array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 166

بين "الانسحاب" الأمريكي المؤلم .. و"الانتصار" الأفغاني الملهم: مستقبل جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

إن الأحداث الكبرى لا يمكن أن تمر دون أن تترك بصماتها السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى الجيو-استراتيجية على العالم أو منطقة منه. وتاريخ البشرية حافل بالأمثلة. فعندما سقطت العراق على يد المغول لم تصمد الحضائر العربية حتى سقطت تباعًا، وعندما تم احتلال الجزائر عام 1830 سقطت عدة دول إفريقية، وكان انتصار الفيتنام على فرنسا في معركة ديان بيانفو عام 1954م، ملهمًا للثوار الجزائريين، وعندما اندلعت ثورة الجزائر شهر نوفمبر 1954م، تحصلت 12 دولة إفريقية على استقلالها كي تتفرغ فرنسا للجزائر، ولما بدأ الربيع العربي في تونس عام 2011م، انتقل كالهشيم إلى دول عربية أخرى.. وينطبق هذا على المجال الاقتصادي، مثل أزمتي 192م، و2008م، أما من الناحية الأمنية، فالأمثلة لا تزال حية، فحرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي تركت بصماتها على الوضع الأمني في عدة بلدان عربية بعودة آلاف "الأفغان العرب" إلى بلدانهم، وإنشاء عدة تنظيمات إرهابية. وهكذا يتوقع المحللون أن ما حدث في أفغانستان بعودة طالبان إلى الحكم بعد 20 سنة كاملة من "الاحتلال" الأمريكي لا يمكن أن تمر دون أن تحدث التأثيرات السياسية والأمنية في عدة دول عربية وإفريقية.

أولاً- عرض تشخيصي لأهمية التحول

قبل استشراف الانعكاسات المحتملة على المنطقة العربية بصفة خاصة ومنطقة الساحل المجاورة لها، وكذلك على مستوى المفاهيمي والجماعات الإسلامية بحد ذاتها، لابد من توضيح لأهمية الحدث.

1 – "الانسحاب"  الأمريكي المؤلم

لم يجد بايدن وسيلة مثالية لإقناع الشعب الأمريكي بانسحاب أمريكا من أفغانستان سوى تقديم إحصائيات مرة في شكل "بكائية اعتراف بالفشل" موضحًا أنه على مدار 20 سنة كانت أمريكا تنفق 300 مليون دولار يوميًا، وخلفت الحرب أزيد من 2300 قتيلاً، بدون الحديث عن الجرحى والعمليات الانتحارية في صفوف الجنود العائدين من الحرب، فضلاً عن الخسائر في تكوين الجيش الأفغاني ودعمه بالعدة والعتاد.

هذا التصريح في حد ذاته، يبعث رسائل متعددة الاتجاهات: حلفاء، خصوم، أعداء، جماعات إرهابية... وكل طرف يقرأ رسالة بايدن حسب موقعه وأهدافه.

ويبدو أن دول جوار ليبيا (الجزائر، تونس، مصر، مالي، تشاد، السودان، بالإضافة إلى ليبيا) كانت سباقة لاستشعار خطورة التحولات في أفغانستان، وما قد يخلقه من فراغ أمني في عدة نقاط ساخنة في المنطقة العربية والإفريقية. فسارعت لعقد اجتماع بالجزائر يومي 30-31 أغسطس 2021م، بهدف الاتفاق على حل الأزمة الليبية.

بدورها،استشعرت دول الاتحاد الأوروبي خطورة التحولات، مما جعلها تعبر صراحة عن تخوفها من انعكاسها على أوروبا، وذلك خلال اجتماع  وزراء الخارجية والدفاع في مدينة كراني السلوفينية، يوم 1 و 2 سبتمبر 2021م، والذي خصص لمناقشة تأثيرات الملف الأفغاني العسكرية على الاتحاد الأوروبي، بسبب ضعف هامش المناورة لديها نظرًا للاتكال الكبير على الولايات المتحدة في المجال العسكري. لذلك استعرضت خطة الاتحاد الدفاعية، وتفاصيل إنشاء قوة عسكرية أوروبية مستقلة.

وكان رئيس اللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبي الجنرال كلاوديو غرازيانو واضحًا للغاية بخصوص انعكاس تحولات أفغانستان على الشرق الأوسط أيضًا عندما قال:"إن "الأوضاع في أفغانستان وليبيا والشرق الأوسط تظهر أن التحرك لإنشاء قوة عسكرية أصبح أمرًا ضروريًّا".

لذلك بعد أن كانت فكرة القوة الأوروبية تضم 5 آلاف جندي، اقترح وزير الدفاع السلوفيني ماتي تونين -الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد- رفعها إلى 20 ألف جندي.

2 - الانتصار الأفغاني الملهم.. والديمقراطية المخيبة

            بمقابل المخاوف التي سبق عرضها من الإنسحاب الأمريكي وعودة طالبان لخشبة المسرح السياسي، هناك ترحاب شديد الحرارة من قبل الأحزاب والشخصيات الإسلامية والجماعات الإسلامية السياسية والجهادية، بما تصفه "الانتصار الأفغاني الملهم"، وتعتبره قدوة وعبرة، في الصبر والمثابرة والمقاومة حتى تحقيق النصر لتجسيد المشاريع التي تؤمن بها وعلى رأسها إقامة "الدولة الإسلامية"، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: حركة مجتمع السلم في الجزائر، حماس في فلسطين، حزب الله في لبنان، وغيرهم كثير. ما يعني أن التحولات الأفغانية ستؤثر بدون شك في سياسات ومناهج هذه الأحزاب والجماعات.

وفي الاتجاه المعاكس تماماً، يقابل انتصار طالبان، وهي حركة مسلحة، تراجع وخيبة أمل لدى الإسلام السياسي، والنموذج الأكثر بروزا هو حركة النهضة في تونس التي ظلت تسوق نفسها بالمعتدلة وتنتهج نهج المشاركة السياسية والديمقراطية في الحكم، لكنها تعثرت وأصبحت تواجه مصيرًا صعبًا مع إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد منذ 25 يوليو 2021م، بحل البرلمان الذي يرأسه رئيس النهضة راشد الغنوشي.

أما المثال الثاني فهو في المغرب، حيث عصفت الديمقراطية بحزب العدالة والتنمية واحتل المرتبة الثامنة في الانتخابات التشريعية شهر سبتمبر 2021م، وتراجع من 125 مقعدًا إلى 12 مقعد فقط، وبذلك فقد رئاسة الحكومة لصالح التيار الليبرالي، بعد تنازلات سياسية صعبة بالنسبة لحزب إسلامي أبرزها التطبيع مع إسرائيل والموافقة على تقنين زراعة الحشيش وتعزيز اللغة الفرنسية في التعليم،

وفي الجزائر، تراجعت مكانة الإسلام السياسي أيضًا، فالأحزاب الإسلامية الخمسة التي شاركت في تشريعات 12 يونيو 2021م، لم تفز مجتمعة سوى بعدد قليل من المقاعد.

هذه النماذج الثلاثة ستتم قراءتها على أن "الديمقراطية" لا تستطيع تحقيق المشروع الإسلامي لمجموعة من الأسباب، منها ما يتعلق بتهمة تزوير الانتخابات ومنها ما يتعلق بإفلاس الأحزاب الإسلامية بعد العديد من التجارب المرة.

وهكذا يصبح الإسلام السياسي في مأزق مقارنة بالإسلام المسلح الذي تمثله حاليًا طالبان "كنموذج" للوصول إلى الحكم وبناء إمارة إسلامية.

3 - التمدد التركي والدور القطري

وفي زحمة الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة، تدخلت تركيا وقطر وهما دولتان متحالفتان لتصبحا لاعبين أساسيين في أفغانستان، ومعلوم أن الإسلام السياسي خاصة الإخواني يستلهم من تجربة تركيا خاصة في عهد أردوغان، الذي يعتبر "عراب" الإسلام السياسي خاصة الإخواني، ما يعني أن الدور التركي التوسعي في آسيا الوسطى قد يشجع أكثر  الإسلام السياسي في المنطقة العربية وحتى إفريقيا، بمعنى أنه يلعب دور التغذية الإضافية للتحولات الأفغانية.

وتسعى تركيا لتوظيف علاقتها الممتازة مع قطر، للتمدد في أفغانستان، إلى جانب استغلال ورقة اللاجئين الأفغان في تركيا المقدرين بنحو 300 ألف لاجئ.

ثانيًا- استشراف التحولات على المنطقة العربية

بعد هذا العرض التشخيصي، يمكن استشراف تأثير التحولات الأفغانية على المنطقة العربية كما يلي:

1 - تأثير انتصار طالبان على العمل الإرهابي

بكاد الإجماع يحدث بين المحللين أن "انتصار طالبان" يكون قد أعاد الروح والعزيمة للجماعات والتنظيمات "الجهادية" بعد هزيمة "داعش" في العراق وسوريا، ومنه لا يستبعدون أن يعرف العالم العربي والإسلامي تحولات إرهابية على غرار ما حدث بعد انهزام السوفييت في السبعينيات.

ورغم أن القاعدة وداعش هما خصمان لطالبان، لكنهما سينظران إليها بعين "الحسد"، لأنها حققت ما عجزوا عن تحقيقه، وهذا من شأنه أن يدفع إلى مزيد من الدماء سواء بين الحركات الإسلامية والأنظمة، أو بين هذه الحركات الإسلامية فيما بينها.

ولأن داعش ببعدها الدولي، تختلف عن طالبان ببعدها المحلي، فإن الاستلهام من طالبان يعني مزيدًا من العمل الإرهابي في المنطقة العربية والإفريقية.

وقد شرح ذلك الباحث السوري المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية الدكتور حسام شعيب في حديثه لـ"سبوتنيك" بتاريخ 17 أغسطس 2021م: " إن عودة طالبان تعني عودة الإرهاب بالأيديولوجية الدينية واستقطاب جديد لكل الجهاديين في العالم، وسيتم الإعلان عن منظمات جديدة ستولد من رحم طالبان لتنطلق إلى دول الجوار، وستسهم تركيا في هذا المشهد عبر نقل مقاتلين إلى أفغانستان بطلب أمريكي، لخلق المشكلات لدول المنطقة، وستلعب هذا الدور للحفاظ على الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا، وعلى أردوغان".

وتوقع كايل شيديلر، كبير باحثى مركز سياسات الأمان المختص بشؤون الأمن الداخلى ومكافحة الإرهاب فى واشنطن، في حديث مع المصري اليوم بتاريخ 19 أغسطس 2021م، أن يشهد العالم حركة جهادية أكثر جرأة بعد انهيار أفغانستان، موضحًا أن أفغانستان ستكون بمثابة مركز للتعاون بين الجماعات الإرهابية، والتى ستشجع على شن الهجمات المختلفة.

وقد بيّن تاريخ الجماعات الإرهابية كيف تتأثر ببعضها، حيث كانت الجماعات الضعيفة تعلن الولاء للجماعات الكبيرة، مثلما حدث مع تنظيم "القاعدة" على سبيل المثال، حيث تلقت المبايعة من حركة الشباب في الصومال، وأيضاً من الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر والتي أصبحت لاحقًا تحمل إسم "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، كما أعلنت بوكو حرام الناشطة في نيجيريا، ولاءها لـ"داعش" عام 2015م، وكانت عدة جماعات صغيرة قد أعلنت ولاءها للقاعدة ثم بايعت داعش، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي المنتمية لتنظيم "القاعدة" وهكذا.

            وليس مستبعدًا أن تنقل بعض الجماعات الإرهابية حربها ضد طالبان، مثل القاعدة وداعش، وحتى ذلك سيترك تأثيراته خارج أفغانستان بما فيها المنطقة العربية.

            لذلك يتوقع خبراء أمنيون أن تقوم داعش والقاعدة والجماعات الإسلامية الصغيرة باستغلال التطورات وزيادة تقوية نفسها بالتجنيد والبحث عن مصادر التمويل. ذلك أن ما حصل في أفغانستان سيعيد الثقة إليها، وتزداد القناعة بأن "الجهاد" وليس العمل السياسي هو أفضل السبل لبناء الدولة الإسلامية.

ورغم انهيار تنظيم داعش في العراق وسوريا، إلا أنه لا يزال صامداً في ليبيا وبعض الدول الإفريقية، وكذلك في "خراسان" في أفغانستان، حيث تأسست داعش خراسان من قبل مجموعة من المسلحين المنشقين عن حركة طالبان باكستان (يُعرفون أيضاً باسم طالبان البنجاب وطالبان أفغانستان) عام 2015م.

وتشمل "ولاية خراسان" حسب أدبياتهم كل من أفغانستان وأجزاء من باكستان وإيران وأزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان. ويهدف التنظيم إلى محاربة جميع الحركات المسلحة في "ولاية خراسان" مثل طالبان والقاعدة، إلى جانب حكومات المنطقة.

لذلك يتوقع بعض المحللين أن يندلع صراع دام بين الطرفين على الساحة الأفغانية في ظل احتمال ضعيف بتفاهم داعش وطالبان مع احتمال امتداد الصراع إلى خارج أفغانستان. وبناء على هذا التحليل، فإن المنطقة العربية وبعض دول إفريقيا مرشحة لمزيد من الأعمال الإرهابية.

2- الدول العربية والإفريقية المرشحة للتضرر

بناء على ما سبق شرحه، يتصور العديد من المراقبين أن الدول الأكثر عرضة للتأثر بالتحولات الأفغانية، هي تلك الدول الهشة أمنيًا، والتي تسمى في الأدبيات الغربية بالدول "الفاشلة" وعلى رأسها ليبيا لعدم وجود استقرار سياسي، ولوجود عدة جماعات إرهابية، فضلاً عن المرتزقة من عدة بلدان، وتوفر السلاح وتجارة البشر والهجرة غير الشرعية، مع بريق أمل خافت في النجاح في تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية بتاريخ 24 ديسمبر 2021م، نظرًا لبعض الخلافات السياسية والأمنية بين الفرقاء، وعدم توفر لحد الآن الأرضية الدستورية والقانونية لتنظيمها. وربما ستساهم التحولات الأفغانية في العصف بالأجندة السياسية للخروج من الأزمة سواء أجندة برلين أو جينيف أو دول الجوار المعبر عنها في اجتماع الجزائر.

كذلك، ستكون سوريا من أكثر الدول تأثرًا بأفغانستان، نظرًا لوجود الجماعات الإرهابية والقوات الأجنبية التي تغذي أصلاً فكرة الجهاد، فضلاً عن التوجه الرافض لنظام بشار الأسد. ويرى محللون آخرون، أن الحوثيين في اليمن، سيستنشقون جرعة أكسوجين إضافية تحثهم على الصبر والثبات.

وبمحاذاة الدول العربية، ستتأثر دول إفريقية جارة للعرب، وستلقي بظلالها على البلاد العربية عامة، فالجزائر وليبيا دولتان ساحليتان، وتضاف لهما مصر وتونس الجارتين لليبيا، وهي كلها دول تعاني من انهيار الوضع الأمني والسياسي حاليًا في الساحل، فماذا إذا أصبحت طالبان ملهمة للحركات "الجهادية" بالمنطقة؟

والملاحظ أن الحركات الجهادية أو الإرهابية الموجودة في مالي خاصة ومنطقة الساحل عامة، هي أصلاً منتشية بالإنسحاب الفرنسي، بسبب الفشل العسكري الذي منيت به باريس بعد ثماني سنوات من تدخلها العسكري في المنطقة شهر يناير 2013م. ثم جاء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ليجعلها تشعر  بالقوة والقدرة على "هزم العدو" عسكريًا.

وهكذا، يجري التوقع أن تكون دولة مالي أكثر تأثرًا بالانسحابين الفرنسي من الساحل والأمريكي من أفغانستان، خاصة بعد التعثر في تطبيق اتفاق السلم والمصالحة الموقع في الجزائر منذ 2015م.

 وينطبق هذا أيضًا بدرجات متفاوتة على دولة النيجر وتشاد وبنين وموزمبيق ونيجيريا حيث تمددت داعش بشكل ملفت وتفرض بوكوحرام نفسها بشكل واضح.

            كذلك يجري التوقع أن تشتد المواجهة في الصومال بين الحكومة وحركة الشباب التي شنت هجومًا على مبنى الرئاسة بعد أيام فقط من انسحاب أمريكا من أفغانستان.

مغذيات العمل الإرهابي

ويستند الاستشراف السابق أيضًا إلى توفر المغذيات للجماعات الإرهابية في معظم الدول العربية والإفريقية مثل:

- الوجود الأجنبي في المنطقة في شكل دول أو جماعات مرتزقة.

 – فشل العديد من الأنظمة في تحقيق التنمية والمشروعية وزيادة تدهور أحوال المعيشة.

 – التطبيع مع إسرائيل يغذي النزعة الجهادية.

– قوة بعض الجماعات الإرهابية مقارنة بضعف بعض الدول وعجزها عن التصدي، ففي أوائل عام 2021م، اقتحم تنظيم "داعش" المحلي واحتجز لفترة وجيزة ميناء موزمبيق الاستراتيجي في "موسيمبوا دا برايا" وانسحابه محملاً بالغنائم.

3- حلفاء أمريكا والدرس الأفغاني

من المؤكد أن كل الحكومات التي مرت على أفغانستان منذ 2001 م، هي حليفة للولايات المتحدة الأمريكية، لكن انسحاب أمريكا بذلك الشكل وسقوط النظام السياسي الأفغاني وفرار رموزه للخارج، ثم تلك الصور التي أبرزتها القنوات التلفزيوينة للمتعاونين مع أمريكا متشبثين بعجلات الطائرة لمغادرة أفغانستان، تعني من بين ما تعني أن الدول الحليفة لأمريكا والمواطنين المتعاونين معها أصبحوا في وضع حرج. وهذا ينطبق على أوروبا أيضًا، حيث صرح به المسؤولون الأوروبيون كما أوضحنا أعلاه، ويصب هذا بشكل أو بآخر في صالح الجماعات الإسلامية السياسية والمسلحة.

إن انسحاب أمريكا من أفغانستان جعلها، عمليًا، تسلم الحكم لطالبان، كما أن انسحابها من العراق ظهر للكثيرين وكأنها تنازلت عن العراق لصالح إيران. لذلك وصف بنجامين بيرد، الباحث الرئيسى فى مشروع مراقبة الحركات الإسلامية المتطرفة، فى منتدى الشرق الأوسط بواشنطن، في حديث مع المصري اليوم بتاريخ 19 أغسطس 2021 م، قرار الرئيس جو بايدن الانسحاب من أفغانستان بـ«الكارثة فى السياسة الخارجية لأمريكا»، قائلاً: «إنه مهين وخطير وإهانة لكل من خدم فى مسرح العمليات فى أفغانستان وضحى بحياته من أجل ضمان الحرية والديمقراطية». ونبه إلى أنه على حلفاء أمريكا فى الشرق الأوسط الانتباه والتعلم من الدرس الأفغانى، مشددًا على أنه سوف تتخلى الولايات المتحدة عن أصدقائها فى المنطقة عندما يصبح ذلك من المناسب سياسيًا، وأضاف أنه لم يكن من المفترض أن يدير الأمريكيون ظهورهم لحلفائهم لمجرد أن لديهم دولة فاشلة.

ثم ضرب الباحث مثلاً بالأكراد فى سوريا الذين لعبوا دورًا محوريًا فى هزيمة داعش.. ثم تم التخلي عنهم، كما تواصل الولايات المتحدة التخلي عن مسؤولياتها كقائدة فى الشرق الأوسط، حيث خلق هذا فراغًا تحاول دول مثل إيران وتركيا ملأه.

وهذا الموقف مشابه لانسحاب الولايات المتحدة من العراق عام 2011م، وتخليها عن حماية بعض العراقيين الذين عملوا معها خلال السنوات الأولى للحرب. ومن المحتمل أيضًا أن يتم تقليص عدد القوات الأمريكية في سوريا التي لا تتجاوز 900 عسكري وسط ارتياب حلفائها.

وعلى ما سبق، تولدت الشكوك من أن تبدي واشنطن بعض اللين، أو التماطل تجاه الملف النووي الإيراني، فبعد التوقيع على الاتفاق 5+1 مع إيران في عهد الرئيس أوباما عام 2015م، والانسحاب من الاتفاقية عام 2018 م، في عهد الرئيس ترامب، وعودتها في عهد الرئيس بايدن إلى الاتفاق من خلال المفاوضات الجديدة الجارية حاليًا، ويجري التوقع أنه بالتوصل لاتفاق مع طهران، سيتم تقليص الاهتمام بمنطقة الخليج العربي. 

4- تأثر مجموعة البريكس وارتداداتها العربية

إن أفغانستان دولة حبيسة في آسيا الوسطى، تقع وسط عدة دول حيث يحدها شمالاً دول الاتحاد السوفييتي السابق، (تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان)، وتحدها الصين شرقًا، وإيران غربًا، وباكستان جنوبًا، فضلاً عن قربها من الهند. وهو جوار متناقض سياسيًا واقتصاديًا.

وحسب الباحث السوري المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية الدكتور حسام شعيب في حديثه لـ"سبوتنيك" بتاريخ 17 أغسطس 2021م، أن: "واشنطن عادت في استراتيجيتها إلى الاعتماد على الإسلام السياسي انطلاقًا من أفغانستان، بعد فشل مشروعها في سوريا والعراق.. وستحاول الآن الثأر من هذه الأطراف من الحديقة الخلفية عبر تغذية العواصف الإسلامية في الصين عن طريق الإيجور لاشغالها عن مشاريعها التنموية، وأيضًا عبر إشغال روسيا بالاسلام السياسي المنطلق من جمهوريات وسط آسيا".

فالصين لا تريد أن ينفذ إليها تأثير التيار الإسلامي السُني، خاصة لأقلية الإيجور، لذلك رحبت بالدخول الأمريكي إلى أفغانستان، وسوف تتعامل بصرامة مع أي تهديد من جانب أفغانستان. وهو أمر قد يولّد فكرة الجهاد ضد الصين مثلما حصل في السبعينيات ضد الاتحاد السوفياتي حيث ظهر الأفغان العرب الذين لعبوا دورًا في بروز الإسلام السياسي والجهادي أو المسلح في البلدان العربية بعد عودتهم لبلدانهم.

وفي حالة ما إذا التزمت طالبان بوعودها وأنشأت دولة بالشكل الذي يأمله المجتمع الدولي وتمكنت الصين من ربط أفغانستان بطريق الحرير الدولي فإن ذلك سيكون له تأثير كبير استراتيجيا واقتصاديا، حيث تصبح أفغانستان عمليًا وطبيعيًا تابعة لمجموعة البريكس.

ونفس الشيء ينطبق على روسيا، التي تخشى من تغذية طالبان للحركات الجهادية في دول جوارها على غرار الشيشان. وبدون شك فإنها لن تتسامح. وسوف يغذي ذلك أيضًا فكرة الجهاد العالمي.

ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تتمنى حصول هذا، كواحدة من أساليب مواجهة روسيا والصين ومجموعة البريكس بصفة عامة، التي يبدو أنها تتقدم على حساب الغرب بمفهومه الكلاسيكي.

أما إيران، التي تجد نفسها بشكل تلقائي ضمن مجموعة البريكس، فلديها حسابات أخرى، وليس مستبعدًا أن تعمل على استغلال شيعة أفغانستان وتقويتهم عسكريًا مثلما حصل في لبنان واليمن والعراق، وهذا يمكنها من التوغل والنفوذ ويقويها في التفاوض الإقليمي. ويقدر عدد "الشيعة" في أفغانستان حسب بعض التقديرات بـ 15 بالمئة، وحسب تقديرات أخرى 29 بالمئة وينتمون للطائفة الاثنا عشرية الموالية لإيران.

كما تعمل إيران على بناء علاقات جديدة مع أفغانستان مستغلة عدة عوامل منها الجوار حيث تحدها أفغانستان شرقًا، على طول 920كم، لذلك يعد عدم استقرار أفغانستان مصدر قلق دائم بالنسبة لطهران. يضاف لذلك تداخل القوميات والأعراق على الحدود بين البلدين إيران وأفغانستان، حيث تقيم القومية البلوشية شرق إيران وغرب أفغانستان، فضلاً عن اللاجئين الأفغان الذين تقدرهم بعض الإحصائيات بـ 2.5 مليون أفغاني مع توقع وصول لاجئين آخرين.

            وهكذا هناك مخاوف متبادلة بين إيران وأفغانستان حول احتمال استغلال كل دولة عامل الحدود والقوميات والطوائف. وفي حال ما إذا توترت العلاقة فقد تتأثر التجارة البينية التي بلغت نحو 4 مليار دولار عام 2020م، وقد تتأثر منابع الأنهار من أفغانستان تجاه إيران. لذلك لم تتأخر إيران عن دعم طالبان عسكريًا، وفتح قنوات الاتصال معها.

ثم هناك باكستان التي تشترك مع أفغانستان بحدود طولها 2400 كم، إلى جانب 1.4 مليون لاجئ أفغاني، ولديها علاقات مع طالبان التي ظهرت في شمال باكستان في مطلع التسعينيات وتلقى أتباعها تعليمهم في المدارس الدينية الباكستانية. وتسعى باكستان لاستغلال هذا المعطى لتعزيز تجارتها مع جمهوريات آسيا الوسطى عبر أفغانستان، وتحجيم نفوذ الهند (عضو في البريكس) خصمها إن لم تكن عدوها التقليدي. مع توقع موالاة طالبان للباكستان في أي صراع محتمل.

ولأن الصين وباكستان تناصبان الهند العداء. أصبح الربط التجاري بين الدول الثلاث على حساب مشروع ميناء تشابهار الإيراني، المدعوم من الهند، والذي تم توقيع الاتفاق حوله في مايو 2016 بين إيران والهند وأفغانستان. 

وترغب الهند في إقامة ممر جديد لنقل البضائع إلى أفغانستان التي لا توجد لها منافذ بحرية، عبر إيران، وبصورة تقلص اعتمادها على باكستان التي لعبت على مدار الحقبة الماضية دور الممر إلى دول آسيا الوسطى عبر ميناء كراتشي.

خاتمة

بعد العرض السابق، نلاحظ أنه رغم تحفظات دول جوار أفغانستان وبعض دول العالم بخصوص سيطرة طالبان على الحكم، وإعلانهم أن الحكم على طالبان سيكون بعد تشكيل الحكومة وتقييم التجربة، فإن كل بلد على حدى يسعى لاستغلال التحولات الأفغانية لتحقيق مكاسب خاصة، تلك المكاسب قد تترك تأثيراتها على المنطقة العربية بشكل أو بآخر، وتزيد في حدة التغلغل الإقليمي في الشأن العربي.

مما يستدعي بالضرورة مراجعة السياسات الداخلية والخارجية للدول العربية في التعامل مع طالبان من جهة ومع الإسلام السياسي من جهة أخرى والانفتاح على كل المعارضات، وإشراكها في المنظومة السياسية الوطنية، حيث بات واضحًا أن سياسيات "الكل أمني" أضحت قاصرة عن معالجة الأزمات السياسية والاجتماعية والثقافية.

ولازالت الحاجة ملحة أيضًا لتحقيق التنمية باعتبار جيوب الفقر تولد التمرد، وتسهل عملية التجنيد لدى الجماعات الإرهابية. وبات من الضروري كذلك الإسهام الجماعي في حل الأزمات العربية القائمة، من اليمن إلى سوريا وليبيا وصولاً إلى لبنان وتونس، ويمكن استغلال القمة العربية القادمة في الجزائر لهذا الغرض.

ويقتضي تصفير المشاكل البينية في الدول العربية جرأة وتنازلات شجاعة لضمان الأمن القومي العربي، وذلك بالتأسيس على عودة العلاقات بين السعودية وقطر مثلاً، بناء على "بيان العلا" الصادر عن القمة الخليجية في يناير 2021م، وكذا قمة بغداد الأخيرة الخاصة بأمن العراق التي ساهمت في فتح مباحثات بين السعودية وإيران، وبين مصر وتركيا، وبين الإمارات وكل من قطر وتركيا.

كما ينبغي إيجاد سياسات داعمة لاستقرار منطقة الساحل الإفريقي والقرن الإفريقي لقربهما الجغرافي من المنطقة العربية وتأثيرها المباشر على الأوضاع فيها.

مقالات لنفس الكاتب