تعتبر الثقافة جزءًا أصيلاً من الهوية الوطنية للمملكة العربية السعودية. ولإبراز تطور الثقافة السعودية، على المستويين المحلي والدولي، تشكلت وزارة الثقافة بموجب المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 2 يونيو 2018م، وتم إطلاقها رسميًا في 27 مارس 2019م، بعد نشر الرؤية الثقافية للمملكة العربية السعودية. وحدد المرسوم أهداف الوزارة وأغراضها وطموحاتها وأولوياتها الرئيسية في بناء الهوية السعودية وطنياً ودولياً.

وتحت قيادة صاحب السمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، تتمثل رؤية الوزارة في "ازدهار الفنون والثقافة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، لإثراء حياة المواطنين ثقافيًا، فضلاً عن الاحتفاء بالهوية الوطنية وتعزيز مبدأ التفاهم بين الأفراد"، بينما تتمثل رسالة الوزارة في "دعم وتمكين الثقافة السعودية النابضة بالحياة بما يتوافق مع ماضيها ويعتني بمستقبلها من خلال الاعتزاز بالتراث وإطلاق أشكال من التعبير جديدة وملهمة للجميع ".

وتلعب وزارة الثقافة أيضًا دورًا مهمًا في المساهمة في الرؤية الطموحة للمملكة العربية السعودية: رؤية 2030. وتعمل الوزارة على تعزيز الأركان الرئيسية الثلاث لرؤية 2030: "المساهمة في خلق مجتمع نابض بالحياة واقتصاد مزدهر وأمة طموحة."

وبالتالي، فإن وزارة الثقافة لديها ثلاثة أهداف، أولها، السعي لتعزيز الثقافة كنهج حياة. وثانيًا، المساهمة في النمو الاقتصادي، عبر الإشراف على التحول الثقافي للمملكة. وثالثًا، تشجيع التبادل الثقافي العالمي من خلال تكوين شراكات ثقافية دولية قوية وإقامة أنشطة ثقافية مشتركة، وعلاوة على ذلك، تهدف وزارة الثقافة إلى الزيادة الكمية والنوعية للجوانب الثقافية المتنوعة في المملكة العربية السعودية، مثل التراث والتقاليد، وذلك من أجل تقديم الثقافة السعودية للعالم.

ولتحقيق هذه الأهداف والنهوض بالقطاع الثقافي في المملكة، أنشأت وزارة الثقافة إحدى عشرة هيئة ثقافية هي: هيئة الأفلام، هيئة الموسيقى، هيئة الأزياء، هيئة المكتبات، هيئة التراث، هيئة المتاحف، هيئة الفنون البصرية، هيئة الفنون التشكيلية، وهيئة فنون الطهي، وهيئة العمارة والتصميم، وهيئة المسرح والفنون الأدائية، وهيئة الأدب والنشر والترجمة.

وتهدف هيئة التراث إلى تطوير ثقافة المملكة العربية السعودية كأسلوب حياة. وفي الأربعاء الموافق 29 سبتمبر 2021م، أعلن الرئيس التنفيذي لهيئة التراث، جاسر الحربش، استراتيجية الهيئة من خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية للثقافة في المملكة العربية السعودية. وأوضح الحربش أن الاستراتيجية الوطنية تهدف إلى الاحتفاء بالثقافة السعودية باعتبارها "ثروة ثقافية وطنية وعالمية". كما ذكر الحربش أن مهمة هيئة التراث تتمثل في "حماية وإدارة وتمكين الابتكار والتنمية المستدامة لمكونات التراث الثقافي".

وتمتلك المملكة العربية السعودية حاليًا ستة مواقع تراثية عالمية تابعة لليونسكو: موقع الحِجر الأثري (2008)، حي الطريف (2010)، ومدينة جدة التاريخية (2014)، الفنون الصخرية في منطقة حائل (2015)، وواحة الأحساء (2018)، ومنطقة حمى الثقافية (2021). وبالإضافة إلى ذلك، سجلت المملكة العربية السعودية أكثر من ثمانية آلاف موقع أثري وثمانية عناصر ثقافية في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي: العرضة النجدية (2015)، المجلس (2015)، القهوة العربية (2015)، الصقارة (2016)، رقصة المزمار (2016)، فن القط العسيري (2017)، ونخيل التمر (2019)، وحياكة السدو (2020). وتعتبر حماية تلك المواقع الأثرية والحفاظ عليها وإدارتها بفعالية إحدى الركائز الأساسية لاستراتيجية هيئة التراث.

وهناك ركيزة أخرى تتمثل في تطوير وتعزيز البحوث التي تركز بشكل خاص على تراث المملكة العربية السعودية، باستخدام التقنيات الرقمية، فضلاً عن وضع القواعد والشروط الصحيحة لترخيص الأنشطة ذات الصلة بالتراث في المملكة. وعلاوة على ذلك، تهدف هيئة التراث إلى العمل بفعالية مع الشركاء في القطاعين العام والخاص والقطاعات غير الربحية من أجل تعزيز التراث الثقافي للمملكة العربية السعودية.

وتسعى هيئة التراث أيضًا إلى خلق وعي عام في الداخل والخارج من خلال إقامة الفعاليات والمعارض والمؤتمرات المحلية والدولية. وتشمل الركائز الاستراتيجية الأخرى تشجيع المشاركة الدولية النشطة، وتقديم الدعم والتمويل للشركات الدولية، وتأسيس شراكات دولية قوية لتعزيز الاستثمار في القطاع الثقافي. وبالإضافة إلى ذلك، ستبدأ الهيئة في تقديم الدورات التدريبية والبرامج، والمنح الدراسية، وحماية حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتراث الثقافي.

وقد أطلقت هيئة التراث 33 مبادرة تتعلق بهذه الركائز الاستراتيجية، تشمل الترويج للشعر والخط العربي وكذلك اللغة العربية، بالإضافة إلى المأكولات التقليدية والموسيقى والفن والملابس في المملكة العربية السعودية. ووفقًا لتقرير صادر عن صحيفة "عرب نيوز"، تشمل مبادرات هيئة التراث أيضًا "خططًا لإدخال برامج التدريب المهني في المجالات المتعلقة بالتراث، ووضع خارطة طريق لبحوث التراث وتعزيز القدرات البحثية، واستخدام التقنيات الرقمية لتحديد وإدارة الأصول، وتطوير تجارب الزوار الرقمية، وإطلاق منصات على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بالتراث، فضلاً عن بذل مزيد من الجهد لجذب تمويل القطاع الخاص والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وإطلاق استراتيجية تسويقية كبرى خاصة بالتراث." وأشار التقرير أيضًا إلى أن هيئة التراث تهدف إلى تنفيذ مائة وخمسين مشروعًا في ظل هذه الاستراتيجية الجديدة. وإجمالاً، تسعى هيئة التراث جاهدة لتطبيق التراث والثقافة السعودية كأسلوب حياة، وخلق وعي عام للتراث داخل المملكة وخارجها.

**ومضات من التراث السعودي

*رقصة السيف أو العرضة: تجمع هذه الرقصة ما بين الشعر وموسيقى الطبول والرقص الإيقاعي. وتعود جذور العرضة إلى التاريخ العسكري، وكان يشارك فيها أساسًا المحاربون العرب في منطقة نجد وسط السعودية قبل مواجهة أعدائهم في ساحة المعركة. وقد كانت رقصة السيف وسيلة لاستعراض الرجال لأسلحتهم وروحهم القتالية.

*المجلس مكان يجتمع فيه أفراد المجتمع لمناقشة الأحداث والقضايا المحلية، وتبادل الأخبار، واستقبال الضيوف، والتواصل الاجتماعي، والترفيه.

الصقارة: هو تربية الصقور والصيد بها، وهي من هوايات الثقافة العربية العريقة، وتبدأ هذه الهواية من صيد الصقر وحتى استئناسه وتدريبه والاعتناء به، ومن ثم استخدامه في الصيد. غير أن الأهم حاليًا في هذه الهواية لم يعد الصيد، وإنما تلك العلاقة المتينة بين الصقر ومربيه.

* رقصة المزمار: أداء جماعي تقليدي يمارسه أفراد المجتمع الحجازي في المملكة أثناء الاحتفالات العائلية والوطنية، والعطل الدينية، والمناسبات الحكومية.

*فن القط العسيري وهو فن من فنون النقش والزخرفة التقليديّة على جدران المنازل برعت فيه نساء منطقة عسير.

*تقوم البدويات بتزيين منازلهن بقطع السدو ذات الألوان الزاهية لتجميل المواقع، ويعد هذا النسيج المطرز أحد أهم أوجه وصور التراث الإنساني في المملكة بتصاميمه المختلفة وزخارفه وألوانه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحثة بمركز الخليج للأبحاث ـ جدة