; logged out
الرئيسية / الاستراتيجية الأمريكية: استخدام تركيا وإيران لتعطيل التمدد الصيني

العدد 167

الاستراتيجية الأمريكية: استخدام تركيا وإيران لتعطيل التمدد الصيني

الخميس، 28 تشرين1/أكتوير 2021

في 15 سبتمبر 2021م، أطلقت الولايات المتحدة شراكة دفاعية بينها وبين كل من بريطانيا، أستراليا في المحيط الهندي والباسيفيكي، وسميت هذه الشراكة بتحالف "أوكوس"، وأعلن أن هذا التحالف يستهدف تعزيز التعاون المشترك ومواجهة التهديدات التي تتعرض لها المنطقة، وتزامن مع هذا الإعلان إلغاء أستراليا صفقة الغواصات النووية التي كانت متعاقدة على شرائها من فرنسا، واستبدالها بغواصات أكثر تطورًا من الولايات المتحدة، وذلك في إشارة واضحة إلى سعى الولايات المتحدة لتأهيل أستراليا نوويًا وعسكريًا ودعم التحالف العسكري الجديد دون الانفتاح على أطراف أوروبية خاصة فرنسا، وهو ما يعني بداية نوع من التغيير في استراتيجية التحالف التي كانت تقودها الولايات المتحدة في تلك المنطقة والتي كانت تركز على التحالف بين شمال أمريكا وأوروبا أي التحالف الغربي الذي كان يقود العلاقات الدولية.

 

وقد جاء هذا التحالف الجديد من الدول الساكسونية لتضيف لما سبق من تحالفات خاصة بالمنطقة وأهمها تحالف الولايات المتحدة مع كل من كوريا الجنوبية، وأستراليا، واليابان، والهند والذي يعرف بالـ "كواد"، وهي تحالفات تستهدف مواجهة النمو الصيني المتصاعد، خاصة عسكريًا ويشير ذلك بوضوح إلى التوجه الأمريكي الداعم لانتقال مركز العلاقات الدولية إلى شرق وجنوب آسيا كأولوية، ولا شك أن ذلك التوجه ليس جديدًا، فمنذ أكثر من عشر سنوات كان هذا الطرح الأمريكي واضحًا في وثائق استراتيجية الأمن القومي الأمريكي وفي سياسة الإدارات الأمريكية على اختلافها الجمهورية والديمقراطية، أي أنها استراتيجية ثابتة.

 

مواقف دولية متعددة

أثار هذا الاتفاق بعض المواقف المعارضة، خاصة من جانب الصين التي اعتبرته محاولة لتقويض الأمن والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادي، واتجاهًا لإثارة الاحتقان والتوتر داخلها وضربًا لدعاوى منع الانتشار النووي، كما أعلنت رئيسة الوزراء النيوزيلاندية أنها لم يتم الاتصال بها للدخول في هذه الشراكة، وأنها لا تتوقع أن تكون جزءًا منها، وأنه ليس من المحتمل أن تسمح نيوزيلاند بدخول الغواصات النووية الأسترالية إلى مياهها الإقليمية، وهو ما يشير إلى خلافات متوقعة على هذا المستوى، بين طرف كان مرجحًا أن يكون قمة هذا التحالف.

 

ولا شك أن استبعاد فرنسا من هذا التحالف يرجع إلى تحفظ الولايات المتحدة على علاقاتها بالصين، وتبني ماكرون لإقامة شراكة أوروبية ــ صينية متكافئة، وهو ما تزامن مع تراجع العلاقات الأمريكية الصينية، بالإضافة إلى أن فرنسا لها تصور مغاير ليس فقط بالنسبة للمصالح الأوروبية فيما يتعلق بالقوى الكبرى وعلى مستوى العالم ولكن كذلك بخصوص مقتضيات العلاقة مع الولايات المتحدة.  ورفض تحالف دول الآسيان الاندماج في أي استراتيجية موجهة ضد الصين والحرص على مركزية المنظمة وحيادها في الصراع الأمريكي الصيني، وهو ما يحول دون ترقية تحالف "أوكوس" وتمدده وحصار الصين، ولعل إعلان إندونيسيا وماليزيا مؤخرًا رفضهم للتحالف الجديد ورفع درجة المواجهة والتوتر دليلًا واضحًا على ذلك، وعلى تحفظ دول المنطقة من تصعيد التوتر مع الصين بصورة كبيرة.

 

المواجهة الأمريكية-الصينية

 

السياسة الأمريكية التي كشف عنها تحالف "أوكوس" تتعدد أهدافها، وترتكز على مواجهة النفوذ الصيني ومحاصرته، ونقل المواجهة إلى دائرة الجوار الصيني، وهو ما يتضح بالنظر إلى الآتي:

 

أولًا: التحالف لا يتضمن جديدًا فيما يتعلق بطبيعة التعاون العسكري بين أطرافه على اعتبار أن الاستراتيجية الأمريكية منذ عشر سنوات ومنذ إدارة الرئيس أوباما حددت الصين كعدو رئيسي، وبدأ الانتشار العسكري الأمريكي يضع منطقة المحيط الهندي والهادي كأولوية، كما أن النسخ الثلاثة الأخيرة من استراتيجية الأمن القومي الأمريكي على مر السنوات الماضية حددت مهمة مواجهة التحديات الصينية والروسية هدفًا وأولوية بالنسبة لها، ثم يأتي بعد ذلك مكافحة الإرهاب والقوى المعادية ودعم إسرائيل.

 

ثانيًا: إن التعاون الانجلو-ساكسوني قديم ضمن الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية على المستوى العسكري والاستخباري، ويعد التحالف الاستخباري -تحالف الدول الخمسة (الولايات المتحدة، وبريطانيا، كندا، أستراليا، ونيوزيلندا) الذي يقود العمل الاستخباري بالمنطقة-أحد مجالات التعاون الاستراتيجي بين تلك الدول، على هذا المستوى. ويتركز حول مواجهة الصين وحليفتها كوريا الشمالية. وهكذا كشف التحالف الذي أعلن عنه بعد صفقة الغواصات الأسترالية، والذي ركز على مواجهة الصين، عن مرحلة جديدة في مسار التحالف الذي كان قائمًا بالفعل بين تلك الدول ورفع مستوى التعامل مع الصين.

 

ثالثًا: ترى واشنطن أنه أصبح من الضروري مواجهة ومحاصرة النفوذ الصيني، الذي اتخذ مسارات عديدة داخل الفضاء الجيوسياسي الأمريكي والأوروبي في تقديرها، بعد تمدده بشرق ووسط أوروبا عبر مبادرة (17+1) والتي وقعتها عشر دول ضمن دول تلك المنطقة، خلال اتفاقيات مع الصين بخصوص مبادرة "الحزام والطريق"، فضلًا عن تمدده في منطقة الشرق الأوسط وشرق إفريقيا، وفي ظل تصاعد التعاون الصيني الإيراني في العديد من الملفات.

رابعًا: يمكن النظر إلى هذا التحالف في إطار سياسة الإدارة الأمريكية -سواء الجمهورية السابقة أو الديمقراطية الحالية-التي تستهدف اضطلاع الحلفاء المتوافقين مع استراتيجيتها للأمن القومي مهمة مواجهة الخصوم، وهي السياسة التي اتضحت معالمها ليس فقط بمنطقة المحيطين، وإنما في الشرق الأوسط والخليج العربي وأفغانستان أيضًا، ولا شك أن تسليح أستراليا نوويًا يعني توفير وإعداد قوة تواجه الصين في عمقها الاستراتيجي، تجعل من أستراليا شريكًا بصورة أكبر ينصهر في الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الصين.

خامسًا: يسعى التحالف كذلك لتغيير معادلة التوازن الاستراتيجي في تلك المنطقة، والوصول إلى نوع من تكافؤ القدرات، يحقق ذلك في النهاية ويحاصر عسكرة بكين لبحر الصين الجنوبي وإن كان هذا السعي يواجه الكثير من العقبات.

سادسًا: السعي للتأثير على مبادرة "الحزام والطريق"، من خلال التغلغل في الجوار الآمن للصين، وهو ما يدفع المنطقة إلى مزيد من التوتر ويجعل دولها بين خيارين، وهو أمر لا يتوقع أن ينجح؛ حيث لا ترغب أهم الدول التي تراهن عليها واشنطن لتحقيق ذلك مثل اليابان والهند -رغم مواقفها السلبية من التمدد الصيني-في إثارة التوتر والصدام مع بكين، وتحرص على الحفاظ على نظام الأمن الإقليمي الحالي.

سابعًا: بالرجوع إلى إعلان تكوين هذا التحالف من الواضح أن الحرب السيبرانية ومن خلال الذكاء الاصطناعي سيكون مجالًا للمواجهة المباشرة بين الطرفين.

 

الموقف الفرنسي وتداعياته

تسعى باريس لتطوير استراتيجية شاملة للتعامل مع منطقة "الإندو-باسيفيك"؛ بسبب قلقها من التداعيات السلبية للصراع الأمريكي-الصيني على المصالح الأوروبية، كما تتعامل مع الصين ليس من منطلق احتوائها وإنما كشريك، بهدف جعل منطقة المحيطين منطقة تجارة حرة للجميع.

 

وهناك استراتيجية أوروبية تجاه منطقة المحيطين، والتي اتضحت بالاستراتيجية الدفاعية الفرنسية عام (2018)، والألمانية عام (2020). وركزت الرؤية الأوروبية على وجود قوة مقيمة في المنطقة فيما وراء البحار، حيث تتوافر لفرنسا ميزة نسبية أكثر من أي دولة أخرى.

 

ولم تُعلن هذه الاستراتيجية، ولكن أعُلن ملخصًا لها؛ لان هناك مجموعة من الدول الأوروبية لا تزال تختلف حول الحدود الجغرافية لمنطقة المحيطين، حيث يراها البعض تمتد من القرن الإفريقي إلى المحيط، فيما تراها فرنسا أنها تضم إقليم المتوسط.

 

رغم التحفظ الفرنسي على إبعاد الولايات المتحدة باريس عن هذا التحالف، إلا أنه لا يرجح أن تتخذ فرنسا مواقف مناهضة له، رغم أنها أكثر الدول الأوروبية حضورًا في منطقة المحيطين، ولكن سوف يستمر تحفظها على تجاوز هذا التحالف لصيغة الردع والانتقال لمرحلة المواجهة المباشرة مع الصين، مع استمرار تعميق حضورها على مختلف المستويات وطبقًا للرؤية الفرنسية للتعامل مع الصين.

 

انعكاسات تحالف "أوكوس" على الشرق الأوسط

تمثل منطقة الشرق الأوسط وبصفة خاصة منطقة الخليج والمحيط الهندي والبحر الأحمر جزءًا من مسرح العمليات العسكرية التي يمكن أن تحدث في منطقة المحيطين، أو أية مواجهة أمريكية مع الصين بصفة عامة، على اعتبار أن منطقة "الإندو-باسيفيك" مجال عمل التحالف تضم منطقة الخليج والبحر الأحمر.

 ومن هنا يمكن القول إنه من الملفت في ظل هذا التحالف، الذي يجعل الصين هدفه الرئيسي، اتخاذ الولايات المتحدة وحلفاؤها، وبينهم حلف الناتو، إجراءات لتخفيف الوجود العسكري في منطقة الشرق الأوسط بتبريرات مختلفة رغم صعوبة تحقيق ذلك، إلا أن تخفيف الانخراط بالشرق الأوسط والتركيز على آسيا سيسمح بالنهاية بمزيد من الفرص لتمدد الصين وروسيا بالمنطقة، وإن كانت ملامح الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة ذلك تركز على إعطاء أدوار لما يسمى بالموازن المحلي.

 

ومن المتوقع أن يؤدي المناخ المترتب لهذا التحالف وتفاعلاته المختلفة إلى إتاحة مساحة أوسع لأدوار القوى الإقليمية المنخرطة في الاستراتيجية الأمريكية، والاستراتيجية العسكرية لواشنطن ولندن، وبصفة خاصة إسرائيل وتركيا. ولقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية توظيف قوى الإسلام السياسي ليكون الموازن المحلي للسيطرة على المنطقة ومواجهة تحديات القوى المنافسة على مدى سنوات طويلة، إلا أنها فشلت، وبالتالي سيكون التركيز وفقًا لما تم الإشارة إليه على تركيا وإسرائيل سواء في أزمات المنطقة أو مواجهة التحدي الصيني وكذلك محاصرة إيران.

 

وفيما يتعلق بتركيا، رغم كل الحساسيات المتبلورة في علاقات الولايات المتحدة وتركيا، إلا أن جوهر هذه العلاقات بالوقت الراهن يشير إلى وجود نوعًا من الارتباط بين الدور التركي في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز والاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الصين وروسيا. كما يتوافق الانتشار التركي بالمنطقة العربية، لاسيما سوريا وليبيا والبحر الأحمر، وبصورة أساسية في آسيا التي توسعت مؤخرًا عبر مبادرة "آسيا من جديد" ومبادرة "الممر الأوسط" بآسيا الوسطى (القوقاز وتركيا وأوروبا) مع الاستراتيجية الأمريكية لمحاصرة النفوذ الروسي الصيني والإيراني.

 

ومثل تفجر الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا دليلاً واضحًا على الترابط العضوي بين الاستراتيجيتين، التي تركز على توظيف المشتركات القومية والدينية فيما وراء القوقاز، المنطقة المختلطة ديموغرافيا، ومن الواضح أن الاستراتيجية الأمريكية، وباستغلال تركيا، تستهدف اشغال روسيا عن الانخراط في بعض المناطق كالشرق الأوسط، وفي جنوب القوقاز ويستهدف الصين بالدرجة الأولى، لأنها تمثل نواة طريق الحزام والطريق، وتركيا إذا ستكون القوة المحلية البديلة لتحقيق استراتيجية الولايات المتحدة بالمنطقة. وإن كان من غير المرجح أن تنخرط في مواجهة مع الصين بالنظر لأن حلف الناتو لم يدعى للمشاركة في الحلف الجديد، ويمكن أن يوظف دورها في مواجهة روسيا مستقبلًا في ظل وجود ملفات اشتباك عالقة بين الدولتين.

 

أما إسرائيل، فهي منخرطة في التحالفات الآسيوية بصورة غير رسمية؛ في ضوء اندماجها ضمن الاستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط، وعلاقاتها العسكرية-الاستخبارية القوية مع الهند وأستراليا. التركيز الأمريكي بالفترة القادمة على أولوية تحالف "أكوس" سيرتب مهام أكثر وضوحًا لإسرائيل في مواجهة الامتداد الإيراني بصورة أساسية، وزيادة حضورها بالخليج والمحيط الهندي، وإن كانت العلاقات بين إسرائيل وروسيا والصين قد تشهد نوعًا من الضبط الأمريكي، بما يسمح لتل أبيب بالاستفادة منهما؛ لتحقيق مكاسب ذاتية لها في سوريا، ولكن لن يتاح لها الوصول لمستوى التنسيق الاستراتيجي أو الذهاب لأبعد من هذا الميدان.

 

وفيما يتعلق بإيران، رغم أنها تمثل هدفًا للاستراتيجية الأمريكية، إلا أن التقدير الأمريكي الاستراتيجي لها هو منع التحالف الإيراني مع روسيا والصين، لما تمثله إيران من أهمية كبرى للصين وروسيا في جنوب القوقاز وبحر قزوين ووسط آسيا، جعلت الولايات المتحدة تستخدم أسلوبًا مختلفًا في التعامل مع إيران عناصره الأساسية احتواء التهديدات الإيرانية للمصالح الأمريكية مع إعطاء حزمة من الحوافز وأهمها العودة للاتفاق النووي وتجاوز المماطلة الإيرانية لاستئناف المباحثات، وهو أمر ينعكس سلبًا على بعض دول المنطقة.

 

ورغم تصريحات كبار المسؤولين عن خطورة الأذرع الإيرانية في الشرق الأوسط، إلا أن الحرص على العودة للاتفاق بلورت تنازلات أمريكية واضحة، وعلى سبيل المثال: رفعت واشنطن الحوثيين من قائمة الإرهاب (16فبراير2021م)، وسحب بطاريات الدفاع الجوي "باتريوت" من السعودية (11 سبتمبر الماضي)، كما رفعت العقوبات عن شركتين إيرانيتين لإنتاج الصواريخ (8أكتوبر الجاري). وهو ما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية تسعى بأي ثمن للعودة للاتفاق النووي، وأنها على استعداد لتقديم مزيد من التنازلات، خاصة رفع العقوبات المتعلقة بالصادرات الإيرانية من البترول دون الحصول على مقابل محدد والانتباه لمساحة الحركة التي ستتاح لإيران في الإقليم، الأمر الذي تتحفظ عليه دول المنطقة، كما تتحفظ على أية تحالفات تضعها في خيار الموازنة بين علاقاتها التاريخية مع واشنطن وبكين، التي تتنامى علاقاتها الاقتصادية معها.

 

ومن الواضح أن إدارة " بايدن" قد اسقطت الجانب الأكثر من الشروط الـ (12) التي سبق أن حددها وزير الخارجية الأمريكي السابق "مايك بومبيو". فهل لهذا علاقة بالتحالف الجديد، وسحب مبررات إيران للتحالف مع الصين؟ وهل يمكن أن يحقق هذا هدفه أم ماذا؟

إن خطوات الاستراتيجية الأمريكية لمحاصرة للصين، والحرص على استرضاء إيران، سيتيح للأخيرة مزيدًا من الحركة لن تتمكن واشنطن من ضبطها، وهو ما لفت انتباه العديد من دول الخليج ودفعها للحوار مع إيران، خاصة المملكة العربية السعودية، التي أدركت أن حل القضية اليمنية لن يكون بأيدي الولايات المتحدة، وإنما عبر التعامل مع طهران، الداعم الأساسي للحوثيين.

 

وترى دوائر متعددة أن المناخ الذي يرتبه هذا التحالف يمكن أن يرفع من مستويات الحضور الروسي ودرجات قبوله بين دول الإقليم، ولعل التطورات السورية تعكس ذلك بوضوح، وأن المسعى الأمريكي لتطبيع العلاقات مع إيران يسمح -حتى الآن-بتجاوز قانون قيصر ويزيد شرعية الحكومة السورية، ما يخفف الانخراط الأمريكي بالأزمة، ويترك مساراتها ضمن إطار عام لا تتحمل فيه واشنطن المسؤولية الرئيسية ولكن لا تتعارض مع مصالحها في النهاية.

كما أن الدور التركي المتزايد، طبقًا لهذه التفاهمات، سيكون عائقًا أمام حل قضية المرتزقة والقوات الأجنبية في ليبيا، لأنه الثمن الذي تتغاضى عنه واشنطن، ما سيزيد من فرص الاشتباك والمواجهة بين فرنسا وتركيا، ولا شك أن إعلان ماكرون التحالف مع اليونان، والدعوة لجيش أوروبي، مؤشر واضح على انخراط باريس في منطقة المتوسط مستقبلًا، بغض النظر عن الموقف الأمريكي بخصوصها.

كما تدرك الولايات المتحدة وأوروبا أنه لم يعد هناك مجال لإعادة الصين للوراء، ولكن ما يجري هو محاولة وضع قواعد واتخاذ إجراءات وعمل محاور لضبط حركتها ومحاصرة نفوذها في الفضاء الجيوسياسي الذي يضم المصالح الأمريكية.

وفي التقدير أن الولايات المتحدة لا تسعى لمواجهة عسكرية مع الصين حاليًا، ولكن امتلاك أوراق ضغط وردع للصين، لأن المنطقة غير مهيأة لذلك، فضلًا عن عدم توافر المعطيات الإقليمية الداعمة لذلك، وللتداعيات السلبية لهذه المواجهة على سياسة احتواء كوريا الشمالية، وتوفير مناخ لتحالف أوسع وأعمق مع الصين وروسيا وبعض القوى الإقليمية في استقطاب حاد.

سوف ينتهي تحالف "أوكوس" كإطار لشراكة مرنة ولن يتم ترقيته لأبعد من ذلك حاليًا، ولاستمرار حرية الملاحة والتجارة العالمية وضمان استمرار استقرار بحر الصين الجنوب، ولكن يساهم في منع الصين من اتخاذ قرارات أحادية استراتيجية في المنطقة، وسوف تبقى المواجهة الاقتصادية سيناريو مطروحًا ومتطورًا، وسوف تبقى المواجهات الأمريكية الصينية مفتوحة من خلال أدوات ووسائل متعددة، ولعل في إنشاء عدد المنظمات التي تركز على مواجهة الصين داخل المخابرات المركزية الأمريكية ووزارة الدفاع الأمريكي دليل واضح على تطور أساليب المواجهة واستمرارها.

مقالات لنفس الكاتب