; logged out
الرئيسية / حدة الاستقطاب تفرض مشاركة إفريقيا في التحالف الثلاثي أو التحالفات المضادة

العدد 167

حدة الاستقطاب تفرض مشاركة إفريقيا في التحالف الثلاثي أو التحالفات المضادة

الخميس، 28 تشرين1/أكتوير 2021

أثارت الصفقة التي تم إبرامها بين الدول الثلاث (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، وأستراليا)، الذي أسس لخلق تحالف ثلاثي بين تلك الدول فيما عرف بتحالف " أكواس"، قلق ومخاوف على الصعيدين الأوروبي والآسيوي، ففي أوربا قوبل هذا التحالف بكثير من الانتقادات وخاصة من جانب فرنسا، أما في آسيا فقد كانت أهم الانتقادات من جانب الصين التي رأت أن هذا التحالف موجه ضدها ويمثل جزءًا من التنافس الصيني الأمريكي.

لذا يسعى هذا المقال إلى محاولة تناول الموقف الإفريقي من هذا التحالف، ومدى تأثير هذا التحالف على العلاقات الصينية ــ الإفريقية، وهل يمكن أن تكون القارة الإفريقية جزءًا من تحالفات مماثلة في ظل التنافس الصيني الأمريكي الذي قد يفاقم التحالف الثلاثي الأخير من حدة الاستقطاب من الجانبين الأمريكي والصيني مستقبلاً.

يمكن أن يتم تناول الموضوع على النحو التالي:

أولًا-التحالف الثلاثي الأمريكي / البريطاني / الأسترالي:

في لقاء افتراضي جمع رؤساء حكومات الدول الثلاث تم الإعلان عن تحالف أمني لحماية مصالح في المحيطين الهندي والهادئ، بناءً عليه سوف تعمل الدولتان على تزويد أستراليا بغواصات نووية، بالإضافة إلى تضمين التحالف على تفاهمات مشتركة في تقوية روابط الشراكة من خلال تبادل الخبرات في مجال التقنية النووية.

وهو ما لاقى انتقادات من قوى كبرى في آسيا وأوروبا، فلقد كانت فرنسا أول المتأثرين نتيجة للخسائر التي قد تترتب في إلغاء صفقة مشتركة مع أستراليا لتزويدها باحتياجاتها في ذات الإطار، هذا الأمر سبب قلقًا وتوترًا أوروبيًا من سلوك الإدارة الأمريكية الجديدة من خلال اعتبارها كإمداد لنفس سلوك إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بما قد يؤشر لفقدان ثقة أوروبا في الولايات المتحدة كحليف يمكن الاعتماد عليه والوثوق به، خاصة بعد اتخاذها قرار الانسحاب من أفغانستان دون مشاورة حلفائها في أوروبا، أما في آسيا يرى الصين الذي يعتبر المستهدف الأساسي من هذه الخطوة، أن هذا الأمر ليس سوى انتهاك للقوانين المتعلقة بالتسليح النووي، لأن أستراليا لا تعتبر دولة نووية.

ثانيًا-تأثير التحالف الثلاثي على العلاقات الصينية ـ الإفريقية:

ترتبط الصين بالدول الإفريقية بعلاقات تتسم بطابعها التعاوني في المجالات كافة؛ السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، وتمكنت الصين منذ مؤتمر باندونغ عام 1955م، أن تؤسس لقيام علاقات تعاونية متينة مع معظم الدول الإفريقية، هذا الأمر مهد لها أن تتفوق على معظم الدول الكبرى الأخرى ولا سيما الولايات  المتحدة الأمريكية التي تتنافس معها في القارة الإفريقية، حيث يسعى كل طرف من الأطراف التنافس في عرض نفسه على أنه الشريك المناسب في التنمية لمعظم دول القارة الإفريقية من خلال مزيج من فرص التعاون الممكنة، وبالرغم من أن نشاط التحالف الثلاثي انطلق من المحيطين الهندي والهادئ خارج حدود القارة الإفريقية، إلا أن العوامل الخارجية التي طالما كان منبعها يكون خارج القارة الإفريقية لها التأثير على ماضي وحاضر ومستقبل القارة الإفريقية سواء ارتبطت تلك العوامل الخارجية بوجود علاقات تعاونية أو صراعية بين الدول الكبرى حتى خارج حدود القارة.

فعلى سبيل المثال، خلال حقبة نظام دولي متعدد الأقطاب بعد مؤتمر برلين ١٨٨٤-١٨٨٥م، الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الدول الأوروبية لنهب ثروات وموارد القارة الإفريقية، فقد كان هذا المؤتمر نتيجة لتطورات في القارة الأوروبية على إثر الصراعات بين الدول الأوروبية في أوروبا وأثرت هذه الصراعات على القارة الإفريقية، من خلالها تم استعمار الشعوب الإفريقية لفترة طويلة، أسهمت في تشكيل معظم المشكلات والتحديات التي تعاني منها الدول الإفريقية في المرحلة ما بعد الاستقلال.

وبعد الحرب العالمية الثانية والوضع الذي تحقق خلال الحرب الباردة من وجود نظام ثنائي القطبية، كان له تأثير على القارة الإفريقية، فبرغم من تمتع الدول الإفريقية بقدرة ومساحة للمناورة والتحرك وسط التنافس بين قطبين (الولايات المتحدة والقوى المتحالفة معها من جانب والاتحاد السوفيتي وحلفائه من جانب آخر)، إلا أن الظروف التي تحققت نتيجة لهذا الوضع وسعي الدول الكبرى من كسب تأييد ودعم دول العالم الثالث، أسهمت وأثرت على الأوضاع السياسية في إفريقيا في تعزيز وجود الأنظمة المستبدة في الدول الإفريقية، والتي حظت بدعم ورعاية من الدول الكبرى، تضرر منها شعوب دول القارة الإفريقية.

أما بنهاية الحرب الباردة فكانت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية في ظل نظام أحادي القطبية، انعكس وأثر بالسلب أيضاً على شعوب القارة الإفريقية في إسقاط الحكومات التي لا تحقق رغبات الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى حصار بعضها أي التي كانت تحظى بدعم داخلي من قبل المواطنين، أو كانت تسيطر بما لا يسمح للمعارضة الداخلية من إحداث حراك شعبي يسمح بإسقاطها، وذلك تحت مسوغات نشر الديموقراطية وحماية حقوق الإنسان.

فيما يتعلق بالتأثيرات المتوقعة من التحالف الثلاثي على القارة الإفريقية، فإن الهدف من التحالف كما يتضح هو حصار الصين في هذه المنطقة، وعليه فإن أي تأثير على الصين لا بد بالضرورة أن تتضرر منه الدول الإفريقية، نسبة لحجم العلاقات بينها والدول الإفريقية في المجالات كافة لا سيما الاقتصادية.

ويتضح أيضاً من هذا التحالف إنه يقوم على محاولة السيطرة على الطرق البحرية، من أجل التحكم فيها وهو ما قد يترتب عليه تعميق حدة التنافس بين الدول الكبرى للتحكم على الطرق البحرية الأخرى، والتي لها تأثيراتها على الدول الإفريقية، فمن ناحية تقع القارة الإفريقية في موقع استراتيجي يربط بين الثلاث قارات، شمالاً عبر البحر الأبيض المتوسط تربط القارة الإفريقية بالأوروبية، ومن جهة الغرب عبر المحيط الأطلسي بالأمريكيتين أما جهة الشرق فإن القارة ترتبط وآسيا عبر البحر الأحمر.

ومن ناحية أخرى ترتبط هذه الطرق البحرية اقتصاديًا بالموارد والثروات الإفريقية كمصادر هامة لاقتصاديات الدول الكبرى، بالإضافة إلى نقل المنتجات إلى إفريقيا أو عبر هذه الطرق إلى القارات الأخرى، لذلك فإن أية تأثير على هذه الطرق، له تأثير على الدول الإفريقية اقتصاديًا، بما قد يؤدي إلى تغييرات في هيكل التحالفات الدولية نسبة لحجم الضرر ودور التحالفات في التخفيف والحد من أية تبعات اقتصادية التي لا يمكن فصلها عن السياسية والأمنية.

ثالثًا-رؤية إفريقية للتحالف الثلاثي:

على مستوى القارة الإفريقية قد يكون من الجيد أن يتم النظر إلى التحالف الثلاثي "أكواس" في إطار توجهات جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية حول التعامل في مواجهة التهديدات الخارجية سواء كانت التهديدات الإرهابية أو تهديدات المحافظة على المكانة في زعامة النظام الدولي الذي يرتبط بالمصالح الاقتصادية في الخارج من جانب؛ ويمثل الصين المنافس الرئيس، والأمر الآخر يتمثل في مراجعة العائد من تحمل تكاليف الوجود العسكري خارج حدود الدولة الأمريكية في مواجهة هذه التهديدات والذي أثبتت التجارب ارتفاع تكاليفه المادية والبشرية مقابل تدني العائد المتوقع في مواجهة القوة الدولية الصاعدة أي الصين من جانب آخر.

برغم من أن للدول الإفريقية تنظيم إقليمي وتنظيمات إقليمية فرعية يمكن من خلالها وضع رؤى مشتركة للتعامل مع مختلف التحديات الداخلية والخارجية التي تهدد دول وشعوب القارة، إلا أن لعدد من الأسباب والتحديات ظلت الدول الإفريقية عاجزة عن درء هذه التهديدات، فمن ضمن أهداف منظمة الاتحاد الإفريقي هو تأسيس كيان يسمح للدول الإفريقية بالوحدة والتضامن بين الشعوب الإفريقية والدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها وتعزيز مواقف إفريقية موحدة حول المسائل ذات الاهتمام للقارة وشعوبها والدفاع عنها، أما المبادئ تضم وضع سياسة دفاعية مشتركة للقارة الإفريقية وغيرها .[i]

فإن الوضع الذي ساهم في قدرة الشعوب الإفريقية من خلال حركات التحرر على المناورة بين قطبي النظام الدولي في إطار الحرب الباردة، رغم اختلافه عن الوضع الذي تحقق بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أن الوضع الحالي ربما ينذر بوضع قد يكون مشابهًا في بعض الجوانب بما يمكن من تسمية الوضع الذي قد يتحقق من التحالف الثلاثي بـ "الحرب الباردة الثانية"، وبالتالي يصبح على الدول الإفريقية أن تكون حريصة على وضع استراتيجية للتحرك خلال هذه المرحلة من أجل خلق فرص ومزايا تصب في صالحها.

حيث يتضح أن الولايات المتحدة الأمريكية اتجهت إلى نقل وتصعيد التنافس في ميدان آخر، أي في المحيطين الهندي والهادئ دون أن تتخلى عن استمرار وجودها في القارة الإفريقية، التي تعتبر مصدر هام للمواد الأولية وسوق هام للتخلص من فائض الإنتاج، فإن هذه السياسة تقوم على فكرة التقليل من التكاليف في ظل عدم فاعليتها في مواجهة الصين لا سيما في الميدان الاقتصادي الذي يتفوق فيه الصين على الولايات المتحدة الأمريكية بأضعاف، دون أن تترك لها هذه الساحة، بل ربما ترمي الولايات المتحدة إلى تنويع جبهات المواجهة في إطار التنافس الأمريكي الصيني.

 

خاتمة: مما سبق يمكن القول، أن زيادة حدة الاستقطاب بين الدول الكبرى ووفقاً للتجارب التاريخية قد يفرض مشاركة دول إفريقية في اتفاقات قد تأخذ نفس الإطار إما أن تكون جزءًا من هذا التحالف أو من تحالف آخر أو التحالفات المضادة للتحالف الثلاثي الأخير وبخاصة الدولة المشاطئة للبحار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث في العلوم السياسية – متخصص في الدراسات الإفريقية ـ جنوب السودان

 

مقالات لنفس الكاتب