array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 167

الشركات الأمنية مع الغرب مدفوعة وليست للوفاء بالتعهدات للحلفاء...مطلوب «كواد» خليجي ونتوقع الضرر جراء قراءة إيران لـ"أوكوس"

الخميس، 28 تشرين1/أكتوير 2021

يعاني بعض صناع القرار السياسي من نزعة الاتكال المفرط على الدروس التاريخية؛ مما عطل لديهم ملكة الإبداع للخروج من المآزق المستجدة بأنماط غير مسبوقة؛ لكن ما يهونها في الخاطر هو أن فرنسا وليس دول الخليج تعاني من الفشل في قراءة الأفق الدولي. ويبدو أن سياقات أزمة تحالف "أوكوس" ستكون لها انعكاسات على حلف الناتو، والأمن الدولي واستقرار منطقة المحيط الهادي والهندي والخليج العربي وهو ما يهمنا.

فقد بدأت شرارة أزمة اتفاق أوكوس بإعلان أستراليا، في 15 سبتمبر 2021م، إبرام اتفاقية شراكة دفاعية مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة في منطقة المحيطين الهادي والهندي. وبموجب هذه الاتفاقية ستتمكن كامبيرا من الحصول على اثنتي عشرة غواصة تعمل بالطاقة النووية، وتتمتع بتكنولوجيا متطورة من الصناعة العسكرية الأمريكية والبريطانية، نظير تمكن لندن وواشنطن من التواجد في منطقتي المحيط الهادي والهندي لرعاية مصالح أمنها القومي والتصدي للهيمنة الصينية، هذه الصفقة لم تتحول لهيكل أمني بل العكس فقد تحول الهيكل العسكري إلى سوق لتبادل السلع العسكرية الممنوعة على أطراف أخرى. فقد أطلق الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون تحالف "أوكوس " (الاسم مكون من الأحرف الأولى من أسماء الدول الثلاث)، بهدف تطويق الصين ومنعها من بسط نفوذها على منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي بعد أن أصبحت قوة عظمى تحتل المرتبة الثانية في سلّم الاقتصاد العالمي. مع تعاظم في القوة العسكرية. لقد أربكت أزمة الغواصات وإشهار تحالف "أوكوس" العلاقات بين الحلفاء الغربيين، منذرة أيضًا بتغيرات جذرية في العلاقات الدولية والهياكل الأمنية القوية والمؤثرة في أمن الخليج، لارتباط دوله بكثير من أطراف القضية.

تبعات ما يجري على الخليج

1ــ القصور الاستخباري

لم يبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن الرئيس ماكرون بقيام التحالف مع أستراليا وبريطانيا وصفقة الغواصات البديلة إلا قبل ساعة واحدة من الإعلان عنه، فمثل الفرنسيون دور الضحية المطعون فأين السرية والمفاجأة التي يقولون.

 -   لم ينشأ تحالف "أوكوس" بين ليلة وضحاها، بل هو ثمرة مفاوضات سرية بدأت في مارس 2021م، وتطورت في قمة السبع في يونيو 2021م، بين الدول الأنجلوساكسونية بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة. ثم أعلن الرئيس جو بايدن عن قيام هذا التحالف الاستراتيجي في سياق سياسته المعلنة التصدي للصين.

"- العيون الخمس" اتفاقية  كانت ولازالت  تضم أيضاً كندا ونيوزلندا، و تمتد إلى ثمانين عاماً من التعاون الاستخباري وبريطانيا وأستراليا هما "أقدم حلفاء أمريكا"  فالدول الثلاث منفصلة جغرافياً، ولكن تربطها علاقات تاريخية عميقة، ولم تكن بحاجة إلا إلى الهيكل ورفع اليافطة "تحالف أوكوس"

 - كان ترهل وخلافات الناتو وتلويح فرنسا بتحالف أوروبي وخلق جيش أوروبي  تدفع أمريكا للبديل، فقد وصف  وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ، دونالد رامسفيلد، أوروبا رغم تحالف الأطلسي، بأنها «القارة العجوز»   في سبتمبر  2001م،  وظل باراك أوباما  ينتقد شركاءه الأوروبيين في حلف الأطلسي، مطالباً إياهم بدفع متوجباتهم للحلف المحددة بمبلغ 2.5% من الدخل القومي ثم جاء ترامب فاتهم حلف الأطلسي بأنه متقادم وفي موت سريري، مكرراً دائماً أن الولايات المتحدة هي التي تحمي أوروبا وأن على شركائه الأطلسيين دفع فواتير ذلك.

-وجود نزعة انفصالية أوروبية فقد دعا ماكرون لجيش أوروبي و لم يأخذ ماكرون العبر مما تعرض له الجنرال شارل ديغول. ومثله  المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل  التي دعت لإنشاء جيش أوروبي موحّد لحماية القارة الأوروبية، كما أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل من الأمم المتحدة مؤخرًا، أن دول الاتحاد الـ27 أعلنت عن تضامنها مع باريس في أزمة الغواصات، فرد عليه الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ،  من واشنطن، بأنه يتفهم خيبة أمل فرنسا، لكنه حذّر الدول الساعية إلى تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية، من أن السعي لإيجاد هيكليات منافسة للحلف يهدد بإضعافه وتقسيمه، مذكّراً بأن 80% من الإنفاق الدفاعي للأطلسي مصدره دول غير أعضاء في الحلف، وقال إن أي محاولة لإضعاف الصلة عبر جناحي الأطلسي ستؤدي ليس إلى إضعاف الحلف فحسب، بل إلى تقسيم أوروبا!

وعليه جميع المؤشرات كانت تؤشر إلى قرب حدوث انشقاق أمريكي أوروبي ، وهنا وبراحة بال نقول : قصور مشين في عمل الاستخبارات الفرنسية والأوروبية بصفة عامة لفشلها في قراءة  الأفق الأوروبي الأميركي ، وما يهمنا هو نقطتين الأولى أن القصور الاستخباري الأوروبي والفرنسي يؤكد بضرورة عدم اعتماد دول الخليج عليه بصفة تامة، والنقطة الثانية هي ألا يتكون هناك فشل استخباري خليجي  كالفرنسي ، وإن كان المراقب الخليجي يحمل الجهد الاستخباري الخليجي تبعات الاتفاق النووي الإيراني سواء بكشفه في مراحل مبكرة أو بتخريبه نتمنى أن لا يتكرر الفشل الاستخباري الخليجي كما فشل الفرنسي .

2ــ التخلي عن السذاجة واستخلاص العبر

بعد انكشاف الصفقة والحلف قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في باريس الغاضبة بعد «طعنة أوكوس»، إنه «يتفهم شعور الفرنسيين بالخيانة»، وكذلك مشاعر شركائهم الأوروبيين، لكي يطوي تلك الصفحة العميقة من الشعور بالمرارة، التي برزت في أحيان كثيرة بين أعضاء حلف الأطلسي. ولعل أعمق وأصدق ما صرح به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هي دعوة الأوروبيين إلى «التخلي عن السذاجة واستخلاص العبر» من الخيارات الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة التي باتت تتركز على خصومتها مع الصين. وهو نفس الشعور الذي من المفروض ان يتلبس صانع القرار الخليجي فالخيارات الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة التي باتت تتركز على خصومتها مع الصين أولا.

 3ـــ دواعي الاعتماد على قوة أكبر من قوة فرنسا   

 منذ عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما والصين غريم معلن حيث جاءت رؤية أوباما "التوجه شرقاً" للحفاظ على الريادة الأمريكية، ثم ركز عليها الرئيس السابق دونالد ترامب، مع اختلاف في الأدوات والأساليب، وهو إدراك أسترالي بخطر الصين الذي بات كبيراً ويتطلب مواجهته الاعتماد على قوة أكبر من قوة فرنسا، فالتكنولوجيا العسكرية الفرنسية هي أقل كفاءة لمواجهة التحدي الصيني البحري الآخذ في النمو بمستويات عالية. وهذا التقييم الأسترالي يعد إهانة مفتوحة في الألزيه يمس الصناعات العسكرية الفرنسية إجمالاً، وليس فقط صناعة الغواصات. ونتوقع أن يتحول الإدراك الأسترالي إلى حالة عامة فليست فقط مقولة الصين لن تقف بوجهها غواصات ديزل، والروس في مالي لن توقفهم باريس كما لن تفيدنا في وقف الإيرانيين فلما هدر الأموال الخليجية على من تم تقييمه من أقرب حلفائه بتقييم متدني، لماذا نشتري في الخليج السلاح من فرنسا  !

4 ــ معارضة جهود الصين لإنشاء مجالات نفوذ 

  تعمل إدارة بايدن وفقاً لاستراتيجية رفعت عنها السرية مطلع 2021م، وطرحت الوثيقة تساؤلات رئيسة منها معارضة جهود الصين "لإنشاء مجالات نفوذ غير ليبرالية جديدة"؛ وكيفية  "دفع عجلة القيادة الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة " وحين  التفحص  الدقيق نصل إلى قناعة أن دول الخليج تأتي تحت مظلة "مجالات نفوذ الصين الاقتصادية"، فدل مجلس التعاون بطموحها للانضمام لهيكل الحزام والطريق (طريق الحرير )تنضوي طوعًا  تحت نفوذ  الصين و"مجالات نفوذها غير الليبرالية " وبشكل معاكس تجد دول الخليج نفسها في ثنايا " عجلة القيادة الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة "وقودًا واستهلاكًا مدني وعسكري، ومن العسير أن نكون مع الطرفين فذلك محرم أمريكيا.

 ومثلها تبرز أيضا الحسابات البريطانية، فحال خروجها من الاتحاد الأوروبي، بدأت لندن بالتوجه شرقاً وإنشاء قواعد عسكرية في آسيا، تنفيذًا لتوجه استراتيجية "بريطانيا العالمية" المحددة في وثيقة المراجعة المتكاملة التي نُشرت في مارس 2021م، والتي تمثل "رؤية الحكومة لدور المملكة المتحدة في العالم" بحلول عام 2025م، وهي استراتيجية توضح سياسة الأمن القومي والسياسة الدولية للبلاد بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي.  كما تشمل تقوية نفوذها في الشرق الأوسط حيث لا يعني التوسع في مكان الانسحاب الكامل من مكان آخر خصوصًا وإن منطقة الخليج كانت أحد معاقل الاسترليني وبالإمكان إعادة لعب نفس الدور. يدعم هذه الفكرة أنه في 19 سبتمبر 2021م، قالت ليز تروس وزيرة الخارجية البريطانية الجديدة، في مقال بصحيفة "صنداي تلغراف"، إن الاتفاق الأمني الجديد الذي أبرمته بلادها مع أستراليا والولايات المتحدة يبرهن على استعدادها لـ"التصلب" في الدفاع عن مصالحها ونحن في الخليج من أحب مصالحها إلى قلبها.

5 ــ التحول من محاربة الإرهاب إلى مواجهة الصين

 جاء تحالف "أوكوس" انطلاقاً من عدة حسابات أمنية وعسكرية، وهناك تحول في المنظور الاستراتيجي للولايات المتحدة من محاربة الإرهاب إلى مواجهة الصين واضح. ليس في "تحالف أوكوس" بل وفي تشكيل  هيكل "كواد " وما زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن الهند إلا لإقناعها بتحويل الحوار الأمني الرباعي (الولايات المتحدة، الهند، اليابان، وأستراليا)، المعروف باسم "كواد"، من منبر للنقاش إلى تحالف فاعل وهدفه ردع الصين،  ومنعها من ربح أي حرب، فهل سيخف الضغط على دول مجلس التعاون في محاربة الإرهاب، لتلبسنا في القاموس الغربي أن الإرهابيين هم أبناؤنا والأموال التي تدعمهم هي أموال خليجية؛ أم نتوقع السيناريو الأسوأ وهو أن واشنطن بتحولها من محاربة الإرهاب إلى محاربة الصين  قد تركت دول الخليج لتواجه قدرها أمام الجماعات الإرهابية التي لازالت نار تحت الرماد

 6ــ تقرب أوروبي للفكاك من تداعيات التهميش 

لتلطيف الأجواء خرجت رسائل أوروبية أمريكية، بل و اجتماع عالي المستوى يرمي إلى دفع استعادة الثقة بين الطرفين بعد أزمة الغواصات، لذا جاء في الأخبار "يواصل الحليفان عملهما التنسيقي المشترك، سواء التعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، أو في منطقة الساحل ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ" لكن الحقيقة في مكان آخر ؛حيث  يعتمد بايدن وإدارته في استراتيجية مواجهة الصعود الصيني بشكل رئيس على بريطانيا، من دون استبعاد "الناتو" والحلفاء الأوروبيين في دور مساند فقط، لكونهم غير متحمّسين لمواجهة الصين في "حرب باردة" جديدة  وجوهر القضية في نظر كثير من الأوروبيين أن واشنطن لا تنظر إليهم كحلفاء يستحقون الثقة، خصوصاً عندما يتصل الأمر بمواجهاتها مع الصين.  وجراء الأزمة الدبلوماسية التي تفجرت بصورة لافتة داخل المعسكر الغربي، والإعلان عن تحالف "أوكوس" يُعزز توجه تعزيز الاستقلالية الأوروبية عن الولايات المتحدة، وكرد عملي أولي على الخطوة الأمريكية-البريطانية-الأسترالية، سيكون هناك تقرب فرنسي أوروبي تجاه دول الخليج.

7ــ فقدان ميزة الحصرية لدول الخليج 

لا يخلو تحالف "أوكوس" من طبيعته المتميزة والحصرية يمكن للتحالف أن يخلق توترات مع حلفاء آخرين للولايات المتحدة، قد يرغبون في الحصول على صفقات مماثلة، وهو أمر لا يبدو مقبولاً أمريكياً فما جرى استثناء لسياستنا في كثير من النواحي، ولا نتوقع أن يتم القيام بذلك في أي ظروف أخرى في المستقبل، فهو في نظر مراقبين عدة يعتبر حدثاً لمرة واحدة. ورغم أن من يحصلون على الاستثناء والحصرية في الحظوة الأمريكية تسليحًا وحماية سياسية يعني أن بلادهم تفقد استقلالها بسبب الاقتراب الشديد من الولايات المتحدة، ويعتمدون بشكل كبير على سياسة واشنطن وعداء تجاه الصين مع احتمال حدوث عواقب وخيمة، إلا أن تل أبيب وبعض دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية التي حصلت على الأواكس والإف 15 وبقية دل الخليج عليها أن تقرأ بأن المحظية المدللة في بيت آخر في جزيرة بعيدة.

8ــ نهجَ بايدن في بناء التحالفات

  التحالف الجديد يتم تصنيفه كخطوة تغيير أساسية في الهياكل الأمنية العالمية؛ حيث يُظهر تشكيل تحالف أوكوس" نهجَ بايدن "في بناء تحالفات وإقامة شراكات متداخلة. وتكمن أهمية التحالف في تحديد طبيعة الاستراتيجية الأمريكية القادمة وجدوى إنشاء تحالف عالمي واسع تقوده الولايات المتحدة لاحتواء الصين، وقد يضم دول الخليج كجزء من سعى الرئيس بايدن إلى الترويج لعدة ترتيبات وتحالفات وشراكات متداخلة ويكمل بعضها بعضاً؛ مثل "كواد"، و"أوكوس" هو وترتيبات أخرى تحتل الولايات المتحدة فيها موقعاً حاسماً، مما يعني تقويض هياكل قائمة وتسيير عمل الأسطول الخامس وتوزيع القواعد الأمريكية

9ــ دلالات الجوانب الاقتصادية في "أوكوس "

خسر الاقتصاد الفرنسي مليارات الدولارات كبرهان على أن الجوانب الاقتصادية أهم من الجوانب السياسية والأمنية، رغم ان أستراليا ستدفع في أي حال تعويضاً مادياً لفرنسا عن إلغاء العقد. وهذا الأمر يظهر أهمية الجانب التعاقدي – المالي في المشكلة الأسترالية-الفرنسية/ الأمريكية بعد قيام تحالف «أوكوس». والدلالة التي تصب في صالح الخليجيين أن الشركات الأمنية مع الغرب مدفوعة الثمن وليست جراء تحقيق شعارات السلم الدولي أو الوفاء بالتعهدات للحلفاء. أما الأمر الآخر فهو صفقة الغواصات وتبعاتها كشفت وجه أمريكي آخر غير وجه العقوبات الاقتصادية التي تمتشقها لتحقيق أجنداتها السياسية، والجديد هو أسلوب الإكراه الاقتصادي لتحقيق الأهداف السياسية المطلوبة، وهو يُعتبر أقل كلفة من غيره وغير محفوف بالمخاطر بقدر إعلان الحرب، أو الحصار أو المقاطعة الاقتصادية أو الإدراج في قوائم سوداء، ومع ذلك يبقى أقوى من بقية القرارات، وعليه نملك في الخليج ميزة  هي أن دول الخليج  مشتري معتمد دائم، لكن الخوف هو أن تتوسع واشنطن في تطبيق  سياسة الإكراه الاقتصادي بأن نلغي صفقات مع غيرها ونوقع صفقات معه وليس إذعان الاستراليين إلا مؤشرًا بصعوبة الفكاك للدول الصغرى من نير الإكراه الاقتصادي.

10 ــ هل التسرع في «أوكوس» كالتسرع في أفغانستان !

 في تقديرنا أن المشكلة المستمرة فصولاً في العلاقات بين واشنطن، وحلفائها لازالت مستمرة وقد ظهرت قبل مسألة الغواصات الأسترالية بشهرين وتمثلت في الانسحاب السريع والمتسرّع من أفغانستان، وجوهر القضية في نظر كثير من حلفائها أن واشنطن لا تنظر إليهم كحلفاء يستحقون أخذ الرأي فلنتوقع كل شيء، فالأمريكيون يصيبون دائمًا، لكن بعد ارتكاب الأخطاء كلها.

11ــ الخليج في حروب الجيل الخامس عبء لا سند

ركزت واشنطن في «التوجيه الاستراتيجي الموقت» الصادر في مارس 2021م، باعتماد الجيل الخامس من الحروب، ففي الأولوية الخامسة على «تنشيط علاقاتنا مع حلفائنا وشركائنا»، معتبراً أن لها «أصولاً فريدة» في أوروبا وآسيا؛ وشددت على أن الأولوية السابعة هي «تأمين ريادتنا في مجال التكنولوجيا» في ظل «تسابق القوى الرائدة في العالم لتطوير ونشر تقنيات جديدة، مثل الذكاء الاصطناعي»، داعياً إلى «تعزيز دفاعاتنا التقنية» ،أما الأولوية الثامنة، فهي «أننا سندير أكبر اختبار جيوسياسي في القرن الحادي والعشرين، متمثلاً في علاقتنا مع الصين».  مما يعني انكشاف القصور الخليجي في تحالفات والجيل الخامس من الحروب، فبالإمكانيات الخليجية الراهنة قد لا نصل لمستوى يليق أن نكون لا من حلفاء الصين أو أمريكا

 12ــ مطلوب «كواد» خليجي

أمنياً وعسكرياً، تشكل ما عرف بالتحالف الرباعي «كواد» بين الولايات المتحدة وكل من اليابان والهند وأستراليا، وفكرته الرئيسية تعود إلى رئيس الوزراء الياباني الأسبق شينزو أبي 2016م، حين اقترح ضرورة تعاون القوى الدولية «لحماية التوازن في منطقة المحيط الهادئ كمنطقة مفتوحة وحرة». وهي دعوة تلقتها واشنطن باعتبارها تشير إلى الشعور بالخطر والتهديد من الصعود الصيني، وتفاعلت معها بإيجابية كبيرة. وفي الممارسة تحولت الفكرة إلى عملية لتشكيل بنية عسكرية أمنية متعددة الأطراف من دول المنطقة بالتعاون مع الولايات المتحدة بهدف تعزيز حرية الملاحة والسلامة الإقليمية والأسواق الحرة، وفي الآن نفسه بناء نموذج أمني اقتصادي تشارك فيه الأطراف بقدر من الأعباء لتحقيق أهدافه. ولعل الإيحاء الوارد من قيام هذا الهيكل وتحوله ليكن أمني خير ما نتج من الزوبعة القائمة شرق وغرب آسيا لصالح دول الخليج، فلماذا لا يشكل تحالف مماثل عبر إشعار واشنطن بالمخاوف من القرب الصيني الإيراني وتشكيل نفس "تحالف كود"!

13 ـــ ضرر قراءة إيران لـ"أوكوس"

انتقدت طهران "المواقف المزدوجة" من جانب بريطانيا والولايات المتحدة، المتمثلة في إبرام اتفاقية "أوكوس" التي تنص على بيع غواصات تعمل بوقود نووي بنسبة تخصيب تزيد عن 90%، إلى أستراليا. وقد أعرب سفيرها ومندوبها الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، في كلمته خلال الاجتماع الـ65 للجمعية العمومية لوكالة الطاقة الذرية الدولية، عن أسفه "من أن دولا عمدت إلى إلقاء اللوم على إيران إثر تخصيبها اليورانيوم بنسبة 60% للأغراض الإنسانية والسلمية، لكنها قررت اليوم بيع غواصات عسكرية ذات الدفع النووي بنسبة 90% إلى أستراليا". ومن المنطقي أن تنقاد جهات دولية عدة إلى وجهة نظر طهران، فاتفاقية أوكوس تعطي طهران وسيلة دعائية مفيدة لتبرير زيادة تخصيب اليورانيوم، وأن انتقاد أمريكا وبريطانيا بسبب الاستثناء الممنوح لأستراليا، ونتوقع أن يشجع الحدث إيران على التعنت، فقد نزلت عليها ذريعة من السماء.

14ــ لماذا نعتمد على الاتحاد الأوروبي

دول الخليج منخرطة في حوارات استراتيجية عميقة مع الاتحاد الأوروبي، رغم أن هناك مؤشرات تشير بزوال نفوذه مقارنة بموسكو وبكين وواشنطن، فبعد أوكوس أعلن الاتحاد الأوروبي أنه لم يتم إبلاغه بشأن التحالف الأمني الجديد الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وأستراليا. قال المتحدث باسم السياسة الخارجية للاتحاد، بيتر ستانو، أنه على اتصال مع الشركاء لمعرفة المزيد حول هذا التحالف. فكيف نرتبط مع من لا يعد مرجعية لحلفائه أنفسهم!

 تعد قراءة اتفاقية أوكوس بين بريطانيا وأمريكا وأستراليا ضد الصين من الأمور النسبية المتغيرة التي يتسع ويضيق استيعابها وفقاً لطرق تناولها، وفي الخليج تراكمت سحب سلبية أكثر من الإيجابية جراء هذه الاتفاقية. فقد كشفت أن القصور الاستخباري كان أهم كوارث فرنسا، فهل نعاني في الخليج من نفس القصور، بل علينا في تقديرنا التخلي عن السذاجة واستخلاص العبر مما حدث، كما أظهرت  إدارة القضية دواعي الاعتماد الخليجي على قوة أكبر من قوة فرنسا التي ظهرت صغيرة للغاية، كما كشفت عزم واشنطن معارضة جهود الصين لإنشاء مجالات نفوذ  مما يهون علينا فهم وجدية الاستدارة الأميركية تجاه الشرق، لكن الجانب الأقل ظلمة هو  التحول من محاربة الإرهاب إلى مواجهة الصين، مع الانتباه لتقرب أوروبي للفكاك من تداعيات التهميش في صفقة أوكوس، التي أظهرت إمكانية فقدان دول الخليج ميزة الحصرية  في امتلاك السلاح عند واشنطن، وإن هناك نهج جديد هو نهج بايدن في بناء التحالفات، دون تجاوز أن هناك دلالات للجوانب الاقتصادية في «أوكوس» ،بالإضافة إلى رسوخ طبع  التسرع في «أوكوس» كما كان التسرع في أفغانستان . ومما يجب الانتباه له أن دول الخليج في حروب الجيل الخامس قد تعد عبئًا لا سندًا، فيتم التخلي عنها. لذا مطلوب «كواد» خليجي، حيث نتوقع الكثير من ضرر قراءة إيران لـ"اوكوس".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ علوم سياسية ـ جامعة الكويت

مقالات لنفس الكاتب