array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 167

"أوكوس" فرصة لتعزيز العمل الخليجي المشترك وإيجاد موقعًا بين كواد وأوكوس والآسيان

الخميس، 28 تشرين1/أكتوير 2021

ما أن أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قيام التحالف الأمني الثلاثي ما بين أمريكا، وأستراليا، وبريطانيا والذي عرف باسم "أوكوس"، وما نتج عنه من خلاف مع فرنسا على إثر إلغاء أستراليا لصفقة الغواصات التقليدية الفرنسية واستبدالها بغواصات نووية أمريكية، حتى تسارعت بعض الأقلام للشماتة في تفكك وانهيار المعسكر الغربي، متناسين أن أستراليا-الحليف الجديد-ليست إلا قلعة من قلاع العالم الغربي القابعة في المحيط الهادي تنتظر منذ زمن لحظتها في القيادة ورسم المسرح الأمني الجديد للقوى الدولية. وهو مسرح ليس ببعيد عن منطقة الخليج، بل أن دول منظمة آسيان يعيشون أوضاعًا أمنية مشابهة لما تعيشه دول الخليج في صراع الكبار، فدول كلتا المنظمتين حلفاء أمنيين لأمريكا في الوقت نفسه تربطهما علاقات اقتصادية وثيقة مع الصين. فهذا التحدي الجديد يشكل فرصة جديدة لهذه المنظومة الخليجية لأن تنهض وتعزز عملها المشترك لتمارس دورها وتجد موقعها ما بين كواد وأوكوس وآسيان. وتلك الرؤية الاستراتيجية تأتي بعد التعرف على أبرز الخصائص المستجدة التي خلفتها التحالفات الجديدة على المسرح الآسيوي والذي بات بلا شك المسرح القادم لصراع القوى الكبرى. وتنقسم تلك الخصائص على مستويين، المستوى الأول هو السياسات الدولية لاسيما سياسات القوى الكبرى وأثرها على الدول الإقليمية والمستوى الثاني يرتبط في البعد المؤسسي واستراتيجيات التحالفات الكبرى.

المستوى الأول: السياسات الدولية

1-الفراغ الأوروبي

يعيش البيت الأوروبي فراغًا غير مسبوق في الوقت الراهن، فهو بيت تعشعش فيه الشعبوية و الإسلاموفوبيا. فكل البرلمانات والحكومات الأوروبية تصدر كل يوم تشريعات للتضييق على حركة المهاجرين القادمين من العراق وسوريا وأفغانستان وإفريقيا سواء عبر المتوسط أومن خلال أوروبا الوسطى وبيلاروسيا باتجاه دول البلطيق والدول الإسكندنافية. ويعود الفراغ الأوروبي إلى الخروج البريطاني، وغياب الرائعة أنجيلا ميركل حيث خلفت فراغًا يصعب ملأه، ناهيك عن الانتخابات التي يخوضها ماكرون. أما دول أوروبا الوسطى، فلا تدخر وسعًا في توجيه الانتقادات الدائمة لبروكسيل وكان آخرها، حينما دشن فيكتور أوربان رئيس الوزراء اليميني الهنغاري حملته الانتخابية موجهًا انتقادات لاذعة للاتحاد الأوروبي مؤكدًا على عنصرية الاتحاد ضد كل من هنغاريا وبولندا. وليس أدل على حالة التفكك تلك، من قيام الرئيس التركي رجب أردوغان بالإعلان عن طرد عشرة سفراء، غالبيتهم من الدول الأوروبية بعدما زادت ضغوطهم على تركيا لإطلاق المعارض التركي كفالا. فذلك المشهد قرأه الأمريكان جيدًا، وهذا يدل على أن قرار إلغاء الصفقة ما بين أستراليا وفرنسا لم يأت من فراغ، بل نتيجة ذلك الفراغ!! كما إنه سوف يشكل طبيعة العلاقة الأمريكية مع القيادات الأوروبية الجديدة في كل من ألمانيا وفرنسا. أما ما يعنينا بشكل أساسي في دول الخليج، هو التأكيد على مقولة : إن السياسة كالرمال المتحركة ليس بها عداوات أو صداقات دائمة بل إن ذلك يحدث مع أقرب الحلفاء ممن يرتبطون بشراكات استراتيجية معقدة، كما أن هذا المشهد يسقط المقولة المتكررة حول "الانكشاف الأمني الخليجي الناتج على إثر الانسحاب الأمريكي" وذلك بفعل السيولة العامة التي تعيشها البيئة الدولية. والتي بإلامكان أن تتصدى لها دول الخليج من خلال صلابة المواقف الخليجية وسرعة قراءة المشهد والمبادرة وعدم السماح بظهور تلك الفراغات، فهي إشارات ضعف للآخرين حيث سرعان ما تؤدي إلى سقوط الاتحادات من الحسبان الدولي وهذا ما حدث مع الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال العالم ينتظره للوقوف مجددًا.

2-المواجهة مع الصين

حينما تم الإعلان عن قيام التحالف الثلاثي لم يشر البيان صراحة إلى الصين، فالمسؤولون الأمريكيون تحدثوا بأن الاتفاق يهدف إلى ضمان حرية الملاحة ومن أجل الحفاظ على الردع وتحسينه، إلا أنه في حقيقة الأمر جاء الخلاف على إثر تصاعد التوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادي لاسيما حول تايوان ولهذا كانت الصين هي المعنية بلا شك. أما الجانب الفرنسي، فقد جاء تصريح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف دريان معبرًا بعمق عن الحالة الفرنسية حينما علق على إلغاء الصفقة الأسترالية بقوله: "هذا القرار الجائر الأحادي، وغير المتوقع يذكرني كثيرًا بما كان يفعله السيد ترامب. أنا غاضب. إنه أمر لا يمكن فعله بين الحلفاء. إنها صفعة على الوجه ، أقمنا علاقة ثقة مع أستراليا وقد تعرضت هذه الثقة للخيانة. على كانبيرا أن تشرح كيف تعتزم الخروج من الصفقة فنحن لم ننته بعد." كما أن وزير الخارجية الفرنسي لم يفوت فرصة تقزيم الدور البريطاني في التحالف وذلك حينما وصفه "بالعجلة الخامسة للعربة". بالرغم من الألم والخسارة الكبيرة التي مني بها قطاع الدفاع الفرنسي، إلا أن هناك أربع حقائق رئيسية في هذا المشهد. أولى هذه الحقائق، أن الدائرة تدور، وما فعله الأمريكان في الفرنسيين قد سبق أن فعله الفرنسيون مع اليابان. فأستراليا في عام 2014م، كانت على وشك توقيع اتفاق مع اليابان بقيمة 30 مليار دولار لشراء 12 غواصة من طراز سوريو إلا أن الضغوطات كانت كبيرة على رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك توني ابوت سمحت بفتح التنافس مع الشركات الأخرى والتي انتهت لصالح الشركات الفرنسية (12 غواصة لصالح 31 مليار يورو عند التوقيع). الحقيقة الثانية، لا يمكن التقليل من حجم الأزمة الدبلوماسية الناشئة ما بين التحالف الأمني الجديد وفرنسا على إثر إلغاء صفقة الغواصات. فلم يحدث أن استدعت باريس سفيرها منذ قيام الجمهورية الأمريكية كما لم يحدث ذلك في احتدام الخلاف حول غزو العراق، إلا أن ذلك مؤشر على حجم الصراع الفعلي ما بين هذا المعسكر والصين بحيث أن تلك المواجهة مع الصين تستحق المخاطرة بتلك الأزمة الدبلوماسية والاقتصادية مع باريس. الحقيقة الثالثة الذي يكشفها هذا التحالف، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تملك القدرة على المنافسة بمفردها مع بكين في محيطها القريب والمتمثل بالمحيط الهادئ. فهي من المناطق الواقعة ضمن دائرة الأمن القومي الأمريكي، وكان عليها لزامًا الاعتماد على شركائها وحلفائها المقربين حيث تأتي أستراليا كشريك وجار يمكن الاعتماد عليه. أما الحقيقة الرابعة والصادمة، فهي تتمثل في القوة الصينية البحرية الصاعدة في المحيط الهادئ وبحر الصين. ففي نهاية 2020م، أصبحت الصين تملك ما يقارب 350 سفينة قتالية وغواصة مقارنة مع 297 سفينة لكل الأسطول الأمريكي الدولي، ومن المتوقع أن ترتفع تلك القوة الصينية إلى 400 سفينة في 2025م، وإلى 425 في 2030م، كما تمتلك الصين 40 غواصة هجومية بينها ست غواصات نووية يمكنها إطلاق صواريخ نووية. بينما واشنطن تعتمد على 21 غواصة هجومية وثماني غواصات نووية حاملة لصواريخ نووية في المحيط الهادئ لاسيما في بيرل هاربير. وتقوم القوة العسكرية الأمريكية على نشر 5 من حاملات طائراتها الإحدى عشرة، في حين الصين بدأت في بناء ثالث حاملة طائرات. أما المدمرات، فالبحرية الصينية تمكنت خلال الفترة 2015-2019م، من بناء 132 سفينة، مقابل 58 لأمريكا، 48 للهند، 29 لليابان، 17 لفرنسا، 9 لأستراليا، 4 لبريطانيا، فالجهد البحري الصيني يشكل أكثر من 55% من موازنة الدفاع الصينية. وما يجري حاليًا من حرب إعلامية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين حول تايوان ليس إلا ترجمة واقعية لتلك المواجهات المحتملة وقد ذكرت الصين صراحة بأن الضغوط الغربية على الصين لتغيير سياساتها اتجاه تايوان سوف تفضي إلى حرب مواجهة لا محالة.

3-أستراليا في كواد وأوكوس

من الواضح إن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تقوم على تعزيز حليف جديد متمثلاً في أستراليا في منطقة اندو-باسيفيك يكون إما بديلاً أو موازيًا للحليف الفرنسي القديم. فالفرنسيون يرون أنفسهم على إنهم قوة دولية دائمة تحتفظ في عدد من الجزر وأربع قواعد بحرية في تلك المنطقة. وفي عام 2018م، أطلقت فرنسا استراتيجية جديدة لتلك المنطقة، كما تدفع بالاتحاد الأوروبي لتطوير خطة مماثلة تقوم على الانفتاح على كافة الأطراف، وقد يكون ذلك سببًا لرغبة الأمريكان باستبدال أو إضعاف ذلك الخط الفرنسي-الأوروبي والحفاظ على رؤية أمريكية لتلك المنطقة. ويتجلى الصعود الأسترالي في الاستراتيجية الأمريكية في العديد من النواحي منها: أولاً: كانت الصفقة الفرنسية-الأسترالية تقوم على حيازة 12 غواصة تقليدية فرنسية، في حين تملك أستراليا منذ التسعينيات ست غواصات من طراز "كولينز" تعمل بالديزل والكهرباء وهي صناعة سويدية إلا أن الصفقة الأمريكية بتزويد كانبيرا ثماني غواصات نووية يعني مساعدة أستراليا على زيادة قدراتها لأن الدفع النووي يسمح بتحرك أكبر للغواصات في المحيط. فنطاق التشغيل سيكون أكبر بفضل استقلاليتها الفائقة. وبذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تكون قد قبلت بالتشارك مع أستراليا طاقة الدفع النووية الأمريكية والتي تمثل "جوهرة التاج" في التقنية العسكرية الأمريكية لكونها تسمح للغواصة بالانتشار وسرعة الدفع والتخفي وتجنب الكشف. ثانيًا: تعمل أستراليا مؤخرًا بتنسيق كبير مع الولايات المتحدة الأمريكية على كافة الأصعدة، بل إنها تقود في بعض الأحيان. فقد كانت أستراليا هي من آثار التخوف من بناء الصين لشبكات الجيل الخامس وقدرتها على الوصول إلى الأسرار العسكرية. كما إنها بادرت بمشاركة الجهود الأمريكية في تأمين سلامة المرور في الخليج في عام 2019م، فقد انضمت أستراليا إلى التحالف البحري بقيادة أمريكا تلبية لنداء واشنطن بضرورة إطلاق قوة دولية في يونيو 2019م، على إثر هجمات استهدفت سفن شحن عدة في الخليج وتكون لذلك التحالف الرباعي آنذاك من كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والبحرين وأستراليا وذلك ما يفسر وجودها دون سواها في كل من التحالفين كواد الرباعي و أوكوس الثلاثي. ثالثًا: تعتبر أستراليا شريكًا تاريخيًا للولايات المتحدة الأمريكية وذلك منذ هزيمة البريطانيين على يد الجيش الياباني في سنغافورة في عام 1941م، حيث بدأت أستراليا بالاقتراب من الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على أمنها الخارجي. ومنذ عام 1942م، أقيمت أول القواعد العسكرية الأمريكية في أستراليا حتى بلغت ما يقارب ثمانية قواعد في تلك الأراضي، وفي عام 1951م، وقعت الاتفاقية الأمنية ما بين كلا البلدين والتي لا تزال قائمة حتى الوقت الراهن. وذلك ما يفسر اشتراك أستراليا في العديد من العمليات الحربية الأمريكية بما فيها الحرب الكورية 1950م، وفيتنام 1961-1975م، وحرب تحرير الكويت، وأفغانستان 2001، والعراق 2003م، وليبيا وسوريا 2011م، إلا أن توتر العلاقات الأسترالية-الصينية سيكون ذو كلفة اقتصادية على كلا البلدين، فالصين هي أكبر شريك تجاري لأستراليا، فقد قامت الصين بوقف استيراد المشروبات الكحولية والفحم الحجري من أستراليا مسببًا خسائر تبلغ 12 مليار دولار سنويًا. وهددت بوقف استيراد خام الحديد حيث تصل خسائره إلى 100مليار دولار سنويًا. وهي خسائر تعيها أستراليا جيدًا إلا أنها ترى إمكانية تعويضها من خلال التعاون العلمي وتبادل الخبرات والمعلومات مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في مجالات الذكاء الاصطناعي وقدرات الضربة بعيدة المدى والأنظمة تحت الماء وهي قدرات متخصصة تحتاج إليها أستراليا لتحديث أمنها الدفاعي. فأستراليا موطن لواحد من مراكز البحث والتطوير والابتكار الدفاعية الأكثر تقدمًا على المستوى العالمي والذي سيحقق نقلات هامة من خلال تحالفه الثلاثي الجديد. وهكذا فقد باتت الأمم تكون أكثر جرأة وتخرج عن نطاق تحالفاتها التقليدية في سبيل السبق التكنولوجي والعلمي، فأين نحن منه في دول الخليج والمنطقة العربية!!

4-حرب الغواصات

جاء أول رد من قبل الصين على التحالف الثلاثي الجديد على لسان الناطق باسم الخارجية الصينية والذي ذكر بأن "على الدول المعنية التخلي عن عقلية المحصلة الصفرية للحرب الباردة." كما أعلنت الصين رغبتها بالانضمام لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي والتي كان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما يسعى إلى احتواء الصين من خلال انضمامها لتلك الشراكة والتي رفضت من قبل الرئيس ترامب، ولم تتضح الصورة بعد مع الرئيس بايدن. إلا أن واقع تنامي قوة البحرية الصينية يدفع الغرب للاعتقاد بأن الصين قد تسعى في يوم إلى المحصلة الصفرية في ظل تنافسها مع العالم الغربي. فقد كان للتسابق العسكري البحري، آثاره في إشعال سباق الغواصات في آسيا حيث تتسابق الدول الآسيوية إلى شراء الغواصات من أجل منع القوة الصينية من الانتشار بالقرب من سواحلها. ففي مطلع 2021م، نشرت فرنسا غواصة "ايمرود" النووية الهجومية في المحيط الهادئ للمرة الأولى منذ عام 2001م، كما تملك كل من: اليابان 23 غواصة، وكوريا الجنوبية 18 غواصة، وسنغافورة 2، وروسيا 12 غواصة. وسعت فيتنام لشراء ست غواصات روسية، وماليزيا اثنتان، وطلبت إندونيسيا ست غواصات من كوريا الجنوبية، والفلبين تبحث كذلك فرص بناء أسطول من الغواصات.

5-روسيا القلقة

جاءت ردود الفعل الأولية في الإعلام الروسي بأن عبر البعض عن سرور لنشوء خلاف ما بين المعسكر الغربي، إلا أن بعد ذلك بدأ الاعتقاد يسود بأن روسيا وليست فقط بكين قد تكون مستهدفة من قبل هذا التحالف الأمني الجديد. فالروس يخشون من وصول تلك الغواصات الأسترالية إلى ساحل جزيرة سخالين الروسية وشبه جزيرة كامتشاتكا او حتى عبور مضيق البيرنج في المحيط المتجمد الشمالي وهي في الأصل أحد المناطق المرشحة لأن تكون احدى الساحات الجديدة في التنافس الدولي لاسيما بفعل ظاهرة التغير المناخي وذوبان الأنهار الجليدية حيث أصبحت الملاحة متاحة فيها. وتمتلك روسيا أدوات التفوق لما لديها من كاسحات الجليد وتقنيات هامة دأبت على تطويرها خلال العقود الماضية متفوقة بذلك على القوى الأخرى المطلة على تلك المنطقة بما فيها كندا والولايات المتحدة الأمريكية. والحقيقة أن الموقف الروسي المتذبذب ما بين كلا المعسكرين الصيني والغربي ينعكس كذلك على الدور الروسي في المحيط الهادي. فالغرب يرى أن التعاون الروسي العسكري مع كل من الهند وهانوي بمثابة توازن إقليمي للصين لاسيما أن الهند تعتبر أحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها الاستراتيجية الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. والهند ترى ضرورة إشراك روسيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حتى لا تترك خارج المنطقة وبذلك يكون حافزًا للتقارب الروسي-الصيني. وتعتبر المساعدة الروسية للصين لتحديث الأسطول البحري الصيني من المحتمل أن تكون هدفًا لعقوبات أمريكية جديدة على روسيا والصين بهذا الصدد.

6-كندا ونيوزيلاند في الخارج للتوازن

كان واضحًا في تحالفات إندو-باسيفيك غياب كندا ونيوزيلندا وهما شريكتان رئيسيتان للولايات المتحدة الأمريكية. كما أنهما ضمن ما يسمى "بمعاهدة العيون الخمس" وهي تحالف استخباراتي أنشأ في عام 1941م، بعضوية كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا. فكلا البلدين يحتفظان بعلاقات متوازنة تجاه الصين، فمن جانب يتحدثون باستمرار حول ادانة سجل بكين في حقوق الإنسان، إلا أنهما لا يرغبان بالدخول في صراع الكبار. وقد تحدث الكنديون عن ذلك صراحة بعد انتهاء أزمة ما عرف "بدبلوماسية الرهائن" وذلك حينما قامت الصين باعتقال الكنديين مايكل كوفريج ومايكل سبافور كرد على قيام السلطات الكندية بوضع المديرة المالية لشركة هواوي مينغ وانزهو وهي ابنة عملاق تكنولوجيا الاتصالات هواوي قيد الاعتقال تمهيدًا لتسليمها للولايات المتحدة الأمريكية في عام 2018م،وقد استمرت تلك الأزمة قرابة الثلاث سنوات ما بين الصين وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث انتهت كجزء من دبلوماسية الحوار الثلاثي وعلق الكنديون بأننا لا نرغب مجددًا أن نكون جزءًا في صراع القوى الكبرى إلا أننا نبقي على مواقفنا فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان. جاء موقف رئيسة نيوزيلاندا جاسيندا أردن مشابهًا حينما أكدت بأن نيوزيلندا تتبع سياسة المنطقة الخالية من السلاح النووي، لذلك فبلادها لن تسمح للغواصات الأسترالية التي تعمل بالطاقة النووية بدخول مياهها. والحقيقة أن هذا الحظر سيكون نظريًا وذلك لأن الغواصات الأسترالية والأمريكية لن يكون لديها سبب لأن تتواجد في مياه نيوزيلندا. ويبقى السؤال الأهم في حال وصول الأحزاب اليمينية للسلطة في كندا ونيوزيلندا، فهل ستستمر في سياسة التوازن تلك؟ وكيف سيكون شكل تلك المنطقة؟

المستوى الثاني: البعد المؤسسي

بعد استعراض سياسات القوى الدولية والإقليمية، يبقى من المهم التأكيد على البعد المؤسسي والنظم الإقليمية والتحالفات الناشئة والتي تأخذها هذه الدول كغطاء لصراعها الإقليمي والدولي، فمعرفة طبيعة تلك النظم، سوف تساعد دول الخليج على اتباع السياسات التي من شأنها أن تسعى لتفعيل وتعزيز العمل المؤسسي الخليجي المشترك. وأبرز ملامح تلك النظم تتمثل في كل من:

1-الإقليمية الجديدة: لايزال العالم يشهد يومًا بعد يوم تنامي ما يعرف "بالنظم الإقليمية الجديدة" وهي نظم فضفاضة تفرضها الحاجة للتنسيق والتحالف، كما أنها لا ترتبط بجغرافية محددة مع وجود سكرتارية خفيفة وقد لا يوجد لديها وثيقة تأسيسية أو مقر دائم حيث تتطور هذه الكيانات الهيكلية حسب الحاجة. وهناك العديد من النماذج لهذه النظم بما فيها الحوار الخليجي-الأوروبي، الحوار الأوروبي-المتوسطي، حوار التعاون الآسيوي ومقره دولة الكويت، رابطة المحيط الهندي وغيرها. فهي نظم أقرب إلى تحالفات استراتيجية لأهداف اقتصادية أو أمنية، كما إنها نظم كامنة وتعمل بهدوء، ومتى ما احتاجت لديها الدول، تصدرت المشهد الدولي، وهذا ينطبق بشكل كبير على كواد، فهي منظومة قائمة منذ عام 2004م، حيث استشعر الرئيس الأمريكي بايدن بحاجتها إليها فأعاد إحيائها من جديد لتكون في مواجهة التنافس الأمريكي-الصيني. كما أن أهمية هذه النظم لدى بعض الدول تتعاظم بشكل يفوق النظم التقليدية وهذا ما حدث في آسيا مع قيام كواد، وما حدث كذلك مع الناتو بعد قيام أوكوس. فعلى إثر إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية، بدأ الساسة الفرنسيون يتحدثون صراحة على إمكانية انسحاب فرنسا من منظومة الناتو، وإن إلغاء تلك الصفقة دليل على غياب الحوار داخل الناتو. بل سعي الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتبر الأساس لقيام الناتو إلى إنشاء منظومة بديلة دليل على المعضلة الهيكلية التي يمر بها الناتو في الوقت الراهن.

2-كواد وأوكوس "الهندي والهادي": تتشكل المنظومة الأمنية المجاورة لمنطقة الخليج ولمنطقة المحيطين الهادي والهندي من حلفين هامين هما كواد وأكوس. فقد تأسس كواد على إثر تسونامي المدمر في عام 2004م، والذي يعرف باسم الحوار الأمني الرباعي، من قبل كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا واليابان والهند وأصبح تكتلاً رسميًا في عام 2007م، إلا أن الحلف لم يظهر له نشاط ملحوظ على الساحة الدولية حتى تصاعدت التوترات الأمريكية-الصينية، حيث عقد الرئيس الأمريكي بايدن قمة في مارس الماضي لإعادة إحياء هذا التجمع. وناقش المؤتمر ضرورة التعاون العملي في مجالات مثل مكافحة كوفيد-19، والتعامل مع أزمة المناخ، والشراكة في التكنولوجيات الناشئة والفضاء الشبكي، وتعزيز الحرية والانفتاح بمنطقة المحيطين الهندي والهادي. وتسعى الولايات المتحد من خلال كواد إلى ضمان استخدام القوة الناعمة ودعم شركائها من أجل الحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادي خالية بشكل خاص من الهيمنة الصينية، إلا أنها لن تستخدم آلية الرباعية كأداة للمواجهة العسكرية مع الصين. وبالرغم من ذلك فقد تداولت بعض الأخبار بأن كانت هناك محاولات من قبل واشنطن ولندن لضم الهند واليابان لتحالف أوكوس. ولذلك أطلق الرئيس الأمريكي التحالف الثلاثي إلا أن حرص كذلك على عقد قمة جديدة لكواد للتأكيد على أن أوكوس ليس بديلاً عن كواد بل كلاهما تحالفات هامة لتشكيل المسرح الدولي القادم.

3-أسيان والخليج ما بين كواد وأوكوس

لم تخف منظمة آسيان وهي رابطة جنوب شرقي آسيا عن حالة الإرباك التي تعيشها على إثر التوترات الأمريكية-الصينية المتصاعدة بما فيها قيام تلك التحالفات الجديدة. فكما شعرت فرنسا بغياب الحوار داخل الناتو بسبب إلغاء صفقة الغواصات، كذلك شعرت منظومة آسيان والتي في الأساس قامت بجهود أمريكية في عام 1967م، لضم كافة الدول الآسيوية المتوسطة والصغيرة حتى لا تقع فريسة الدول الإقليمية الكبرى في آسيا. ويرجع ذلك الإرباك بسبب علاقة كافة دول تلك المنظومة الوطيدة مع كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية لاسيما من الجانبين الأمني والاقتصادي. وهي أوضاع شبيهة بالبيئة الخليجية وما تمر به دول مجلس التعاون الخليجي من ضغوطات إقليمية ودولية. وذلك ما يجعل المرتكزات والمشتركات ما بين كلتا المنظومتين كبيرة مما يتطلب التنسيق والعمل المشترك. وقد شددت منظمة آسيان على ضرورة العمل وفق آلية الأطراف المتعددة، وسوف تقوم بوضع تلك الرؤية ضمن استراتيجيتها في اجتماعها القادم، وهذا ما يدفعنا للتأكيد على ضرورة أن تسعى دول المنظومة الخليجية لمد يد التعاون مع تلك المنظمات الآسيوية من أجل التنسيق والاستفادة وتبادل الخبرات، بل أن يكون لديها حضور كمراقب ومتابع لتلك الدبلوماسية الآسيوية القادمة. وهو تنسيق لم يكن غائبًا، بل أسست عليه كافة الدول الخليجية عملها في مختلف المحافل الدولية والمنظمات الأممية وعلى رأسها الأمم المتحدة في الدفاع عن الدول النامية وخطط الاستدامة التنموية. كما كان "التوجه شرقًا" عنصرًا رئيسيًا في كافة الخطط التنموية الخليجية.  قد بات ضرورة ملحة في ظل تزايد تلك التوترات الدولية التي لم تمنعها إن لم تزيدها جائحة كورونا وصراع اللقاحات وقضايا التغير المناخي، فالمنظومات الإقليمية والدولية باتت أسلحة لصراع القوى الدولية، ودروع واقية لبقية الدول الساعية للاستدامة والسلام الإنساني.

مقالات لنفس الكاتب