; logged out
الرئيسية / واقع أدب الطفل في دول الخليج العربي .. بين التطور وحاجة الطفل للقراءة

العدد 168

واقع أدب الطفل في دول الخليج العربي .. بين التطور وحاجة الطفل للقراءة

الأحد، 28 تشرين2/نوفمبر 2021

الأدب مرآة تعكس ثقافة المجتمع والنظام القيمي السائد فيه، كما أنه في الوقت ذاته عنصر أساسي في تشكيل ثقافة المجتمع. والأدب واحد من أكثر الموضوعات ثراءً التي كانت محوراً لدراسات في أنحاء مختلفة من العالم وعبر التاريخ. وتعود هذه الأهمية المتميزة إلى الدور الذي يقوم به الأدب في إنتاج ثقافة المجتمعات الإنسانية والتعبير عنها، وإن لم يكن هذا الدور واضحاً أو مباشراً إلا أنه بالتأكيد يظل وسيلة أساسية للتعبير عن الواقع الاجتماعي والظروف الموضوعية لمجتمع بعينه، وأداة للتعبير عن الاحتياجات والتطلعات المأمول الوصول إلى تحقيقها. وهكذا فإن الأدب يعد أحد أهم عناصر التعبير عن المبادئ والقيم الاجتماعية، كما هو أيضاً وسيلة لقياس التغير الذي يحدث في المجتمع (Eagleton: 1996).

يعد أدب الطفل فرعاً من فروع الأدب، الذي يأتي الاهتمام به في سياق علاقته بواقع المجتمع والتغير الذي يحدث فيه. كما ينظر لأدب الطفل على أنه ركيزة أساسية للاستثمار في بناء الإنسان وتنمية شخصيته وثقافته، لذا تولي غالبية دول العالم اهتماماً كبيراً بالنهوض بأدب الطفل من خلال تقديم الدعم المؤسسي للكتّاب والرسامين والناشرين، وذلك إدراكاً منها لأهمية هذا الأدب على مستوى الفرد والمجتمع.

والكتابة للطفل مسألة شائكة ومعقدة، قد لا تبدو كذلك عند الوهلة الأولى، فنتصور ببساطة أنها كتب تكتب للأطفال، ليقرؤها الأطفال. نظرياً فكرة بسيطة ولكن عملياً هي في الواقع أعقد من ذلك بكثير (Hunt,1994)

فالكتابة للطفل ترتبط بالسياق الاجتماعي والثقافي العام لمجتمع بعينة، وبمفهوم الطفولة ومكانة الأطفال في المجتمع. ولما كانت مفاهيم الطفولة تختلف من ثقافة لأخرى ومن جيل لآخر، فإن الطفولة ينظر إليها كظاهرة نسبية ثقافية ترتبط بثقافة المجتمع وتختلف من ثقافة إلى أخرى (James, 1994). وتعد نسبية الطفولة مسألة هامة جداً في أدب الطفل، لأن التصور العام للطفل في ثقافة المجتمع ينعكس بوضوح في الكتب التي يصدرها المجتمع لأطفاله (Hunt,1994).

وينظر إلى الكتابة للطفل على أنها عملية تتداخل فيها ثلاثة أطراف: الطفل، والكاتب، والنص الأدبي. وأن التفاعل بين هذه الأطراف يدور في المحيط الثقافي للمجتمع، وهو الذي يشكل في النهاية الإطار العام الذي يمكن أن يؤثر على فعالية العمل الأدبي (الخليفة، 2005). وتتأثر ديناميكية وفعالية العلاقة بين العناصر الثلاثة بعدد من العوامل الاجتماعية، من ذلك الظروف الثقافية والتربوية التي تؤثر على طبيعة علاقة الكاتب بالطفل، وهي علاقة تحكمها مفاهيم الطفولة ومكانة الأطفال في المجتمع وعلاقة الراشد بالطفل. وتؤثر هذه العلاقة على دور أدب الطفل والهدف من الكتابة للطفل، فنجد أن من سمات الكتابة للطفل في المجتمعات التقليدية استخدام الأسلوب التلقيني والوعظ بهدف التأديب والضبط، وذلك بفعل العلاقة مع الطفل والتي تقوم على سلطة الراشدين على الأطفال وتهميش دورهم وقدرتهم على التعبير والمشاركة. بينما يتسم أدب الطفل بمخاطبة عقل الطفل وتفكيره وخيالة بصور جمالية جاذبة ومحببة إلى نفسه في المجتمعات التي تضع مكانة متقدمة للأطفال وتراعي خصائص النمو وحقوق الأطفال.

كذلك، يتأثر أدب الطفل بجملة من العوامل المادية المحيطة بإنتاج العمل الأدبي من حيث الإخراج والطباعة والنشر والتوزيع. وتتداخل العوامل الاجتماعية مع العوامل المادية وتؤثر على بعضها البعض، إذ أن الإنفاق على كتب الأطفال والعناية بها يرتبط بمفاهيم الطفولة ومكانة الأطفال في المجتمع (الخليفة، 2005).

تأثرت الكتابة للطفل في دول الخليج العربي بالسياق الثقافي والمجتمعي الذي عاشته هذه المجتمعات في مراحل تاريخية مختلفة. وقد مر الاهتمام بأدب الطفل بمراحل مختلفة إلى أن وصل إلى المرحلة الحالية، فارتبط التغير في أدب الطفل بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها المنطقة. ويربط بعض الباحثين حركة التجديد في الكتابة للطفل العربي بشكل عام بحركة النهضة العربية، والتي اتسمت بالاعتماد على الترجمة والنقل بشكل كبير من الأدب الغربي على وجه الخصوص، وشمل ذلك معظم البلدان العربية ومن بينها دول الخليج العربي.

وتأثر أدب الطفل بالنمو الاقتصادي الذي شهدته دول الخليج العربي في سبعينيات القرن العشرين، وما تبعه من انفتاح على الثقافات الأخرى، وتطور التعليم والاعتماد على المناهج الدراسية الأجنبية والابتعاث للخارج للدراسة. وقد ساهم ذلك على توجه العديد من المواطنين إلى قراءة أدب الأطفال الأجنبي أو الكتب الصادرة في الدول العربية الأخرى، كمصر ولبنان. وكان الإنتاج الخليجي لأدب الطفل في ذلك الوقت محدوداً، كما أن الكتابة للطفل العربي بشكل عام والخليجي أيضاً، اتسمت بالأسلوب التلقيني المباشر وضعف مستوى الإنتاج الفني. وقد ارتبط ذلك إلى حد بعيد بالمكانة الدونية للكتابة للطفل وتهميش دورها وأهميتها، ونتج عن ذلك التوجه نحو قراءة الكتب الأجنبية على حساب الإنتاج المحلي الخليجي.

شهد أدب الطفل في دول الخليج العربي نهضة وتقدماً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، تزامن مع النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتوسع في مشاريع التنمية المختلفة التي شهدتها المنطقة، والاهتمام بالنشء كمورد أساسي لتحقيق التقدم. كما إن الانفتاح على التجارب الناجحة في مجال أدب الطفل عالمياً وارتفاع مستوى التعليم ساهم في إدخال أساليب إبداعية متطورة في الكتابة للطفل.

 وعلى صعيد آخر، فإن تقديم الدعم المؤسسي على مستوى الدولة والأجهزة الحكومية لكتاب الطفل كان عاملاً رئيساً في إحداث نقلة نوعية في مستوى إنتاج الأدب الموجه للطفل. وتعد تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة تجربة متقدمة على المستوى المؤسسي، من ذلك تأسيس المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، وهو الفرع من المجلس الدولي لكتب اليافعين والذي مقره في سويسرا وتم تأسيسه عام 1953م، كذلك تخصيص عدد من الجوائز التي أسهمت في نهضة كتب الأطفال ليس فقط في دول الخليج، وإنما امتد تأثيرها على مستوى العالم العربي. من ذلك جائزة اتصالات لكتاب الطفل والتي انطلقت في نسختها الأولى في العام 2009م، وتهدف الجائزة إلى تشجيع دور النشر والمؤلفين والرسامين، على تطوير إصداراتهم الخاصة بالأطفال، من حيث النص والمضمون والرسومات وجودة التطبيقات الإلكترونية، إضافة إلى تحفيزهم على الإبداع في تلك الإصدارات، وزيادة عدد الإصدارات السنوية المتقنة الصادرة عن دور النشر العربية، وتعد جائزة اتصالات لكتاب الطفل إحدى أهم الجوائز الأدبية المخصصة لأدب الطفل في المنطقة العربية، كذلك "جائزة الشيخ زايد" التي يشكل كتاب الطفل أحد فروعها ، ومهرجان الشارقة القرائي المختص بكتب الأطفال في العالم العربي، كذلك معرض الكتاب للأطفال في الشارقة الذي تم افتتاحه في عام 2018م، يعد هذا الدعم المسبق لمؤلفي أدب الأطفال المحليين جديداً نسبياً من قبل دول الخليج، وهو مرتبطٌ باستراتيجيات التنمية والتعليم الوطنية. ومع ذلك، فإن تراث السرد الشفوي، المعروف بالحكواتي، له تاريخ طويل في المنطقة، ويعتبر جزء كبير من الثقافة الخليجية. ويقوم الكثير من الكتاب المحليين بالبحث في الأرشيفات لإحياء هذا التراث بهدف الحفاظ على اللغة العربية ولتقديم للأطفال واليافعين قصصاً ممتعة ومرتبطة بالثقافة المحلية في نفس الوقت.

أما في المملكة العربية السعودية فقد حدث تطور كبير في دور النشر المتخصصة في إنتاج كتب الأطفال، وقد قفز مستوى إنتاج هذه الدور ليضاهي النشر العالمي للطفل. كما دعمت الدولة أدب الطفل من خلال تخصيص عدد من الجوائز، مثل جائزة معرض الكتاب بالرياض لأدب الطفل. ومن مؤشرات التطوير ظهور بعض الجهود المؤسسية المحلية ودور النشر المتخصصة في إنتاج أدب الطفل، من أهمها مكتبة الملك عبد العزيز التي قدمت جهودًا كبيرة في نشر القراءة ودعم الكتابة للطفل، كما ساهمت في إصدار الكتب المتنوعة للأطفال. كما أن الأندية الأدبية ساهمت في إصدار عدد من القصص والمسرحيات للطفل. كذلك تساهم الجمعيات الاجتماعية بتقديم جوائز ومسابقات لتشجيع الكتابة للطفل وفقاً لمواصفات متقدمة، من ذلك جائزة الأميرة صيتة للتميز في العمل الاجتماعي، وجائزة مؤسسة الأميرة العنود الخيرية، وجمعية رعاية الطفولة وغيرها.

 وفي الكويت حدث تقدم في الإنتاج الادبي للطفل من خلال عدة قنوات، من بينها جائزة الدولة التشجيعية لأدب الطفل، ومسابقة الكويت الدولية لتأليف قصص الأطفال في مجال الوقف والعمل التطوعي من أجل نشر الوعي بأهمية هذه المجالات لدى النشء. كما أن مجلة العربي الصغير التي استطاعت أن تصل إلى الأطفال العرب في كل مكان وأصبحت منذ زمن طويل مجلة الطفل على امتداد الوطن العربي. كذلك تجربة مكتبة الأطفال المتنقلة من التجارب التي هدفت إلى تعزيز القراءة للطفل.

وفي قطر من التجارب الناجحة جائزة دولة قطر لأدب الطفل التي تأسست في عام 2015م، كذلك مركز التراث الشعبي لدول الخليج، والذي تأسس عام 1981م، وتوقف عام 2005م، وترجع أهمية هذا المركز لكونه يهتم بالجمع الميداني للتراث الشعبي في دول الخليج العربي بما فيه التراث الشفهي.

أما تجربة البحرين فتعد من التجارب الهامة في دول المنطقة، إذ إن الاهتمام بأدب الطفل شمل القصص والشعر والمسرح، وكذلك إعادة إحياء التراث الشعبي. من الجوائز المخصصة لأدب الطفل جائزة الكتاب المتميز لأدب الأطفال، كما اهتم عدد من الكتاب بتوظيف الأدب الشعبي في أدب الطفل الخليجي، وحصدوا جوائز إقليمية على أعمالهم في هذا المجال.

وتتركز تجربة عمان في نشر عدد من الإصدارات الأدبية كقصص الأطفال والشعر لعدد من الكتّاب العمانيين الذين حصلوا على جوائز إقليمية وعربية. كذلك صدور بعض المجلات والمسابقات والجوائز، والتي لم تستمر طويلاً.

وهكذا، فإن المشهد في السنوات الأخيرة في دول الخليج العربي، يدل على تنامى الاهتمام الكبير بأدب الطفل وكل ما يتعلق به، خصوصًا مع المبادرات والفعاليات التي تتبناها المؤسسات الرسمية في دول المنطقة في إطار الاهتمام بالقراءة عمومًا واللغة العربية بوجه خاص. نتج عن ذلك طفرة حقيقية في الكِتاب الموجه إلى الطفل، محتوى وصورة، شكلاً وطباعة وإخراجاً فنياً، وكرست العديد من المؤسسات ودور النشر الخاصة جهودها لأدب الطفل وكتب الأطفال. ولم يعد غائبًا الجهود الكثيفة الموجهة لتنمية مواهب الأجيال الجديدة من المبدعين في مجال أدب الأطفال، أصبحت إحدى أهم الأولويات في الثقافة الخليجية بشكل عام، من خلال عقد الدورات التدريبية وورش العمل حول أدب الأطفال والكتابة لهم، وتنمية الذوق لأدب الأطفال والقدرة على تقييمه ونقده (المرر، 2021).

التطور في مفهوم ومضمون قصص الأطفال

شهدت الكتابة للطفل في منطقة الخليج العربي تطوراً ملحوظاً من حيث مضمون كتب الأطفال، ويمكن تتبع هذا التطور من بداية العام 1425هـ، إلى الوقت الحاضر (2005م-2021).

تتميز هذه المرحلة بتطور الكتابة للطفل، والاستفادة من تجربة بناء أدب الطفل في المنطقة لما يقارب نصف قرن، كذلك الانفتاح على الثقافات العالمية والاستفادة منها. وقد أثر ذلك على البناء الفني للقصة، من حيث المواضيع التي تتناولها قصص الأطفال، كذلك الأسلوب الكتابي والفني والإخراج والإنتاج. إذ تجاوزت الموضوعات التقليدية لتقدم أنماط مختلفة في قوالب فنية متعددة. وبالرغم من عدم توفر احصائيات حول الإنتاج الأدبي للطفل في هذه المرحلة، إلا أن المراقب يمكنه ملاحظة ارتفاع نسبة مشاركة المرأة مقابل تراجع مشاركة الرجل وانسحاب بعض منهم من الكتابة للطفل. كما ويلاحظ تنوع مشاركة المرأة في الكتابة وأيضاً التجديد والتجريب في الإنتاج والرسم والنشر.

وبينما كانت المجلات هي الوعاء الأهم في الكتابة للأطفال خلال المراحل الأولى، توقف العديد منها وبرز الاهتمام بالكتاب، الذي لقي بشكل عام عناية من حيث الرسوم والإخراج والإنتاج، وتحديد المرحلة العمرية. وتعكس الجوائز العربية التي حصدتها المرأة الخليجية مستوى جودة الكتابة التي تحققت في هذه المرحلة.

وتتنوع مضامين قصص الأطفال في الأدب الخليجي، فهناك القصة الدينية، والشعبية، والخيالية الحديثة، والواقعية، وقصة السيرة. ويلاحظ أن القصة الواقعية استمرت لتكون أكثر أنواع القصص شيوعاً. وبالنظر إلى مضمون قصة الطفل، يلاحظ تطور الاهتمام بالقيم الجمالية وبتقديم القيم التربوية والقيم الإيمانية بقالب جديد. من ذلك تناول مواضيع ترتبط بالحياة اليومية للطفل ومشاعره وعلاقاته، كذلك استخدام أساليب متنوعة في التعبير عن الأفكار وفي المفردات، وصياغة العبارات واستخدام أسلوب غير مباشر في تقديم القيم والتوجيه. كما يلاحظ ظهور الطفل بشكل واضح في القصة واستخدام ضمير المتكلم في الحوار، كذلك، تجريب التلاعب باللغة واستخدام الإيقاع في بعض القصص.

كما اتجهت الكتابة في هذه المرحلة إلى تطوير الوسط الفني لقصص الأطفال فظهرت القصة في قالب جديد من التصميم والألوان والرسومات والمواد المستخدمة في الكتاب نفسه أو في الألعاب المصاحبة له. ويلاحظ دور بعض المكتبات ودور النشر في دعم تطوير إنتاج قصص الأطفال بقالبها الجديد. كما تشهد هذه المرحلة تنوعًا وتجديدًا وتجريبًا في استخدام الخامات والمواد الفنية في القصة. فبالإضافة إلى استخدام تقنية الألوان بأنواع متعددة كالباستيل والألوان المائية، وألوان الغواش، وأقلام الطباشير، وأقلام الحبر، والخشبية والفحم، والألوان المعتمة، والممزوجة والإكريليك والزيتية. تستخدم تقنيات فنية أخرى، كالمُلصّقات (الكولاج)، ويلجأ البعض إلى استخدام الحاسب الآلي في إنتاج الرسوم، وتستخدم أساليب جديدة في الرسوم مثل رسم الأنمي. ويلاحظ تحسن المواصفات الفنية لقصص الأطفال المنتجة محلياً، من حيث الإخراج والرسومات وفرز الألوان وحجم الورق ونوع الطباعة وحجم الخط. وقد ساهمت المرأة الخليجية أيضاً في هذا التطور، كرسامة ومخرجة ومنتجة.

أساليب تشجيع الأطفال على القراءة

سؤال مهم لابد من طرحه عند تناول المواضيع المتعلقة بأدب الأطفال، وأساليب تشجيعهم على القراءة. السؤال هو: لماذا نكتب للطفل؟ وهل سيقرأ الطفل ما نكتب؟

لابد أن يكون خلف الكتابة للأطفال هدف أساسي هو، أن نكتب للأطفال لكي يقرؤوا.

تؤكد الشواهد على أهمية أدب الأطفال في تشكيل التجربة الإنسانية والحضارية، وعلى أن القراءة متعة وفن وحضارة. كما هي الكتابة للطفل لا تكفي فيها القدرة الفنية الإبداعية وحدها، ولا الحس التربوي وحده، ولا القدرة المادية وحدها بمعزل عن الاقتراب من عالم الأطفال وفهم خصائص نموهم وامتلاك موهبة الكتابة.

سؤال آخر، كيف نحبب الطفل في القراءة؟ هناك جملة من العناصر والخطوات يمكن تلخيصها كالتالي:

  • البدء مبكراً، من مرحلة المهد وبقراءة وتصفح الكتب المخصصة لهذه المرحلة، والتي عادة ما يكون الجيد منها بمواصفات تتناسب مع خصائص نمو أطفال مرحلة الطفولة المبكرة، وغالباً ما تكون قماشية تتجسد فيها الأشكال والألوان بجاذبية. مرحلة المهد ثم مرحلة الطفولة المبكرة من أهم مراحل اكتشاف الطفل للدهشة والمتعة مع الكتاب، والتي سيحملها معه في رحلة عمره لسنوات طويلة. ولذا لابد أن يكون لقاء الطفل الأول بالكتاب لقاءً ممتعاً مدهشاً يكشف له عن مشاعر بداخله ويربطه بالعالم من حوله.
  • اختيار الكتاب عنصر أساسي في جذب الأطفال للقراءة والاستمرارية في مزاولتها. ويأتي هنا دور الكاتب والوالدين والمعلمين، في كتابة واختيار ما يناسب خصائص المرحلة العمرية، والكتب التي تعبر عن الأطفال لا عن الكاتب، والتي يلتقي بها الطفل لأنها ترتبط بحياته ومشاعره وتحترم عقله وتخاطبه، وتعطيه فسحة من المرح وتجذب خياله إلى صور من الإبداع وتجسد ذلك بالعناية بالإخراج والرسومات والمواصفات الفنية. وهكذا، فإن تأسيس حب القراءة يكون في مراحل الطفولة المبكرة، وهو مسؤولية مشتركة بين الكاتب والأسرة والمدرسة.
  • ممارسة الأطفال للقراءة وانجذابهم لها لا يأتي من فراغ، وإنما ينمو في بيئة تجعل من القراءة روتيناً يومياً وجزءً من حياة الطفل اليومية. وهنا تظهر أهمية تخصيص وقت يومي للقراءة مع الطفل في مكان هادئ بعيداً عن الأجهزة الإلكترونية والتلفاز والضجيج. لابد أن يكون هذا الوقت خاصاً ومميزاً وممتعاً، حيث يعطي الطفل الحق في اختيار الكتاب الذي يفضله ويشجع على تنويع القراءة دون ضغط عليه، وقد يتكرر اختيار الطفل لنفس الكتاب ليقرأه مرات ومرات عديدة، ولا بأس في ذلك، لأن هذا المطلب من الطفل يحقق له الشعور بالأمان والسيطرة، وهو احتياج طبيعي عند الطفل.
  • إن تخصيص وقت محدد للقراءة يبني لدى الطفل عادات القراءة، كما يبعده عن استخدام الأجهزة الإلكترونية التي أصبحت تستحوذ على جزء كبير من وقت الأطفال ولعبهم، وما يصاحب ذلك من مخاطر تهدد سلامتهم النفسية والعقلية والاجتماعية. لذا فإن تقنين ساعات استخدام الطفل للأجهزة الإلكترونية يعد عنصراً أساسياً في تنظيم وقت الطفل وتخصيص جزء منه للقراءة. وهنا يأتي دور الوالدين في أن يكونوا قدوة لأطفالهم في استخدامهم للأجهزة وفي ممارسة القراءة كأسلوب حياتي يومي. فالأطفال الذين ينشؤون في بيئة وبيوت يخصص فيها مكان للكتب، ويمارس من حولهم القراءة بشكل روتيني، يكونون أكثر ميلاً للقراءة والكتابة.
  • كما أن توفير الكتب وجعلها في متناول أيدي الأطفال يسهل وصولهم لها، على الطاولة وفي السيارة، واصطحاب الكتاب عند زيارة الطبيب أو الانتظار في المطار أو أثناء الرحلات في السيارة والطيارة والقطار...الخ، جميعها أساليب تجذب الطفل إلى القراءة وتجعلها جزءًا من حياته اليومية. وبما أننا في عصر الرقمية، فإن توظيف التقنية في النشر الإلكتروني لكتب الأطفال ضرورة أساسية لمواكبة التحديث في وسائط وصول النصوص الأدبية إلى جمهور الأطفال.

ولتحقيق المزيد من التقدم وضمان استمرارية النهوض بأدب الطفل في دول الخليج العربي لابد من العمل المشترك بينها وتكاتف الجهود لتحقيق التكامل والتنافس البنّاء، من ذلك تأسيس اتحاد للناشرين الخليجيين في أدب الطفل، والاهتمام بإنشاء رابطة أدب الطفل الخليجي. كذلك عقد مؤتمر سنوي لعرض التجارب الناجحة وسبل الارتقاء بأدب الطفل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أستاذ علم اجتماع الطفولة بجامعة الملك سعود ــ عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان ــ كاتبة للأطفال-المملكة العربية السعودية

مقالات لنفس الكاتب