array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 170

تسعى دول مجلس التعاون لتحقيق رؤية تكاملية لإصلاح التعليم تستكشف 5 مجالات

الثلاثاء، 01 شباط/فبراير 2022

شهدت دول الخليج العربية، في العقود القليلة الماضية، وما تزال، بعضاً من أسرع معدلات النمو الاقتصادي، وما رافقه من تقدم ثقافي واجتماعي، حجز لها مكاناً علياً في معدلات التميز التعليمي في العالم. وإن لم يكن هذا التميز دفعة واحدة، إلا أن قادة المؤسسات التربوية يحاجون بأن أنظمة التعليم في هذه البلدان قد اعتمدت منذ بداياته الباكرة، التي أعقبت تنامي الثروة النفطية، استخدام أساليب تربوية مبتكرة، واتباع أفضل الممارسات في التدريس والتعلم، ليس فقط للطلاب، وإنما لتثقيف جميع المواطنين، حتى يكتسبوا المعرفة والمهارات ليكونوا أعضاء منتجين في المجتمع. وسيناقش هذا المقال بعض مفاهيم التعليم في دول الخليج من خلال قراءة أفضل الممارسات، وإشارات مقتضبة لنتائج البحوث والدراسات، التي أجراها خبراء في منطقة الخليج. وبما أن التعليم بدأ تقليدياً؛ كحال كل الدول العربية، إلا أنه أصبح من الواضح بشكل متزايد في السنوات الأخيرة أن دول الخليج بحاجة إلى استخدام أكثر دقة تقنيات التعلم المستحدثة لتلبية احتياجات المعلمين والمتعلمين، وتوفير أقصى قدر من المرونة في التعلم. 

لقد تبدت الحاجة إلى عملية متزايدة للتحديث لاستخدام التقنيات الإلكترونية، نظراً لأن المواد التعليمية متوفرة على نطاق واسع عبر هذه التقنيات أكثر من الأشكال الورقية القديمة، التي تجعل الاختيار بينها؛ من حيث الجدة والجودة أمراً ليس باليسير. ومن هنا، يؤشر هذا المقال على دور التقنيات الناشئة وأساليب التدريس المبتكرة، إلى جانب حقائق أخرى، في تجديد سمات التعليم في دول الخليج الستة؛ المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر، وعمان، والبحرين مجتمعة، لأن تفاصيل كلٍ منها على حِدة ليست هدف هذه القراءة السريعة والمختصرة، التي تتكامل بإضافة مساهمات الخبراء الآخرين، في هذا العدد من "آراء حول الخليج"، الذين قد يرون أن الوقت مناسب لدول الخليج العربي للانتقال إلى نظام تعليم إلكتروني مشترك، مع عدم إغفال الحاجة إلى تنفيذ نتائج ما يقوم به كل بلد على حدة من بحوث ودراسات، واعتماد أفضل الممارسات لاستصحاب أفضليات التعليم التقليدي ليلائم متطلبات العصر، وإحداث ثورة معرفية من خلاله تتجه لإعداد المتعلمين لاستشراف المستقبل، والاستجابة المُثلى لتطورات القرن الحادي والعشرين. الأمر الذي يستدعي أن يكون تطور التعليم في محط اهتمام الأكاديميين والطلاب في مجالات التعليم العام والعالي، وسياسات التربية، وتقنيات التعلم، وإصلاح مناهج التدريس في المستويات الأدنى؛ صعوداً إلى ما هو أعلى.

بناء على ما سبق، تجدر الإشارة إلى أن تسارع التحديث التربوي والتعليمي في منطقة الخليج يولد فرصاً، إلى جانب أنه يخلق تحديات كبيرة؛ تتمثل إحدى هذه التحديات في التعامل مع مجموعة واسعة من الفلسفات الأساسية للتربية والتعليم، وما يرتبط منها بنظام القيم، التي يلتزم بها المجتمع، ونظريات التَعَلُّم، أو فهم ما يمكن أن يشكل المعرفة، أو ما يمكن، أو ينبغي، معرفته للأشخاص المختلفين المعنيين من مواطنين ووافدين. ففي البحث التربوي، تميل النظرة العالمية، التي تتبناها العلوم الاجتماعية تقليدياً إلى الهيمنة الأيديولوجية، وهذا يجعل من الصعب على الباحثين إفهام وجهات نظرهم للآخرين، وإدماج رؤيتهم الخاصة لثقافتهم في حقل التنوع المجتمعي العالمي. ويمكن أن تؤدي الاختلافات بين وجهات النظر العالمية حول أصول التربية والتعليم إلى سوء تفاهم، مما يقلل بشكل أكبر من استعداد الأطراف المختلفة للعمل معاً، ومن احتمالية إيجاد حلول جديدة لمشاكل معقدة تتعلق بخصوصيات المجتمعات الثقافية. ولا شك أن قادة التربية والتعليم في دول الخليج يُدركون كل هذا، ويعرفون عملية تكامل أبحاث العلوم الاجتماعية فيما هم فيه معنيون، وذلك من خلال جهودهم في مواءمة بعض الفلسفات المختلفة الكامنة وراء العلوم الاجتماعية، وكيف يمكن لهذه الفلسفات أن تؤثر على استراتيجيات البحث التربوي لديهم، ومنهجياته ونتائجه.

إن قادة التربية والتعليم في دول الخليج العربية يولون أهمية كبيرة للفضيلة الأخلاقية لنجاح مجتمعاتهم، وهذا يدفعهم دائماً إلى طرح السؤال الأساس حول ما إذا كان من الممكن زراعة هذه الفضائل الأخلاقية في المناهج المستوردة والتعليم الأجنبي، الذي توسع بقدر كبير في الأعوام الأخيرة. مع الأخذ في الاعتبار أن هذا ممكن، فهم، في التقدير العام، غالباً ما يتبنون طرح ثلاثة أسئلة أخرى على الأقل، وهي: ما هي العناصر الأساسية للفضيلة الأخلاقية؟ وكيف يجب تنمية التصرفات والسلوكيات الفاضلة في المدارس والجامعات؟ وأخيراً، كيف ينبغي تنظيم المدارس لجعل تعليم المواطن والوافد ممكناً؟ وهذه الأسئلة المترابطة، التي قد لا تكون دائرة في الأذهان بهذا الترتيب، لكنها قطعاً هي محور الهم والاهتمام التربوي والتعليمي في المنطقة. فمن خلال النظر في هذه الأسئلة من مجموعة متنوعة من وجهات النظر الفلسفية، التي تتراوح بين علم النفس الأخلاقي وفلسفة التعليم والفلسفة السياسية، يتدارك القائمون على الأمر قِوَامَة وقيمة ما يمكن أن نسميه بـ"الخصوصية الخليجية". ويمكن أن يؤدي هذا الإدراك إلى توسيع نطاق وجهات النظر، التي تساهم في صنع القرار التربوي الأمثل، الذي يثري الجودة الشاملة للتعليم، ويجعله أفضل وأكثر قابلية للتطور الطبيعي من خلال الشعور بالملكية والتمكين، الذي تعززه التقاليد الأخلاقية للمجتمع، وكل ذلك من خلال زيادة احتمالية أن يلبي بشكل فعال احتياجات هذا المجتمع.

خصوصية الخليج:

تاريخياً، كان الغرض من التعليم في المجتمع الخليجي هو الحفاظ على الثقافة التقليدية ونقلها عبر الأجيال المختلفة. أما في الوقت الحاضر، فينظر القادة السياسيون والتربويون، في جميع أنحاء المنطقة، إلى التعليم كعنصر أساس في بناء الدول، ومحرك للتنمية الاقتصادية، ومعزز للتغيير الاجتماعي الإيجابي. وقد أدرك الحكام، في عملية التطوير والتحديث المتسارعة، أنه من أجل الحد من تآكل الثقافة التقليدية، يحتاجون إلى إعداد مواطنيهم للحفاظ على أصول هويتهم الثقافية، والإسهام في إدارة أعمال بلدهم، والتقليل، وربما التوقف، عن الاعتماد على المهنيين والخبراء الأجانب، الذين يشكلون غلبة في الوقت الحالي. وبالتالي، تم استثمار موارد كبيرة لتوفير فرص تعليمية أكبر للمواطنين؛ في الداخل والخارج. ومع ذلك، تظل الحاجة إلى التوازن قائمة، تتوخى تطوير أنظمة تعليمية يمكن أن تُخرِّج طلاباً قادرين على تلبية احتياجات المجتمع المتغير، مع الحفاظ في نفس الوقت على القيم الإسلامية التقليدية، الذي كان وما يزال التوازن بينهما يشكل تحدياً كبيراً. إذ يرى بعض الباحثين أن الإدخال المفاجئ للمفاهيم والممارسات الأجنبية قد يؤدي إلى اضطراب المجتمع، وقد أدى التفاعل المتسرع بين الخليجيين والغربيين إلى صراعات قيمية في بعض الحالات. الأمر الذي يمكن أن يقود، على المدى الطويل، إلى انقسام داخل المجتمع؛ بين أولئك الذين يشعرون أن التغيير على النمط الغربي ضروري للتقدم، وبعض أولئك الذين قد يشعرون أن هذا التغيير هو اعتداء على الأخلاق والقيم في مجتمعاتهم.

لهذا، فإن للتعليم في دول الخليج أكثر من رسالة ثقافية واجتماعية واقتصادية يسعى لكمالاتها، وتوازنات ينبغي مراعاتها، إذ تهدف؛ في الجانب الأول، إلى الارتقاء بمستوى ثقافة مواطنيها؛ وفي الجانب الثاني، تتطلع إلى تماسك مجتمعاتها على هُدَىً من قِيمها وميراثها الحضاري؛ وفي المستوى الثالث، تجتهد بِجِدٍ إلى تقليل اعتماد اقتصاداتها على النفط والصناعات الهيدروكربونية عبر تحديث المنظومات التعليمية. لذا، أقرت هذه الحكومات أن التعليم قطاع مهم في تشكيل ثقافة ومجتمع واقتصاد كل بلدانها، وأنه يلعب دوراً رئيساً في تنميتها الشاملة، التي لا تستثني أياً من هذه الجوانب. ولذا، أعلنت جميعها عن رصد مخصصات كبيرة في ميزانياتها للتعليم، بالإضافة إلى إصلاحات جوهرية في مناهجه، وطرق تدريسه. وأصبح التركيز على تعزيز جودة التعليم والوصول إليه في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي سمة بارزة؛ تؤكدها مبادرات بناء المدارس والجامعات، والمؤسسات التربوية المتخصصة، التي وُضِعَت على رأس الأولويات.

ولا نحسب أن خُطط التحديث قد جُمِّدَت على ما تم إنجازه، إذ لا يزال نظام التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي يتطور، وبمعدلات متسارعة وصاعدة. ويتلقى هذا القطاع الحيوي دفعة قوية من الدولة والمجتمع، حيث توفر الأولى، أي الدولة، الإمكانات المادية والبُنى التأسيسية، وترشده بالخطط الاستراتيجية، فيما يقدم له المجتمع الحوافز المثالية، مثل النمو السكاني، وزيادة الميل إلى الإنفاق الأهلي على التعليم الخاص، وتشجيع انخراط العدد المتزايد من المواطنين والوافدين فيه، والتأكيد المستمر على الأهمية المتزايدة للتعليم عالي الجودة في المجتمع، الذي تظهر تجلياته في سجلات القياس العالمية. وكل هذا لا ينفي أنه توجد مخاوف لدى الحكومات بشأن مدى استعداد الشباب من المواطنين لسوق العمل بعد التخرج، وخاصة في القطاع الخاص. لكن، يظل هدف إصلاح التعليم لتخريج شباب مهيئين جيداً لدخول وظائف في القطاعين الخاص والعام قضية رئيسة في منطقة الخليج؛ تتناولها الدراسات، وتتسابق إلى رتق فجواتها المعالجات. من بينها ما تُحاول أن تتداركه الإصلاحات الرئيسة، التي تشمل تنفيذ مناهج جديدة، وتحسين معايير التدريس، وزيادة الحرية المهنية، وتعزيز استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ ارتباطاً بسنن العصر، ولحاقاً بأصول التطور. 

عالمية التعليم:

في الوقت الحالي، تتجاوز معدلات الالتحاق بالمرحلتين الابتدائية والثانوية 90٪ في جميع دول الخليج تقريباً، حيث إن التعليم مجاني وإلزامي لجميع مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، ولا يستثني الوافدين. وتتمتع المدارس الحكومية والأهلية بسمعة طيبة، رغم أن بعض الدراسات تُظْهِر أن المدارس الخاصة، التي تقدم مناهج دولية، كخيار مفضل على المدارس العامة لدى البعض من المقتدرين، أو الذين ينظرون إلى تعليم أبنائهم كاستثمار أمثل يستحق الصرف عليه. وهناك حقيقة أخرى ينبغي أن تؤخذ في الحسبان، وهي أن المعاهد الخاصة، المُنْتَشِرَة عبر دول مجلس التعاون الخليجي، تجذب أيضاً العديد من الطلاب من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذين يسعون للحصول على تعليم جيد في منطقة قريبة جغرافياً من بلدانهم. لكن، رغم ذلك، فإن الصورة مختلفة على مستوى التعليم العالي، إذ يبلغ متوسط ​​معدل الالتحاق 23٪ عبر المنطقة، وهو أقل بكثير مما هو عليه في العديد من البلدان المتقدمة، التي تجتذب أعداداً متزايدة من الطلاب الأجانب. وربما هذا هو السبب، الذي دفع الحكومات إلى تشجيع العديد من الجامعات الأجنبية إنشاء فروع لها في الدول الخليجية، إذ تشهد هذه الدول نمواً هائلاً في مؤسسات التعليم العالي الأجنبية دعماً للسياسات الحكومية، التي تعزز إنشاء حرم جامعي محلي لأشهر الجامعات في العالم، وهي ظاهرة جديدة تشهدها المنطقة لأول مرة في تاريخها الحديث، أو ماضيها البعيد. ويرى قادة التعليم في دول الخليج أن هذا الاتجاه من المرجح أن يؤدي إلى تحسين جودة التعليم العالي في المنطقة، ويُعطي للطلاب فرصة المنافسة العالمية بعد التخرج.

من جانب آخر، فقد بدا واضحاً، ومن خلال وجود هذه الفروع المنتشرة للجامعات الأجنبية في منطقة الخليج، أن قطاع التعليم يقدم فرصاً هائلة للمستثمرين من القطاع الخاص الوطني والأجنبي، لا يقل أهمية عما يجنيه الطلاب من تعليم متميز. ويجذب هذا القطاع المهتمين بالتعليم العام والعالي، وإن بدأ التوسع بالأول، إلا أن الثاني يعد الأكبر والأسرع نمواً في هذا القطاع. كما تحظى القطاعات التعليمية المتخصصة الجديدة والواعدة الخاصة بالصناعة باهتمام متزايد من جانب المستثمرين؛ مثل، التدريب المهني، وتعزيز المهارات، والتعليم الإلكتروني. وتفعل دول مجلس التعاون الخليجي كل ذلك وهي مطالبة في الوقت الحاضر بمعالجة القضايا الرئيسة ذات الصلة بالجودة في مجال التعليم العالي بشكل يناسب ويحفز زيادة مشاركة القوى العاملة المحلية في القطاع الخاص. فإذا كان السبب الرئيس للاعتماد على العمالة الوافدة هو عدم كفاية التعليم العام، أو ضعف الكليات، ومخرجات الجامعات في دول المجلس، توجب على المؤسسات الحكومية المعنية تحسين الكثير من المتطلبات، كتدريب أعضاء هيئة التدريس، وترقية طرق التعليم، وتطوير المرافق. فإذا تم هذا سيضمن زيادة رأسية في الطلب على معاهد التعليم العالي في دول مجلس التعاون الخليجي في الحاضر، ومرشح للارتفاع في المستقبل القريب. فالنمو الهائل في مؤسسات التعليم العالي العام، ودخول القطاع الخاص، الذي كان مدعوماً بالسياسات المواتية، التي نفذتها الحكومات، التي تشجع على إنشاء حرم جامعي محلي لجامعات أجنبية مشهورة، فتح الباب واسعاً للمنافسة. وبينما كان هناك 37 جامعة فقط في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2002م، ارتفع إلى 62 في عام 2007م، ثم قفز إلى أرقام أكبر في وقتنا الحاضر.

وتجدر الإشارة إلى أنه، بالإضافة إلى الجامعات النظامية الحكومية، الذي ساعد بدوره في وجود ونمو الكليات والمؤسسات المتخصصة، التي وسعت من نطاق شبكة التعليم العالي في دول مجلس التعاون الخليجي، كانت زيادة الإنتاج المدرسي هي النتيجة المباشرة لتركيز حكومات دول مجلس التعاون على توفير التعليم المدرسي الأساس للمواطنين والوافدين. ومن هنا، جاءت ضرورة مراجعة مناهج التدريس في الفصل، ومساهمة المعلم الفردي في تطوير قاعدة المعرفة للطلاب، وهما قضيتان مهمتان، يقول المتابعون إنهما تعالجان الآن بشكل صحيح في كل دول المنطقة. والتقدير العام، يذهب إلى أن معاهد التعليم العالي الخاصة تقدم خدماتها لمجموعتين مميزتين من الطلاب؛ إحداهما هم أبناء المواطنين، والأخرى أبناء الوافدين. وكلا هاتين المجموعتين المتمايزتين لهما مجتمع ثقافي مختلف، وخلفية تعليمية مغايرة، الأمر الذي يجعل تلبية احتياجاتهما التعليمية من خلال مجموعة مشتركة من البرامج التعليمية تبدو صعبة، ما دفع معاهد التعليم العالي الخاصة إلى تطوير مناهج يمكن أن تستوعب احتياجات الطلاب المحليين وكذلك أبناء الوافدين. فمناهج مؤسسات التعليم في الدول المُضيفة للمغتربين ليست بالضرورة نافية لاحتياجات أبنائهم التعليمية، والاختلاف في التدريس والتعلم عبر الثقافات يجري تناوله من قبل معاهد التعليم العالي العامة والخاصة. علاوة على ذلك، ينبغي الاستمرارية في تطوير مؤسسات التعليم العالي العامة والخاصة وتحديث مناهجها بانتظام، حتى تكون مرنة بما يكفي لتلبية احتياجات مجموعات الطلاب المتمايزة من السكان المحليين والوافدين لتحقيق جودة أفضل، ووضع خطط تعويضية أفضل مرتبطة مباشرة بهذه الاحتياجات.

لهذا، من المتوقع أن تستمر معاهد التعليم العالي الخاصة، التي توفر مع روابطها في الجامعات الدولية المختلفة قاعدة تعليمية متنوعة، في النمو والتوسع. ولكن بسبب هذا التنوع، قد تظهر أيضاً بعض المشكلات المتعلقة بعدم الاتساق في مخرجات التعليم، التي تتطلب المعالجة بالشراكة بين حكومات دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، لأنها بحاجة إلى مراجعة ومعالجة القضايا الرئيسة باستمرار كمجتمع واحد بمسميات مختلفة، ومثل هذه الخطوة مطلوبة أيضاً في مجالات أخرى؛ مثل، تطوير البنية التحتية، والمناهج الدراسية، وتدريب أعضاء هيئة التدريس، على أساس السياسات والمعايير المشتركة. هذا، إضافة إلى تشجيع البحث الجماعي كضرورة لتطوير منهج تعليم عالي مشترك عبر مختلف مؤسسات التعليم العالي العامة والخاصة. كما أن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من البحث لتقييم احتياجات الموظفين المحليين والوافدين، ومن ثم مطابقة برامج الشهادات وفقاً لذلك. ففي حين أن الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي قد شجعت على التنويع التعليمي قبل سنوات عديدة، إلا أنها فعلت القليل نسبياً لتشجيع وتنظيم التعليم الأجنبي بفهم مشترك، خلق نوعاً من التفاوت فيما بينها. وربما تأخرت العديد من الإجراءات المُمَكِّنَة له، في بعض الدول، بسبب الخوف من تأثيره على الهياكل الاجتماعية والحياة الدينية القائمة. وبينما تواصل المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان التركيز على توفير الدولة لفرص التعليم الوطني، تقود الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر والكويت ومملكة البحرين الطريق في جذب الاستثمار الأجنبي وتشجيع المنافسة في القطاع الخاص من أجل رفع المعايير التعليمية. لكن معظم الحكومات تدرك الآن أن المزيد من الناس بحاجة إلى الحصول على تعليم جامعي بمستوى عالمي إذا أريد للاقتصاد أن يتنوع ويتطور، ولقطاعات جديدة من المجتمع أن ترتقي وتزدهر. ويؤدي هذا إلى خلق فرص تجارية للمدارس والجامعات في جميع أنحاء العالم، وتُجْبِر المؤسسات المحلية على الارتقاء إلى مستوى التحدي، وتثقيف القوى العاملة الوطنية لمجابهة تقلبات المستقبل.

ولهذا، كان من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان هذا التوجه الأخير للتعليم الجامعي سيتبعه حركة موازية لصالح التعليم المهني. إذ إن هناك العديد من الوظائف، التي تحتاج إلى الأيدي العاملة الماهرة، التي يمكن أن يقوم بها مواطنو الخليج، لا سيما في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية، مثل المملكة العربية السعودية، بما في ذلك النجارين والسباكين والكهربائيين؛ هذه الوظائف، التي يسيطر عليها حالياً العمال الأجانب الوافدون. ومع ذلك، ومع ما تم إحرازه من تقدم في هذا الاتجاه، إلا أن الاعتبارات الثقافية والاجتماعية المُقَيِّدَة لانخراط المواطنين في العمل اليدوي ستستمر في الحد من نسبة الانخراط في هذه الوظائف. رغم أنه يجري الاعتراف بشكل متزايد بفوائد زيادة مساهمة التدريب المهني في مجالات تخصصات علوم الصناعة، والتجارة، والبيئة، وغيرها. ومع ذلك، يظل التكامل بين العلوم الأكاديمية والمهنية محدوداً في دول الخليج، ويرجع ذلك جزئياً إلى الحاجز الناجم عن الاختلافات الاجتماعية الرئيسة في وجهات النظر بين مجالات الوظيفة والمهنة. رغم أنه، على مدى الثلاثين عاماً الماضية، كان هناك تركيز متزايد على فهم ضرورة المزاوجة بين المساقين الأكاديمي والمهني، فيما يتعلق بالإدارة التربوية، بما في ذلك ربط الخريجين بسوق العمل، إلا أن هناك تكامل محدود فقط بينهما. ومع الاعتراف المتزايد بالأزمة الناشئة من الاعتماد على الوافدين في إنجاز المهام المهنية الضرورية، تتزايد الدعوات للمقاربات الموضوعية بين التخصصات الأكاديمية والمهنية للمساعدة في فهم وإدارة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في الدولة والمجتمع.

رؤى خاتمة:

لقد أدرك التربويون؛ فيما تقدمت الإشارة إليه، كيف يرتقي الطلاب والمعلمون والمدارس في دول الخليج العربية معاً، لا سيما في عصر الضغط المتزايد من وسائل التواصل الاجتماعي، والواجبات الافتراضية، والاختبارات الموحدة. ومع التحديات المتزايدة للأوبئة، وللصحة العقلية للطلاب ورفاههم، والإرهاق المتكرر للمعلمين، تسعى العديد من المدارس إلى تحقيق التحصيل الأكاديمي كمؤشر أساس للنجاح. ولكن، هذا النهج حسن النية يمكن أن يؤدي إلى وجهة نظر اختزالية يُنظر فيها إلى الطلاب، في كثير من الأحيان، على أنهم إحصاءات، وليسوا بشراً لهم احتياجات إنسانية أخرى. ويعرف المعلمون وقادة المدارس وأولياء الأمور، وبالطبع الطلاب، أن الارتقاء هدف أوسع وأكثر شمولية للتعليم. ولكن ما الذي يجب عمله، إذا كان الهدف من بعض جهود الإصلاح هو دعوة المعلمين للعودة إلى رؤية أفضل لهذا الارتقاء؛ ضمن إطارٍ تربويٍ قويٍ، مع التوجيه العملي اللازم للتنفيذ على أرض الواقع. ولإنجاز ذلك، ينبغي أخذ هذه الرؤية باستكشاف خمسة مجالات أساسية؛ جرى تحديدها من خلال بحوث تجريبية مكثفة، وتشمل: الهدف، والعلاقات، والتعلم، والموارد، والرفاهية، التي اعتبرت مورداً مثالياً للتطوير الأكاديمي والمهني ومدخلاً للتخطيط التربوي الاستراتيجي. وتلتزم بعض المؤسسات التربوية في الدول المتقدمة بإصرار بالمبدأ القائل بأن "أي شيء يستحق البناء لا يمكن بناؤه بمفرده"، ويسعى مجلس التعاون الخليجي لتحقيق هذه الرؤية التكاملية. وبالتالي، فإن رؤية الارتقاء هنا هي مبدأ يُفهم فيه المجتمع المدرسي على أنه نظام اجتماعي مترابط، حيث "يعتمد ارتقاء كل فرد على ارتقائهم معاً".

ووفقاً لذلك، يتم إلهام المعلمين والإداريين وتجهيزهم لإعادة تشكيل مدارسهم كأماكن يمكنهم فيها؛ جنباً إلى جنب مع طلابهم، الارتقاء معاً في مجتمع مليء بالحيوية والحياة. فالقادة التربويون ذوو الخبرة والسمعة الرفيعة، هم فريق رائع، قادر على الجمع بين الأفضل في التعليم المدرسي بين التقاليد والمعاصرة، وهم من ذوي المعرفة والإلهام، ومؤمنون بعمق بقيمة الأخلاق وصفاء الخيال العلمي، ومحدّثون في الأبحاث ذات الصلة بالتربية والتعلم والرفاهية. وقبل كل شيء، فهم يجمعون بين الرؤية المختبرة والمبادئ التوجيهية العملية للمعلمين والطلاب، ويدركون أن النتيجة هي الحكمة، التي يأمل الناس أن تشكل المدارس، التي يرتادها أطفالهم وأحفادهم. فالعصر، الذي يشهد إرهاقاً واسع النطاق للمعلمين، وانفصال الطلاب عن حضن التربية الأسرية، وإدمانهم العيش في ملاذاتهم الافتراضية الهشة، يحتاج إلى ما هو أبعد من مجرد التعليم، بل يتطلب التفكير بعمق فيما تعنيه الحياة والانتماء داخل مجتمع مدرسي راقٍ، يوفر الفرصة للانخراط في الحوار والتعاون، وفي النهاية امتلاك الشجاعة والحكمة لاحتضان المعرفة، التي تقدمها المدرسة، وتلك التي يزخر بها المجتمع، وتعده ليمخر بأمان بحر الاحتمالات داخل غياهب الفضاء الافتراضي.

ففي عالم يريد تحويل التعليم إلى إدارة بيانات بيروقراطية، أو تكدس المعلومات، أو الاستقامة الأيديولوجية، تحتاج دول الخليج إلى كل مورد يمكنها من التفرد، الذي يزاوج بين الأصالة والمعاصرة، وبين حسنات القديم وعطاءات الجديد. فالأفضل في عالم اليوم قد لا يسهل الحصول عليه بغير تكلفة ثقافية واجتماعية واقتصادية، غير أن الذي يتوخاه التربويون هو أنه في صميم العملية التعليمية يكمن السعي وراء الارتقاء الروحي والأخلاقي والفكري، وذلك من خلال تجسير العلاقة بين الطلاب والمعلمين والمجتمعات. ولذلك يتطلب الأمر حشد طاقات المجتمع كلها كموارد رافدة للتعليم، وهذا هو النوع المطلوب من الموارد، الذي يبدأ من نقطة التساؤل الجماعي حول ما هو جيد؛ بدلاً من الغرق في أسئلة حول ما هو حديث؛ على أهميته وضرورات فحصه وتبني الصالح منه، ومن ثم الحصول على الإجابات الكلية من خلال نهج شمولي وأبحاث قيمة، يقرأها ويُقِرّها القادة التربويون والمجتمع للحصول على نظرة جديدة حول كيفية ارتقاء المجتمع برقي التدريس والمدارس. ويهدف هذا النهج متعدد الأبعاد، الذي ينبغي أن يكون متعدد التخصصات إلى دمج الأساليب المختلفة بطرق تؤدي إلى فهم جديد لقضية التعليم، أو تحقق غاية لم يكن من الممكن تحقيقها من خلال وجهات النظر والأساليب التقليدية أحادية التخصص. ويذهب هذا النهج إلى أبعد من ذلك عبر إشراك مجموعة من أصحاب المصلحة، بمن في ذلك غير الأكاديميين، الذين يلعبون دوراً في وضع جداول أعمال البحث والأسئلة، التي تستفسر طبيعة مجتمعات دول الخليج العربية، وتعي احتياجاتها.

مقالات لنفس الكاتب