array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

إشكالية العلاقة بين أجيال الإنترنت والإصلاحات في المجتمع الخليجي

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

تُعد موجة التظاهرات الشبابية الشعبية التي تشهدها المنطقة العربية في مشرقها ومغربها، ظاهرة جديدة لها دلالاتها الثقافية والاجتماعية والتربوية تتعدى حدود التفسيرات السياسية التقليدية، بل تتعدى خطوط الأيديولوجيات وعقلية المعارضة العربية السياسية التقليدية برموزها اليسارية والمحافظة وتنظيماتها الفلكلورية التي تعود إلى المدة الممتدة بين حقبتي الثلاثينات والثمانينات من القرن الماضي لتبدأ حقبة جديدة يقودها نمط جديد من التوجه أخذ يبتعد تدريجياً عن الأنماط الأيديولوجية التقليدية التي تكسرت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989 لتكون الأنماط الجديدة حتى تلك المحسوبة على ركب التحول العالمي نحو اقتصاد السوق أضحت تقليدية وفق فلسفة التحول المعلوماتي لتحل محلها أيضاً تدريجياً تصورات جديدة صنعتها أجيال غير تقليدية انبثقت من بوتقة ثورة الاتصالات والمعلوماتية بطريقة متصاعدة لم تعد معها الأساليب التقليدية قادرة على اللحاق بها أو مواكبتها.

التغيرات التي يقودها الشباب اليوم تغيرات عابرة للقومية والإثنيات بأشكالها كافة

إن ظاهرة أجيال الإنترنت التي أخذت بالتفاعل خلال الآونة الأخيرة في المنطقة العربية ما هي إلا ناتج التحول الثقافي والفكري الذي أصاب منظومة القيم الشبابية وتعدى إمكانية التخطيط التربوي الرسمي، وكذلك توقعات الآباء والأجداد في نقل تراثيتهم إلى أبنائهم بطريقة انسيابية نمطية، الأمر الذي أدى إلى حالة صراع أجيال حادة ربما ستنتهي خلال ثلاثة أو أربعة عقود مقبلة إلى حالة جديدة يمكن أن نطلق عليها حالة الانقطاع بين الأجيال التي لا تعني فصل هذه الأجيال عن ماضيها بقدر ما تعني عدم الأخذ عن الآباء والأجداد تلك التراثية التي تمجد الماضي وتعيش فيه أكثر من الحاضر، لتكون قناعة الأبناء بواقعهم الآني مع قدرتهم على الحفاظ على تراثهم الاجتماعي بعد غربلته وتخليص أنفسهم من عقده، بل المحافظة عليه بطريقة ذكية تفوق طريقة الآباء والأجداد ليعيشوا في حاضرهم أكثر من الالتفات إلى الماضي، لعل هذا يؤشر إلى أن هناك في نظر النظم السياسية والمنظّرين السياسيين إشكالية معقدة تحكم العلاقة بين هذه الثقافة المتولدة وطبيعة الإصلاحات التي يدعون إليها، وهي إشكالية تتمحور في الأسلوب والفهم الذي يمكن التعامل به ضمن تقدير حجم وامتداد هذه التغيرات المتسارعة التي يقودها شباب الإنترنت، فإذا كان النظر إلى ذلك يدخل ضمن رؤى سياسية تأخذ في الاعتبار المتغيرات الخارجية فإن الأمر سيزداد تعقيداً وتشتيتاً لأهداف الإصلاحات التي يراد تطبيقها، والقضية الجديرة بالتقدير هي إبعاد هاجس الخوف والقلق من هذه التغيرات لأنها سائرة باتجاه بلورة مفاهيم جديدة لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها حتى أضحت خارج سيطرة المؤسسات الرسمية (الدولة) وأيضاً خارج إطار المؤسسات المرجعية غير الرسمية (الأسرة والقبيلة) لأن المسألة تتصل بتغيير وتبديل آلية التفكير وإبراز لغة جديدة منبثقة من صناعة جديدة لديها السيطرة على العقل البشري الحديث وهي المنظومة المعلوماتية التي أخرجت الإنسان المعاصر من عزلته الاجتماعية، وفتحت أمامه قنوات اتصال مستمرة ومتفاعلة باللحظة، لذا ينبغي أن تكون حزمة الإصلاحات في المجتمع الخليجي لا تخرج عن إطار هذا الفهم وإلا سوف تجد النخب السياسية وأصحاب القرارات السياسية أنفسهم أمام تيار ليس من السهل إقناعه.

 أولاً: النظم السياسية الخليجية في عالم متغير

لا يجوز القول إن النظم السياسية الخليجية تقع خارج إطار التغيرات النوعية في العالم المعاصر، كما ينبغي عدم النظر إليها على أنها معزولة عن منظومة التغيرات الدائرة في المحيط العربي، لكن الإشكالية الأساسية في هذا الإطار هي عدم وضوح الآليات اللازمة لاستيعاب التغيرات الجارية في المنطقة العربية وتقدير انعكاسها على المشهد الثقافي الخليجي، لأن هذه التغيرات التي يقودها الشباب هي خارج الأيديولوجيات، بل إنها عابرة للقومية والإثنيات بأشكالها كافة، فالمسألة أكبر من ذلك بكثير لأنها قادمة مع الموجات المعلوماتية سريعة التدفق، وفي الوقت نفسه حاملةً معها مفاهيم تتصل مباشرة بحقوق الإنسان وكرامته أكثر من كون مصدر عنفوانها اقتصادي وإن بدا الأخير عاملاً مؤثراً في واقع الشباب الذي يريد تحقيق حاجاته الملحة، تلك الحاجات التي تعدت حدود حاجات الآباء والأجداد بل تعدت صبر الآباء والأجداد على واقعهم بزمن طويل تحت مبدأ القناعة كنز لا يفنى، والأجيال الجديدة تقع خارج إطار هذه الأمثلة التقليدية. وإذا كانت الجوانب الاقتصادية في المجتمع الخليجي قد حققت مردودات إيجابية في إشباع حاجات الإنسان بفضل السياسات الخليجية التنموية وفتح مجال الحياة أمام شعوبها فإن المسألة في الحالة الجديدة تقع خارج إطار إشباع الحاجات أو في أقل تقدير بعيدة عنها نسبياً لتتمحور المسألة في قضية عاشتها الأجيال الجديدة في منطقة الخليج وهي تجدد حاجاتها الإنسانية والثقافية التي أوقعت هذه الأجيال في حيرة حقيقية تحت ظروف وضغط الاتصال وقنواته الثقافية العالمية وما صاحبها من ازدياد الطموح الشخصي، فضلاً عن تكوين قناعات جديدة لديها لم يعد الآباء قادرين على الإلمام بها تحت ظروف متغيرة مما أحدث صراعاً ثقافياً حاداً بين الأبناء وآبائهم ليأخذ مساحة واسعة في الأسرة الخليجية المعاصرة إلى درجة أصبح بعض الأبناء لا يبالون فيما يقوله آباؤهم، بل أخذ البعض الآخر بالتمرد على أفكار آبائهم وأجدادهم واعتبارها أفكاراً قد عفا عليها الزمن.

إن الصراع داخل إطار منظومة صغيرة كالأسرة هو نفسه اليوم يظهر على نطاق واسع في منظومة كبيرة هي المجتمع، فأجيال الإنترنت اليوم تتصارع حسب مفاهيمها مع نظم تربوية وسياسية باتت حسب تقديراتهم تقليدية غير قادرة على الاستجابة لحاجاتهم المتزايدة وهي بلا شك مسألة خطيرة ينبغي النظر إليها في المجتمع الخليجي وفق فهم جديد لمضامينها ودلالاتها وينبغي عدم الاستهانة بها لا سيما أن النظم السياسية الخليجية تعيش في عالم متغير وهي تدرك ماهية ذلك، بل إنها أخذت تضع ذلك في حسبانها وتقديرها خاصة أن العالم المتغير متجه نحو التعولم والانفتاح، وتدرك أيضاً أن هذه الأجيال لا تحركها أيديولوجيات أو أفكار تنظيمية بقدر ما يحركها التحفيز الثقافي الذي يرمي إلى تغيير نمط الحياة ذاته ومن ثم لا يمكن السيطرة عليها بالطرق التقليدية التي جربت من قبل نظم سياسية كما حصل في تونس ومصر وما رافق ذلك من رفع العالم المتحضر راية حقوق الإنسان كاستجابة لتغيرات قادتها أجيال جديدة لا تقبل التراجع وتجاوزت مصالحها مع النظم التقليدية التي كانت تدعمها إلى مفاهيم متحركة مع ثورة الشباب لترسم من جديد خريطة هذه المصالح وفق المستجدات على الساحة العربية.

 ثانياً: ثقافة أجيال الإنترنت والإصلاح

ينبغي النظر إلى ثقافة أجيال الإنترنت نظرة جديدة متفحصة وفهم دلالاتها الثقافية وآثارها السياسية سواء في ظروفها الآنية أو في آفاقها المستقبلية على المجتمع كياناً وثقافة وتراثاً، لأنها تمثل نقلة نوعية لا يمكن التراجع عنها، بل لا يمكن إخمادها حتى لشهور أو سنوات قليلة لأن عملية الغليان لا تستهدف الأشخاص أو الرموز السياسية بقدر ما تستهدف البنى التقليدية التي يريد الشباب الخروج منها وتبديلها بما يتلاءم مع فلسفة جديدة باتت لها منطلقاتها وقناعاتها المعاصرة حتى إنها أضحت لا تطيق الأطر التقليدية التي نشأوا عليها، ولعل الخطورة التي ينبغي التوقف عندها تكمن في هذا التحول فإذا لم يحسم أمر استيعابها وتهيئة البيئة السياسية والثقافية التي تجعلها أو تمكنها من التحرك فيها وفق نظام مؤسساتي ودستوري يجد الإنسان فيه حريته وكرامته، فثقافة الإنترنت والاتصال كونت اتجاهات جديدة عند الشباب وهي الفردية والانشغال مع الذات أكثر من الانشغال في الحكايات مع الأجداد وغيرها، وهذه الفردية هي غير تلك الفردية التي يكون أصحابها منكفئين على شؤونهم الخاصة، بل إنها فردية تتحدث بصوت عالٍ وهي قادرة على الاتحاد الآني مع فرديات أخرى مماثلة تتحرك على شكل مجاميع تلقائية تجمعها ثقافة إثبات الذات والابتكار ونبذ الاتكال على الآخرين.

ظاهرة أجيال الإنترنت ما هي إلا نتاج التحول الثقافي والفكري الذي أصاب منظومة القيم الشبابية

ولذلك فإن الإصلاحات التي يدعو إليها الكثيرون اليوم ينبغي أن تأخذ ذلك في الاعتبار وتنظر إليه بإطاره الإيجابي بعيداً عن الخوف والقلق من تداعياته لأن النظم السياسية الخليجية خطت خطوات واسعة في مجال التنمية وبنت مرتكزات الحياة العصرية، وتعاملت مع الثروة في المجتمع على أساس أنها وسيلة لخدمة الإنسان. وفي هذا المجال جاء المشروع الخليجي الأخير في دعم البحرين وعُمان (مارشال خليجي) وهي خطوة أساسية لدفع عملية التنمية فيهما إلا أن المسألة لا تزال في بعض جوانبها بعيدة عن ذلك، فالقضية التي يحملها الشباب العربي اليوم ومنهم شباب الخليج تكمن في المطالبة بديمقراطية مشاركة وتحويل العلمانية إلى علمية لا سيما أن هذه الأجيال تتجه إلى اعتبار العلمية منهجاً قائماً على أساس التجربة والابتكار وإيجاد الفرص المناسبة بعملية التحول الثقافي في المجتمع الخليجي بظروفه الحالية.

 ثالثاً: إشكالية العلاقة بين الحوار وثقافة الشباب

هناك إشكالية تحكم بين الدعوة للحوار وماهية ثقافة الشباب ليس في المجتمع الخليجي فحسب، بل في كل أجزاء الوطن العربي ولعل ذلك يكمن في لغة الحوار وآلياته، فهل سيتم الحوار من خلال النظر إلى ثورة الشباب على أنها هزة في البناء الاجتماعي وبنظرة إيجابية ومتفهمة لمعطياتها وجعل (ميكانيزمات) هذا البناء تعمل على استيعابها ومن ثم تحقيق التوازن وصولاً إلى الاستقرار؟ أم يكون الحوار قائماً على أساس تبديل الوزراء وتوفير بعض فرص العمل؟ ووفقاً لمعطيات الواقع يظهر أن الإجابة عن السؤال الأول بالإيجاب هي الأكثر ذكاءً لأن التعامل بغير تلك اللغة الحوارية لا يمكن للنظم السياسية الخروج من هذه الإشكالية، وتبقى الوسائل الأخرى قاصرة وقد تؤدي إلى نتائج عكسية ستظهر تفاعلاتها بشكل سريع إذا ما حاولت قوة عالمية استغلالها لحساب مصالحها، ولذلك ينبغي النظر إلى هذه المسألة من زوايا عدة أبرزها:

1- الاعتراف بحقيقة وفاعلية الأجيال الجديدة والنظر إلى مطالبها بجدية، فهي تتعدى المطالب الاقتصادية إلى نقطة أبعد تتمحور بالكرامة والحرية.

2- ينبغي الإصلاح أو تغيير المناهج الدراسية بمستوياتها كافة بما ينسجم مع التغيرات الحاصلة في العالم الجديد بحيث يمكن نقل الأجيال الجديدة من طور الفوضى إلى طور جديد من التنظيم القائم على أساس إشاعة المعرفة التطبيقية.

3- ينبغي تعديل الخطاب السياسي التقليدي وفق آليات جديدة قادرة على استيعاب التغير الناتج عن ثورات الشباب وبالتالي تحقيق التوازن المطلوب، وهذا يأتي من خلال إرساء مفاهيم جديدة قادرة على الاستجابة لطريقة تفكير هذه الأجيال.

4- تأسيس الأندية الثقافية وإفساح المجال أمام المرأة لتأسيس الجمعيات والمنظمات التي تهتم بشؤونها، كذلك العمل على فهم تطلعاتها الجديدة.

5- ضرورة العمل على تشكيل مؤسسات الدولة المدنية القائمة على فصل السلطات.

6- كل ذلك ينبغي أن يخضع إلى خطة تنموية بشرية متكاملة تأخذ في الاعتبار المتغيرات الجديدة التي بدأت تؤثر في تشكيل ثقافة أجيال الإنترنت لتشمل الخدمات وفرص العمل وإتاحة فرص الاندماج الثقافي في عملية التحول الصناعي المرتقب. 

مقالات لنفس الكاتب