array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الأبعاد الاستراتيجية للأحداث العربية

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

في البداية نود أن نلقي الضوء على الجانب الاستراتيجي، فالمعروف أن الصراع في القرن الماضي كان يتم بين النظام الشمولي المتمثل في الأنظمة الشيوعية والنظام الديمقراطي المتمثل في الأنظمة الليبرالية السائدة في أوروبا وأمريكا، وكان النفوذ يتسارع بينهما على ما تبقى من دول العالم، لأن النظام العالمي كان يقوم على القطبين، لهذا كان كل قطب يغض الطرف عن الأنظمة التسلطية في العالم الثالث حرصاً على البقاء دائراً حول فلكه.

في نهاية القرن الماضي، انهار النظام الشمولي عندما تداعى الاتحاد السوفييتي، وانتصر النظام الديمقراطي، فعمدت الولايات المتحدة إلى ملء الفراغ في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، وهذا يتطلب ثورات عدة في هذه الدول عرفت بالثورات الملونة التي حولت هذه الدول إلى النظام الليبرالي.

وبعد ذلك اتجهت أنظار الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدول السلطوية، وبشكل خاص في الشرق الأوسط، وظهرت هناك مدرستان، مدرسة الحزب الجمهوري ومدرسة الحزب الديمقراطي، فالجمهوريون يرون أنه لابد من وضع نظام مثيل لليابان وألمانيا ليكونا أنموذجاً للدول التي من حولها لحثها على التغيير، فاختارت حكومة بوش الابن العراق، وكانوا يرون أنه لابد من إسقاط نظام صدام البعثي، وتكوين نظام ليبرالي في العراق في منطقة ما يعرف بحافة الأرض (Rim Land) التي تعتبر من صميم الاستراتيجية الأمريكية، لكن الجمهوريين فشلوا في ذلك بسبب المقاومة التي لم تكن في الحسبان.

وفي عهد الرئيس الأمريكي، أوباما وهو من الحزب الديمقراطي، انحاز هؤلاء إلى التجربة التركية وتطبيقها في الشرق الأوسط لتحويل الدول العربية إلى العلمانية بنفس إسلامي، بعد تأهيل هذه الشعوب للانتقال من النظام السلطوي إلى النظام الليبرالي بضمان الجيش لأن هذه الشعوب ليست مؤهلة للديمقراطية، وهو ما أشار إليه عمر سليمان عرضاً أثناء الأحداث عندما قال لابد من تهيئة الأجواء للديمقراطية وذلك بضمان القوات المسلحة.

وكان من المفروض أن تبدأ الثورة في مصر، لكن الحدة في ارتفاع معدل القهر النسبي في المجتمع التونسي وانتحار بوعزيزي عجلا بالثورة هناك، لكن الجيش كان فيها محايداً ثم أصبح ضامناً.

ولم ترغب الحكومة الأمريكية، أن يتم التغيير في الشرق الأوسط على وتيرة واحدة، بل على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: ثورات شعبية تُفضي إلى إمساك الجيش بزمام الأمور، وفي ظله وضمانته تطبق الديمقراطية.

الوجه الثاني: عملية الابتزاز السياسي المعروف باسم (بلاك ميل) وهو أن ترغم أمريكا الرؤساء التسلطيين مثل السودان وسوريا على تنفيذ المطالب الأمريكية والتحول إلى النظام الديمقراطي عن طريق تسييس المحاكم الدولية، ففي السودان أوقعوا الرئيس عمر البشير تحت وطأة الاتهام بحرب الإبادة، ولم يعد له منجى من ذلك إلا منح الجنوب الاستقلال، وتحسين الأوضاع في دارفور، وتطبيق الديمقراطية.

أما سوريا فحملوها مسؤولية اغتيال الحريري، وللتخلص من هذا الاتهام عليها أن تقوم بفك الارتباط مع إيران، وتفكيك حزب الله، وتطبيق الديمقراطية، وقد رضخت سوريا لذلك، لكنها تلكأت في التنفيذ، فكانت البداية إرسال السفير الأمريكي وإطلاق (الفيس بوك) لكن رياح التغيير عصفت بسوريا فدخلت في دائرة الأحداث.

الوجه الثالث: دول مجلس التعاون وهذه لا ترغب الولايات المتحدة في أن تتعرض للاضطرابات لأنها سوف تؤثر في تصدير النفط مما قد يحدث كارثة اقتصادية عالمية، بل اكتفت بإسداء النصح إلى هذه الدول كي تواصل الإصلاح بكل أنواعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

 النظم السياسية المعتمدة في التعامل مع الأحداث:

يقسّم عالم الاجتماع السياسي الأمريكي لويس كوزر النظم السياسية إلى ثلاثة، النظام الشمولي، والنظام السلطوي، والنظام الليبرالي.

فالنظام الشمولي هو الذي يحتكر السلطات احتكاراً مطلقاً، ويرفض قبول منظمات المجتمع المدني، ولا يدع لأية جماعة أو تنظيم مجالاً للعمل وهذا ما كان عليه الاتحاد السوفييتي.

أما النظام السلطوي وهو السائد في معظم دول العالم الثالث، فهو الذي يحتكر السياسة إلى حد كبير، ويترك هامشاً من الحرية ومساحة محدودة في المجال العام لبعض المبادرات الخاصة، ويقبل التعددية الحزبية، لكنه يقيدها ويمنع وصولها إلى الحكم، وهو ما كان يفعله الحزب الوطني الديمقراطي في مصر والمؤتمر الشعبي العام في اليمن، وحزب البعث الاشتراكي في سوريا.

وكان النظام التسلطي مطلقاً في عهد عبدالناصر، وكان التسلط نسبياً في عهد السادات، ومقيداً في عهد مبارك، الذي كان يتحكم بشكل مرن بأن سمح بمنظمات المجتمع المدني وقيدها، ولم يمكنها من الوصول إلى سدة الحكم.

أما النظام السياسي الليبرالي، فهو الذي لا تتدخل الحكومة في الشؤون الاقتصادية وتترك لقيم السوق السيادة، كما يشجع هذا النظام على التعددية السياسية والحزبية، ويعتبر النظام الأمريكي الأبرز في النظام الليبرالي، لكن الاستراتيجية المستقبلية للسياسة الأمريكية في المنطقة هي مساعدتها على التحول إلى الديمقراطية لأن ذلك يمكنها من السيطرة على الدول التي تقع في دائرة الشرق الأوسط الكبير.

 المنظور التكتيكي:

أما المنظور التكتيكي في مصر، فالمعروف أن القهر النسبي أو الحرمان النسبي إذا ارتفع عن الحد المتعارف عليه في المجتمع حدث الانفجار، ففي مصر تجاوز الحرمان النسبي حده المتعارف عليه، وعندما ارتفع القهر النسبي بسبب تزوير الانتخابات فانفجرت الثورة الشعبية خصوصاً أن حسني مبارك رفض العرض الأمريكي بالسماح لمراقبين دوليين. والمعروف أن عوامل الإنتاج تحدث تغييراً في الثقافة بكل تجلياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ففي القرن الحادي والعشرين حدثت ثورة في عوامل الإنتاج خاصة في مجال المواصلات والاتصالات والتواصل، ومن خلال (الفيس بوك) الذي يتعامل مع القضايا الاجتماعية، و(اليوتيوب) الذي يهتم بالفيديو، و(التويتر) الذي يركز على نقل المعلومات بين الناس باعتباره أسرع وسيلة لنقل الأخبار الفورية، فكان لابد أن ينعكس ذلك على النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وقد أسهمت الأزمة الاقتصادية العالمية في التعجيل بهذه الثورات.

ولو نظرنا إلى الشباب الذين قاموا بالثورة، لوجدناهم من الذين يجيدون التعامل مع هذه الوسائل من دون المعرفة بالنظريات السياسية ومن دون التمرس عليها، فكان دورهم الأداء من دون التعرف إلى الأهداف والمقاصد، لهذا اتسمت ثورة الشباب بعدم وجود برنامج سياسي وخلوها من الزعامات.

وبدأت العملية في مصر بتكوين حركة كفاية عام 2005 التي كانت تركز على إقالة مبارك، وتغيير النظام، ومحاربة الفساد، والإصلاح الاقتصادي، والقضاء على الفقر والبطالة من دون منهج، واستطاعت هذه الحركة أن تخرج في ثماني مظاهرات واعتصامات خلال الفترة من 2005 إلى 2008م.

ثم ظهرت حركة (شباب 6 إبريل) التي تكونت عام 2008م وقامت حتى عام 2010م بعدة مظاهرات واعتصامات أبرزها مظاهرة الأسكندرية، والاعتصام المعروف بمصطلح (خليك في البيت)، لكنها كانت أكثر تنظيماً من كفاية بفضل منسق الحركة أحمد ماهر، وخلال هذه الفترة لم تتمكن أي من الحركتين من جمع أكثر من 400 متظاهر.

وبعدما ظهر على الساحة وائل غنيم المسؤول عن الشرق الأوسط لـ (غوغل)، استطاع أن يمهد الطريق لتوسيع شبكة الاتصالات فأصبح بالإمكان الاتصال بالملايين وتشجيعهم على الخروج. وقام أحمد ماهر بعمل غرفة عمليات، ولم يشارك في مظاهرة ميدان التحرير، بل كان يخطط للتحرك ويحبط أي خطة من جانب السلطة لإيقاف المظاهرات، أو اختطافها من قبل الأحزاب المسيسة، مثل (الإخوان، والغد، والوفد)، ووزع في كل منطقة ما بين 30 و50 فرداً يحركون المظاهرات في المدن المصرية، وهو ما أدلى به في مقابلته مع صحيفة (الشرق الأوسط) يوم الأحد 9/3/1432هـ.

وانتشرت المظاهرات، فلم يجد الإخوان المسلمون وغيرهم بداً من الانخراط فيها طمعاً في اختطافها عندما تحين الفرصة، كما شارك فيها الفنانون، والإعلاميون، والإداريون، والمشايخ، وأساتذة الجامعات، الذين اصبحوا يقادون بالشباب.

إن سقوط مصر في وحل الفوضى أخاف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأوروبا، لهذا كانت الولايات المتحدة على اتصال مستمر بالرئيس مبارك وبالقوات المسلحة وبزعماء المنطقة، حتى أصبح الرئيس أوباما كأنه قائد الثورة يصدر البيانات والأوامر فانتهت بإخراج مبارك من السلطة، وتولي الجيش مهام الرئاسة، ليقوم بتحويل المجتمع المصري إلى النظام الليبرالي الديمقراطي، والحيلولة دون اختطاف الثورة من قبل المنظمات الأخرى.

 المنظور المستقبلي:

سوف تدخل مصر مرحلة جديدة، هي الانتقال من النظام السلطوي المرن إلى النظام الديمقراطي الليبرالي، وهذا ما يجعلها أكثر قرباً من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التي ستقوم بدعمها لنشر الديمقراطية في العالم العربي والشرق الأوسط. وهذا يمثل انتصاراً للرئيس أوباما والحزب الديمقراطي على الحزب الجمهوري الذي فشل في تطبيق الديمقراطية في العراق، وسوف تشهد مصر في السنوات العشر المقبلة، ازدهاراً اقتصادياً لم تشهده دولة عربية من قبل، خصوصاً إذا نجحت في نقل بعض المصانع الأوروبية إليها، كما فعلت أمريكا مع البرازيل، عندها سوف تكون في مصاف ألمانيا واليابان، وهذا ما يسبب قلقاً لإسرائيل ويقوي من أواصر التحالف الاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية وسوريا.

إن التحول إلى الديمقراطية سوف يكون بضمانة الجيش المصري، أما الإخوان المسلمون فلن يكونوا سوى جزءً من اللعبة السياسية، وليسوا فاعلين فيها كما هو الحال في ماليزيا وتركيا اليوم، مع أنهم في يوم الجمعة 18 فبراير 2011م الموافق 15 ربيع الأول 1432هـ استطاعوا أن يجمعوا أكثر من مليون في ميدان التحرير وخطب فيهم يوسف القرضاوي، وهمشوا يومها الشباب الذين قاموا بالثورة، ولم يتمكن بعضهم من الدخول إلى ميدان التحرير مثل وائل غنيم، لكن الضمانة الوحيدة لعدم وصولهم إلى الحكم الجيش المصري.

أما القومية العربية، فعلى الرغم من أنها لم تظهر لها إشارات في الثورة ولا حتى في البيانات العسكرية، إلا أن مصر سوف تجد نفسها مرغمة على الانخراط بها، لأن ذلك يعزز من أهميتها الاستراتيجية.

إن المستقبل القريب سوف يكشف لنا عن صدام أو تنافس بين الجيش والإخوان، ولابد من الحكمة للسيطرة على الموقف، فالعربة المصرية تسير في ضباب كثيف فهل تصل إلى بر الأمان، أم أن هناك مفاجآت قد تحول دون ذلك؟

لقد هبت رياح التغيير التي انطلقت من تونس ومصر على معظم الدول العربية، فكانت شديدة على كل من اليمن وليبيا وسوريا والجزائر والأردن وعمان والمغرب، لكن ما جرى في البحرين لا يعدو أن يكون مؤامرة إيرانية حيكت منذ ثلاثين عاماً كما يقول وزير خارجية البحرين استطاعت المملكة أن تساهم في إحباطها ولله الحمد.

 *رياح التغيير وإسرائيل:

على الرغم من أن بعض الإسرائيليين ينكرون انعكاسها عليهم إلا أن مايكل هير تزوك كتب بحثاً في مركز بوليسي ووتش ذكر فيها التأثير على إسرائيل، ونحن نعلم أن بعض الحكومات العربية وقّعت على السلام وقبلت التطبيع البارد، لكن الشعوب العربية ترفض ذلك، كما أن إسرائيل لن تكون وحدها الديمقراطية في العالم العربي، ولن يكون أمامها إلا التعايش السلمي مع الدول العربية.

إن اطمئنان إسرائيل يعود إلى البيان المصري رقم أربعة الذي وعدت فيه القوات المسلحة بأن مصر ملتزمة باتفاق السلام مع إسرائيل وبناء عليه جرى اتصال بين إيهود باراك وطنطاوي عندما تأكد منه باراك على مستقبل العلاقات مع إسرائيل.

أما دول الخليج العربية فإن عليها أن تسارع في الإصلاح والاتحاد، وإلا فإن رياح التغيير سوف تعصف بها، لقد أفرزت الوسائل الإلكترونية واقعاً جديداً هو اتساع مساحة الحريات وتقلص في المسؤوليات، وهذا الخلل في التوازن سوف يجعل المنطقة تعيش اضطرابات متلاحقة ولابد من التوسع في دائرة المسؤوليات كي يحدث التوازن، وهذا لن يأتي إلا بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وينبغي وعلى شعوب الشرق الأوسط وإفريقيا أن تعي أنها أصبحت جزءاً من العالم، ولا يسعها إلا أن تعيش فيه وتتعايش معه.

 

مقالات لنفس الكاتب