array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 169

مبادرة الملك سلمان بداية لرأب الصدع وتوحيد البيت الخليجي وتحقيق الطموحات

الخميس، 30 كانون1/ديسمبر 2021

كانت ولا تزال تمتاز الكويت بديناميكية ذاتية تجعلها تتفاعل مع كل ما يدور في محيطها الإقليمي والدولي، وقد تزامن هذا التفاعل مع قدوم قيادة سياسية جديدة بقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح، وسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، وهو قدوم طبيعي على إثر وفاة صاحب السمو الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح-طيب الله ثراه-وقد كانت القيادة الجديدة جزءًا لا يتجزأ من منظومة الحكم، ومشاركة في كافة قراراته وإنجازاته وتطلعاته وها هي تكمل المسيرة في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة.

إدارة الأزمة

تعتبر جائحة كورونا أبرز حصاد العام الماضي، ولاتزال هذه الجائحة تفتك بالبشرية عبر تحوراتها، وعلى صعيد الداخل الكويتي ومع قدوم قيادة سياسية لديها باع طويل في تأسيس وهيكلة المؤسسات الأمنية الكويتية مما يعكس خبرة طويلة في إدارة الأزمات، فقد تمكنت الحكومة الكويتية من التصدي لهذه الأزمة عبر العديد من الملفات التي تكشفت عنها لاسيما في الحرص على الأمن الغذائي، والأمن الصحي، وتوفير اللقاحات، والإجراءات الاحترازية. وتكشفت عن تلك الأزمة الكثير من القضايا التي سعت الحكومة لمحاربتها لاسيما ما عرف بتجار الإقامات، وغيرها من قضايا الفساد والتي تم إحالتها جميعها للجهات المختصة. كما حرصت الحكومة الكويتية لاسيما من خلال وزارة الخارجية وعلى رأسها معالي وزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر الصباح الذي حرص على أن تكون تلك ترجمة على أرض الواقع لقرارات العلا في المصالحة الخليجية من خلال الاجتماعات الخليجية المشتركة في مواجهة أزمة كورونا ووضع التصورات المشتركة سواء كانت الآنية في الأمن الغذائي وسلاسل الإمدادات و توفير اللقاحات و كذلك على المستوى البعيد في إقامة المشاريع الخضراء المشتركة مثل المزارع الأفقية وغيرها من أفكار تفتقت عنها الأذهان على إثر تلك الأزمة التي أربكت المشهد الإقليمي و الدولي.

الموجة الثانية.. الربيع العربي

جاء التفاعل الكويتي مع الموجة الثانية من الربيع العربي أكثر نضجًا من سابقه في الموجة الأولى. فالموجة الأولى من الربيع العربي في عام 2011م، جاءت على ظاهرتين الأولى تمثلت بالثورات التي عصفت برؤساء كل  من تونس و ليبيا و مصر واليمن، و الثانية كانت احتجاجات فوضوية ظهرت في العديد من الدول العربية بما فيها الكويت والتي تمخض عنها ما عرف بحادثة "اقتحام أو دخول المجلس" والتي تبعتها محاكمة العديد من السياسيين لأسباب مختلفة، أما الموجة الثانية في عام 2019م، فقد كانت تصحيحية للأولى حيث نتج عنها إقالة الرئيس السوداني عمر البشير، رفض ترشيح الرئيس الجزائري بوتفليقة للمرة الخامسة، كما برزت مظاهرات تشرين في كل من العراق و لبنان الرافضة للنظام الطائفي التقسيمي الذي تحول إلى بؤرة عدم استقرار ليس للدولة فحسب بل للمنطقة الإقليمية برمتها، و صاحبت تلك الأحداث كذلك مظاهرات واحتجاجات في عدد من الدول، وقد تشابه السلوك التصويتي  في الانتخابات البرلمانية المغربية مع الانتخابات التشريعية الكويتية، فالكويتيون صوتوا للتغيير دون الحاجة لمظاهرات و احتجاجات، و بذلك فقد تحولت الممارسة الديمقراطية إلى قوة قادرة على امتصاص الغضب الشعبي الرافض للأداء الحكومي أو البرلماني و لديه الرغبة في التغيير.

برلمان 2021 وظاهرة التغيير

حرصت القيادة السياسية الجديدة على إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها الرسمي في 5/12/2020م، دون تأجيل أو إلغاء أو تمديد غير دستوري للمجلس المنتهية صلاحيته، وبذلك فهي تشكل سمة أخرى للقيادة السياسية والتي تتمثل بالحرص على الممارسة الديمقراطية والاحتكام إلى مؤسسات الدولة وحكم القانون. وبالفعل أجريت الانتخابات وسط الإجراءات الاحترازية والتي شهدت إقبالاً كبيرًا بالرغم من الأمطار الغزيرة مما عكس حماسة جمهور الناخبين وإيمانهم برغبتهم في المشاركة والتغيير والإصلاح. وقد جاءت النتائج صادمة لكثير من المراقبين السياسيين لاسيما أولئك الذين نشطوا في عمل استطلاعات الرأي خلال الانتخابات مؤكدين بأن التغيرات ستكون طفيفة وأن عودة غالبية نواب مجلس 2016م، ستكون حتمية. حيث بلغت نسبة التغيير 61% بحسب النتائج الرسمية، وذلك بعد خسارة 24 عضوًا في المجلس السابق مقاعدهم في المجلس الجديد، في حين امتنع 7 منهم عن الترشح (وهم محمد الدلال، عبد الله الرومي، راكان النصف، طلال الجلال، مبارك الحريص، محمد الهدية، سعود الشويعر، والأسماء الثلاثة الأخيرة من النواب القبائل الذين خسروا في تشاورية القبيلة فلم يتمكنوا من خوض الانتخابات).  وبذلك فقد اقتصرت عودة النواب السابقين على 19 نائبًا، في حين الأغلبية النيابية التي بلغت 31 نائبًا هم عناصر جديدة انضمت إلى المجلس الجديد والغالبية العظمى منهم قد تبنت خطابًا إصلاحيًا.

غلبة الشباب وغياب النساء

اتسمت هذه الانتخابات بنقيضين تمثلا بغلبة العنصر الشبابي في ظل الغياب الكامل للعنصر النسائي، وبذلك لم ير الناخب أن المرأة جزء من ذلك الحراك الشبابي أو إنها تشكل عنصرًا للتغيير السياسي. وقد بلغ عدد العناصر الشبابية بأعمار دون الخمسين عامًا ما يقارب 24 نائبًا، موزعين كالآتي: ثمان نواب في الدائرة الثالثة، وستة نواب في كل من الدائرتين الأولى والخامسة، وثلاث نواب في الدائرة الرابعة، بينما تبين أن الدائرة الثانية الأكثر محافظة بوجود نائب واحد دون الخمسين. كما يتواجد في الدائرة الثانية اثنين من النواب الأكبر سنًا في السبعينيات من عمرهم، بينما النائب الآخر في الدائرة الأولى. ومن الجدير بالذكر أن الغالبية العمرية للنواب في الأربعينيات والخمسينيات من العمر (32 نائب) في إشارة واضحة إلى أن تلك الفئات العمرية تمتاز بالخبرة العلمية والعملية والوظيفية. أما بقية النواب 26 والذين هم فوق الخمسين، فهم موزعون كالآتي: تسعة نواب في الثانية، وسبعة نواب في الرابعة، وأربعة نواب في الأولى والخامسة، ونائبين في الثالثة. وفيما يخص المستوى التعليمي، فهناك لا يقل عن 14 عضوًا يحملون شهادة الدكتوراه بنسبة 28%، والغالبية العظمى يحملون الشهادة الجامعية، إلى جانب وجود أقلية لا تتعدى الثلاثة نواب ممن يحملون شهادة الثانوية العامة. وتتنوع الاختصاصات في عدة مجالات من بينها العلوم السياسية، والقانون، والتربية وإدارة الأعمال والهندسة والطب وعلوم الطيران والعلوم الأمنية والشرطية. أما الخبرة الوظيفية، فهناك 10 نواب من العاملين في وزارة الداخلية، وهناك 8 نواب من القطاع الخاص، بالإضافة إلى ستة نواب من أعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت والتعليم التطبيقي.  وجاءت الاتجاهات التصويتية اتجاه المرشحين الشباب للتعبير عن الجسد الشبابي الانتخابي حيث يمثل الشباب الغالبية العظمى من المجتمع الكويتي والذي يواجه تحديات التعليم والوظيفة والإسكان وغيرها من الخدمات العامة. في ظل ذلك الزخم الشبابي، فلم تتمكن أي من المرشحات الذين بلغ عددهن ما يقارب 33 سيدة من الوصول إلى البرلمان، حيث جاءت الغالبية متأخرة في ذيل القائمة بما فيها النائب السابق صفاء الهاشم والتي تراجعت عن مركزها الخامس في انتخابات 2016م، إلى المركز الثلاثين.

سقوط نواب الخدمات والاستجوابات

ومن ظواهر السلوك التصويتي لهذه الانتخابات هو أن الناخب أسقط كلا النوعين من النواب سواء نواب الخدمات أو نواب الاستجوابات، في إشارة واضحة للرفض الشعبي التام للغالبية العظمى من نواب المجلس السابق لعام 2016م. فمن الجدير بالذكر أن الديمقراطية الكويتية تشتهر إقليميًا بقوة وجرأة الاستجوابات كآخر أدوات المساءلة السياسية التي يستخدمها النواب للإطاحة بالوزراء الذين لا يروق لهم أداؤهم السياسي سواء كان ذلك الأداء لخدمة المصلحة العامة أم مصالح النواب الخاصة. وتبدأ عملية المساءلة السياسية بتقديم الأسئلة وتشكيل لجان التحقيق وصولاً إلى تقديم الاستجواب وطرح الثقة والتي تعتبر بمثابة الإدانة السياسية للوزير بالتقصير أو الفساد المالي والإداري.  وسقوط عشرة نواب ممن عرف عنهم كثرة تقديم الاستجوابات خلال مجلس 2016م، دليل على أن الناخب الكويتي يرى أن بعض تلك الاستجوابات قد تكون غير جادة ولا تهدف إلى الصالح العام، وقد تكون مبنية لخدمة أغراض خاصة. وقد بلغت عدد الاستجوابات المقدمة 32 استجواب في مجلس 2016م، وعدد النواب الذين قدموا تلك الاستجوابات هو 19 نائبًا، تمكن من النجاح منهم في الانتخابات 7 نواب فقط. اما أبرز الذين قدموا الاستجوابات ولم يحالفهم الحظ في الانتخابات فهم رياض العدساني بواقع 9 استجوابات، والحميدي السبيعي 5 استجوابات، ومحمد هايف 4 استجوابات، وعادل الدمخي 3 استجوابات، واستجوابين لكل من عبد الوهاب البابطين وعمر الطبطبائي، واستجواب واحد لكل من صالح عاشور وخليل إبل، وفيصل الكندري وعودة الرويعي.

الجمود السياسي والحوار الوطني

جاء زخم مطالبات التغيير كبيرة لمجمل النخبة السياسية البرلمانية، و قد انعكس ذلك أيضًا على أزمة التصويت لرئيس مجلس الأمة والتي تناقلتها وسائل الإعلام آنذاك، حيث انقسم النواب ما بين إعادة رئيس مجلس الأمة الأسبق أو التصويت لرئيس مجلس جديد، و قد جاءت النتائج لصالح رئيس مجلس الأمة الأسبق، وقد أدخل ذلك العملية السياسية لجمود سياسي مؤقت، انتهى على إثر إعلان صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد إطلاق الحوار الوطني، لاسيما أن الغالبية العظمى من النواب كانت تنصب مطالبهم على ضرورة عودة السياسيين الذين في الخارج، و تعديل بعض القوانين والتأكيد على المزيد من الحريات، و قد نتج عن ذلك الحوار الوطني و الذي كان تحت إشراف القيادة السياسية بإقرار العفو وعودة السياسيين الذين ثمنوا للقيادة السياسية هذا الموقف وبفعل تلك المحطات، أصبحت الأصوات الإصلاحية تتبنى خطابًا متزنًا وأكثر نضجًا ومعرفة بطبيعة التعاطي السياسي آخذين بعين الاعتبار طموحات الناخبين الذين باتوا يتطلعون إلى إنجازات تنموية حقيقية على أرض الواقع بدلاً من تبني خطابات تصعيدية دون طائل.

المملكة العربية السعودية... القبلة والمظلة

عبرت القيادة السياسية الجديدة بوضوح إكمال مسيرة السياسة الخارجية الكويتية التي تعتمد على دوائرها الأربعة بدءًا بالدائرة الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، والدائرة العربية، والدائرة الإسلامية، ودائرة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي من خلالها تنطلق الكويت لبقية دول العالم. وترجمة تلك الدوائر على أرض الواقع، جاءت من خلال أول زيارتين قام بهما سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح منذ تقلده المنصب كانت موجهة للمملكة العربية السعودية للتأكيد على عمق العلاقة الكويتية-السعودية، والتي ترجمها بوضوح خلال كلمته الافتتاحية في مؤتمر مبادرة الشرق الأوسط الأخضر حينما وصف المملكة العربية السعودية بأنها "القبلة والمظلة" وذلك لما للمملكة من أهمية دينية واستراتيجية وأمنية مؤكدًا على مقررات العلا في التكامل الاستراتيجي والأمني والاقتصادي.

ثوابت السياسة الخارجية الكويتية

أكملت الكويت خلال هذا العام التزاماتها إزاء ثوابتها الراسخة في السياسة الخارجية الكويتية سواء كانت الدائرة العربية وعلى رأسها أهمية تعزيز العلاقات الكويتية-المصرية على كافة الأصعدة و ذلك لما لجمهورية مصر من مكانة استراتيجية هامة في العمق العربي، كما نشطت الكويت في الكثير من الملفات العربية لاسيما بفعل تزامنها مع رئاستها لجامعة الدول العربية، فلعبت دور الوساطة في الأزمة الليبية وتخفيف حدة التوتر في الخلافات المغربية-الجزائرية، و التأكيد على الثوابت العربية اتجاه القضية الفلسطينية، وحل الأزمة اليمنية والسورية، ومهدت البدايات الأولى و المبكرة بالتعاون مع العراق للحوار السعودي-الإيراني. وذلك بالإضافة إلى التزاماتها اتجاه الحلفاء الدوليين لاسيما الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن، وحرصها على التوازن كذلك مع القوى الدولية الكبرى لاسيما روسيا الاتحادية والصين، وما يتخلل تلك العلاقات من تعاون في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاستراتيجية.

من العلا إلى الرياض

بدأ هذا العام من حيث ما انتهى، ففي العلا كانت البداية لرأب الصدع و التي جاءت عبر مبادرة أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وتلقفها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ، و كانت رؤية سعودية واقعية بضرورة توحيد البيت الخليجي من الداخل حتى تتحقق الطموحات التنموية لشعوب و حكومات دول الخليج، وقد تكللت تلك المبادرة عبر جهود و خطط و مشاريع طموحة أطلقتها المملكة طوال هذا العام متماشية مع الالتزامات الخليجية اتجاه الأسرة الدولية سواء في أسعار الطاقة أو تطبيق سياسات المناخ  وإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي و مواجهة جائحة كورونا، واختتمت باستكمال مجالس التنسيق السعودية مع كافة دول الخليج و بالجولة الشهيرة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى كافة دول الخليج بدءًا بعمان و افتتاح الخط البري و انتهاءً بالكويت حيث استقبله صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد مقلدًا إياه قلادة مبارك الكبير قائلاً له "نهديك أعز ما نملك" والحقيقة أن رمزية الشيخ مبارك الكبير هو أعز ما يملكه الكويتيون ليأتيه رد الأبن الأمير محمد بن سلمان "بأن أعز ما لدينا هي صحتك يا طويل العمر"، تلك هي الأسرة الخليجية التي كانت ولا تزال تقدم دروسًا في التنمية و الرقي و التعامل الإنساني. وبذلك يكون صاحب السمو الراحل الشيخ صباح الأحمد -طيب الله ثراه-قد أكمل مهمته التي بدأها منذ اندلاع الأزمة الخليجية والتي بذل فيها كل ما استطاع أن يقدمه آنذاك في سبيل إعادة اللحمة الخليجية، وقد أثمرت تلك الجهود حتى بعد وفاته بفعل القيادات الخليجية مؤمنة بالبيت الخليجي بيتًا معطاءً للجميع.

 

مقالات لنفس الكاتب