array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

أمريكا وصياغة استراتيجية جديدة لحلف (الناتو)

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

لم يكن أن انشغلت الولايات المتحدة بإعادة النظر بمهام حلف الناتو منذ أواخر أربعينات القرن الماضي مثلما انشغلت بهذا الموضوع منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، فدأبت على تشكيل لجان متخصصة في إعادة النظر بوظيفة الحلف على أساس أن الأسباب التي أدت إلى إنشائه انتهت أو كادت.

برزت في الوقت نفسه أسباب أو مسوغات أرادت من خلالها الولايات المتحدة أن تدفع باتجاهين: الأول الإبقاء على الحلف على الرغم من انتهاء الأسباب المؤدية إليه فوجدت في بعض المنافسين سبباً للإبقاء عليه ولا سيما في أوروبا وبعض بلدان آسيا. الثاني تغيير مهام الحلف لتسويغ أفعال الولايات المتحدة قانوناً وهو ما حدا بها إلى أن تؤدي دوراً رئيسياً في السير بهذين الاتجاهين. فبقاء الحلف بالأسباب التي أدت إلى إنشائه يمكن تبريره، لكن ما لا يمكن تبريره هو الإبقاء على الحلف، والأسباب التي أدت إلى تأسيسه انتهت.انطلاقاً من ذلك، نلاحظ أن الولايات المتحدة تسعىإلى صياغة مفهوم استراتيجي جديد لحلف الناتو الذي يضم 28 دولة.

استراتيجية جديدة من منظور أمريكي

سيشكل المفهوم الاستراتيجي الجديد جوهر وثيقة (الناتو)، إذ تحدد معالم الحلف وأدواره ومهامه وقدراته، فضلاً عن وضع استراتيجية خاصة بمواجهة وضبط التحديات الأمنية في القرن الحادي والعشرين.

الصياغة الجديدة للحلف

 تترأس وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة مادلين أولبرايت مجموعة تضم 12 خبيراً دولياً كلفوا بمهمة مراجعة المفهوم الاستراتيجي الذي تمت مراجعته آخر مرة في عام 1999. ومنذ ذلك العام باشر حلف الناتو بشن عمليات عسكرية بعيداً عن حدوده الأوروبية التقليدية في أماكن مثل أفغانستان. وهذه العمليات تشكل قضية خلافية أثارت جدلاً مستفيضاً ضمن التحالف على أساس أن الحلف تشكل أصلاً لإنجاز مهام دفاعية. بينما ومنذ تسعينات القرن الماضي صار الحلف يؤدي مهام ذات طابع هجومي، ويتخذ تدابير تؤكد هذا النهج، على سبيل المثال: التعاون حول الإرهاب، والأمن السيبراني (أمن شبكات الكمبيوتر)، وانتشار الأسلحة النووية، والدفاع الصاروخي كمجالات كان فيها لأنشطة (الناتو) أثر مهم.

ويعكف فيه فريق يضم 12 شخصية من الخبراء في الشؤون الدولية برئاسة وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت على مراجعة المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو، وهو المفهوم الذي يشكل الوثيقة الأساسية التي تحدد الحلف القائم عبر المحيط الأطلسي وأدواره ومهامه وقدراته واستراتيجيته في التعامل مع التحديات والمشكلات الأمنية في القرن الحادي والعشرين. وكانت آخر مراجعة لمفهوم الحلف قد جرت في العام 1999 قبل أن يبدأ (الناتو) القيام بمهام عسكرية فعلية ناشطة في أماكن خارج حدوده التقليدية كأفغانستان، حيث يشارك في القوة الدولية للمساعدة على تثبيت الأمن، وفي العراق، حيث يشارك مدربون من (الناتو) في تدريب الجيش العراقي.

ومن الواضح أن فريق الخبراء يريد تكييفاً قانونياً لتبرير مسوغات الاستراتيجية الأمريكية المبنية أصلاً على الضرب على النوايا، هذا المفهوم الجديد يتناقض مع الأهداف الأصلية التي أنشئ من أجلها الناتو. لذلك فإن ما سيتمخض عن عمل فريق الخبراء هو إضفاء الطابع القانوني على أفعال الحلف ووضع حد للجدل القائم بين أعضاء الحلف بخصوص طبيعة الحلف ومهامه الرئيسية. ومن ذلك يمكن أن ندرك أن فريق الخبراء يتركز اهتمامهم على هيكليات التغيير والقوات والإمكانات. وقد تم عرض المسودة على مؤتمر قمة الحلف في عام 2010 التي عقدت في لشبونة بالبرتغال في نوفمبر2010.

وعلى الرغم من إقرارنا المسبق بأن فريق الخبراء يسعى إلى وضع حد للجدل القائم بين أعضاء الحلف عن دور الحلف نفسه إلا أن المسوغات الأمريكية عبارة عن تكييف للفعل الأمريكي القادم. وفي ذلك قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس: (إن هذا التغيير نتيجة لبيئة أمنية جديدة يكون فيها انطلاق الأخطار من دول فاشلة أو على طريق الفشل أو ممزقة أكثر من قدومه من دول معتدية، إذ تأتي الأخطار من كيانات ليست دولاً، تعمل في الغالب في دول لسنا في حالة حرب معها أو في داخل حدودنا نحن بالذات، وحيث تنتشر الأسلحة، وتمكن التكنولوجيات الجديدة من هيمنة شبح الفوضى والتدمير الشامل على أي عاصمة من عواصمنا. وأضاف غيتس (إن من الواضح أن مصالحنا الأمنية لم تعد مرتبطة فقط بسلامة أراضي الدول الأعضاء في وقت يشكل فيه عدم الاستقرار في أماكن أخرى خطراً حقيقياً).  والمعروف أن قوات حلف الأطلسي قامت منذ المراجعة الأخيرة لمفهوم الحلف الاستراتيجي بمهام في البوسنة والهرسك وفي كوسوفو وبمهام مكافحة القرصنة في خليج عدن وأيضاً بمهام مكافحة الإرهاب في البحر الأبيض المتوسط، وبمهام في العراق عدا العمليات العسكرية الناشطة في أفغانستان. وكان بعض هذه المهام مصدر نقاش مكثف في داخل الحلف حول اتجاه وغرض الحلف الذي شكّل في إبريل 1949.

غير أن غيتس قال إن واحدة من أهم المشكلات البارزة التي تواجه حلف الناتو لا يمكن الانتظار عليها حتى تتم المراجعة النهائية للمفهوم الاستراتيجي للحلف، (فالحلف يواجه مشكلات خطيرة جداً وطويلة الأمد وشاملة). وأوضح غيتس (أن المشكلة ليست نقصاً في تمويل الحلف، لكن كثيراً من أعضاء (الناتو) عملوا بانتظام منذ نهاية الحرب الباردة على تخفيض الميزانيات الدفاعية الوطنية حتى في الوقت الذي كانت فيه قوات الحلف تضطلع بالقيام بعمليات غير مسبوقة). وقال غيتس (إن قطاعات كبيرة من الناس العاديين والقادة السياسيين في أوروبا أصبحوا كارهين لاستخدام القوة العسكرية وما يترتب عليها من مجازفات).

 مهام جديدة لأهداف أمريكية

إن صياغة مفهوم استراتيجي جديد للناتو رغبة أمريكية مسبوقة بإصرار على (جديد) فيه ضمان لمصالحها، وجوهر الجديد هو إقناع الأعضاء في الحلف بالمشاركة في مهام أمريكية ولمصالح أمريكية لا دخل لأعضاء الحلف ولا مصلحة لهم فيها، وإيجاد روابط بين أعضاء الحلف بموجب مهامه الجديدة تحت إطار ما اصطلح عليه أمريكياً بـ (التعاون).

وفي ذلك قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون: (إن على الناتو وفق المفهوم الاستراتيجي الجديد أن ينظر في الإفادة من ذلك التعاون لجعل تلك الروابط مثمرة أكثر).

ويبدو أن من بين الأسباب التي تجعل مبادرة إعادة صياغة مهام جديدة للناتو هو الخلافات بين الناتو والاتحاد الأوروبي، وأحد المجالات التي تسببت في نشوب التوتر بين (الناتو) والاتحاد الأوروبي هو التعاون الأمني. وحول ذلك قالت كلينتون: (إن الولايات المتحدة كانت في الماضي مترددة بشأن دور الناتو في التعاون الأمني مع الاتحاد الأوروبي). وكان مرد ذلك القلق ولو جزئياً هو أن العديد من دول الاتحاد الأعضاء في (الناتو) كانت ستقدم دعماً أكبر للأمن والمبادرة الدفاعية الأوروبية المشتركة ودعماً أقل لحلف الناتو. وأوضحت كلينتون موقف الولايات المتحدة حول الأمن والدفاع الأوروبيين. وقالت: (لا نعتبر الاتحاد الأوروبي منافساً للناتو، لكننا نعتبر أوروبا قوية شريكاً ضرورياً للناتو وللولايات المتحدة. ونحن نتطلع قدماً إلى التعاون سوية مع الاتحاد لدى تطبيقه سياسة الأمن والدفاع المشترك لتقرير كيف يمكننا دعم الواحد للآخر ودعم الأمم المتحدة كذلك في مجابهة التحديات الأمنية على أفضل وجه).

هذا فضلاً عن المساعي الأمريكية لربط روسيا بحلف الناتو بعيداً عن محيطها الأوروبي، وتبعاً لذلك تعد علاقة الناتو بروسيا من أولويات الاهتمام الأمريكي، لأن روسيا تبحث عن أمنها في نطاق أوروبا بأدوار وروئ أكثر من اهتمامها بالناتو. وبناءً على ذلك، ذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية: (أن الولايات المتحدة تريد علاقة متعاونة بين روسيا والولايات المتحدة تنشأ عنها نتائج ملموسة وتعمل على تقريب روسيا من (الناتو). وأضافت: (في حين تواجه روسيا تحديات لأمنها فإن الناتو ليس في عداد تلك التحديات). وكانت روسيا قد عرضت معاهدة أمن أوروبية مستحدثة ومعاهدة جديدة بين روسيا و(الناتو)، لكن كلينتون قالت إن الولايات المتحدة لا ترى حاجة لمعاهدات جديدة. واستطردت: (نحن نعتقد أن مناقشة الأمن الأوروبي يجب أن تتم ضمن المحافل الحالية للأمن الأوروبي مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس روسيا- الناتو).

وهذا يعني حرص الولايات المتحدة على أن تكون روسيا محوراً مهماً من محاور النقاش من اللجنة المذكورة آنفاً، وضرورة أن يكون جوهر ما يتمخض عن اللجنة من نتائج هو إبعاد روسيا عن أوروبا، وأن تكون علاقاتها الأمنية عبر الناتو وليس عبر المحاور الأمنية الأوروبية. وللتأكيد على ما ذهبنا إليه في التحليل هو إقرار كلينتون بأن ثمة (خلافات حقيقية) مع روسيا، لكنها أردفت أن منبر المحادثات حول مجالات الاختلاف (يجب أن يكون مجلس ناتو- روسيا). وأوردت مثالاً على ذلك وهو استخدام المجلس لتشجيع روسيا على احترام تعهداتها إزاء جمهورية جورجيا التي خاضت حرباً قصيرة مع روسيا في أغسطس 2008 بسبب إقليمي جنوب أوسيتيا وأبخازيا اللذين انفصلا عن جمهورية جورجيا. وأضافت كلينتون أن مجلس ناتو- روسيا هو المنتدى الذي يمكن فيه الترويج للمصالح المشتركة بما في ذلك (عدم جواز تقسيم أمننا المشترك).

 توسع (الناتو) وتغيير عقيدته

وعن توسع (الناتو) وتغيير عقيدته قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس : إن أعظم تطور حصل في حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال السنوات العشرين الماضية هو تحوله من قوة دفاعية مستقرة ساكنة إلى قوة جاهزة للقيام بمهام أمنية بعيداً عن حدودها التقليدية عبر المحيط الأطلسي. وقال وزير الدفاع غيتس في حلقة دراسية عقدت في جامعة الدفاع القومي في واشنطن في 23 فبراير حول المفهوم الاستراتيجي للناتو (إن هجمات 11 سبتمبر 2001) والحملة في أفغانستان هما اللتان حوّلتا ما كان يعتبر تحليلاً نظرياً إلى حقيقة واقعة). ولفهم فحوى الإدراك الأمريكي لمسألة إصلاح الحلف يمكن التركيز على ما صرح به سفير الولايات المتحدة لدى حلف الناتو إيفو دالدار للصحفيين في 23 فبراير الماضي بأن الولايات المتحدة تشدد كثيراً على أربع نقاط في عملية الإصلاح وهي:

* إن الوعد الذي تتعهد به دول (الناتو) بأن أي هجوم على أي منها هجوم على الجميع لا يزال أساس أمن الحلف.

* إن علاقة تعاونية أقوى مع روسيا ضرورية.

* إن الإمكانات المدنية والعسكرية المحسّنة يجب توسيعها داخل الحلف لأن الرد العسكري وحده ليس كافياً لحل الأزمات الأمنية.

* من الضروري جداً التأكد من أن مؤسسات الناتو اليوم فعالة وكفوءة.

وقال السفير دالدار (نحن بحاجة إلى أن يكون لدينا هيكل سريع الحركة ومرن لاتخاذ القرارات كي تتم معالجة التحديات الجديدة للعالم الجديد. وينبغي علينا كي نفعل ذلك أن نجري إصلاحاً أساسياً للمؤسسات والمنظمات الموجودة هناك) في الحلف.

ولذلك تعد الرؤية الأمريكية (لإصلاح الحلف) سبيلاً للإبقاء على التفرد الأمريكي في العالم من دون الأخذ في الحسبان مصالح حتى حلفاءها التقليديين.

 

مقالات لنفس الكاتب