق والخلجان محـور اهتمام مجموعة كبيرة من الدول ذات القدرات العسكرية والسياسية المتنوعة وذات المصالح المتقاطعة، مما جعل هذه الممرات المائية وما تحتويه من مضايق وخلجان محل تنافس وتهديد أيضًا من قوى دولية وإقليمية والعديد من التنظيمات الإرهابية، ويأتي التغير في الواقع السياسي والأمني في أفغانستان وبما يلقي بتبعات أمنية على أمن تلك الممرات المائية، خاصة تاريخ استهدافها من تنظيمات إرهابية استوطنت أفغانستان ولها تاريخ في استهداف الممرات الملاحية مثل تنظيم القاعدة.

لذا كان من الأهمية التعرف على أسباب أهمية الممرات البحرية في المنطقة، ثم خريطة ومستقبل الجماعات الإرهابية في أفغانستان والتي قد يكون لها تأثير على أمن الممرات البحرية، وموقف القوى المختلفة منها وسيناريوهات التعامل مع المخاطر المحتملة:

أولاً: أهمية الممرات البحرية في المنطقة وأسباب تأثرها بتمركز تنظيمات الإرهاب في أفغانستان

  1. الأهمية الاستراتيجية للممرات البحرية في المنطقة العربية.

تتسم الممرات البحرية في المنطقة العربية باتساع النطاق السياسي والجغرافي لها وهو من أهم الأبعاد الجيوبوليتيكية للموقع الجغرافي، حيث تميزت هذه المناطق وما تحتويه من مضايق وخلجان بدور أكبر وأكثر اتساعًا من دورهم الجغرافي المحكوم بالموقع والحدود الجغرافية، فلا يقتصر دورهم على الوحدات السياسية التي تطل عليهم مباشرة، بل أيضاً الوحدات السياسية التي ترتبط بهم سياسيًا أو اقتصاديًا أو عسكريًا.

فمثلًا أصبحت هذه الممرات الاستراتيجية نتيجة الصراع بين القوى الدولية والجوع البترولي في أوروبا وأمريكا بكل مميزاتها وخصائصها الجيوبوليتيكية أخطر محاور الصراع الدولي وملتقى أهم نقاط التحكم الاستراتيجي باعتبارها حاملة البترول ومعبر التجارة الأساسية ومجال تدفق القوة العسكرية ، فهذه المنطقة تمثل القطب الذي تتلاقى فيه مصالح وأهداف المجموعة الكبيرة من الدول، ذات القدرات العسكرية والسياسية المتنوعة.

من ناحية أخرى، تتسم المنطقة بالتأثر بالمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، وهو أحد نواتج أهمية الموقع الجيوبوليتيكية، حيث تعد الكتلة الجغرافية التي تمتد من مضيق جبل طارق مرورًا بقناة السويس فالبحر الأحمر فمضيق باب المندب وخليج عدن ومضيق هرمز والخليج العربي وبحر العرب كأنها كتلة جغرافية واحدة، فالتهديدات الأمنية التي تطال جزءًا منها تطال باقي أجزاء الممر المائي.

ولعل ما حدث للسفينة أيفر جريفين عندما جنحت وأغلقت الممر الملاحي لقناة السويس فتأثرت التجارة الدولية، وتعطلت سلاسل التوريد وارتفعت الأسعار في البورصات العالمية.

والشكل التالي يوضح تركز أربعة ممرات بحرية من أصل سبعة ممرات استراتيجية على مستوى العالم في المنطقة العربية.

 

 

  1. أسباب تأثر الممرات البحرية بتمركز تنظيمات الإرهاب في أفغانستان.

 

لأفغانستان تاريخ من احتضان التنظيمات الإرهابية التي استهدفت مناطق عديدة في العالم ومنها الممرات البحرية في المنطقة، وتتمثل أسباب تأثير الوضع في أفغانستان على أمن الممرات البحرية في المنطقة في الآتي:

  • إحياء النموذج الأفغاني كحاضن للإرهاب المتطرف:

يعد النموذج الأفغاني كحاضن لتنظيمات التطرف الأكثر إغراءً لها، لما له من تاريخ حمل الكثير من النجاح، وبيئة خصبة نتجت من الطبيعة الجغرافية وواقع الدولة الأفغانية التي تعرضت للاحتلال أكثر من مرة ودعم لتوطين التطرف بها في مرحلة من المراحل لمقاومة الغزو السوفيتي السابق، ثم الاحتلال الأمريكي.

ومن ناحية أخرى، تعاني تلك التنظيمات في العراق وسوريا وليبيا، حيث بدء استعادة دور الدولة القوي في السيطرة على أقاليمها، وباتت أكبر قدرة على حصار الإرهاب ، فتبدو أفغانستان الفرصة الذهبية التي تولدت لهذه التنظيمات والتي تعاني من الحصار، وبدأت تبحث عن موطن آخر لها.

  • التنافس الأمريكي الصيني الروسي

على الرغم من الدفوع الأمريكية حول الانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلا أن الاستراتيجية الأمريكية التى تهدف إلى احتواء النمو الصيني والروسي قد يكون أحد أهدافها عامل الاستنزاف لتلك القوى، ومن ناحية أخرى فإن ما جرى من مفاوضات بين أمريكا وطالبان أحداثه ومجرياته غامضة، مما قد يشير إلى أهداف أمريكية أخرى لم يعلن عنها من الانسحاب الحالي.

أيضًا وفي ضوء بحث جيوش المرتزقة التي توطنت في المنطقة عن مأوى لها لإعادة التوظيف مرة أخرى، يبدو أن الخيار الأمريكي وقع على أفغانستان والتي تعد قنبلة في وسط الحزام الإسلامي الذي يحيط بكل من الصين وروسيا، وعامل جذب لتلك التنظيمات بعد الانتهاء من مهمتها في المنطقة، مما يجعل تلك الحاضنة قادمة على توظيف أمريكي لها مثلما حدث أبان فترة الاحتلال الروسي لأفغانستان.

  • توظيف تلك الجماعات من قبل قوى إقليمية (إيران وتركيا)

فرضت بعض صراعات وتنافسات بعض القوى الإقليمية من أجل فرض نفوذها وصعودها الإقليمي والدولي أثرها على أمن الممرات البحرية، وتبدو إيران وتركيا الأكثر رغبة وتحفزًا لما يحدث في أفغانستان، ولهما امتدادات عرقية ومذهبية وجيرة بالدولة الناشئة، وقد برعت تركيا في توظيف المرتزقة في مناطق الصراع لتحقيق مصالحها، وتبدو الأراضي الأفغانية مرشحة لذلك.

ولإيران تاريخ من استخدام الممرات البحرية لتحقيق مصالحها، فدائما تقوم بتهديد الملاحة في الخليج وعبر مضيق هرمز، وزاد المشروع السياسي لإيران والملف النووي من إيقاع توظيف الممرات البحرية لصالح مستهدفات السياسة الإيرانية في الإقليم.

  • النجاح في تحقيق خسائر اقتصادية للقوى الدولية

تعد الممرات المائية في الدول العربية الأكثر جاذبية لتحقيق خسائر اقتصادية وتهديد دول العالم، ولعل ما واجهته المنطقة من اعتداءات متكررة على ناقلات النفط والسفن التجارية، والصدى الذي أحدثته العمليات الإرهابية يوضح الجاذبية التي تلقاها تلك الممرات من التنظيمات الإرهابية، والشكل التالي يوضح حجم تجارة النفط التي تعبر مضيق هرمز فقط.

 

ثانيًا: خريطة الجماعات الإرهابية في أفغانستان.

جاء التغير في الواقع السياسي الأفغاني ليلقي بتبعات أمنية على أمن الممرات البحرية في المنطقة نتيجة السيولة التي تعاني منها أفغانستان، ومما يحمل معه في المستقبل ملاذًا أمنًا لتلك التنظيمات، ويعد تنظيم القاعدة وولاية خراسان فرع تنظيم داعش في أفغانستان الأكثر قدرة على الجهاد في الخارج، ولتنظيم القاعدة تاريخ من استهداف الممرات البحرية.

  1. تنظيم القاعدة.

تطرح علاقة طالبان القائمة أو المحتملة مع القاعدة الكثير من الهواجس لدى عديد من الدول، وإذا كان الماضي يشير إلى تراجع التهديد الذي تمثله القاعدة انطلاقاً من أفغانستان، بسبب الضربات الأمنية الموجعة التي تلقاها التنظيم بما في ذلك مقتل زعيمه أسامة بن لادن ونجله حمزة، وعلى الرغم من تراجع النشاط الإرهابي للتنظيم بشكل واضح مقارنة بنشاط “داعش” والتنظيمات الموالية له، إلا أن المستقبل قد يحمل بروز دور للتنظيم مرة أخرى في ضوء التغير في الواقع السياسي في أفغانستان.

  1. تنظيم داعش - ولاية خراسان.

تصاعد نشاط التنظيم في أعقاب الهزيمة العسكرية التي لحقت بالتنظيم الأم في كل من العراق وسوريا عامي 2017 و2018م، وقد انضم إلى هذا التنظيم مجموعات كانت انفصلت عن طالبان، وهم الساخطون على القيادة المركزية لحركة طالبان ويمثلون العدد الأكبر، والمقاتلون الفارون إلى أفغانستان بسبب العمليات العسكرية الباكستانية الجارية في المنطقة الحدودية، ويمثلون ثاني أكبر فئة، وأخيرًا الفئة الثالثة، وهم الأفراد غير الأفغان الذين دخلوا أفغانستان مباشرة بعد الانتقال من العراق وسوريا، ويهدف التنظيم إلى محاربة جميع الحركات المسلحة في "ولاية خراسان" مثل طالبان والقاعدة، إلى جانب حكومات المنطقة.

  1. شبكة حقاني.

تعد تلك الشبكة فرع من حركة طالبان، وتتمتع بقدرات قتالية عالية، والأقرب إلى تنظيم القاعدة، وصنفتها أمريكا كمنظمة إرهابية منذ عام 2012م، ومطلوب زعيمها من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "إف بي آي"، وتخضع لعقوبات من جانب الأمم المتحدة.

تم تأسيس الشبكة على يد جلال الدين حقاني الذي حارب الغزو السوفيتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، ثم تولى ابنه زعامتها، وقد عين أخيرًا في الحكومة التي شكلتها طالبان وزيرًا للداخلية في حكومة طالبان لتصريف الأعمال، والذي عرضت واشنطن سابقًا خمسة ملايين دولار لمن يزودها بمعلومات عنه.

  1. طالبان باكستان.

تم الإعلان عن تأسيسها في عام 2007م. ونفذت العديد من الهجمات الإرهابية في باكستان، كما تلقت الكثير من الضربات من الجيش وقوات الأمن الباكستانية، وتطرح العلاقة القائمة والمحتملة بين طالبان أفغانستان وطالبان باكستان بزعامة نور والي محسود الكثير من التساؤلات، خاصة في ضوء العلاقة بين طالبان أفغانستان والأجهزة الأمنية في باكستان.

ثالثًا: حدود تأثير التنظيمات الإرهابية في أفغانستان على أمن الممرات البحرية في المنطقة وأشكال الإرهاب البحري التي يحتمل استخدامها.

يتحدد مآلات واقع التنظيمات الإرهابية وحدود تأثيرها على أمن الممرات البحرية على موقف القوى الدولية والإقليمية ومتطلبات الواقع السياسي في أفغانستان ، وآليات التوظيف المحتملة لتلك التنظيمات، وهو ما سيتم استعراضه في الآتي:

  • حدود تأثيرات التنظيمات الإرهابية في أفغانستان على أمن الممرات البحرية:

يوجد تمايز واضح بين التنظيمات الإرهابية العاملة داخل أفغانستان من حيث طبيعة التحدي الذي تواجهه، وطبيعة أرض المعركة التي اختارتها لتنفيذ أهدافها، والأيديولوجية التي تعتنقها.

فيعد تنظيم طالبان ذات توجه قبلي منذ نشأته، ولم يسع إلى جذب أعراق وجنسيات مختلفة من جميع أنحاء العالم، وعينهم قادة وضباط في صفوفه، على النقيض من تنظيم الدولة، فكثيرًا ما تفاخر تنظيم الدولة الإسلامية بفكرهم ونهجهم "العابر للحدود".

كذلك فإن تنظيم طالبان ركز جهده في مواجهة العدو في الداخل الأفغاني ووجه قوته لمواجهة الاحتلال السوفيتي والأمريكي للأراضي الأفغانية و السيطرة على الدولة الأفغانية، بينما تنظيم القاعدة وداعش عابران للحدود، وبالتالي فإن الأعداء يمتدان بحدود المواجهة وفق أدبياتهم، وهي مواجهة ممتدة حين تحل قواعد التنظيم، وبالتالي فإن الخطر المحتمل على الممرات المائية سيأتي من تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية ومن يعتنق فكرهم.

  • أشكال الإرهاب البحري التي يحتمل استخدامها:

أشارت المعلومات التي عُثر عليها في مخبأ أسامة بن لادن عقب مقتله في مايو 2011م، في أبوت آباد في باكستان، الاهتمامَ المتنامي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وفروعه، بتنفيذ هجمات تستهدف الملاحة البحرية، ويمكن تقسيم أشكال الإرهاب البحري إلى عدة فئات بناء على استهدافه للمجال البحري واختيار الأهداف، وذلك كما يلي:

استخدام انتحاريين للقيام باستهداف أهداف بحرية ثمينة، ويعد هذا النموذج هو الشائع للتنظيمات الإرهابية، والأكثر شهرة لذلك النوع من الاعتداءات ما نفذه تنظيم القاعدة ضد المدمرة الأمريكية يو إس إس كول في 12 أكتوبر 2000، قبالة السواحل اليمنية من قبل انتحاريين ، واستهداف ناقلة نفط فرنسية “إم/في ليمبورج”، قرب ميناء الشحر في اليمن في 6 أكتوبر 2002م، مما أسفر عن كارثة بيئية جراء تسرب 100 ألف طن من النفط في خليج عدن.

ويتمثل النموذج الثاني في استخدام قوارب صيد كوسيلة لشن هجمات على أهداف برية أو بحرية، ومن الأمثلة البارزة على ذلك الهجوم البحري في نوفمبر 2014م، باستخدامِ أربعة قوارب صغيرة على بعد 40 كيلومترًا شمال مدينة دمياط المصرية ، وهو الحادث الذي أسفر عن تدمير القوارب والقبض على عدد 32 شخصًا مع إصابة 5 وفقدان ثمانية من القوات البحرية المصرية، أيضًا تفجيرات مومباي في الهند في 26 نوفمبر 2008م، بواسطة تنظيم القاعدة، وذلك باستخدام زوارق بواسطة عشرة إرهابيين في ميناء مومباي وتنفيذ اثني عشر هجومًا منسقًا على المدينة.

أما النموذج الثالث فيتمثل في اختطاف سفينة حربية للهجوم على سفينة حربية أخرى وهو هدف سعت إليه التنظيمات الإرهابية، ففي 6 سبتمبر 2014م، قام تنظيم القاعدة بشن هجوم في شبه القارة الهندية على فرقاطة تابعة للبحرية الباكستانية “بي إن إس ذو الفقار” في قاعدة كراتشي البحرية، بهدف مهاجمة سفن حربية أمريكية ترسو بالجوار بثمانية صواريخ من طراز C-802 المضادة للسفن.

أما النموذج الرابع فيتمثل في استخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة، وهذا النموذج تم استخدامه بوسطة جماعة الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، وهو نموذج قابل للتكرار من قبل التنظيمات الإرهابية، نظرًا لسهولة نقل تكنولوجيا أو الاستيلاء على منظومات خاصة بها لاستخدامها في عمليات إرهابية خاصة في الممرات البحرية.

وقد ساهمت إيران في توطين ذلك النموذج من الاعتداءات سواء بواسطتها أو بمد جماعة الحوثيين بتكنولوجيا الطائرات المسيرة، وتملك إيران مجموعة متنوعة من الطائرات بدون طيار مثل طراز“H-110 Sarir” ، المجهزة بصواريخ جو-جو وطراز Shahed" "129، المخصصة لمهام المراقبة والمهام الهجومية، وقد استخدمت إيران ذلك النوع في مضايقة السفن الأمريكية في الخليج العربي.

أخيرًا استخدام الألغام البحرية لتهديد الممرات البحرية، وقد اكتشفت مثلًا قواتُ التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ألغامًا بحرية، كان قد زرعها الحوثيون في البحر الأحمر، بالقرب من الساحل اليمني ومضيق باب المندب.

رابعًا: موقف القوى الدولية والإقليمية من تهديد التنظيمات الإرهابية في أفغانستان لأمن الممرات البحرية.

تعد دول الجوار الجغرافي هي الأكثر تأثرًا بما يجرى في أفغانستان، وكذلك الدول التي لها مصالح أو قد تتأثر بالوضع السياسي والأمني في أفغانستان، وهذه الدول قد يكون لها تأثير في الحالة الأفغانية، وبالتالي فإن عوامل التهديد للخارج سيحد منها المدى الذي ستتدخل فيه تلك القوى، ورغبتها في استقرار الوضع أو توظيفه تحقيقًا لمصالحها، ودعم تلك التنظيمات الإرهابية.

ولعل الدور السعودي والمصري يتواءم مع وضع الاستقرار وعدم التوظيف لتلك التنظيمات الإرهابية لأنهم المعنيون بالضرر بالتأكيد في حالة انهيار الوضع الأمني وتأثيره على أمن الممرات البحرية في المنطقة، لذا سيتم التركيز على أدوار القوى الأخرى التي قد تساهم وترغب في استقرار الأوضاع أو توظف الواقع السياسي والأمني لصالحها وبما يهدد أمن الممرات البحرية وذلك كالتالي:

1.    روسيا والصين.

يتشارك كل من روسيا والصين في الرغبة في انسحاب أمريكا من أفغانستان لأنه يشكل مصلحة استراتيجية لهما، لأنه يقلل من نفوذ واشنطن في منطقة تعد مجال نفوذ وجوار جغرافي، وأيضًا يتشاركان في الهواجس الأمنية نتيجة التغير في الواقع السياسي والأمني، فروسيا لديها هاجس من تحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للجهاديين من منطقة القوقاز، وبالنسبة للصين فتخشى من العمل الذي قد تلقاه العناصر المتشددة والانفصالية من أقلية الإيغور المسلمة، وقد تم رصد استضافة أفغانستان مجموعات إيغورية انفصالية.

وعلى الرغم من ذلك لدى كل من روسيا والصين سبب وجيه لمزيد من الانخراط في أفغانستان، حيث تقع الدولة عند مفترق طرق حاسم لمبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الصيني، والتي تتضمن التجارة ومشاريع البنية التحتية في كل من إيران وباكستان، وتعزيز التواصل والتنسيق مع روسيا عبر منظمة شنغهاي للتعاون.

2.          الهند وباكستان.

تحكمت طبيعة العلاقة بين الهند وباكستان وبينهما وتنظيم طالبان على توجهات الدولتين تجاه الوضع في أفغانستان، فالهند وقفت مع النظام السابق وتنظر إلى طالبان بتوجس وإن كانت تحاول التواصل مع التنظيم مثل اللقاءات التي عقدها سفيرها في قطر مع ممثلي التنظيم.

من ناحية أخرى وفي ضوء التنافس بين الدولتين تحسب الهند طالبان على الحكومة الباكستانية، وتخشى تحول أفغانستان تحت حكم طالبان شريكا لباكستان في استخدام الجماعات الإرهابية كرأس حربة ضدها، وتسرب العتاد الأمريكي الصنع إلى الجماعات الإسلامية التي تستهدف الهند في كشمير.

بالنسبة لباكستان، وإن كانت تتشارك مع الهند في عدم انهيار الوضع الأمني وبما قد يهدد استقرارها، فإنها تبدو الرابح الأكبر بحكم العلاقة العضوية بينها وتنظيم طالبان، وستعمل على توظيف الوضع لتحقيق مصالحها ومنها التقارب بين التنظيم والصين وذلك لكبح جماح الدور الهندي المتنامي، وانضمام كابول إلى مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الضخم الذي يضم مشاريع بنى تحتية بقيمة 62 مليار دولار، بالإضافة إلى الحد من دور تنظيم طالبان باكستان وعدم تحفز جماعات أصولية أخرى داخل باكستان.

3.          إيران وتركيا.

لدى كل من تركيا وإيران هواجس أمنية واقتصادية وسياسية تجاه الوضع الجديد في أفغانستان، فالهاجس الأكبر لإيران يتمثل في أن تنظيم طالبان يحمل أيديولوجية إسلامية تعتبر منافساً لأيديولوجية ولاية الفقيه، وهو أمر على النقيض من مشاغل تركيا تجاه التنظيم، والتي ترغب في استغلال الوضع لتحقيق مصالحها في ضوء تقارب وتداخل حدود أفغانستان مع العديد من دول آسيا الوسطى المُتأثرة دينيًا ولغويًا وتاريخيًا بتركيا، ولما تحتويه المنطقة من ثروات اقتصادية ضخمة.

 

أيضًا قد تتوافق الدولتان تجاه منافسة كل من باكستان و السعودية لمصالحهما في أفغانستان، فتعد المملكة على رأس القوى الإقليمية التي تعتبرها إيران منافساً غير مرغوب به في أفغانستان، فينظر أحياناً إلى أن السعودية بإمكانها أن تحصل بشكل أو بآخر على ورقة ضغط على إيران، يمكن استخدامها في موازنة الملف اليمني.

 

خامسًا: عوامل الجذب / الحد من تهديد الممرات البحرية بعد التغير في الوضع السياسي في أفغانستان وسيناريوهات التحرك.

  1. عوامل الجذب لتفعيل دور التنظيمات الإرهابية في أفغانستان.

يأتي الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كأحد أبرز عوامل الجذب للتنظيمات الإرهابية للعودة مرة أخرى إلى أفغانستان، فبلا شك الوجود الأمريكي جعل كافة التنظيمات الإرهابية أمام عينه، مما أدى إلى الحد من قدرات تلك التنظيمات، لذا فإن الانسحاب الأمريكي خاصة من قواعده السرية الموجودة في شرق أفغانستان، والتي تستخدمها القوات الخاصة الأمريكية كنقطة انطلاق لعمليات ضد "أهداف عالية القيمة"، سيعطي الأمل للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية لتخفيف الضغط الأمريكي على قدرات تلك التنظيمات.

أيضًا فإن البحث عن ملاذ أمن لتنظيم داعش نتيجة عودة الدولة الوطنية في ممارسة دورها في العراق وسوريا، وتوفر أماكن اختباء محتملة في أفغانستان جائزة مغرية.

كذلك فإن الفراغ الأمني الذي قد ينشأ بتقليص الوجود العسكري الأمريكي المحتمل في الخليج، وتأثيره على ركائز الأمن، وعلى أمن الممرات البحرية في المنطقة العربية، قد يشكل عامل جذب لتلك التنظيمات لتهديد الممرات الملاحية في المنطقة، وتعد وثيقة الدليل الاستراتيجي المؤقت الصادرة عن إدارة بايدن في مارس 2021م، والتي ركزت على سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط والتركيز على الصين وروسيا في إطار إعادة ترتيب المخاطر التي تواجه الأمن القومي الأمريكي، أحد الدلائل على الفراغ الأمني الذي قد ينشأ وعامل جذب لتلك التنظيمات لتهديد المنطقة. ‏

ومن ناحية أخرى فتعد تبعات الصراع الإيراني الاسرائيلي / الأمريكي على الأمن البحري أحد عوامل الجذب لتلك التنظيمات، حيث يمكن توظيفها لتحقيق مصالح أحد الأطراف، ولإيران تاريخ من توظيف الميليشيات لتحقيق مصالحها في المنطقة، حتى وإن كانت تعتمد على الإطار المذهبي في ذلك فإنها قد تتجه إلى توظيف الوضع في أفغانستان لصالح أهدافها على الرغم من الاختلاف المذهبي.

 

  1. دوافع الاستقرار والحد من الإرهاب.

الرغبة في الحصول على الشرعية الدولية لتنظيم طالبان وإثبات قدرتها على استعادة النظام والهدوء، ورغبتها الملحة في الحصول على الشرعية الدولية بعد الفساد والاقتتال الداخلي والهدر الذي اتسمت به الحكومة السابقة على مدى السنوات العشرين الماضية، تعد أحد أبرز العوامل التي قد تساهم في الحد من دور الجماعات الإرهابية في أفغانستان.

وهي حاليًا في محل تقييم لسياستها على الأرض وليس التصريحات التي يطلقها المتحدثون باسمها، وكذلك متابعة دؤوبة لها لتحديد مدى قدرتها على التعامل مع النظام الدولي وفق قوانينه وأعرافه.

وكذلك قدرة تنظيم طالبان على مواجهة تحديان قد يشكلان مستقبل الدولة الأفغانية في المستقبل القريب، ويتمثل التحدي الأول في القدرة على تقديم مبررات القبول داخليًا ودوليًا من حيث الخروج من إطار التنظيم إلى إطار آخر يتعلق بإدارة شؤون دولة ومدى قدرة طالبان السيطرة على كامل التراب الأفغاني، التحدي الآخر يتمثل في القدرة على كبح جماح الجماعات الإرهابية في الداخل الأفغاني ومواجهة حالة النشوة التي قابلت بها الجماعات الإسلامية انسحاب أمريكا من أفغانستان، والدعم الوارد للجماعات الإرهابية من الخارج.

سادسًا: سيناريوهات التحرك.

تتمثل سيناريوهات التحرك في عدة مسارات متوازية بحيث تؤدي إلى عودة أفغانستان إلى صورة الدولة القادرة على السيطرة على حدودها والمتجانسة حول أهدافها القومية.

  1. مسار إرساء ترتيبات أمنية إقليمية تتضمن بلورة آليات مؤسسية تضم الأطراف الإقليمية والدولية، المعنية بأمن الممرات المائية في المنطقة.

تعد المبادرة السعودية بإحياء مشروع منتدى البحر الأحمر مرة أخرى الأساس الذي  يبنى عليه هذا المسار، حيث تم التوقيع في أوائل يناير عام 2020 م، على ميثاق تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وأن يكون مقره الرياض، ويضم ثماني دول، هي: مصر، والسعودية، والأردن، وجيبوتي، والصومال، واليمن، والسودان، وإريتريا، ويعد أحد الأسس التي يمكن تفعيلها على أن تتضمن الكتلة الجغرافية التي تمتد من الخليج العربي وصولاً إلى خليج عدن والبحر الأحمر وقناة السويس.

ويقوم هذا المسار على مبدأ الإقليمية الجديدة ، والتي تعني إقامة تجمع اقتصادي يحقق مصالح الجميع في إطار تشاركي لحفظ الأمن وتحقيق المنافع الاقتصادية للجميع.

فتتوفر في المنطقة جميع المؤشرات التي تجعلها نموذجًا إقليميًا ناجحًا، خاصة أن القانون الدولي قد حفز مثل هذا التعاون مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وشؤون المحيطات لعام 1982م، والتي نصت في المادة 123 على تعاون الدول المشاطئة لبحار مغلقة أو شبه مغلقة، وكذلك المزايا التي تتمتع بها التجمعات الإقليمية تجعلها أكثر قدرة على خدمة قضايا الأمن والسلم الإقليمي.

وهناك نماذج لتعاون الحكومات على المستوى الإقليمي تمت برعاية منظمة الملاحة الدولية  ، منها التعاون الإقليمي في البحر الأسود وهي منطقة جغرافية وتحتل موقعًا استراتيجيًا على مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، ونموذج التعاون الإقليمي في المحيط الهندي، حيث يعتبر المحيط الهندي عقدة مواصلات وشريان نقل الطاقة الذي يربط المحيط الهادئ بالمحيط الأطلسي وهو يصل آسيا وإفريقيا وأستراليا ببعضها، وأيضًا منظمة التعاون الاقتصادي لدول بحر قزوين وهو بحر مغلق لا مخارج له على المحيطات العالمية وهو معني بالتعاون بين الدول من أجل استثمار واستغلال ثروات وموارد البحر وتنظيم شؤون الملاحة داخله.

  1. تشكيل ترويكا للتفاوض مع تنظيم طالبان.

يمكن هنا المبادرة من خلال منظمة العالم بتشكيل ترويكا من الدول الإسلامية والدول المعنية باستقرار الأمن في أفغانستان للتحدث مع تنظيم طالبان حول متطلبات المرحلة الانتقالية، وبما يؤدي إلى تحقيق صالح الشعب الأفغاني.

  1. مسار الدعم الحذر لسلطة طالبان.

يقوم هذا المسار بتحديد خطوات التقرب من تنظيم طالبان بناء على سياسات التنظيم التي سيتخذها ورغبته الصادقة في التعامل مع المجتمع الدولي وفق قوانينه، حيث تمضي السلطة الجديدة في طريق الحصول على الاعتراف الدولي بشرعية حكمها لأفغانستان، وفي ذات الوقت مواجهة تحديات قيادة دولة ومواجهة الفكر القاعدي والداعشى والذي يضم التنظيم بين جنباته قواعد متشددة تؤمن به، وهو قد يرجح سياسة التقدم نحوها بقدر ما ستبديه من سياسات تتوافق مع النظام الدولي، مع تقييم خطوات طالبان القادمة لإثبات جديتها في التعامل مع المجتمع الدولي وفق قواعدة وأعرافه.

  1. مسار التعاون بين الدول المعنية بتحقيق الأمن والاستقرار في داخل أفغانستان.

التنسيق والتشاور بين الدول المعنية بتحقيق الأمن والاستقرار والتي قد تكون الأكثر تضررًا من انهيار الدولة، وتتمثل في دول الجوار الجغرافي والمعنية بعدم تحول أفغانستان إلى دولة فاشلة تهدد السلم والأمن الدولي مثل الصين وروسيا وباكستان والهند على سبيل المثال.

 

ختامًا:

تعد الممرات الملاحية في المنطقة العربية إقليمًا وموقعًا له قدر من التأثير والأهمية الاستراتيجية لدول المنطقة والعالم، وتتأثر بالمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، مما يلقي دائمًا بتبعات إيجابية أو سلبية على أمن واستقرار تلك الممرات الملاحية.

ويأتي التغير في الواقع السياسي في أفغانستان ليلقي بتبعات أمنية على تلك الممرات البحرية خاصة تاريخ استهدافها من تنظيمات أتيح لها الاستقرار في أفغانستان، مما يستدعي وضع مسارات للتحرك لتلافي تداعيات التغير في الواقع السياسي في أفغانستان، سواء تمثل في التعاون الإقليمي مثل منتدى البحر الأحمر الذي دعت إليه وتبنته المملكة العربية السعودية، أو التعاون مع القوى المختلفة الراغبة في استقرار الأوضاع الأمنية في أفغانستان، والتأقلم الحذر مع سلطة طالبان المطالبة بإبداء القدرة على التعامل مع النظام الدولي وفق قوانينه وأعرافه، وحسم معركة الشرعية بين طالبان وخصومها الأكثر تحديًا وإرهاقًا لها في الداخل الأفغاني.

مقالات لنفس الكاتب