; logged out
الرئيسية / لا اتفاق قريب حول النووي الإيراني ..وطهران تماطل لما بعد امتالك "القنبلة "

العدد 169

لا اتفاق قريب حول النووي الإيراني ..وطهران تماطل لما بعد امتالك "القنبلة "

الخميس، 30 كانون1/ديسمبر 2021

بعد توقف المفاوضات في يونية 2021م، حول العودة للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015م، لأكثر من خمسة أشهر وتغير القيادة السياسية في إيران وتولي الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي رئاسة الجمهورية والمعروف بتشدده، عادت مفاوضات فيينا من جديد من 29 نوفمبر 2021م، في جولة سابعة لمحاولة الوصول لاتفاق بالعودة لاتفاق 2015م، أو تعديله بما يتماشى مع التغيرات التي حدثت في البرنامج النووي الإيراني بعد انسحاب الولايات المتحدة في بداية عهد الرئيس الأمريكي ترامب في مايو 2018م، مما أدى لعدم التزام إيران ببنود هذا الاتفاق.

وبعد بداية متفائلة من جانب كافة الأطراف المشاركة ووصف المفاوضات من الجميع بأنها إيجابـية وذلك قبل دخولهم في التفاصيل، إلا أن بعض المحللين وأنا معهم شككوا في هذا التفاؤل. وتحول رأي من كانوا متفائلين في بداية الأسبوع إلى تشاؤم في نهايته بعد إعلان إيران مطالبهـا المتشددة من وجهة نظر الغرب. وترجع أسباب عدم التفاؤل للتباعد الكبير في مواقف الطرفين الأساسيين خاصة الجانب الإيراني الذي ابتعد كثيرًا عن وضعه الفني والاستراتيجي في 2015م، مما يشكك تمامًا في القدرة على العودة للاتفاق القديم.

مواقف الأطراف الأساسية قبل 29 نوفمبر 2021:

الطرف الأول الممثل بالولايات المتحدة - والتي انسحبت من الاتفاق بعد حوالي عامين ولم ترفع كل العقوبات المفروضة على إيران بل فرضت عقوبات جديدة عليها وهددت الدول والشركات الأجنبية بمقاطعتها لو خالفت العقوبات الأمريكية - فإنها تريد اتفاقًا شاملاً يتضمن مسائل غير مرتبطة بالملف النووي الإيراني مثل صناعة وتجارب الصواريخ المتطورة وقضايا حقوق الإنسان والتدخل في شؤون بعض دول المنطقة كما إنها ترغب في رفع المدة الزمنية على حظر عدد من الأنشطة النووية في إيران لفتره زمنية تتخطى العشر سنوات المنصوص عليها في اتفاق 2015م.

أما الطرف الثاني الممثل بـإيران فبعد تهديدات بعدم التزامها ببنود الاتفاق فإنها بـدأت بعد عام من الانسحاب الأمريكي في مخالفة بنود الاتفاق خطوة خطوة.

وقبل أن ندخل في هذه التفاصيل نعود لموقف الطرفين وأوراق الضغط لكل منهما أثناء مفاوضات 2015م.

أوراق الضغط الإيراني في 2015

وصل عدد وحدات الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم لحوالي 20 ألف وحدة أ+6 أغلبها من النوع الأول وهو النوع الأقل كفاءة وكلها كانت تعمل أو جاهزة للعمل وأيضًا 1000 وحدة من النوع الثاني. IR-1 

 ولكن لم يستخدم هذا النوع في إنتاج اليورانيوم المخصب في هذا الوقت.وIR-2   

بدأت إيران في أبحاث تطوير أنواع

  (3 مرات كفاءة النوع الأول) وIR-2m

 (4 مرات كفاءة النوع الأول) وIR-4

  (6 مرات كفاءة النوع الأول) وIR-6

  (7 مرات كفاءة النوع الأول) وIR-6s   

  (10 مرات كفاءة النوع الأول). IR-8  

ولكن هذه الأنواع لم تصل لمرحلة التطوير النهائي والإنتاج.

 

=

 

بدأت إيران من 2009م، في تشغيل مصنع فوردو (في بطن جبل على بعد 32 كم شمال غرب مدينة قم مركز الشيعة في إيران) لإنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20% وهو موقع لم تعلن إيران عنه قبل تشغيله سوى بأيام قليلة. وهذا المصنع يضاف لمصنع ناتانز الكبير (تحت الأرض) والمخطط له أن يعمل بحوالي 200 ألف وحده تخصيب بالإضافة لمصنع تجريبي صغير في ناتانز فوق سطح الأرض لاختبار الوحدات الجديدة وأيضًا لإنتاج اليورانيوم المرتفع التخصيب (20%).

في نهاية عام 2015م، أنتجت إيران 18 طنًا من اليورانيوم المنخفض التخصيب (بين 2% إلى 5%) وهو يعادل حسب تعريف الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمواد النووية مادة لسبع قنابل ذرية. كما أنتجت إيران 450 كج يورانيوم مرتفع التخصيب ل 20% وهو يعادل ماده لثلاث قنابل ذرية.

أنشأت إيران مصنع لوقود اليورانيوم المعدني (وهو أيضًا أحد مراحل تصنيع القنابل الذرية) وأنتجت عددًا محدودًا من قضبان وقود اليورانيوم الطبيعي المعدني لاستخدامه في مفاعل أراك للماء الثقيل كما صنعت قلب هذا المفاعل ذو القدرة 40 ميجاوات حراري والقادر على إنتاج بلوتونيوم لأكثر من قنبلة ذرية واحدة في السنة. واقتربت إيران بالفعل من تجارب تشغيل هذا المفاعل.

استكملت إيران مصنع لإنتاج الماء الثقيل بقدرة 16 طن سنويًا لمفاعل أراك منذ 2006م، وأصبحت قادرة على إنتاج عشرات الأطنان منه وامتلكت في نهاية 2015م، أكثر من 100 طن.

توسعت إيران في اكتشاف مناجم اليورانيوم الخام ومصانع تحويله للكعكة الصفراء وهي المرحلة الأخيرة قبل خضوعهـا لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية (طبقًا لتوقيع إيران لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية).

كانت هناك أمور معلقة بين إيران ونتائج تفتيش الوكالة منذ عام 2003م، خصوصًا فيما يتعلق بتحليل العينات واكتشاف جسيمات يورانيوم عالي التخصيب خاصة الـ 36% وكذا بعض الأنشطة العسكرية المرتبطة بالنووي خاصة مواقع اختبار للمتفجرات المستخدمة في القنابل الذرية مثل موقع بارشين. وقبل 2015م، تم حل وتفسير كافة الأمور العالقة مع الوكالة عدا الأمور المتعلقة بالأبعاد العسكرية.  

كانت هذه أهم أوراق الضغط الإيراني التي تملكها قبل وأثناء مفاوضات اتفاق 2015م

 

 أوراق الضغط الغربي في 2015:

كانت أهم الأوراق التي تملكها الولايات المتحدة والغرب في مفاوضات 2015م، هي العقوبات المفروضة على إيران بكافة أنواعها سواء عقوبات دولية من مجلس الأمن أو من الغرب خاصة من الولايات المتحدة والتي تتخطى مئات العقوبات وأهمها 100 مليار دولار محتجزين في البنوك أغلبها أمريكي وغربي وكذا تقييد بيع إيران للبترول ومنع الاستيراد للعديد من المعدات خصوصًا الأسلحة. وكان هناك تفويض للقوات البحرية لعدد من الدول بـتفتيش ومنع السفن التي تتعامل مع إيران في مواد ممنوعة ومنها تصدير البترول وهو العمود الفقري للاقتصاد الإيراني. وهناك عقوبات غربية وأمريكية أخرى لأسباب ليست مرتبطة بالملف الإيراني النووي مثل العقوبات بسبب برنامجها في التسلح الصاروخي وحقوق الإنسان وغيره وهي العقوبات التي رفضت أمريكا أن تكون محل مناقشه في المفاوضات النووية.

ومن الأوراق القوية لدى الغرب أن يسمح لإيران ونظامها الملالي بإجراء مفاوضات مباشره على مستوى عال مع الدول الغربية رغم وجود خلافات سياسية حادة معها ومع بعض دول المنطقة مما أدى لتهديدات عسكرية موجهة لإيران خصوصًا من جانب إسرائيل.

وبمجرد توقيع الاتفاق في 2015م، وإعلان مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الراحل يوكيا أمانو عن اكتمال حلول كافة المشاكل العالقة بين إيران والوكالة وآخرها كانت زيارته للموقع العسكري لتجارب التفجيرات المشكوك في استخدامه في صناعة السلاح النووي في بارشين والحصول على عينة مادية من الموقع والتي أثبتت عدم وجود أية مواد نووية أو مواد متفجرة مماثلة لما هو مستخدم في الأسلحة النووية -بدءًا من 16 يناير 2016م، تنفيذ اتفاق 2015م، أو ما سمي باتفاق "خطه العمل الشاملة المشتركة".  

أهم الالتزامات الإيرانية والغربية في اتفاق 2015:

ـ خفض عدد وحدات التخصيب في مصنع ناتانز القابلة للتشغيل إلى 5060 وحدة (من أكثر من 20 ألف وحده تملكها إيران وقتها) وكلها من النوع الأول.  

ــ التخلص الكامل من اليورانيوم المخصب لدرجة 20% (وكانت إيران قد أنتجت 450 كج يورانيوم من هذه الدرجة وتخلصت منها إما بخلطها بيورانيوم طبيعي للحصول على يورانيوم منخفض التخصيب أو تصديره لروسيا).

ــ تحديد نسبة التخصيب القصوى لليورانيوم بـ 3.67%.

ــ خفض مخزون اليورانيوم المخصب لأقل من 300 كج من اليورانيوم هكسا فلوريد الغازي أو 202.8 كج يورانيوم كحد أقصى.

ــ إيقاف مصنع اليورانيوم المعدني المخصص لوقود مفاعل أراك لتغير تصميم المفاعل ووقوده.

ــ إتلاف قلب مفاعل أراك الضخم وتغيير تصميمه بحيث يستعمل وقود من اليورانيوم المخصب بدل اليورانيوم الطبيعي وخفض قوته من 40 ميجاوات حراري إلى 20 ميجاوات.

 ــ خفض مخزون الماء الثقيل بحيث لا يتجاوز حد ال 130 طنًا وبيع وتصدير ما زاد عن ذلك من إنتاج المصنع إلى الخارج.

ــ التوقيع على البروتوكول الإضافي المؤقت والذي يسمح بزيارة المفتشين لأماكن لا يوجد بها مواد نووية أو غير معلنه أو مشكوك فيها بما فيها الأماكن العسكرية. وبدأ بالفعل تنفيذه مع بعض القيود على زيارة الأماكن العسكرية.

ــ الاستفادة من بند الشفافية في الاتفاق وذلك بالسماح لمفتشي الوكالة الذرية بتركيب كاميرات مراقبه سواء في أماكن بها مواد نووية أو أنشطه نووية مثل مصنع وحدات الطرد المركزي للتخصيب وكذا السماح للمفتشين بزيارات مفاجئة لبعض المنشآت النووية. ووافقت إيران أيضًا على زيادة أعداد مفتشي الوكالة المصرح لهم بالتفتيش في إيران.

وفي المقابل ورغم إعلان إيران مرارًا أن الاتفاق يتضمن الرفع الفوري عن كافة العقوبات فإن هذا الأمر لم يتحقق إلا جزئيًا. فقد تم الإفراج عن المبالغ الإيرانية في البنوك الأجنبية (أكثر من 100 مليار دولار) وكذا إنهاء بعض العقوبات في قطاعات غير حساسة واستمرت في قطاعات أخرى أهمها القطاع العسكري.

وبعد وصول الرئيس الأمريكي ترامب للحكم في يناير 2017م، ألغي الاتفاق من جانبه وأعلن في مايو 2018م، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الذي وقعه الرئيس أوباما في 2015. وألغي ترامب كافة قرارات رفع العقوبات عن إيران بل وأضاف عقوبات جديدة عليها حتى أن العديد من الدول والشركات الأجنبية قد هددت من جانب أمريكا إذا تعاونت مع إيران.

ولمدة ما يقرب من عام استمرت إيران خلالها في الالتزام ببنود اتفاق 2015م، حتى بدأت من يوليو 2019 م، في تخطي قيود هذا الاتفاق خطوة خطوة.

 

خطوات إيران في مخالفة بنود اتفاق 2015:

بدأت إيران من 1 يوليو 2019م، في تخطي حاجز مخزون اليورانيوم المنخفض التخصيب والمحدد بـ 300 كج يورانيوم غازي أو 202.8 كج يورانيوم ووصلت في نوفمبر 2021 م، إلى 2.5 طن (وهو رقم أقل مما كانت تملكه إيران في مايو 2021م، بسبب استخدامه لإنتاج يورانيوم مرتفع أو عالي التخصيب سواء 20% أو 60% بسرعة قبل استئناف المفاوضات).

في 8 يوليو 2019م، تخطت إيران الحد الأقصى لدرجه التخصيب وهو 3,67% ووصلت إلى 4.5% ثم زادته بعد ذلك إلى 20% ثم 60%، في 17 نوفمبر 2019م، تخطت إيران الحد الأقصى لمخزون الماء الثقيل وهو 130 طن ووصل ل 131.4 طن، وفي 4 يناير 2020م، خالفت إيران التعهد بعدم إنتاج أية مواد يورانيوم مخصب لدرجة 20% ووصلت في 4 نوفمبر 2021م، إلى 210 كج يورانيوم.

في 7 يناير 2020م، وفي أهم تجاوز لإيران للاتفاق النووي الخاص بتطوير وأبحاث وحدات الطرد المركزي الإيرانية المتطورة وتجميع اليورانيوم المخصب الناتج عنها مما أعطاها قدرات ضخمة للتخصيب في فترة زمنية قصيرة. ومن أهم هذه الوحدات الـ

IR-8, IR-6s, IR-6, IR-5, IR-4, IR-2m

 

في 4 يناير 2021م، بدأت إيران مرة أخرى في استخدام مصنع فوردو لتخصيب اليورانيوم وبدأت تنتج يورانيوم مخصب بدرجة وصلت في 1 ديسمبر 2021م، (أثناء المفاوضات الجديدة) لـ 20% باستخدام 166 وحدة من النوع الحديث 6-IR.

من 4 فبراير 2021م، خالفت إيران البند الخاص بعدم إنتاج يورانيوم معدني وأعادت تشغيل المصنع القديم وأنتجت منه عينه 3.6 جرام يورانيوم معدني.

من 13 فبراير 2021م، تخطت إيران حاجز استخدام 5060 وحدة طرد مركزي من نوع الـ IR-1   ووصل عددها في نوفمبر 2021م، إلى 7000 وحدة من كافة الأنواع خاصة الـ IR-2m, IR-4, IR-6  بخلاف ال IR-1.

من 24 فبراير 2021م، وبقرار مباشر من البرلمان الإيراني أوقفت إيران العمل بالبروتوكول الإضافي المؤقت ومن ثم ألغت كافة الزيارات التكميلية لمفتشي الوكالة لمواقع ومنشآت قد تكون بها أنشطة نووية غير معلنة.

من 24 فبراير 2021م، أعلنت إيران أيضًا عدم التزامها ببند الشفافية ووضع كاميرات مراقبه في مواقع لا توجد بها مواد نووية وبعد ثلاث زيارات عاجلة لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية روفائيل جروسي لطهران وافقت إيران على استمرار أغلب الكاميرات وتغيير كروت الذاكرة فيها مع الاحتفاظ بالكروت القديمة دون مراجعة في صندوق عليه أختام مشتركة من الجانبين للمراجعة في حالة الوصول لاتفاق جديد. واستثني من هذه الكاميرات أربع كاميرات كان تم وضعها سابقًا في مصنع إنتاج وحدات للتخصيب وهو مصنع TESA في كراج والذي تعرض للتخريب في يونيو 2021م، مما أدى لتدمير أحد الكاميرات ورفع بقية الكاميرات (وهو العدوان المعتقد بمشاركة إسرائيل فيه) وهو ما دعى إيران لرفض طلب الوكالة لإعادة هذه الكاميرات بسبب قولها إن التحقيق في هذا الحادث مازال جاريًا.

رفضت إيران اتهامات الوكالة بشأن أربعة مواقع تم زيارة أغلبها في 2004م، للكشف عن دورها في برنامج إيران النووي العسكري في 2003م، ورفضت تفسير الأنشطة الحديثة المكتشفة بالأقمار الصناعية في هذه المواقع وكذا تبرير وجود جسيمات يورانيوم مصنعة في بعضها.

 

في 14 أبريل 2021م، أعلنت إيران عن البدء في إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب لدرجة 60% وفي 4 نوفمبر وفي تصريح إعلامي كبير للمتحدث باسم الحكومة الجديدة في إيران أعلن أن إيران تمتلك الآن 25 كيلوجرامًا من اليورانيوم العالي التخصيب بدرجة 60%. ويأتي أهمية رقم الـ 25 كج ب\أنه الرقم الذي تقوم بتعريفه الوكالة الذرية وباعتماد دول السلاح النووي الخمسة (دول الفيتو في مجلس الأمن) بأنه يعادل المادة اللازمة لصناعة قنبلة ذرية واحدة بغض النظر عن درجة تخصيبها طالما تخطت درجة التخصيب الـ 20%. وتزامن هذا الإعلان الإيراني مع موافقة القيادة الإيرانية الجديدة على بدء التفاوض مرة أخرى لإعادة العمل باتفاق 2015 م، أو تعديله.  (ملحوظة: في أواخر شهر نوفمبر أعلنت الوكالة الذرية أن إيران أنتجت 17.6 كج فقط من اليورانيوم 60% وهو يعادل 26 كج يورانيوم غازي هكسا فلوريد وهنا يبدو أن الإعلان الإيراني بـ 25 كج يورانيوم كان إعلانًا سيكولوجيًا سياسيًا وليس فنيًا).

 

عوده المفاوضات من جديد:

بعد بدء مفاوضات إعادة اتفاق 2015م، والتي استمرت من أبريل إلى يونيو 2021م، وبعد 6 جولات قيل عنها أنها مشجعة وأنهم وصلوا لاتفاق فيما يخص 70 إلى 80% من البنود توقفت هذه المفاوضات حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية في إيران والتي انتهت بتولي الرئيس إبراهيم رئيسي رئاسة الجمهورية وهو المعروف باتجاهاته المتشددة وبعد إعلان إيران بتملكها 25 كج يورانيوم عالي التخصيب أعلنت إيران استعدادها للعودة لطاولة المفاوضات في فيينا مجددًا على أن تستمر هذه المفاوضات بشكل مباشر مع الدول المستمرة في اتفاق 2015 (روسيا – الصين – المملكة المتحدة – فرنسا + ألمانيا والاتحاد الأوروبي) وبشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية المنسحبة من الاتفاق. وبدأ كل طرف في تجهيز أوراق الضغط مرة أخرى قبل بدء المفاوضات.

وتركزت أهم الأوراق الإيرانية في تملكها الحالي لـ 25 كج يورانيوم عالي التخصيب لدرجة 60% مع إمكانية زيادة درجة التخصيب لـ 90% خلال أسابيع قليلة بالإضافة لتملكها أكثر من 200 كج يورانيوم مرتفع التخصيب 20% وهو يمكن تحويله ليورانيوم 90% خلال أسابيع أيضًا مما يمكن إيران لتملك ماده لثلاث قنابل ذرية خلال شهور معدودة.  كما أن تشغيل إيران وبكفاءة لعدد من وحداتها المتطورة للتخصيب خاصة IR-8, IR-6  وهو ما يمكنها من سرعة إنتاج كميات كافية لصناعة عدة قنابل ذرية في وقت محدود.  وتملك إيران أيضًا أوراق إيقاف بنود البروتوكول الإضافي المؤقت والزيارات الاكتمالية والمفاجئة وكذا بنود الشفافية خاصة المراقبة بالكاميرات وتحجيم التعاون مع المفتشين. ومن أهم الأوراق التي تملكها إيران هي الموافقة على حل كافة المشاكل المعلقة مع الوكالة خاصة فيما يتعلق بعمل زيارات جديدة للأربع مواقع غير المعلن عن وجود مواد أو أنشطة نووية بها وإعطاء تفسيرات مقنعة عن سبب وجود جسيمات يورانيوم مصنع في العينات التي حصل عليها المفتشون من بعض هذه المواقع وكذا العودة لكافة بنود اتفاق 2015م، مع القبول ببعض التعديلات المقبولة من الطرفين.       

أما أوراق الضغط الأمريكي الغربي في نوفمبر 2021م، فهي مماثله لمفاوضات 2015م، بالنسبة لرفع العقوبات رغم رفع العقوبات الدولية من مجلس الأمن ولكن تضاف لها العقوبات الإضافية التي فرضها الرئيس ترامب. وربما تكون جدولة رفع العقوبات بصورة أكثر واقعية وضمانًا للطرفين هي أحد الأوراق الأمريكية.

 قصر كوبورج التاريخي في فيننا والذي تمت فيه مفاوضات الجولة السابعة  

 

وفي جو من التفاؤل والتصريحات الإيجابية غير المتوقعة من كافة الأطراف في نهاية اليوم الأول من الجولة السابعة في 29 نوفمبر 2021م، والتي انعقدت في فندق القصر التاريخي كوبرج في قلب العاصمة النمساوية فيينا فسرعان ما تغير رأي المتفائلين بها إلى التشاؤم خاصة من الجانب الأمريكي بعد أن قدمت إيران ورقتين للتفاوض. يفهم من الورقة الأولى أنها متعلقة برفع العقوبات وخطوات تنفيذها وضماناتها والورقة الثانية متعلقة بتعهدات إيران بعودتها لالتزامات تقييد برنامجها النووي والتعاون مع الوكالة الذرية. وأتخيل أن التشدد في هاتين الورقتين هو السبب الرئيسي لإعلان الجانب الأمريكي عن تشاؤمه خاصة تكرار الغرب لجملتيهم أن 70 إلى 80% من نقاط المفاوضات كانت قد تم الاتفاق عليها بالفعل بين الجانبين في الستة جولات الأولى أثناء وجود القيادة السياسية السابقة في الحكم في إيران في الوقت الذي صرح كبير المفاوضين الإيرانيين الجديد، علي الباقري أن كل النقاط السابق مناقشتها والاتفاق عليها في الجولات الست السابقة قابلة للمناقشة مرة أخرى.

 توقعات ذاتية في قراءة مستقبل العودة لاتفاق 2015 أو تعديله:

العديد من بنود اتفاق 2015م، الهامة تنتهي بعد 10 سنوات من الاتفاق أي في أواخر 2025م، أي بعد 4 سنوات من الآن. ومن غير المنطقي أن تقبل أي دولة تتفاوض مع إيران حتى روسيا والصين هذا التوقيت.

والمنطق إنه لو هناك أمل في الوصول لاتفاق أن يعدل الجدول الزمني للاتفاق ليكون تعليق النشاطات الإيرانية الهامة لمدد تصل إلى 25 عامًا وأن توقع إيران البروتوكول الإضافي بصورة نهائية وأن تتعاون إيران مع الوكالة في حل كافة المشاكل المعلقة.

يأتي هذا في مقابل رفع العقوبات القديمة والجديدة بصورة تدريجية واضحة وخلال فترة زمنية محدودة ومضمونة. ولا يضاف لهذا الاتفاق أية مواضيع غير نووية مثل إنتاج الصواريخ أو التدخل في شؤون الدول الأخرى أو قضايا حقوق الإنسان في إيران.

وفي اعتقادي أنه من الصعب على الولايات المتحدة أن تقبل برفع العقوبات بصورة كاملة وفورية كما أن التطور الكبير في برنامج التخصيب الإيراني يضع إيران في موقع يمكنها من العودة في مسارها بعد رفع العقوبات. وهناك أيضًا شكوك في أن تقبل إيران بالتزامات تصل لمدد طويلة أو بالموافقة على الرفع التدريجي للعقوبات بعد تخلصها من المواد النووية الهامة التي أنتجتها وقبل رفع العقوبات بالكامل. وهناك أيضًا ضغوط شديدة من دول الجوار تدعوا الولايات المتحدة للتشدد في المفاوضات.

لهذا فأكون صادقًا بأني لا أشعر هذه المرة بالتفاؤل في وصول هذه الأطراف سريعًا لاتفاق وربما يستغرق هذا الأمر فترة طويلة تكون إيران قد أثرت ترسانتها بيورانيوم 90% صالح لعدة قنابل ذرية وربما نرى أول تفجير اختباري لقنبلة ذرية إيرانية خاصة أنه لو تم التعامل عسكريًا معها مثل التهديدات المستمرة من جانب إسرائيل قد يؤدي لانسحاب إيران من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية أسوة بما فعلته كوريا الشمالية عام 2003م، وإعلان نفسها الدولة العاشرة في العالم المالكة للسلاح النووي.

 

 

مقالات لنفس الكاتب