; logged out
الرئيسية / التحالفات الأمريكية تعزز أهمية المنظومة الخليجية وتستدعي توحيد سياساتها

العدد 166

التحالفات الأمريكية تعزز أهمية المنظومة الخليجية وتستدعي توحيد سياساتها

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

لم يختلف الخروج الأمريكي من أفغانستان عن ذلك الدخول الذي جاء على الطريقة الهوليودية في أعقاب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر باحثًا عن الانتقام لضحايا ذلك التفجير المروع. فكما أعطى هؤلاء الضحايا شرعية الدخول الأمريكي لأفغانستان، فقد عززت الأجساد الأفغانية المتساقطة من الطائرة الأمريكية المتعلقة بالخلاص الأمريكي تلك الشرعية. فبعد حادثة الطائرة، تحولت الولايات المتحدة من قوة محتلة إلى قوة مخلصة، تعلقت بأجنحتها أحلام الأفغان البسطاء، الذين صورهم الإعلام بالعملاء والمترجمين المحترفين. فهؤلاء "المترجمين-المحترفين" لم ينسوا و هم متعلقون بأجنحة الطائرة التلويح بإبتسامة لأقربائهم الذين كانوا يتحسرون بأن الحظ لم يسعفهم للحصول على مكان على ذلك الجناح. غيرت تلك الحادثة كذلك الرأي العام الأمريكي والغربي حيال استقبال المزيد من الهجرات المسلمة، بل إن الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب و الذي اشتهر بقراراته المعادية للمسلمين، غرد متعاطفًا مع الأفغان وأكد بأن بايدن ارتكب خطأً فادحًا بتركه هؤلاء دون إجلاء. أما في وسائل الإعلام الغربية قبيل الحادثة، فكان الحوار يدور حول تساؤل مشروع يتمثل في سبب إخفاق الإدارة الأمريكية على توفير منطقة آمنة لهؤلاء الأفغان في أفغانستان لاسيما وإنها هي من أخرجت قيادات طالبان من جوانتانامو و هي من تفاوضت معهم على مدى السنوات الخمس الماضية. و لكن بعد حادثة الطائرة تلك، أصبحت وسائل الإعلام الغربية تتساءل لماذا تأخرت الحكومات الغربية في عمليات الإجلاء تلك حيث تسابقت تلك الحكومات في إنهاء تلك العملية!! فقد تحولت تلك الأجساد جسر عبور للآلاف من أقرانهم نحو حياة جديدة في العالم الأول. أما الرأي الذي سعى لتشبيه تلك الحادثة بالتجربة الفيتنامية، فهو رأي جانبه الصواب. لقد خلفت التجربة الفيتنامية على القوة العسكرية الأمريكية ما سمي بالعقدة الفيتنامية والتي لم تنهيها إلا حرب تحرير الكويت. ففي حين شكلت فيتنام خلال الحرب الباردة أحد أكبر الهزائم الأمريكية أمام الاتحاد السوفيتي، قدمت أفغانستان و مجاهدوها نصرًا أمريكيًا مؤزرًا في تلك الحرب الباردة. خرجت أمريكا من أفغانستان منتصرة تشق طريقها نحو الأحادية القطبية الهشة حيث عادت لأفغانستان بعد عقد من الزمن لتثبيتها. فحينما أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية حربها على الإرهاب، تحققت بذلك نبوءة كتابها و منظريها أمثال صامويل هننغتون و هنري كيسنجر  الباحثين على عدو جديد يضمن الوحدة الأمريكية لمحاربته و الذي تمثل بالإسلام بعد انهيار الشيوعية. و الحقيقة أن ما نشهده الآن من انسحاب أمريكي من أفغانستان هو في حقيقته عودة أمريكية لمحاربة حليف الأمس والعدو اليوم الجديد "الصين". وبذلك فالتاريخ الأمريكي-الأفغاني يؤكد أن هناك ارتباطًا عضويًا لأمريكا بأفغانستان، فمن خلالها هزمت السوفييت، و بها حاربت حلفاء الأمس "الجهاديين"، و منها ستنطلق لمحاربة العدو الصيني الجديد. فكل الطرق الأمريكية تؤدي إلى أفغانستان. كل ذلك يؤكد أننا لم نصل بعد إلى المشاهد الأخيرة من الفيلم الأمريكي- الأفغاني و لا حتى بداياته، بل كل ما نراه ما هو إلا دعايات مشوقة وذلك للأسباب التالية.

أولاً: أفغانستان في ظل الحرب الباردة الجديدة.

1-الاحتواء المزدوج و الديمقراطية المزدوجة.

الإشكالية الحقيقية لدى المحللين العرب على وجه الخصوص أن لديهم ذاكرة قصيرة في رصد السياسة الأمريكية. وهي إشكالية عادت إلى السطح من جديد مع قدوم طالبان إلى السلطة حيث يستغرب الكثيرون لماذا حاربتهم أمريكا؟ ولماذا قبلت بعودتهم؟ مؤكدين على أهمية الاستفادة من ذلك الدرس بعدم اعتماد الأنظمة على الحليف الأمريكي الدائم!! بل إن اللغز الأكبر يكمن في التساؤل حول سلوك طالبان في إدارة الدولة.. هل سترجع كقوة متطرفة أم ستكون أكثر اعتدالًا؟ وهو تساؤل ينسحب كذلك على السياسة الأمريكية اتجاه إيران.. ففي حين تفرض الإدارة الأمريكية على إيران العقوبات الاقتصادية.. إلا أنها في الوقت نفسه تمول مليشياتها و تتركها تصول و تجول في المنطقة لاسيما في التدخلات في الشؤون الداخلية لدول الجوار. و الحقيقة أن جذور ذلك السلوك الأمريكي تكمن فيما عرف بحقبة الثمانينات"بسياسة الاحتواء المزدوج" و التي اتبعتها الإدارة الأمريكية خلال الحرب الإيرانية-العراقية. فالاحتواء لا يعكس الحميمية في المفهوم العربي، وإنما هو "إضعاف و استنزاف". فهي سياسة قامت على تزويد الأسلحة لكلا الطرفين حتى يتم انهاكهما معًا ولا تتحقق الغلبة لأي من الطرفين من أجل الإبقاء على توازن القوى في المنطقة وهي سياسة لا تزال تتبعها الإدارة الأمريكية حتى الوقت الراهن. لذلك أي محاولات لأي دولة إقليمية تسعى لأن تكون قوة شرق أوسطية هو طريق محفوف بالمخاطر و قد يكون على حسابات التنمية.  أثرت تلك السياسة على مايبدو كذلك على مخرجات العملية الأمريكية للتحولات الديمقراطية في المنطقة، ففي حين جوهر الاحتواء الأمريكي هو "الإضعاف"، فإن التحول الديمقراطي قد يحتمل تحول طائفي أو عرقي أو إثني أو مليشيات متطرفة. وهي نتيجة طبيعية، فالتحولات السياسية والديمقراطية لا تأتي عبر وصفات مكتوبة بل هي عملية طويلة ومعقدة من التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية. وتلك الازدواجية سوف تتعامل بها الإدارة الأمريكية – التي لا تزال تملك كل خيوط اللعبة الأفغانية- مع الحكومة الأفغانية الجديدة، وكان أول اختبار وضعت فيه طالبان على المحك هو تفجيرات مطار كابل. فخلال ذلك المشهد تحولت الولايات المتحدة الأمريكية إلى قوة خيرة تنشد الحماية والأمان من حكومة طالبان.

2-حرب القواعد العسكرية

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كتب عدد من المنظرين الأمريكيين حول انتهاء العالم من خلال انتصار النموذج الأمريكي الديمقراطي والذي سيكون نموذجًا طبيعيًا تسعى إلى تبنيه كافة الأمم الخيرة. ومن أجل تسريع الإنتقال انطلقت الثورات الملونة بدعم أمريكي اتجاه المناطق السوفيتية السابقة، حيث لم يستجب إلا ثلاثة دول –أوكرانيا، و جورجيا، و قيرغيزستان- أما البقية فقد فضلت البقاء في الفلك الروسي. و لذلك وفرت الحرب الأمريكية على أفغانستان مدخلاً أمريكيًا جديدًا على تلك المنطقة. واستطاعت أن تقيم قواعد عسكرية في كل من اوزباكستان و قيرغيزستان. و لكن سرعان ما طالب رئيس أوزباكستان الراحل إسلام كاريموف رحيل القاعدة بعد أن شعر بأن هناك محاولات لتدخلات أمريكية في الشأن الأوزبكي. أما قيرغيزستان فقد كانت ساحة للثورات التي أشعلتها كل من أمريكا و روسيا حتى تم إجلاء القاعدة الأمريكية في ماناس عام 2015م، فكما أزاحت ثورة التوليب (2005م) الأمريكية اسكار اكاييف، استطاعت ثورة البطيخ (2010م) الروسية من إزالة باكييف و الذي حذرته روسيا مرارًا و تكرارًا بضرورة إغلاق القاعدة الأمريكية إلا أنه فضل التلاعب مابين كلا القوتين حتى تمت ازاحته وتم الإغلاق الكامل للقاعدة في عام 2015م. و ذلك يفسر عدم الرد الأمريكي على عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شهر يوليو الماضي لاستخدام الولايات المتحدة الأمريكية للقواعد الروسية في قيرغيزستان و طاجيكستان للمساعدة في عملية الإجلاء من أفغانستان. فقد تحالفت كل من الصين و روسيا بأذرعها الأمنية و الاقتصادية لمحاربة الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى. لذلك فقد كانت أفغانستان -الغنية بالموارد الطبيعية -أقرب بقعة جغرافية تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من الوصول إليها في منطقة آسيا الوسطى. لذلك تعتبر أفغانستان مكسب جيو-استراتيجي هام للإدارة الأمريكية في منطقة آسيا الوسطى ، فهل ستتركه بسهولة!! لذلك ليس من المستغرب أن نعلم أن قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان جاء في عام 2015م، والذي تزامن مع إغلاق القاعدة الأمريكية في قيرغيزستان، لذلك فحقيقة التواجد الأمريكي في أفغانستان مرتبط بشكل كبير بتواجدها كذلك في آسيا الوسطى.

3-الحركات الجهادية: الحب و الكراهية

كانت و لاتزال الولايات المتحدة الأمريكية تثير إعجاب العالم بالنموذج الديمقراطي و الدفاع عن المرأة و حقوق الإنسان، فبالرغم من كل الانتقادات التي توجه إلى هذا النموذج إلا أنه قادر على إصلاح نفسه و المضي مجددًا عبر دولة القانون و المؤسسات. فهاهم مقتحمي الكونغرس يتم مقاضاتهم بعد أن أعادت الدولة بسط نفوذها مجددًا، وهو ترف لا تملكه دول أخرى. فهذا الاقتحام لو حدث في دولة أخرى لغير وجه التاريخ لتلك الدولة. إلا أن واقع تلك الفتاة الأمريكية الجميلة المحبة للديمقراطية وحقوق الإنسان إنها لا تزال ترتبط بعلاقة الحب والكراهية مع تلك الحركات الجهادية، فهي تعاديها متى ما شاءت وترجع إليها متى ما احتاجت لذلك. فالحركات الجهادية هي نقطة الضعف الكبرى لدى القوى الدولية التي نجحت في طرد الولايات المتحدة الأمريكية من آسيا الوسطى بينما أمريكا لديها كل خيوط اللعبة مع تلك الحركات. فها هي الصين التي تجاور أفغانستان بحدود قصيرة لا تتعدى 80 كم تخشى من تفاعل أقلياتها المسلمة الإيغور - و الذين يتواجد البعض منهم في أفغانستان- مع الصعود السياسي لطالبان إلى سدة الحكم. كذلك الحال مع روسيا التي خاضت الحرب السورية خوفًا من انتقال تلك الحرب إلى تلك الحركات الجهادية في الداخل الروسي المجاور لمناطق النزاع. باكستان التي تحالفت مع الصين، فها هي طالبان-باكستان بدأت تشن هجماتها تفاعلاً مع صعود نظرائها للسلطة في أفغانستان. كل المؤشرات تؤكد أن طالبان لن ترجع إلى شقاوة الماضي، بل ستسعى إلى التعاون الإقليمي تحت المظلة الأمريكية التي تحمل عصا العقوبات و الشرعية الدولية، إلا أن ذلك لا يعني خلو الساحة الأفغانية من بقية الحركات الجهادية، فداعش خراسان أعلنت عن نفسها مبكرًا من خلال تفجيرات مطار كابل.

 

4- نسف الحزام والطريق

السلوك الأمريكي في الإنقلاب على الحلفاء السابقين هو سلوك مكرر و هذا ما حدث مع الحركات الجهادية و يحدث الآن مع الصين و يعود لسببين رئيسيين، الأول أن حليف الأمس يشب عن الطوق مما يتطلب ردعه و تحجيمه و ليس إنهاءه، أما السبب الثاني فهو أن طبيعة السياسة الأمريكية تقوم على صناعة العدو الذي يوحدها و يدعوها للتنافس. فالقوى العظمى تملك ترف صناعة الأعداء وعدم انتظار خروجهم من المجهول. الصين شبت عن الطوق حينما أطلقت مشروعها "صنع في الصين 2025" القائم على المنافسة التقنية مع الغرب لاسيما في الصناعات الغربية المحتكرة و تشمل: تكنولوجيا المعلومات المتقدمة الجديدة، الآلات المأتمتة و الآليون، معدات الفضاء و الطيران، المعدات البحرية و الشحن البحري المتطور، القطارات الحديثة، السيارات الكهربائية، معدات الطاقة و الزراعة و المواد الجديدة، و الأدوية الحيوية و منتجات الطب المتطورة. فقد ذكرت الصين في مشروع "الكتاب الأخضر" بأن بحلول عام 2025م، ستقترب الصين من الصناعة الشبه الكاملة في تلك القطاعات. وتقع تلك الخطة في صلب مشروع "الحزام والطريق" الهادف إلى إقامة البنية التحتية للهيمنة الصينية الاقتصادية العالمية. و بسبب الهيمنة الأمريكية على البحار، اتجهت الصين في طموحاتها نحو الطرق البرية، و أصبحت باكستان –الحليف الأمريكي السابق- جوهرة التاج في مشروع الحزام و الطريق، حيث استثمرت الصين مليارات الدولارات في ذلك المشروع و الذي سوف يوصلها إلى منطقة الخليج و منها إلى الأسواق العربية و الأوروبية.  فبالرغم من محاربة الصين و روسيا للتواجد الأمريكي في آسيا الوسطى، إلا أنهما من أكثر المستفيدين اقتصاديًا من الوجود الأمريكي الأمني في أفغانستان. و ها هي الولايات المتحدة الأمريكية تسحب صمام الأمان من اللغم الأفغاني القابل للانفجار في أي لحظة.

5-كواد و أكوس في مواجهة شنغهاي

لم يخرج الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عن سياق المواجهة الدولية في الحرب الباردة الجديدة، إن لم يكن في قلب تلك المواجهة. فقد شهد مطلع هذا العام القمة الصينية-الأمريكية بين رئيسي كلا البلدين في آلاسكا و التي شهدت تبادل الاتهامات بين البلدين. فقد عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى بناء شراكاتها الدولية لمواجهة النفوذ الصيني سواء عبر G7 أو من خلال التحالف الرباعي المعروف بإسم "كواد" أو الحوار الأمني الرباعي و الذي يشمل الولايات المتحدة الأمريكية و أستراليا والهند و اليابان. وقد نشطت الدبلوماسية الأمريكية بشكل كبير قبيل انعقاد القمة الصينية-الأمريكية بالتنسيق مع حلفائها في الهادي والأطلسي، و سرعان ما ترجم ذلك التحالف من خلال إعلان فرض العقوبات على الصين حول ملف الأقليات المسلمة مباشرة بعد الانتهاء من تلك القمة. وقد استبقت الصين كذلك من جانبها ذلك الهجوم فسعت لنقل تلك المعركة من الهادي إلى الخليج بعد أن سارعت بتوقيع اتفاقية ربع القرن الشهيرة مع إيران. أما التحالف الثاني والأهم فهو الذي أعلن عنه منتصف هذا الشهر والمتمثل بالمعاهدة الأمنية الجديدة المسماة "أكوس" خلال القمة الافتراضية التي عقدت بحضور الرئيس الأمريكي جو بادين و رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون و رئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون. و أولى ثمار ذلك التحالف حصول أستراليا على أسطول من الغواصات الأمريكية التي تعمل بالدفع النووي. وهي المرة الأولى التي تشاطر فيها الولايات المتحدة الأمريكية تلك التقنية الحساسة مع دولة غير بريطانيا. وهي صفقة أعلنت أستراليا على أثرها إلغاء ما سمي "بصفقة القرن" للصناعة العسكرية الفرنسية، و التي كانت قد أبرمتها أستراليا مع فرنسا بقيمة 56 مليار يورو لشراء 12 غواصة تقليدية من طراز "أتاك"، مما اعتبرته فرنسا بأنها طعنة في الظهر.

ثانيًا: السياسات الخليجية

إن فهم طبيعة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في ظل السياق الدولي المتمثل بالحرب الباردة الجديدة ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية سوف يساعد دول الخليج على تحديد موقفها من ذلك النزاع والذي سوف يصب في اتجاهين رئيسيين هما السياسات المحلية و السياسات الإقليمية و الدولية.

1-السياسات المحلية: في ظل المواجهات الدولية ما بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية، ستلجأ الأخيرة إلى الحشد الدولي ضد الصين مستخدمة ملف حقوق الإنسان والأقليات والتحولات الديمقراطية. بل إن أولى العقوبات التي طالت الصين كانت حول ملف الأيغور، و هذا يتطلب أن تسعى كذلك دول الخليج إلى تعزيز قوتها الداخلية عبر إطلاق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والحقوقية و الإنسانية، و تعزيز حقوق و مكتسبات المرأة الخليجية و حوكمة المؤسسات و محاربة الفساد و غسيل الأموال. و حول ملف الإيغور وجهت الولايات المتحدة الأمريكية منذ إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب انتقادات مباشرة للدول الإسلامية بعدم مهاجمتها للصين حول ملف تلك الأقليات المسلمة. و هو ملف قابل للتصعيد خلال الفترة القادمة لاسيما أن هذه الأقلية تعيش في أحد أكبر الأقاليم الصينية من حيث المساحة.

2-السياسات الإقليمية و الدولية: إن التنافس الدولي الجديد ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية يضع دول الخليج مجددًا في أجواء الحرب الباردة حيث سعت دول الخليج آنذاك –بالرغم من تحالفاتها الوطيدة مع الغرب- إلى سياسة التوازن و هي السياسة المطلوبة التي سوف تتبعها دول الخليج خلال الوقت الراهن لتجنب الوقوع في سياسة المحاور والاستقطاب حيث سيدفعها ذلك إلى التعامل مع العديد من الملفات أهمها:

-أفغانستان: ستلعب دول الخليج دورًا بناءً في مساعدة أفغانستان من أجل التحول إلى دولة طبيعية، و ذلك من متطلبات الأمن الإقليمي لاسيما أن أفغانستان تعتبر من دول الجوار ذات التأثير المباشر على منطقة الخليج. كما أن كافة الدول الخليجية تحتفظ برصيد هام مع أفغانستان خلال الفترات الزمنية السابقة، فقد كانت الإمارات و المملكة العربية السعودية أولى الدول التي اعترفت بحكومة طالبان خلال حقبة التسعينيات وقبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كما تقود قطر في الوقت الراهن دورًا هامًا في العملية السياسية، وكل ذلك يشكل رصيدًا خليجيًا هامًا.

-الإسلام السياسي: في ظل التحولات الهيكلية الكبيرة في أسواق الطاقة، و تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى منافس في الإنتاج، بالإضافة إلى سعي الصين لأن تتحكم في تلك الأسواق، لم يعد تملك دول الخليج ترف تكرار أخطاء الماضي، و أن يخوض ابناؤها حروبًا بالوكالة لصالح أي من القوى الدولية، بل لابد من الاهتمام بالشباب و فتح آفاق معرفية لهم في خطط التنمية و التأكيد على الاعتدال و محاربة التطرف. فهناك موجات جديدة قادمة من التطرف والتي تفرض تنسيق الجهود الخليجية لحماية المجتمعات الخليجية من تلك الموجات القادمة.

-التنسيق الخليجي و الإقليمي: إن تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي ما بين دول الخليج يعتبر مطلب رئيسي في ظل تصاعد الحرب الباردة الجديدة مابين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية. لاسيما أن تلك الحرب أخذت غطاء التحالفات و المنظمات الإقليمية، ففي حين تتسلح الصين و روسيا في منظمة شنغهاي و معاهدة الأمن الجماعي، تقود الولايات المتحدة الأمريكية -بالإضافة إلى منظماتها التقليدية كحلف الشمال الأطلسي- تحالفات جديدة ممثلة في كواد و اكوس، و ذلك يعزز من أهمية البيت الخليجي والمؤسسات الخليجية و المنظومة الخليجية الأمنية. ففي عالم التحالفات والمنظمات، تتزايد أهمية مجلس التعاون الخليجي كمؤسسة تسعى من خلالها دول الخليج لتوحيد سياساتها إزاء تلك التحديات القادمة. وهو تنسيق يتطلب كذلك التنسيق و التعاون الإقليمي والدولي. لاسيما أن دول الخليج تحتفظ بشراكات دولية مع كافة تلك القوى المتصارعة مما يجنبها الدخول في سياسة المحاور والأقطاب.  كما أن هناك العديد من القضايا الدولية والتي ستكون ساحة للصراع الدولي ومنها قضايا الطاقة والاحتباس الحراري ومستقبل المياه والغذاء و التكنولوجيا الزراعة و غيرها من قضايا أصبحت في مقدمة الاهتمام الإنساني في مرحلة ما بعد الجائحة، وهي ملفات تساهم كذلك في إيجاد قضايا دولية تتطلب التعاون الدولي بدلاً من الاستقطاب و التنافس و النزاع. والحقيقة أن دول الخليج تمكنت من خلال مسيرتها أن تقوم بهذا الدور الدولي الفاعل القادر على تقديم الحلول للمشاكل بدلاً من خلقها و تعزيزها. وهي جهود سوف تتضاعف الحاجة إليها خلال المرحلة القادمة.

مقالات لنفس الكاتب