; logged out
الرئيسية / "الثلاثي" أضعف أوروبا وأعاد قوة بريطانيا وتأثيرها في شرق المتوسط"

العدد 167

"الثلاثي" أضعف أوروبا وأعاد قوة بريطانيا وتأثيرها في شرق المتوسط"

الخميس، 28 تشرين1/أكتوير 2021

يعكس هذا المقال وجهة نظر الكاتب حول النتائج الاستراتيجية المحتملة لتحالف أوكوس بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والاتحاد الأوروبي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، وهناك عدة نقاط يمكن الانطلاق منها للنظر في تحالف أوكوس وإلغاء أستراليا لشراكتها الاستراتيجية ولعقد شراء غوّاصات فرنسية.

وتعتبر نقطة الانطلاق المباشرة هي الدور الاستراتيجي المزدوج الذي تلعبه أستراليا مع فرنسا من ناحية، ومع الولايات المتحدة وبريطانيا من ناحية أخرى. فما الذي يعنيه هذا الأسلوب المخادع الذي تنتهجه أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة تجاه فرنسا، وبالتالي الاتحاد الأوروبي، لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي؟

من المرجح أن يؤدي خداع وإهانة فرنسا إلى استبعاد أي مشاركة ذات مغزى للاتحاد الأوروبي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، سواء كان ذلك متعمدًا أو لا. ففرنسا هي الدولة الوحيدة العضو في الاتحاد الأوروبي الموجودة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي لها أراض في المحيط الهندي وجنوب المحيط الهادئ. كما تمتلك فرنسا ثاني أكبر منطقة اقتصادية حصرية في العالم، حيث يوجد 93٪ منها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويوجد لفرنسا في تلك المنطقة مواطنون ومؤسسات وجامعات وموانئ ومطارات ووجود عسكري وما إلى ذلك، على عكس أي دولة أخرى عضو في الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، تعد فرنسا هي الجسر الذي يربط الاتحاد الأوروبي بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وفي المقابل، تتمتع ألمانيا بمصالح اقتصادية كبيرة في المنطقة وتركز على هذه العلاقات الاقتصادية مع الصين، على وجه الخصوص، بدلاً من الانخراط في شراكة دبلوماسية ودفاعية على نطاق أوسع مع الدول الأوروبية. وفيما يتعلق بالدول الأصغر في الاتحاد الأوروبي، فهذه الدول ليس لديها الثقافة الاستراتيجية ولا النضج ولا الموارد المادية لإحداث أي فارق في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وبمبادرة فرنسية انخرط الاتحاد الأوروبي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ عبر نشر استراتيجية الاتحاد الأوروبي للمحيطين الهندي والهادئ، وكان ذلك في نفس توقيت إعلان اتفاقية أوكوس. وتتمثل فلسفة الاستراتيجية الفرنسية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ – بالشراكة مع أستراليا – وفلسفة الاتحاد الأوروبي، في العمل كقوة توازن واستقرار تعمل على تخفيف حدة المواجهة الصينية الأمريكية المتسارعة في المنطقة. ويتمتع الاتحاد الأوروبي بخبرة كبيرة في العمل على تطوير واستقرار حدوده الجنوبية والشرقية من خلال التنمية الاجتماعية الاقتصادية الشاملة والديمقراطية وسيادة القانون والتنمية المستدامة، وهو الأمر الذي سيكون محط اهتمام للعديد من دول المحيطين الهندي والهادئ. ومن الواضح أن الولايات المتحدة من خلال اتفاقية أوكوس قد تجاهلت فرنسا والاتحاد الأوروبي في محاولة للتوصل إلى احتواء عسكري للصين؛ وإذا كانت التنمية الاجتماعية والبيئية المستدامة للمنطقة على نطاق أوسع عنصرًا ضروريًا من أجل العمل على احتواء الصين بصورة أكبر، فعندئذ، من غير المرجح أن يكون الاتحاد الأوروبي شريكًا فعالاً.

إن الأسلوب المخادع والمهين الذي تفاجأت به فرنسا من جانب أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، يجعل حلفاء اتفاق أوكوس غير جديرين بالثقة بالنسبة لها -وبالتالي بالنسبة للاتحاد الأوروبي. فالعديد من الدول الأعضاء الأصغر في الاتحاد الأوروبي يتفهمون تأثير هذا الخداع على الاتحاد الأوروبي، إلا أن ذلك لن يكون مهماً لأن هذه الدول الأعضاء الأصغر حجمًا في الاتحاد الأوروبي ليست لها صلة بشؤون المحيطين الهندي والهادئ فكريًا أو ماديًا.

وبالتالي، فإن النتيجة المحتملة لاتفاق أوكوس بالنسبة لفرنسا والاتحاد الأوروبي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ هي أن فرنسا ستكون على صواب من الناحية المنطقية والأخلاقية لقبول احتواء اتفاقية أوكوس للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويتعين على فرنسا التركيز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية ووحدة أراضيها في المحيطين الهندي والهادئ. بينما ينبغي على الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تفهم أهمية الاستراتيجية الجديدة لهذا الوجود السيادي الفرنسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ومع ذلك فمن غير المرجح التحرك من أجل تحقيق ذلك، وجعل التنمية الاجتماعية والاقتصادية والوحدة من أولويات الاتحاد الأوروبي كقيادة ونقطة انطلاق في المنطقة.

وقد يقول أعضاء وأنصار اتفاقية أوكوس بأن فرنسا مجبرة على الانضمام إلى الاتفاق لحماية أراضيها في المحيطين الهندي والهادئ، ولكن الأراضي الفرنسية في المحيطين الهندي والهادئ سيتم حمايتها على كل حال. فالتهديد الذي يشكل خطرًا على الأراضي الفرنسية الواقعة في المحيطين الهندي والهادئ هو الاستقلال والتفكك، وهذا ليس له علاقة باتفاق أوكوس، بينما التنمية الاجتماعية والاقتصادية والوحدة هي السياسات الفعالة في هذا الأمر.

 

ثمة أصوات قوية تدعو إلى انضمام الاتحاد إلى اتفاق أوكوس خاصة في الدول الأعضاء الصغيرة في الجزء الشمالي من الاتحاد الأوروبي. وتعكس هذه الأصوات، والتي سوف تزداد قوة، التأثير المهم للدول الناطقة باللغة الإنجليزية في الاتحاد، وتدهور كفاءاتهم في اللغات الأجنبية الأخرى، فضلاً عن قلة التآزر ونقص الخبرة خارج المحيط الإنجليزي، وعدم النضج الثقافي الاستراتيجي. إلا ان هذه الأصوات لن تكون ذات أهمية، إذ لا تمثل أي موارد فكرية أو مادية استراتيجية ذات مغزى لاستخدامها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ومن المحتمل أن تكون النتيجة النهائية لخداع وإذلال فرنسا وبالتالي الاتحاد الأوروبي من خلال اتفاقية أوكوس، هو غياب مشاركة الاتحاد الأوروبي الفعالة في المنطقة، وان يتزامن ذلك مع دعوات الدول الأعضاء في أوكوس لمثل هذه المشاركة ودعم الدول الأعضاء الأصغر في الاتحاد الأوروبي لذلك.

وثمة مسألة سيكولوجية تبعث على التفكير: كيف يمكن لأستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة أولاً خداع وإهانة حليف وشريك رئيسي مثل فرنسا والاتحاد الأوروبي ثم توقع دعمهم ومشاركتهم؟ كيف ينظر الناس إلى مثل هذا السلوك في العلاقات على مستوى الأفراد؟

والنتيجة الأخرى لاتفاقية أوكوس بالنسبة للاتحاد الأوروبي هي العلاقة مع بريطانيا. إن اتفاقية أوكوس تعتبر إنجازًا عظيماً لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعزز بقوة مكانتها الدولية ومبيعات الأسلحة والتكنولوجيا ذات القيمة الكبيرة. ويبدو أن هذا الارتباط بين المحيطين الهندي والهادئ سيمحو الانسحاب البريطاني من شرق السويس في ستينيات القرن الماضي وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وتثير اتفاقية أوكوس السؤال الاستراتيجي البريطاني الكلاسيكي، هل تفضل بريطانيا مشاركة بحرية عالمية مع جيش أصغر ومشاركة أقل في أوروبا، أم "التزام قاري" أوروبي بجيش أكبر والمشاركة في الأمن الأوروبي مع تحالفات عالمية أصغر؟ فالانسحاب من شرق السويس في ستينيات القرن الماضي، ضحى بالمشاركة العالمية من أجل الالتزام القاري الأوروبي. ويبدو أن اتفاقية أوكوس ترجع بعقارب الساعة إلى الخلف. ويظل السؤال المطروح هنا ما إذا كانت بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي قادرة على تحمل تكاليف التراجع بشكل أفضل مما حدث في الانسحاب من شرق السويس في الستينيات. ويتعين على الحلفاء حاليًا التفكير فيما إذا كانوا يثقون في أن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي لديها الموارد للعودة "لشرق السويس" وفي شخصية بوريس جونسون وفي كلامه.

إن عدم استجابة الاتحاد الأوروبي للخداع والإذلال الذي تعرض له يقوض مصداقية الاتحاد الأوروبي تجاه أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة. فقد لقنتنا اتفاقية أوكوس درساً عن أي مدى يمكن خداع وإهانة دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بتكلفة قليلة أو بدون تكلفة فورية (التكلفة طويلة الأجل ستكون غياب مشاركة الاتحاد الأوروبي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ). ولا يبدو أن الدول الأصغر الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لديها الثقافة والنضج الاستراتيجي لفهم مخاطر تقويض مصداقية الاتحاد الأوروبي.

إن عواقب خسارة مصداقية الاتحاد الأوروبي لدى الدول الأعضاء في اتفاقية أوكوس تجلت على الفور في مطالب بريطانيا بتغيير بروتوكول أيرلندا الشمالية في اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويمثل تغيير هذا البروتوكول تهديدًا لسلامة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، ويبدو أن بريطانيا ستستمر في تقويض سلامة الاتحاد الأوروبي والسوق الموحدة للفوز بكل شيء بمفردها. ولن يكون هناك من يمكنه ردع توجه بريطانيا الحاسم لتقويض الاتحاد الأوروبي سوى الاتحاد نفسه. وقد أظهرت اتفاقية أوكوس لبريطانيا أنه يمكن خداع وإذلال دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ثم الإفلات من العقاب. إن مصداقية الاتحاد الأوروبي ستتطلب جهوداً أكبر لاستعادتها عقب إبرام اتفاق أوكوس. وبالنظر إلى عدم تفهم الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي لتلك الحقائق، فليس من المؤكد حتى أن الاتحاد الأوروبي يمكنه إعادة ترسيخ مصداقيته في مواجهة بريطانيا، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تصعيد مطالب بريطانيا لتغيير اتفاقية خروجها من الاتحاد الأوروبي، مما سيعمل على مزيد من التقويض للاتحاد.

ويظهر تأثير اتفاقية أوكوس على حلف الناتو في كل من المسرح الأوروبي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. إن العديد من الدول الصغيرة من الأعضاء في شمال أوروبا والسويد وفنلندا، ترى في بريطانيا حليفًا إقليميًا رئيسيًا وحاجزاً أمنيًا ضد التهديد الروسي. ويجب على هذه الدول النظر فيما إذا كانت بريطانيا تمتلك الموارد المادية لتكون حليفاً موثوقاً به في كل من المسرح الأوروبي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ أم لا. وهل يمكن لبريطانيا حاليًا عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي أن تلتزم بصوة أكبر مما فعلت في حقبة الستينات والسبعينات. كما يجب على هذه الدول الصغيرة في شمال أوروبا أن تسأل حول ما إذا كانت بريطانيا حليفًا أكثر مصداقية تجاهها أكثر من فرنسا؟ وفي حال تمكنت بريطانيا من خداع حليف وشريك أكثر أهمية مثل فرنسا، فلماذا لا تخدع بريطانيا حلفاء وشركاء شمال أوروبا الأضعف والأقل تأثيراً إذا كان ذلك مناسبًا؟

غالباً ما ستتسبب اتفاقية أوكوس في إضعاف الاتحاد الأوروبي في أوروبا وعلى مستوى العالم، ولهذا قد يرى البعض أن هذا الاتفاق سيعزز من قوة حلف الناتو. ولكن هذا ليس بصحيح، فالاتحاد الأوروبي يمنح الاندماج، والمواءمة في الأمن الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، إلخ، على نطاق أوسع بكثير مما يفعله الناتو أو من المحتمل أن يفعله في أي وقت في المستقبل. إن الاتحاد الأوروبي الضعيف سيضعف مرونة المجتمع في أوروبا الغربية والوسطى، دون ان يعزز من قوة الناتو. وكما وضحنا في بداية الاتفاقية، فمن المحتمل أن تستبعد اتفاقية أوكوس أي مشاركة ذات مغزى للاتحاد الأوروبي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

إن عدم استجابة أوروبا لما حدث من خداع وإهانة لفرنسا بسبب اتفاقية أوكوس، يسلط الضوء على الافتقار لثقافة استراتيجية أوروبية، فضلاً عن تأثير اللغة الإنجليزية والعزلة الثقافية الاستراتيجية في شمال أوروبا. وتعد دول شمال أوروبا من بين دول العالم التي تتمتع بأفضل مهارات اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية، في حين أن اللغات الأجنبية الأخرى كالفرنسية والألمانية تتراجع سريعاً. ويؤدي وضع اللغة إلى وجود شعور زائف بالوصول إلى العالمية لدى دول أوروبا الشمالية، بينما هم في الحقيقة منعزلون في خندق واحد مع من يتحدثون الإنجليزية فقط. وعليه فلن تتفهم الدول الموجودة في أوروبا الشمالية لوجهات النظر الاستراتيجية الفرنسية، مثل الوجود الفرنسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويمكن للتأثير القوي وغير المتوازن للأبحاث الناطقة باللغة الإنجليزية والتعليم والثقافة والإعلام أن يؤدي أيضًا إلى الخلط بين المصالح الأنجلو ساكسونية والمصالح الخاصة.

 

ويعتمد الاتحاد الأوروبي على خلق ثقافة استراتيجية مشتركة ذات وعي عميق بمصالح الآخرين وتاريخهم. وتحتاج بلدان شمال أوروبا إلى معرفة أكبر بوجهات النظر والخبرات الفرنسية والألمانية والإيطالية، وهو الأمر الذي يتطلب إتقان اللغة الفرنسية والألمانية والإيطالية واكتساب الخبرات اللازمة في باريس وبرلين وروما.

وينبغي للدول الأخرى خارج الاتحاد الأوروبي أن تأخذ بعين الاعتبار أهمية الثقافة الاستراتيجية والنقدية المستقلة ومخاطر عزل نفسها في بوتقة من يتحدث باللغة الإنجليزية، وهو الأمر الذي قد لا يكون في صالحهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ بجامعة أركتيك في النرويج

مقالات لنفس الكاتب