array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 167

الاتفاق يحقق 5 أهداف ويعكس الاتجاه الراديكالي للإدارة الأمريكية

الخميس، 28 تشرين1/أكتوير 2021

يبدو أن مرحلة جديدة من إعادة صياغة أنماط التحالفات والصراعات على الساحة الدولية سوف تبدأ بعد إعلان كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا، في 15 سبتمبر 2021م، عن تأسيس تحالف جديد باسم "تحالف أوكوس". إذ أن هذه الخطوة لا تعكس اتجاه الدول الثلاث إلى تطوير التعاون الاستراتيجي والأمني فيما بينها فحسب، وإنما، وربما يكون ذلك هو الأهم، تكشف عن التغير الملحوظ في اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية، والذي بدأت ملامحه تتبلور منذ إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، واتخذت منحى تصاعدياً في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ثم بدأت تتحول إلى إجراءات تنفيذية على الأرض بشكل أكبر في عهد الرئيس الحالي جو بايدن.
فرغم أن الأخير كان حريصاً في فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية وما بعدها، على تأكيد تمايزه عن السياسة التي اتبعها سلفه، إلا أنه شاركه في ملف مهم ورئيسي، وهو مواجهة الصعود الصيني على الساحة الدولية. وربما يمكن انطلاقاً من تلك الرؤية تفسير الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد الدولي خلال الفترة الماضية، بداية من الانسحاب العسكري الفوضوي من أفغانستان الذي أعقبه مباشرة، في منتصف أغسطس 2021م، استيلاء حركة "طالبان" على الحكم فيها، مروراً بالتسبب في اندلاع أزمة حادة سوف تسبب شرخاً في جدار التحالف الغربي، بعد إقدام إدارة الرئيس بايدن على توقيع اتفاقية مع أستراليا لبيع 8 غواصات تعمل بالدفع النووي، بدلاً من الغواصات التقليدية التي كانت تستعد لشرائها من فرنسا، على نحو أثار استياء الأخيرة، وانتهاءً بالإعلان عن تأسيس تحالفات جديدة مثل "أوكوس"، و"كواد" الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والهند واليابان.
أهمية مجمل هذه التحركات لا تنحصر فقط في انعكاساتها المحتملة على اتجاهات التفاعلات بين القوى الدولية الرئيسية، ومستقبل توازنات القوى في منطقة التقاء المحيطين الهادئ والهندي "إندو-باسيفيك"، وإنما تمتد أيضاً إلى ارتداداتها المحتملة على مناطق وأقاليم أخرى تحظى باهتمام خاص من جانب تلك القوى، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط، التي تواجه بدورها استحقاقات استراتيجية لا تبدو هينة، تشارك بعض هذه القوى، بشكل مباشر وغير مباشر، في تحديد مساراتها المحتملة خلال المرحلة القادمة.
أهداف عديدة:
ربما يمكن القول أن الولايات المتحدة تسعى عبر هذه الخطوات التي اتخذتها، والتي وصفتها بعض الاتجاهات بأنها تعبير عن تزايد تأثير "الاتجاه الراديكالي" داخل الإدارة الأمريكية، إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:


1- تأكيد جدية السياسة الأمريكية المُناوِئة للصين: منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2021م، وهو يضع على قمة أولوياته مواجهة الصعود الصيني على الساحة الدولية. فقد قال، في 17 سبتمبر 2021م. :"العالم يتغير ونحن منخرطون في منافسة حيوية مع الصين". ووصفها وزير الخارجية أنطوني بلينكن، في 3 مارس من العام نفسه، بأنها "التحدي الجيوسياسي الأكبر في القرن الحادي والعشرين". ومن هنا، فإن تحالف "أوكوس" الجديد يهدف، في رؤية إدارة بايدن، إلى توجيه رسالة مباشرة بأن الولايات المتحدة الأمريكية معنية بمواجهة الصين في منطقة التقاء المحيطين الهادئ والهندي "إندو-باسيفيك"، وأنها لن تدخر جهداً من أجل تغيير توازنات القوى في غير صالح الصين في تلك المنطقة الحيوية من العالم. وربما يكون ذلك هو الرسالة الأساسية التي وجهتها واشنطن عبر المناورات البحرية التي أجرتها في بحر الصين الجنوبي، في 19 أكتوبر 2021م، وشاركت فيها اليابان وأستراليا.
ومن هنا، يمكن فهم مغزى المغامرة بتصعيد حدة التوتر في العلاقات مع فرنسا عبر إبرام صفقة جديدة مع أستراليا، حيث أن الغواصات الأمريكية التي تعمل بالدفع النووي بإمكانها تعزيز قدرة كانبيرا على الالتفاف على الرقابة التي تفرضها بكين، لاسيما أن الأخيرة باتت تمتلك إحدى أكبر القوى البحرية على مستوى العالم، حيث تمتلك نحو مائة مدمرة وفرقاطات وطرادات كما أنها تمتلك المدفع الكهرومغناطيسي والصواريخ التي تفوق سرعة الصوت. إذ يصعب اكتشاف تلك النوعية من الغواصات-التي تعمل بالدفع النووي-بواسطة الأساطيل البحرية التقليدية، فضلاً عن أنها قادرة على حمل عدد أكبر من الصواريخ ولمسافات أطول. كما أن الاتفاق الذي أبرم بين الدول الثلاث في إطار تحالف "أوكوس" قضى بمشاركة أستراليا المعلومات الاستخباراتية والتكنولوجيا في مجالات الصواريخ الباليستية والفيزياء النووية.


2- إنهاك المنافس الصيني عبر سباق تسلح جديد: ترى اتجاهات عديدة أن أحد أهداف تلك الخطوات الأمريكية يكمن في إنهاك الصين واستنزاف قدراتها في صراعات فرعية، باعتبار أن ذلك قد يمثل آلية مهمة في إدارة التنافس معها على الصعيد الدولي. إذ تدرك إدارة بايدن أن بكين تعزف باستمرار عن الانخراط في أزمات خارجية قد تفرض عليها تكلفة بشرية واقتصادية كبيرة، وأنها تتبع بشكل أساسي المدخل الاقتصادي لتعزيز نفوذها الدولي عبر ما يسمى بمشروع "الحزام والطريق". وهنا، فإن العمل على تغيير توازنات القوى على الأرض في منطقة "إندو-باسيفيك" قد يدفع الصين إلى الانشغال بملفات أخرى، ومن ثم تقليص قدرتها على مواصلة مشروعها الاستراتيجي بالمستوى نفسه الذي دَرَجَ عليه منذ بداية تفعيله.


3- احتواء الارتدادات العكسية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان: فرضت الطريقة التي انسحبت بها الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان ارتدادات عكسية عليها. فقد منحت الفرصة لفواعل دولية عديدة للترويج إلى تراجع المكانة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية، وزوال نظام القطبية الأحادية، لصالح عالم متعدد الأقطاب، تحظى فيه الصين بموقع متميز، لا تضاهيها فيه قوة دولية أخرى. كما أن هذا الانسحاب وجّه رسائل بأن واشنطن تتخلى عن حلفائها، بدليل أن الانسحاب تسبب مباشرة في تمكين حركة "طالبان" من السيطرة على الحكم في أفغانستان، حيث لم تستطع الحكومة ولا المؤسسات التي أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية أموالاً طائلة على تدريبها وتأهيلها، الوقوف في مواجهة طموحات الحركة للعودة إلى الحكم مجدداً.
ومن هنا، سعت الولايات المتحدة الأمريكية عبر الخطوات الجديدة في منطقة "إندو-باسيفيك" إلى تأكيد أنها ما زالت القوة الدولية الأولى، وأنها لن تتوانى عن حماية حلفائها ضد التهديدات التي تفرضها القوى الأخرى وفي مقدمتها الصين. بل إن هناك اتجاه يرى أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان، في قسم منه، خطوة سعت واشنطن إلى استغلالها لتصدير أزمة جديدة لخصومها الدوليين، على غرار الصين وإيران وروسيا، خاصة أن الدول الثلاث معنية بما يجري داخل أفغانستان، وما يمكن أن تفرضه سيطرة "طالبان" على الحكم من تداعيات جديدة قد تمس أمنها ومصالحها بشكل مباشر، خاصة فيما يتعلق بتصاعد تأثير التنظيمات الإرهابية التي وجدت في أفغانستان موطئ قدم تستطيع من خلاله الانطلاق لشن هجمات أو التمدد في أراضي دول الجوار، وفي مقدمتها تنظيمي "داعش" و"القاعدة".


4- توجيه رسائل مباشرة إلى الحلفاء الأوروبيين: لا يبدو أن الرسائل التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية كان مقصوداً بها خصومها فقط، وإنما حلفاءها أيضاً، ولاسيما فرنسا. إذ لا يمكن فصل هذه الخطوات، خاصة ما يتعلق بدفع أستراليا إلى فسخ التعاقد الخاص بشراء الغواصات الفرنسية، عن الاتجاه الأوروبي المتصاعد، والذي تقوده فرنسا، لتأسيس قوة أوروبية مستقلة، تستطيع من خلالها أوروبا حماية ومصالحها، واحتواء أية تداعيات قد تنجم عن تغير محتمل في الالتزامات الأمنية الأمريكية تجاه شركائها، على غرار ما حدث في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي رفع شعار "أمريكا أولاً". وبدا واضحاً أيضاً أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتسامح مع المحاولات الفرنسية لملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأمريكي من بعض مناطق الأزمات مثل منطقة الشرق الأوسط، حيث تسعى فرنسا إلى تفعيل دورها في عملية إعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في بعض الملفات الإقليمية. إذ شاركت في تشكيل حكومة لبنانية جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، بعد أن تبنت مبادرة سياسية لتسوية الأزمة الداخلية التي تصاعدت حدتها منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020م، كما انخرطت في الصراع على موارد الغاز في شرق المتوسط. وتسعى إلى تعزيز دورها في جهود دعم الأمن والاستقرار في العراق، إلى جانب محاولاتها الحفاظ على دورها القيادي في جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية رغم اتجاهها إلى تقليص وجودها العسكري في دولها الرئيسية لاسيما مالي.
وانطلاقاً من ذلك، يمكن تفسير أسباب تعمد الإدارة الأمريكية إحراج حليفها الفرنسي بهذا الشكل، الذي يمكن أن يؤثر على فرص الرئيس إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في أبريل 2022م، حيث أن ذلك كان بمثابة رسالة تحذير بأن تبني الدعوة إلى تشكيل قوة أوروبية مستقلة عن الحليف الأمريكي، والسعي لملء الفراغ الناتج عن انسحابه من بعض المناطق، قد تكون تكلفته عالية، حتى لو مست العلاقات الاستراتيجية القائمة بين الطرفين.


5- الاستجابة للتوجه الأمريكي العام: لا يعبر اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالانخراط في التفاعلات التي تجري في منطقة "إندو-باسيفيك" عن توجه جديد طرأ على الساحة الداخلية الأمريكية، إذ أن هذا التوجه بدأ منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، عندما تبنى ما يسمى بسياسة "محور الارتكاز الآسيوي"، والتي تقوم في الأساس على أن واشنطن يجب أن تمنح الأولوية لتلك المنطقة الاستراتيجية الحيوية من العالم، خاصة أن غياب الدور الأمريكي الفاعل فيها كان سبباً في تصاعد أدوار القوى الدولية الأخرى المنافسة لاسيما الصين، وهو ما دفعها إلى العمل على ما يسمى بـ"إعادة التوازن". وهنا، فإن إدارة الرئيس بايدن-الذي كان نائباً للرئيس وقت بروز هذا الاتجاه على الساحة الداخلية الأمريكية-تسعى إلى تأكيد أنها تتماهى مع هذا التوجه العام عبر الخطوات الأخيرة التي اتخذتها.
تحركات مضادة:
لا يبدو أن الخطوات الأمريكية في هذا السياق سوف تقابل بترحيب من جانب قوى دولية عديدة، وفي مقدمتها الصين بالطبع. ومن هنا، يمكن تفسير حرص الأخيرة، ضمن ردودها المختلفة على تلك الخطوات، على دعوة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية إلى "التخلي عن عقلية الحرب الباردة والإسقاطات الأيديولوجية"، في إشارة إلى أن استدعاء المناخ الدولي الاستقطابي الذي كان سائداً في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي لم يعد يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، وربما تكون عواقبه وخيمة على كل الأطراف بما فيها تلك التي تسعى إلى تغيير توازنات القوى في تلك المنطقة.
وقد بدأت بكين بالفعل في اتخاذ خطوات إجرائية لمقابلة هذه التحركات الأمريكية، يمكن تناولها في التالي:


1- تبني سياسة التوجه غرباً: في مقابل سياسة التوجه شرقاً التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت الصين في اتباع سياسة مضادة قائمة على التوجه غرباً، من خلال العمل على توسيع نطاق العلاقات الثنائية مع العديد من القوى الإقليمية والدولية الموجودة في أقاليم مختلفة من العالم، وفي مقدمتها إقليم الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، وقّعت الصين على اتفاق شراكة استراتيجية مع إيران، في 27 مارس 2021م، لمدة 25 عاماً، يتوقع خلالها أن تضخ استثمارات بقيمة 400 مليار دولار في مشروعات البنية التحتية الإيرانية، مقابل الحصول على امتيازات في تلك المشروعات، فضلاً عن خصومات على واردات الطاقة والسلع الأخرى. وفي رؤية بكين، فإن هذا الاتفاق يمكن أن يخدم مصالحها في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية من ناحيتين: الأولى، أنه يساعد إيران على مواجهة الضغوط والعقوبات الأمريكية، وقد يكون له تأثير أكبر في حالة ما إذا فشلت المفاوضات التي تجري في فيينا حول الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "4+1" بمشاركة أمريكية غير مباشرة، على نحو قد يساهم، نسبياً، في تقليص الخسائر الاقتصادية التي تعرضت لها إيران بسبب العقوبات الأمريكية، في ظل منعها من الانخراط في المنظومة الاقتصادية العالمية، وتجميد القسم الأكبر من عوائد صادراتها النفطية في بنوك خارجية.
والثانية، أنه يخدم مشروع "الحزام والطريق"، الذي تطمح الصين من خلاله في الحصول على عوائد اقتصادية واستراتيجية هائلة خلال الفترة القادمة، وترى أن التعاون الثنائي مع إيران يكتسب أهمية خاصة في ظل الموقع الاستراتيجي الذي تحظى به الأخيرة والذي يساعد في دعم المشروع لوجيستياً، بما يمكن أن يساهم في تحقيق أهدافه.
بالإضافة إلى ذلك، دخلت اتفاقية التعاون التي وقعت بين الصين والعراق حيز التنفيذ في 7 أبريل 2021م، والتي تمتد إلى 20 عاماً، وتعتمد على نظام مقايضة من خلال قيام العراق بتصدير النفط إلى الصين مقابل مشاركة الأخيرة في عمليات إعادة الإعمار في المناطق المحررة من تنظيم "داعش". كما بدأت الصين في توسيع نطاق علاقاتها ونفوذها داخل القارة الإفريقية. فطبقاً لتقديرات مجلس الأعمال الصيني-الإفريقي، في 28 أغسطس 2021م، فإن رصيد الاستثمار المباشر للشركات الصينية في القارة الإفريقية وصل إلى نحو 56 مليار دولار في نهاية عام 2020م. وتشير وكالة "ماكنزي" الأمريكية إلى أن العوائد المالية التي سوف تحصل عليها الصين من ضخ الاستثمارات في إفريقيا سوف تصل إلى 440 مليار دولار بحلول عام 2025م. وكشفت إحصاءات صينية أن حجم التجارة الثنائية بين الصين والدول الإفريقية وصل في عام 2020م، إلى 167 مليار دولار، حيث تحولت الصين إلى أكبر شريك تجاري لتلك الدول في الأعوام الإحدى عشر الأخيرة.


2- تعزيز دور منظمة تعاون شنغهاي: يبدو أن الصين سوف تتجه إلى تعزيز دور منظمة تعاون شنغهاي خلال المرحلة القادمة، وتحويلها من تكتل سياسي وأمني إلى تكتل اقتصادي له دور بارز في توسيع نطاق التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء فيها. وقد انعكس ذلك خلال القمة التي عقدتها المنظمة في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، في 17 سبتمبر 2021م، والتي وافقت فيها الدول الأعضاء على انضمام إيران بشكل كامل إليها. وقد كان توقيت اتخاذ هذا القرار لافتاً. إذ أن إيران تقدمت بطلب العضوية منذ عام 2008م، كما أن المنظمة وافقت على ضم كل من الهند وباكستان دون إيران في عام 2017م، وهنا، فإن ذلك معناه أن القوة الدولية الرئيسية في المنظمة، وتحديداً الصين، لم تفصل بين اتخاذ تلك الخطوة وبين تصاعد حدة التنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية، وربما يكون ذلك مؤشراً إلى أنها سوف تتخذ من التعاون مع إيران، لاسيما على المستوى الاقتصادي، آلية لإدارة هذا التنافس مع واشنطن خلال المرحلة القادمة.


3- توسيع نطاق التعاون للتعامل مع الأزمة الأفغانية: قد تتجه الصين إلى توسيع نطاق التعاون مع روسيا وإيران وباكستان حول تطورات الأزمة في أفغانستان، خاصة لجهة تقارب الرؤى التي تتبناها وتعتمد على أن أحد أهداف الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يتمثل في تصدير الأزمة إلى هذه الدول، ودفعها إلى الانخراط جدياً في الملف الأفغاني لتجنب مواجهة استحقاقات صعبة بعد سيطرة حركة "طالبان" على الحكم مجدداً. وربما يكون ذلك هو السبب الذي دفع هذه الدول إلى المشاركة في المؤتمر الذي عقد في موسكو، في 20 أكتوبر 2021م، والذي شهد حضور وفد من حركة "طالبان"، حيث دعت الدول المشاركة إلى تقديم مساعدات لأفغانستان لتجنب نشوب أزمة إنسانية، كما طالبت روسيا حركة "طالبان" بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية نقطة انطلاق لمهاجمة إحدى دول الجوار. وقد كان لافتاً أن الولايات المتحدة الأمريكية عزفت عن حضور المؤتمر، ورغم أنها بررت ذلك بـ"أسباب فنية" إلا أنه يبدو أنها قررت عدم الحضور لأسباب ترتبط بالتصعيد الأخير في العلاقات مع الصين في منطقة "إندو-باسيفيك".


4- الانخراط في سباق تسلح جديد: ترى بكين أن صفقة الغواصات الأسترالية الجديدة سوف تخل بتوازنات القوى الاستراتيجية في المنطقة، لغير صالحها، خاصة أنها سوف تعزز موقع أستراليا في مواجهتها في ظل الخلافات القائمة بين الطرفين. ومن هنا فإنها قد تتجه إلى رفع مستوى قدراتها العسكرية مجدداً، خاصة على الصعيد النووي الذي يحظى باهتمام خاص من جانب واشنطن في ظل التعتيم الذي تفرضه بكين على هذا الجانب تحديداً. وربما يكون تسريب تقارير، في 17 أكتوبر 2021م، بشأن قيام الصين، في أغسطس 2021م، بإطلاق صاروخ فرط صوتي "Long March"، حمل على متنه "مركبة انزلاقية تفوق سرعة الصوت حلقت في مدار منخفض حول العالم"، محاولة من جانب بكين لتأكيد جديتها في الانخراط في هذا المسار في المرحلة القادمة، لمواجهة التحدي الجديد الذي يفرضه تأسيس تحالف "أوكوس"، خاصة أن التقديرات تشير إلى أن الصاروخ الجديد لديه القدرة على اختراق النظم الدفاعية الأمريكية في ألاسكا المخصصة للتصدي للمقذوفات القادمة فوق القطب الشمالي.


5- ممارسة ضغوط على حلفاء واشنطن: وتبدو الهند في مقدمة هؤلاء الحلفاء، فقد كان لافتاً أن اتجاهات عديدة أشارت إلى أن الصين ربما تتجه إلى تطوير تعاونها الثنائي مع باكستان على المستوى النووي، لاسيما بعد أن انضمت الهند للتحالف الآخر-"كواد"-الذي شكلته الولايات المتحدة الأمريكية ويضم كلاً من اليابان وأستراليا، بشكل يمكن أن يتسبب في اختلال توازن القوى في المنطقة بين الهند وباكستان. وربما تتجه الصين، في هذا السياق أيضاً، إلى توسيع نطاق التعاون مع باكستان في التعامل مع تطورات الأزمة الأفغانية، بما يؤدي إلى تهميش دور الهند التي تبدو معنية بدورها بهذا الملف.


6- استقطاب قوى آسيوية ضد التحالف الجديد: وهو ما بدا جلياً في مسارعة الصين إلى تأكيد دعمها للمواقف التي اتخذتها ماليزيا وإندونيسيا إزاء الإعلان عن تأسيس تحالف "أوكوس"، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وان، في 19 أكتوبر 2021م، أنه "يتعين على جميع الأطراف أن تعتز بهيكل التعاون الإقليمي المتمحور حول الآسيان وأن تمضي قدماً فيه، وأن تعارض أي محاولة لتقويض الزخم الجيد للتعاون والحوار الإقليمي". وربما تسعى الصين من خلال ذلك إلى فرض عزلة على أستراليا وبالتالي ممارسة أعلى مستوى من الضغوط ضدها في إطار الرد على قرارها بشراء الغواصات الأمريكية.


خاتمة:
إن ما سبق في مجمله يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن النظام الدولي يبدو مقبلاً على مرحلة جديدة، سوف تفرض توازنات مختلفة، سيكون لها تأثير مباشر على التفاعلات التي تجري على الساحة الدولية. لكن الأهم من ذلك هو أن ارتدادات تصاعد حدة التنافس بين القوى الدولية سوف تصل سريعاً إلى الأقاليم الأخرى في العالم، لاسيما إقليم الشرق الأوسط، باعتبار أن معظم تلك القوى إن لم يكن مجملها تبدو أطرافاً معنية بما يجري من تطورات وتفاعلات في تلك المنطقة التي تحظى بأهمية استراتيجية خاصة لاعتبارات أمنية واقتصادية وسياسية عديدة.

مقالات لنفس الكاتب