array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 169

ثلاثة سيناريوهات تنتظر مستقبل إثيوبيا وجبهة السودان مرشحة لاشتعال حرب مفتوحة

الخميس، 30 كانون1/ديسمبر 2021

تشكل الأزمة الإثيوبية أحد أهم الأزمات الإفريقية الراهنة، وذلك بسبب طبيعة انعكاساتها على الاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي التي تعد منصة لمصالح متشابكة على المستويين الخليجي والدولي، فضلاً عن تداعياتها المباشرة على المصالح المصرية الاستراتيجية في ملفي قناة السويس وسد النهضة.

وقد شهدت إثيوبيا خلال العام المنصرم تصاعدًا للصراع بين قومياتها الأساسية التيجراي والأورمو والشعوب الجنوبية فضلاً عن العفر والصوماليين من جهة، والأمهرة المتحالفة مع رئيس الوزراء الإثيوبي من جهة أخرى.

 وقد تعددت جبهات الصراع المسلح بما شملتها من عدم استقرار وتغير في الميزان العسكري بين الأطراف المتحاربة. وبطبيعة الحال أنتج هذا الصراع مآس إنسانية ممثلة في ضخامة أعداد الضحايا من المدنيين، وممارسة انتهاكات ضد الإنسانية من قتل على الهوية، واغتصاب للنساء، كذلك بروز المعاناة من مجاعات غذائية، التي تحذر من آثارها وكالات الأمم المتحدة المعنية، واتخذ بشأنها مجلس حقوق الإنسان قرارًا بإجراء تحقيقات مستقلة بهذا الصدد.

ولعل النزوح السكاني الضخم والمقدر بحوالي ٢ مليون نسمة خصوصًا من مناطق إقليم تيجراي، فضلاً عن تعرض ٥ مليون نسمة للمجاعة هو من التداعيات الإنسانية المباشرة للصراع الإثيوبي الداخلي، ولكن ربما يكون الأسوأ هو تصاعد خطاب الكراهية من جانب رئيس الوزراء آبي أحمد حيث خرج مقاتلاً في الصفوف الأمامية، أكثر من مرة منتجًا أعنف وأقسى خطابات الكراهية ضد جزء من شعبه التيجراي الذين وصفهم بالعدو مؤكدًا أنه سوف يدافع عن مجد إثيوبيا ضدهم بالعظام والدماء!!!.

على الصعيد الخارجي شهدت إثيوبيا محاولات دولية أبرزها أمريكية لوقف الصراع ومحاولة البدء في حوار سياسي، لكن ضوء نهاية النفق في هذه الأزمة لم يظهر بعد، حيث تدخلت أطراف إقليمية ساهمت بشكل أو بآخر في تعقيد الموقف الميداني عبر دعمها اللوجستي والعسكري للحكومة الإثيوبية، بما يجعل أفق الصراع ممتدًا خلال السنوات القادمة ربما.

وفي ضوء المعطيات الاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي، والتطورات الميدانية سواء في إثيوبيا أو تخومها المباشرة، يكون من الأهمية بمكان رصد ملامح تصاعد الصراع الإثيوبي الداخلي، وطبيعة تداعياته ومستقبله وميادين تأثيره على مؤسسات الدولة الإثيوبية خصوصًا على الصعيد الاقتصادي.

أما على المستوى الإقليمي فإن للصراع الإثيوبي تجليات منها ما هو واضح كالحالة في كل من السودان وإرتيريا، ومنها ما هو كامن كما في السياق الكيني، أو ملف سد النهضة، ولعل هذه التداعيات قد جعلت العامل الدولي فاعلاً في هذه الأزمة وعلى مسارات متوازية.

أولا: ملامح وتطورات الصراع الإثيوبي:

قد يكون من المتفق عليه أن أحد أهم سمات الدولة الإثيوبية هي المتوالية الصراعية بين مكوناتها القومية، ففضلاً عن كون الحالة الصراعية تاريخية خلال الأربعة قرون الماضية بين القوميات في هضبة الحبشة وسهولها قبل تكوين الدولة، فإن مرحلة تأسيس الدولة التي أنجزها الامبراطور ملنيك الثاني قبل قرن ونيف، قد اعتمد فيها على الضم القصري للممالك المجاورة للهضبة الإثيوبية عبر الحروب المختلفة، وهو ما يجعل عملية الاندماج الوطني في إثيوبيا عملية قد ترقى إلى مرتبة المستحيل، كما أن التعايش السلمي بين هذه القوميات يعتمد ضمن عوامل أخرى على طبيعة نظام الحكم ومدي تمثيله للقوميات، وكذلك طبيعة علاقة هذه القوميات  بمركز مؤسسة الدولة ونسبة استقلال هذه القوميات، خصوصًا فيما يتعلق بالدفاع عن أراضيها ومقدراتها.

من هذا المنظور نستطيع أن نفهم طبيعة الصراع الإثيوبي، وكيفية صناعته للتطور السياسي الإثيوبي خلال العقود الثلاثة الماضية على الأقل.

ويمكن القول أن الاستقرار الإثيوبي  النسبي الذي تحقق لإثيوبيا خلال هذه الفترة قد تأسس على نظام الفيدرالية الإثنية الذي يسمح طبقًا للدستور الإثيوبي بوجود أذرع عسكرية للقوميات الإثيوبية، وإمكانية للاستقلال عن الدولة الإثيوبية طبقًا للمادة ٣٩ من الدستور، وهذا النظام هو من إبداع قومية التيجراي التي قادت جهود إسقاط منجستو هيلا ماريام عام ١٩٩١م، ثم وضعت أسسًا للنظام السياسي للدولة عبر حوار بين القوميات  تم الاتفاق فيه بعزل قومية الأمهرة التي حكمت إثيوبيا عبر نظام امبراطوري ممتد ،وفي هذا السياق صعد التيجراوي ملس زيناوي إلى الحكم عام ١٩٩٥م، الذي استعان بأسياسي أفورقي وجبهة التحرير الإرتيرية لإنجاح هذه المعادلة مقابل تحقيق استقلال إرتيريا عن إثيوبيا عام ١٩٩٥م .

وقد حظي زيناوي بدعم دولي مؤسس على أدوار لعبتها إثيوبيا ضد الإرهاب في الصومال، بما سمح بتغول مارسته قومية التيجراي في مؤسسات الدولة على حساب القوميات الأخرى، كما شكلت اتجاهات تحديث العاصمة أديس أبابا وما تتطلبه من توسع أفقي في إثارة قومية الأرومو، التي تم وصم عناصر المعارضين فيها لتغول التيجراي من جهة، وعملية توسع العاصمة من جهة أخرى بالإرهاب، حيث تم التوسع في اعتقال عناصرهم.

في هذا السياق تصاعدت موجات الغضب والمظاهرات ضد الحكومة الفيدرالية اعتبارًا من ٢٠١٥م، خصوصًا بعد انتخابات تم وصمها بالتزوير الصريح، حيث استمر عدم الاستقرار السياسي لمدة ٣سنوات، ولكن تدخل دولي في هذا التوقيت قاد إلى بلورة حوار سياسي داخلي أسفر عن تولي آبي أحمد سدة الحكم في ٢إبريل ٢٠١٨م.

رئيس الوزراء الإثيوبي الذي حصل على جائزة نوبل للسلام بعد ممارسة مصالحات إقليمية وداخلية ، قوض الاتفاق السياسي الذي مكنه من الصعود إلى سدة حكم إثيوبيا ، و طرح فكرة تغيير النظام السياسي الإثيوبي اعتبارًا من ديسمبر ٢٠١٩م، حيث ألغى الجبهة الفيدرالية الإثيوبية الحاكمة وهي الجبهة الممثلة للقوميات الإثيوبية ، وطرح بديلاً لها حزب الرفاه  في صيغة تسعى لاندماج وطني إثيوبي ولكن بآليات قصرية أثارت حفيظة كل القوميات الإثيوبية خصوصًا التيجراي، الذين كانوا قد بدأوا يشعرون بعمليات إزاحة بطيئة لهم من مفاصل الجيش والدولة وهو ما يفسر تعرض آبي أحمد لأكثر من محاولة اغتيال، كما تم اغتيال سغري مكنن رئيس أركان الجيش الإثيوبي ،وكذلك حاكم إقليم قومية أمهرة حلفاء آبي أحمد وذلك في منتصف ٢٠١٩م.

مع تأجيل الانتخابات العامة الإثيوبية التي كانت مقررة في مايو ٢٠٢٠م، ازدادت هواجس إقليم تيجراي من آبي أحمد، وقررت حكومة الإقليم إقامة انتخابات الإقليم، الخاصة، بمعزل عن توجهات المستوى الفيدرالي والتي تمت في خريف العام نفسه، وأصبحت أحد مداخل آبي أحمد لبداية الحرب على إقليم التيجراي قبل شهر من نهاية العام طبقًا لرواية هي محل جدل بين أطراف الصراع، وهي أن حكومة التيجراي قد هاجمت القاعدة الشمالية للجيش الفيدرالي واستولت على أسلحتها وذخائرها.

على أية حال شهد ٢٠٢١م، اتساع نطاق الحرب ضد إقليم التيجراي الذي استطاعت حكومته توسيع جبهة المعارضة ضد رئيس الوزراء الإثيوبي وأسست لحوار سياسي بين القوميات الإثيوبية فيما عدا الأمهرة المتحالفة مع رئيس الوزراء الإثيوبي، في منتصف العام تقريبًا، وتبلور إعلان تحالف عسكري بين تسع أذرع عسكرية ممثلة لقوميات وأحزاب إثيوبية في ٣ اكتوبر ٢٠٢١م، كانت أهم ملامحه، استبعاد آبي أحمد من المشهد السياسي الإثيوبي، والموافقة أن يحظى إقليم بني شنقول (إقليم سد النهضة) بوضع كونفدرالي، أي شبه انفصال.

طبقا لهذا المشهد السياسي والعسكري في إثيوبيا يمكن استخلاص عدد من المؤشرات الرئيسية منها:

عدم قدرة الجيش الفيدرالي على حسم الصراع عسكريًا نظرًا لأمرين الأول أن قواته الضاربة كانت في قسمه الشمالي أي إقليم التيجراي، والثاني ضعف تصنيفه على المستوى الدولي، فطبقًا، موقع جلوبال فاير باور وضع الجيش الإثيوبي في المرتبة ٦٦ على مؤشر من ١٤٠ دولة، وذلك لعام ٢٠٢١م، حيث يتكون الجيش من ١٦٢ ألف مجند بميزانية ٥٢٠ مليون دولار، ممتلكًا في سلاح الطيران٩٢ طائرة حربية منها ٢٤ طائرة مقاتلة، و٣٣ مروحية عسكرية منها 8 مروحيات هجومية فقط و١٨٠ راجمة صواريخ.

على مستوى المدرعات فإنه يملك ٣٦٥ دبابة و١٣٠ مدرعة و٤٨٠ مدفع ميداني.

ويمكن القول إن أسبابًا متنوعة قد ساهمت في مستويات الأداء العسكري الضعيف للجيش الإثيوبي منها طبيعة العقيدة القتالية وعناصرها، وهي العقيدة التي تترتب غالبًا على حالة الاندماج الوطني في أي دولة. فمن المعروف أن مراحل التطور السياسي والاجتماعي الإثيوبي لم تنتج بعد واقعيًا الدولة الأمة.

أما العامل الثاني في ضعف أداء الجيش الفيدرالي الإثيوبي هو التباين الواضح في المكون البشري له فقد انخفض من ربع مليون عنصر عسكري في عام ١٩٩٠ م، إلى نصف هذا العدد تقريبًا ليصل لــ١٢٠ ألف مجند فقط، ثم يرتفع مرة أخرى على خلفية الحرب مع إرتيريا ليزيد عن ٣٠٠ آلف مجند، ولكنه لا يحافظ على هذا المعدل وينخفض مرة أخرى عند حدوده الحالية في مستوى ١٦٢ ألفًا.

وربما يكون من المهم ملاحظة أنه قد تم إنهاك الجيش الإثيوبي خلال الأربع عقود الماضية لسببين الأول: الحروب المتعددة التي خاضها، والثاني وجوده العسكري ضمن قوات حفظ السلام في أكثر من دولة.

في الوقت الراهن يخوض الجيش الفيدرالي معركته ضد إقليم التيجراي وقد فقد قدرات القطاع الشمالي فيه وهي المكونة من فرقة مدرعة واحدة، و٤ فرق من سلاح المشاة الميكانيكية، وذلك في تشكيل مماثل للمنطقتين العسكريتين الشرقية والجنوبية، بينما تتمركز في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ٦ فرق مشاة ميكانيكي وقوة إسناد استراتيجي مدعومة جويًا، فضلاً عن فرقة مدرعة واحدة.

فيما يتعلق بموازنة تسليح الجيش فهي غير مستقرة ولم تتجاوز أبدًا حاجز ال٨٠٠ مليون دولار، وقد انخفضت حاليًا لمستوى ٥٢٠ مليون دولار، ويلاحظ أن الإنفاق العسكري في إثيوبيا تراجع عام ٢٠١٩م، ليصل إلى ٠،٦٩ من الناتج القومي الإجمالي.

أما المؤشر الثاني فهو تعقيدات التفاعلات الداخلية الإثيوبية، وعلاقتها المباشرة بدول الجوار خصوصًا إرتيريا، التي يتم اللجوء إليها تاريخيًا لحسم الصراع ضد أحد القوميات الإثيوبية، فمرة وخلال تسعينيات القرن الماضي تم اللجوء لأسمرة لإزاحة الأمهرة، والأخرى راهنًا لإزاحة التيجراي.

التفاعلات الإقليمية مع الصراع الإثيوبي الداخلي:

يمكن رصد أن التفاعلات الإقليمية مع الأزمة الإثيوبية قد تمظهرت على مستويين الأول التدخلات الإقليمية لدعم طرف من أطراف الصراع خصوصًا على صعيد دعم سلاح الجو الإثيوبي بطائرات الدرون وهو ما يفسر لنا حالة التغير التي يتسم بها الميزان العسكري بين الأطراف المتصارعة، أما المستوى الثاني من التفاعلات الإقليمية فهو تداعيات الصراع على دول الجوار المباشر لإثيوبيا، وهم إرتيريا والسودان، وكينيا والصومال.

قد تكون إرتيريا هي أكثر المتأثرين بالصراع الإثيوبي فعلى الصعيد السياسي تم إدانة التدخل الإرتيري في الصراع الإثيوبي، حيث أدانت واشنطن هذا التدخل في مجلس الأمن، وذلك بعد شهادات من جانب مسؤولي الإغاثة بالأمم المتحدة بممارسة الجيش الإرتيري لفظائع بإقليم تيجراي. وربما تكون أسمرا مرشحة لمواجهة تحديين الأول إدانة دولية قد يكون لها آليات عدلية مثل المحكمة الجنائية الدولية، خصوصًا بعد اتخاذ مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة قرارًا بإجراء تحقيقات مستقلة فيما يتعلق بالانتهاكات التي تمت ممارستها في إقليم تيجراي.

 

وعلى مستوى آخر فإن تحقيق التيجراي لنصر عسكري في صراعهم الداخلي إثيوبيا قد تدفع ثمنه إرتيريا التي تحالفت مع آبي أحمد ضدهم أولاً، ومارست انتهاكات بإقليمهم ثانيًا، بما يعني إمكانية فتح صراع عسكري مع إرتيريا في فترة لاحقة، وكذلك إمكانية بلورة تحالف بين المعارضة الإرتيرية لنظام أسياسيي أفورقي مع التيجراي لتحقيق مصالح للفريقين المتحالفين.

على الصعيد السوداني فإن الصراع المشتعل على الحدود بين إثيوبيا والسودان، قد يكون مرشحًا للتصاعد وخصوصًا وأن حكومة الأمهرة المتاخمة للفشقة الصغرى ترى مصالحها في الاستيلاء على الأراضي السودانية الخصبة، ومع عدم قدرة آبي أحمد على تحقيق إنجازًا عسكريًا فإن الأمهرة قد تجرؤوا على السودان فعلاً، عبر ميليشياتهم وتسببوا في مقتل عناصر عسكرية من الجيش السوداني مؤخرًا، بما يعني إمكانية اشتعال جبهة السودان إثيوبيا بحرب مفتوحة.

على الصعيد الكيني فربما أكثر ما يقلق كينيا هو صعود قومية الأرومو في معادلة الصراع الإثيوبي، ذلك أن الأرومو هم نصف الشعب الإثيوبي، و١٥٪ من الشعب الكيني، أغالبهم من المسلمين، ومن المتوقع أن يكون لهم وزن سياسي في المعادلات السياسية القادمة بإثيوبيا إذا ما كانت التفاعلات تتجه لحوار سياسي، فلن يجرؤ التيجراي على دخول أديس أبابا مثلاً في حالة انتصارهم لأنها أراضي الأورمو، أما إذا انفتح الصراع الإثيوبي نحو حرب أهلية فإن ذلك سوف تكون له انعكاسات في كينيا.

فيما يخص  سد النهضة  فإن التفاعلات المرتبطة به تملك عددًا من السيناريوهات الأول ما يرتبط بالقدرة على عدم انزلاق إثيوبيا إلى حالة الانهيار الشامل، واتساع نطاق الحرب الأهلية، بمعنى آخر أن يتغير النظام السياسي، وتتغير الحكومة، عبر محطة الحوار السياسي ولكن هذا  التطور سيكون أحد شروطه أن يتم تنفيذ  اتفاق ٣ اكتوبر ٢٠٢١ م، بين الأذرع المسلحة للقوميات الإثيوبية ،واللافت جدًا في هذا الاتفاق هو الموافقة على مطالبة إقليم بني شنقول المقام فيه سد النهضة بكونفدرالية، أي حكم ذاتي أو شبه انفصال  وليس الانضمام للفيدرالية الإثيوبية، وهو ما يعني أن القرار السياسي سيكون مستقلا  في إقليم بني شنقول ،وقد يكون بالإمكان هنا الانضمام للسودان كما تريد جبهة تحرير بني شنقول، وكذلك السودان التي تقول أنها قد نفذت من جانبها التزاماتها في اتفاقية ١٩٠٢م، حيث سلمت إثيوبيا منطقة جامبيلا، بينما لم تقم إثيوبيا بتنفيذ نصيبها من الاتفاقية وهي تسليم بني شنقول بالمقابل للسودان.

 وقد يرجح سيناريو انضمام بني شنقول للسودان أن كثافة الإقليم السكانية ضعيفة نصفها من السودانيين قد لا تملك شروط استقرار حالة حكم ذاتي، أو كونفدرالية بين دولتين كبيرتين هما إثيوبيا والسودان.

أما السيناريو الثاني وهو الحوار السياسي بين الأطراف وبلورة فترة انتقال تمهد لاستقرار الدولة الإثيوبية، فقد يحمل إمكانية أمام فتح الباب لبدء المفاوضات المتوقفة بين الأطراف صاحبة المصلحة في أزمة السد.

على الصعيد الصومالي، فإن هناك مخاوف واقعية من انعكاس الانهيار الإثيوبي على الأوضاع في الصومال، والذي اتضحت مؤشراته في تزايد قدرات تنظيم شباب المجاهدين في الصومال والذي يسيطر حاليًا على جزء من الأرياف الصومالية في نموذج مماثل لنموذج طالبان، كما يهدد العاصمة مقديشيو بعمليات نوعية قريبًا من مراكز صناعة القرار الصومالي، وفي تقديرنا أن الصومال مرشحة خلال العام الحالي 2022م، لمتغيرات جذرية على ضوء هذه العمليات.

ثالثًا: التداعيات الاقتصادية للصراع الإثيوبي:

مع نجاح الفصائل المسلحة المعارضة لآبي أحمد من الاقتراب من المحاور القريبة من العاصمة الإثيوبية ساد حالة هلع عالمي على الرعايا الأجانب، حيث تعددت نداءات حكومات معظم الدول الغربية في مناشدة رعاياها الخروج من إثيوبيا، ونتيجة للصراع والتلاسن الذي جرى بين الحكومة الإثيوبية ووكالات الأمم المتحدة فقد تم إغلاق معظم مكاتب المنظمة العالمية في أديس أبابا، كما أن هناك قرار غير معلن من جانب الاتحاد الإفريقي بالخروج من العاصمة الإثيوبية.

في هذا السياق خرجت العديد من الاستثمارات العالمية خصوصًا في مجال المنسوجات والملابس الجاهزة بما يجعل قصة نجاح وصعود الاقتصاد الإثيوبي الذي ساندته المنظمات الدولية وكل من واشنطن وتل أبيب خلال العقدين الأخيرين ربما في خبر كان. وإلى جانب المشهد المحلي الإثيوبي.

وقد انعكست هذه الحالة على الحياة اليومية للمواطنين الإثيوبيين حيث ارتفعت أسعار السلع الغذائية على نحو جنوني كما اتخذ بنك إثيوبيا المركزي قرارًا بتعليق الإقراض التجاري، بما يعني تجفيف الائتمان وإنهاء الاستثمار، وفي تطور مواز أقدمت واشنطن على إنهاء العمل اتفاقية (أغوا) والتي تتيح الإعفاء من الرسوم الجمركية للسلع القادمة إليها من إفريقيا، كجزء من قانون دعم الفرص والنمو في القارة وذلك ردًا على تعنت آبي أحمد طوال عام، ورفضه للحوار السياسي.

 الإجراء الأمريكي من المرجح طبقا لتقديرات اقتصادية أن يسفر عن خسارة حوالي مائتي ألف وظيفة مباشرة، خاصة للنساء العاملات في المصانع، ومليون وظيفة إضافية في مصانع التوكيلات العالمية التي بدأت في الانسحاب من أديس أبابا، وربما يكون من المتوقع أن يعاني سكان أديس أبابا من شح يسفر عن مجاعة، أما على الصعيد الصيني فربما يكون من اللافت جدًا تجميد الصين لأحد قروضها إلى إثيوبيا مطلع سبتمبر الماضي والذي كان مقدمًا من بنك اكسيم الصيني بقيمة 339 مليون دولار.

رابعًا: اتجاهات الصراع الإثيوبي:

إجمالاً يبدو لنا أن هناك أكثر من سيناريو مطروح حاليًا على الساحة الإثيوبية ميدانيًا الأول لجوء الجيش الفيدرالي إلى القصف الجوي للقوات المعارضة  الزاحفة  نحو أديس أبابا، وهو أمر لا توفره القدرات الجوية للجيش الإثيوبي وحده ولا حالة طائراته الهيلكوبتر الهجومية على وجه الخصوص كما أنه لم ينجح خلال الأسبوع الماضي (عند كتابة المقال) حينما لجأ إلى هذا الخيار، من هنا ربما تكون تسريبات حصول أديس أبابا على ست طائرات هجومية مبررة، خصوصًا وأن آبي أحمد يبدو مصرًا على انتهاج آلية الحسم العسكري وحدها في محاولة أخيرة للحفاظ على مستقبله السياسي، ولكن تبدو نقطة ضعف هذا السيناريو هو أنه سوف ينتج خسائر بشرية كبيرة سوف يكون المدنيون قسمًا من ضحاياها، وهي حالة قد لا يسمح بها المجتمع الدولي  .

أما السيناريو الثاني فهو سيناريو توازن الضعف أي عدم قدرة أي طرف على حسم معركة أديس أبابا، وهو السيناريو الذي يفتح الباب أمام حرب أهلية مفتوحة، ويدعم هذا السيناريو أن قومية الأمهرة سوف تدفع نحو سيناريو الحسم العسكري حتى الرمق الأخير، إذ أن هزيمة القومية التي بنت إثيوبيا الامبراطورية لن يكون مقبولاً لديها.

أما السيناريو الثالث فهو إزاحة آبي أحمد عن المشهد السياسي الإثيوبي، وبالتالي الولوج في عملية حوار سياسي شامل بين القوميات الإثيوبية شرط نجاحه هو انخراط الأمهرة فيه، وذلك إذا ما تأكدوا أن الخيار العسكري قد بات خاسرًا.

 

مقالات لنفس الكاتب