array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 166

استيلاء طالبان على أفغانستان يعيد رسم خريطة آسيا الجيوسياسية

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

أنفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها مليارات الدولارات في سبيل تسليح وتدريب وتطوير الجيش والقوات الجوية والقوات الخاصة والشرطة في أفغانستان. وتشير التقديرات إلى أن واشنطن أنفقت بمفردها حوالي 83 مليار دولار على قطاع الدفاع في أفغانستان منذ عام 2001م، كما تبرع حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأكثر من 70 مليون دولار كإمدادات لقوات الدفاع الأفغانية، شملت معدات طبية ودروعًا واقية. ولكن القيادة السياسية والعسكرية لم تطور استراتيجية للدفاع عن أفغانستان، لاسيما وأن العمليات والمهام القتالية الدولية انتهت في عام 2014م، وكشفت سرعة وشراسة مقاتلي طالبان في السيطرة على النقاط الحيوية في البلاد وحتى العاصمة كابول عن عجز القوات الوطنية الأفغانية.

القدرات العسكرية لحركة طالبان

استولت طالبان على عشرات الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية من قوات الأمن الأفغانية إثر انسحاب القوات الأمريكية من هناك بعد حربها التي استمرت على مدى عقدين. وتمتلك طالبان الآن مركبات عسكرية ومدافع مضادة للطائرات ودبابات مدرعة ومدفعية أمريكية الصنع، وقد استخدمت هذه الأسلحة لشن الهجوم على القوات الأفغانية. ومن شأن هذه الأنظمة التي استولت عليها حركة طالبان أن تزيد من قدرتها وتجعلها أكثر فتكًا وشراسة. كما يخشى الخبراء العسكريون أن تصبح أفغانستان مرة أخرى أرضًا خصبة للإرهابيين والجماعات المسلحة مثل القاعدة.

إن لدى طالبان 80 ألفاً من المقاتلين مقارنة بنحو 300 ألف و700 جندي يخدمون الحكومة الأفغانية، ومع ذلك فقد تم اجتياح البلاد بأكملها فعليًا في غضون أسابيع، بينما استسلم القادة العسكريون دون قتال في غضون ساعات. ومدلول ذلك أن هناك جيشًا لطالبان ضعيف التجهيز ولكن لديه دوافع أيديولوجية عالية، يقابله جيش آخر مجهز جيدًا من الناحية الشكلية، ولكنه يعتمد على دعم أمريكا والناتو، وتديره قيادة سيئة ينخرها الفساد.

منذ سقوط كابول في 15 أغسطس 2021م، أمام الجماعة الإسلامية المتشددة، ظهرت صور مقاتلي طالبان وهم يستعرضون مجموعة من الأسلحة والمركبات الأمريكية الصنع. وتناقلت أوساط التواصل وصفًا لطالبان بأنها أضحت الجماعة المتطرفة الوحيدة التي لديها قوة جويَّة، وأبرزت بعض أفرادها في معدات قتالية كاملة بحيث لا يمكن تمييزهم عن القوات الخاصة الأخرى من جميع أنحاء العالم. وقد يؤدي توافر الأسلحة الصغيرة إلى تهديد الاستقرار وربما التمهيد لحرب أهلية.

كان لدى القوات الجوية الأفغانية 167 طائرة، في نهاية يونيو 2021م، وليس من الواضح العدد الذي أسرته طالبان منها بالفعل. وربما جرى نقل بعض الطائرات إلى خارج البلاد أو إلى قواعد جوية أخرى. استولت طالبان أيضًا على القواعد الجوية الأفغانية التسعة المتبقية، بما في ذلك تلك الموجودة في هرات وخوست وقندز ومزار الشريف. وينشر مقاتلو طالبان ووسائل الإعلام المحلية صورًا لطائرات مصادرة وطائرات مُسيَّرة من هذه المطارات. وشملت هذه الصور MI-17 و MI-25 و Black Hawks وكذلك العديد من طائرات الهجوم الخفيف A-29 و C-208. سحب الجيش الأمريكي الطائرات والأسلحة الثقيلة والمعدات العسكرية المتطورة عندما بدأ في إنهاء عملياته في أفغانستان في الربيع، لكنه لم يستطع أن يستعيد المعدات المتراكمة منذ 20 عامًا وترك الكثير منها للجيش الأفغاني. وفي محاولة أخيرة من القوات الأمريكية لحرمان طالبان من استخدام بعض المعدات العسكرية الأمريكية دمرت أو عطلت ما يقرب من 100 مركبة قتالية وعشرات الطائرات قبل إخلاء مطار كابول.

ظهر متمردون وهم يتفقدون طوابير طويلة من المركبات ويفتحون صناديق أسلحة نارية جديدة ومعدات اتصالات وحتى طائرات عسكرية مُسيَّرة. وأصبح كل ما لم يتم تدميره ملكا لطالبان. ويخشى مسؤولون أمريكيون من استخدام هذه الأسلحة من قِبَل جماعات متشددة مثل تنظيم الدولة الإسلامية لمهاجمة مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، أو حتى احتمال تسليمها إلى خصوم من بينهم الصين وروسيا. وبحسب مسؤول أمريكي، فإن احتمالات التقييم الاستخباراتي تُقدِّر أن طالبان تسيطر على أكثر من 2000 عربة مدرعة، بما في ذلك عربات همفي الأمريكية، وما يصل إلى 40 طائرة منها UH-60 بلاك هوك، وطائرات هليكوبتر هجومية استكشافية، وطائرات مسيَّرة عسكرية ScanEagle.

بين عامي 2002 و 2017م، منحت الولايات المتحدة الجيش الأفغاني ما يقدر بنحو 28 مليار دولار من الأسلحة، بما في ذلك البنادق والصواريخ ونظارات الرؤية الليلية وحتى الطائرات المُسيَّرة الصغيرة لجمع المعلومات الاستخبارية. ومنذ عام 2003م، زودت الولايات المتحدة القوات الأفغانية بما لا يقل عن 600000 سلاح مشاة بما في ذلك بنادق هجومية من طراز M16 و 162000 قطعة من معدات الاتصالات و 16000 من أجهزة نظارات الرؤية الليلية. وتُعتبَر القدرة على العمل في الليل تغييراً حقيقياً لقواعد اللعبة، يمكن للأسلحة الصغيرة التي استولى عليها المتمردون مثل المدافع الرشاشة وقذائف الهاون وكذلك قطع المدفعية بما في ذلك مدافع الهاوتزر، أن تمنح طالبان ميزة ضد أي مقاومة يمكن أن تظهر في معاقل تاريخية مناهضة لطالبان مثل وادي بنجشير شمال شرق كابول. كان التوقع هو أن طالبان ستستخدم معظم الأسلحة، لكن من السابق لأوانه معرفة ما يخططون للقيام به - بما في ذلك مشاركة المعدات مع الدول المنافسة مثل الصين.

نستعرض فيما يلي أهم 10 أسلحة عسكرية استولت عليها طالبان: (1) الطائرة سوبر توكانو A-29 Super Tucano، طائرة هجومية خفيفة، مصممة لمكافحة الشغب، والدعم الجوي الوثيق ومهام الاستطلاع؛ (2) المروحية العسكرية UH-60 بلاك هوك، للنقل والهجوم، بها نظام متقدم لتحديد الأهداف الثابتة وإصابة الأهداف أثناء العمليات النهارية والليلية بدقة شديدة حتى من مسافات طويلة. (3) الطائرة المٌسَيَّرة العسكرية الصغيرة سكان إيجل ScanEagle، لمهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وتضمن حماية البيانات الآمنة وجمع الأدلة الصوتية والمرئية اللاسلكية السريعة. تعمل لأكثر من 24 ساعة بسرعة عالية؛ (4) الطائرة الهجومية الخفيفة MD-530F، مروحية عسكرية متعددة الأغراض، لتعزيز الكمائن والمرافقة المسلحة والهجوم الجوي القريب؛ (5) المركبات المقاومة للألغام MRAPs، وهي مركبات مصفحة تناسب كل التضاريس وتوفر حماية فعالة ضد الألغام الأرضية والكمائن وهي مصممة لحماية الأفراد من القنابل على جانبي الطريق. (6) حاملة الأسلحة المطورة M1151 همفي، وبها دروع استثنائية لحماية الركاب؛ (7) النظام القناص M24 Sniper، تساعد ملحقات السلاح على التحول إلى بندقية قنص، وتمتاز ببساطتها ودقتها الفائقة وتعدد استخداماتها؛ (8) البندقية الهجومية عديمة الارتداد M18، ذات طلقة واحدة تُطلق على الدبابات والأفراد بدقة عالية؛ (9) M4 كاربين، سلاح يعمل بالغاز له نظام إطلاق نار متعدد. يسمح النظام بتزويد البندقية بجهاز ليزر، وقاذفة قنابل يدوية، ورؤية ليلية، ومصباح يدوي؛ (10) القنبلة شديدة الانفجار عيار 40 ملم، مصممة لذخيرة قاذفة القنابل، ويتكون السلاح من قذائف عالية السرعة، بمدى فعال يبلغ حوالي كيلومترين.

العلاقات مع دول الجوار

تخطط روسيا لعصر جديد مع حكم طالبان، وتتمثل اهتمامات روسيا الرئيسية في الاستقرار الإقليمي وأمن الحدود لحلفائها في آسيا الوسطى. وعندما تسابقت الحكومات الأمريكية والأوروبية لإخراج مواطنيها من كابول، كانت روسيا إحدى الدول القليلة التي لم يظهر عليها انزعاج من سيطرة طالبان. بل اعتبرت أن العاصمة أصبحت أكثر أمانًا من ذي قبل. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن استيلاء طالبان على السلطة يمثل حقيقة يتعين التعامل معها. ولن ينسى الروس حربًا كارثية دامت تسع سنوات في أفغانستان دعموا خلالها حكومة كابول الشيوعية في الثمانينيات. وتقول روسيا إن بعثتها الدبلوماسية في العاصمة كابول لا تزال مفتوحة وقد وجهت كلمات دافئة للحكام الجدد. أما ممثل موسكو في الأمم المتحدة فتحدث عن مستقبل مشرق للمصالحة الوطنية، مع عودة القانون والنظام إلى الشوارع وإنهاء سنوات عديدة من إراقة الدماء. هناك توطيد للعلاقات الروسية مع الحكام الجدد في أفغانستان، وتستعمل وكالة تاس الآن مصطلح "راديكالي" بديلا عن "إرهابي" في تقاريرها عن طالبان. كما تقوم موسكو منذ بعض الوقت ببناء اتصالات مع طالبان معتبرة أن مصالح روسيا تزامنت مع حركة طالبان عندما تعلق الأمر بمحاربة جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وفي إطار التركيز على الأمن الإقليمي تراقب موسكو التطورات وتأمل أن تفي طالبان بوعودها باستعادة النظام، وأن لا تسمح للإرهاب وتهريب المخدرات بالتسلل إلى الدول المجاورة. تؤكد روسيا أنه ليس لديها مصلحة في إرسال قوات إلى أفغانستان، وأنها تنشد الاستقرار الإقليمي وتريد حدوداً آمنة لحلفائها في آسيا الوسطى. ومؤخراً حصلت روسيا على تأكيدات من طالبان بأن أي مكاسب أفغانية لن تهدد حلفاءها الإقليميين وأنهم سيواصلون محاربة مقاتلي داعش. يشعر آخرون في موسكو بالقلق مما قد يجلبه حكم طالبان، ويعتقدون أنهم سيكافحون للسيطرة على البلد بأكمله، وخاصة الشمال، وهذا قد يهدد روسيا وجيرانها. وربما تحرض بعض خلايا القاعدة المتمركزة في أفغانستان على بعض الأعمال في آسيا الوسطى. كما أنه يُخشى من حدوث تدهور حاد في الاقتصاد الأفغاني قد يؤدي بدوره إلى مزيد من عدم الاستقرار.

تشير الدلائل الأولية إلى أن الصين - التي يحتمل أن تكون مدعومة من قِبَل روسيا وباكستان وبعض الحكومات الأخرى - ستتبنى نهجًا مختلفًا تمامًا، وفقًا لدبلوماسيين وخبراء. من غير المرجح أن تنشر بكين قوة عسكرية، وتسعى بدلاً من ذلك إلى استخدام الإغراءات الدبلوماسية والاقتصادية لإقناع طالبان بالسير على طريق إعادة الإعمار السلمي. وقال نائب المندوب الدائم للصين لدى الأمم المتحدة: "نأمل أن توحد طالبان جميع الأطراف في أفغانستان وتؤسس إطارًا سياسيًا يلبي الظروف الوطنية، ويضع أساسًا لسلام دائم في أفغانستان".

إن بكين مستعدة لجمع مئات الملايين من الدولارات لتمويل إعادة بناء البنية التحتية الحيوية في أفغانستان. قال خبراء صينيون إن الاستثمارات الصينية في مشروعات الموارد ستُمكِّن من استعادة النظام للاقتصاد الأفغاني. ستكون بكين على استعداد لتقديم اعتراف رسمي بحركة طالبان كحكومة شرعية لأفغانستان. وجاء في بيان صينى أن "طالبان الأفغانية لديها أقصى درجات الإخلاص للعمل من أجل السلام وتحقيقه. لن تسمح طالبان الأفغانية أبدًا لأي قوة باستخدام الأراضي الأفغانية للانخراط في أعمال ضارة بالصين. ويجب أن تطور علاقات ودية مع الدول المجاورة والمجتمع الدولي". كما دعت الصين الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى مثل روسيا وباكستان إلى الدعم. لكن رحيل الولايات المتحدة غيَّر الحسابات الاستراتيجية بشكل جذري لدرجة أنه يجب إجراء ترتيبات جديدة غير مريحة.

إذا تمكنت أفغانستان وباكستان من تسخير الإمكانات الإنتاجية لعلاقاتهما المشتركة عبر الحدود مع البناء على روابط التجارة والاتصال، فإن مزايا العلاقة الأكثر إيجابية يمكن أن تفوق المخاطر التي تحملها مثل هذه المشاركة. من خلال الانخراط في حوار ثنائي، والاستفادة من العلاقات البشتونية عبر الحدود، والاعتراف بالقضايا الأساسية، وتدابير بناء الثقة، يمكن للدولتين بناء الجسور لتحسين الاتصال الإقليمي، والتنمية الاقتصادية، والحوكمة.

اتجاه المصالح نحو أمريكا والصين وروسيا

تستعد الصين وروسيا للتدخل في الفجوة الأفغانية، في أعقاب الانسحاب الأمريكي الفوضوي الذي قوَّض بشدة الصورة الدولية للولايات المتحدة والعلاقة بين واشنطن وحلفائها، وفتح الباب أمام أعتى خصوم واشنطن لتوسيع نفوذهم. إن استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان يعيد رسم خريطة آسيا الجيوسياسية ويمنح الصين وروسيا - وهما من أقوى المنافسين الاستراتيجيين لأمريكا - فرصة لإبراز قوتهما. وستعمل موسكو على مواءمة مصالحها مع بكين في معارضة الولايات المتحدة.

في 28 يوليو عقد عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانج يي اجتماعًا رسميًا رفيع المستوى مع وفد من تسعة ممثلين عن حركة طالبان الأفغانية، وفي الاجتماع اعترف وانج علنيًّا بطالبان كقوة سياسية شرعية في أفغانستان، وهي خطوة لها أهمية كبرى لتنمية البلاد في المستقبل. وقال إن أفغانستان يمكن أن تلعب دورًا مهماًّ في مبادرة الحزام والطريق وكذلك في التكامل الاقتصادي الإقليمي، ولكن الاقتصاد ليس بَعدُ حافزًا للصين للاندفاع إلى البلد الذي مزقته الحرب. وستخطو الصين بحذر في المستقبل في محاولة لتعزيز مصالحها السياسية والاقتصادية. ظلت الصين تنسج شبكة من المشاركات الثنائية والثلاثية (الصين وباكستان وأفغانستان) والمتعددة الأطراف لتشجيع الاستقرار.

حتى مع احتفاظ الصين باعترافها الرسمي بالحكومة الأفغانية، طور المسؤولون الصينيون في السنوات الأخيرة علاقة مع طالبان مع تدهور الوضع الأمني في أفغانستان والتحولات في ميزان القوى على الأرض. في عام 2015م، استضافت الصين محادثات سرية بين ممثلي طالبان والحكومة الأفغانية، وفي يوليو 2016م، قام وفد من طالبان بزيارة بكين سعيًا إلى كسب تفهم الصين ودعمها لمواقفهم في السياسة الداخلية الأفغانية. تكثفت جهود المشاركة الصينية في عام 2019م،حيث تسارعت محادثات السلام بين الولايات المتحدة وطالبان.

يكشف انخراط الصين الحثيث والنشط مع طالبان تصور بكين العميق للدور الحاسم للجماعة في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية. وصف وانج حركة طالبان علنًا بأنها "قوة عسكرية وسياسية حاسمة في أفغانستان من المتوقع أن تلعب دورًا مهماً في عملية السلام والمصالحة وإعادة الإعمار في البلاد". كانت هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها أي مسؤول صيني علنًا بحركة طالبان كقوة سياسية شرعية في أفغانستان.

ومع استمرار الحرب الأهلية في أفغانستان، ستستمر الحكومة الصينية في السعي لتحقيق التوازن الدبلوماسي باعتباره أفضل طريقة لتعزيز مصالحها. في الواقع، تحتاج الصين إلى كل من الحكومة الأفغانية وطالبان للمساعدة في حماية أمن الأصول والمواطنين الصينيين على الأرض. دعا بعض الخبراء الصينيين حركة طالبان إلى إجراء المزيد من التغييرات في سياساتها من أجل التحديث والسعي في اتجاه معتدل. إن قدرة طالبان ورغبتها في القيام بذلك ستحدد عمق واتساع مشاركة الصين معهم في المستقبل.

مصير العتاد العسكري الأمريكي وقواعد البيانات

هناك تساؤل حول مصير العتاد العسكري المكثف الذي خلفته الولايات المتحدة خلال انسحابها أو ذلك الذي كان في أيدي القوات الأفغانية التي تَوَارت بسرعة مع تقدم طالبان. إن حقيقة أن أفغانستان دولة غير ساحلية تجعل إعادة العتاد العسكري إلى الولايات المتحدة ليس بالأمر السهل ولا الاقتصادي. إن تفجير كميات كبيرة من المعدات الحربية في الموقع أرخص من شحنها خارج أفغانستان. تتراوح السيناريوهات المحتملة بين الأسلحة الصغيرة المستخدمة لتعزيز عدم الاستقرار في المنطقة أو وصول نظارات الرؤية الليلية ومعدات الاتصال ذات المستوى العسكري إلى الجماعات المسلحة الأخرى، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية. العناصر الأكثر أهمية في أيدي طالبان الآن، مثل طائرات الهليكوبتر، لا يمكن صيانتها أو نقلها بسبب نقص الطيارين من طالبان وطواقم الصيانة المدربة. ومع ذلك، يمكن تسليم العتاد إلى الدول المهتمة بالتكنولوجيا الأمريكية الحساسة، وهذه القائمة ليست هيِّنة.

إن استيلاء طالبان الأخير على الطائرات المُسَيَّرة Boeing ScanEagle التي تم تطويرها للمراقبة، يمكن أن يضيف قدرة جديدة إلى ترسانة المقاتلين المتزايدة. ويمكن أيضًا تطوير استخدامها التكتيكي إلى خيارات بديلة وقاتلة. إن تصور القدرات القتالية المتزايدة التي توفرها غنائم الحرب قد يدفع أيضًا دول آسيا الوسطى إلى تعزيز علاقاتها الأمنية الثنائية مع موسكو وبكين، بغض النظر عن أي شيء، في مواجهة طالبان بمعدات حديثة.

في عصر البيانات الضخمة وقواعد البيانات المُخَزَّنَة في السحابة Cloud، هناك مخاوف شديدة من أن المئات من أجهزة القياسات الحيوية العسكرية، التي تم التخلي عنها في القواعد الأمريكية، تركت وسائل ستستخدمها طالبان لتحديد واستهداف المسؤولين الأمنيين السابقين وأنصار الحكومة. ويمكن استخدام أجهزة الكشف عن الهوية وأجهزة التعرف رقميًا لتمييز الأصدقاء من الأعداء عبر مقارنة قواعد البيانات مع بصمات الأصابع ومسح قزحية العين وعلامات الوجه المميزة.

وبالمثل، ترك مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في كابول أثرًا رقميًا ليس فقط على هواتفهم المحمولة ولكن أيضًا على الإنترنت. إنه الآن دليل رقمي يمكن استخدامه ضدهم عندما تشعر طالبان بالثقة في قبضتها على السلطة والسيطرة على وسائل الإعلام المحلية. قد يكون من الخطأ استبعاد قدرات طالبان في الوصول إلى معلومات استخباراتية رقمية قابلة للتنفيذ. إلى جانب الدعم المحتمل الذي يمكن أن تتلقاه طالبان من أجهزة المخابرات الأجنبية، ليس من الحكمة التقليل من براعة الجماعات المسلحة في تسخير مخططات منخفضة التقنية لمواجهة الأسلحة عالية التقنية.

خاتمة

  • من الصعب التعرف على أية اتصالات أو صفقات أو اتفاقات سرية مهدت أو سمحت باجتياح طالبان لأفغانستان، كما أن من العسير التكهن بالاستقرار المنتظر في كابول المحكومة بطالبان. كان هناك عدو واضح يتَّحِدُون لمواجهته، وبعد رحيل العدو سيشتد أوار المنافسة بين فصائل طالبان بعضهم وبعض، وهناك من يرى أن الصراع على السلطة قادم لا محالة، وأن هذا التغير المدجج بالسلاح نذير حرب أهلية قريبة ستعصف بأفغانستان، وربما كان الأمريكيون يراهنون على ذلك. وستكون مصانع السلاح، الذي يستهدف قمع المعارضة أوحفظ السيادة وتثبيت الأمن، وتجار المخدرات أول من يتهلل ويسعد لذلك المصير.
  • على الرغم من أن الولايات المتحدة سارعت لتدمير تكنولوجيا جمع المعلومات الاستخباراتية التي تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات بين عشية وضحاها تقريبًا، إلا أنها تركت وراءها آلاف الأسلحة التي تمتلكها طالبان الآن، جنبًا إلى جنب مع شيء ما أكثر فتكًا يتمثل في بيانات مفصَّلة يمكن استخلاصها وتشير إلى كل من تعاون ضد طالبان.
  • يمكن للمجتمع الدولي أن يضغط على طالبان حتى لا تستهدف خصومهم المحتملين، لكن طالبان، بشكل مشروع تمامًا، تريد تزويد حكومتها بالمُوالين. لا يوجد نقص في أجهزة المخابرات الأجنبية التي ستكون على استعداد لمدِّ يد المساعدة لطالبان في فرز البيانات مقابل خدمات وتفاهمات دبلوماسية سرية وحتى أسلحة.
  • وفي رأي أحد المحللين أن انتهاء الحرب في أفغانستان يغير هيكل القوة العالمية. ربما تكون الولايات المتحدة قد انسحبت من ساحة المعركة في أفغانستان، لكن الصراع على السلطة والنفوذ هناك مستمر. يتم ملء الفراغ من قِبَل عدد من الجهات الفاعلة بما في ذلك الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وجماعة حقاني، بما في ذلك الصين وروسيا، بما في ذلك إيران وتركيا، وكل ذلك له آثار ليس فقط على ما يحدث داخل أفغانستان، ولكن على ما يحدث في المنطقة وحول العالم أيضًا. وعندما يكون لدى الجهاديين دولة، يمكن أن تصبح تلك الدولة ملاذاً آمناً للهجمات في أماكن أخرى من العالم. وقد دافع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قراره بالانسحاب من أفغانستان قائلا إن المغادرة تشير إلى نهاية حقبة من العمليات العسكرية الكبرى لإعادة تشكيل دول أخرى.
  • أفغانستان بلد فقير، وتحتاج ترسانة السلاح فيها إلى كوادر مدرَّبة وتوفُّر إمكانات الصيانة والإصلاح وقطع الغيار والذخائر، وبحسب علاقاتها المستقبلية مع دول الجوار تستطيع معالجة هذا القصور، بل والحصول على إمدادات أخرى من أنظمة التسليح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقالات لنفس الكاتب