; logged out
الرئيسية / هل يصنع تعليمنا إنسانًا مثقفًا؟ ... قراءة تأملية التفكير الناقد اللبنة الرئيسية لولوج فضاءات المعرفة والإبداع وتطور العلوم

العدد 170

هل يصنع تعليمنا إنسانًا مثقفًا؟ ... قراءة تأملية التفكير الناقد اللبنة الرئيسية لولوج فضاءات المعرفة والإبداع وتطور العلوم

الثلاثاء، 01 شباط/فبراير 2022

مدخل: يمثل التعليم بما يعكسه من قيم أخلاقية ومنظومة معارف متنوعة، من أكثر المواضيع إلحاحًا للنقاش ضمن ثنايا أي مجتمع مدني ناهض، وهو ما حمل القائد الفرنسي ديجول، الذي حين استشرى الفساد جُلَّ أركان جمهوريته، وكاد أن يقضي عليها في الربع الثاني من القرن العشرين المنصرم، إلى أن يتساءل: وهل وصل الفساد إلى الجامعات؟ فأجيب بالنفي، فما كان منه إلا أن اطمأن بأن هناك إمكانية كبيرة لإصلاح الأوضاع.

هكذا نظر الرئيس ديجول إلى التعليم وأدرك أهميته في صناعة مجتمع واع ومدرك ومسؤول، إذ ترتكز فكرة التعليم على إضاءة تلك الشمعة في أذهان المتعلمين التي بها يتم تعزيز ملكات الوعي في أفئدتهم وعقولهم، وهو أول ركن في معركة محاربة الجهل والتجهيل، وأول مدماك في بناء حالة ثقافية واعية في أروقة أي مجتمع، ولذلك فالسؤال المهم هو: هل يصنع التعليم في واقعنا العربي إجمالا والخليجي بخاصة إنسانًا مثقفًا؟ بمعنى: هل يهتم التعليم في شكله ومضمونه بأمر تعميق حالة الوعي الإدراكي لدى الطلاب عبر تعزيز مهارة إثارة السؤال في أذهانهم بوجه عام، وسؤال الحيرة والدهشة أو بتعبير المتكلمين السؤال اللامفكر فيه بوجه خاص؟

استفهام يستحق التأمل فيه والإجابة عليه بشفافية ووضوح، على أنني وكمتخصص أقول بأننا قد سكبنا كلمات وراء كلمات، وكتبنا جُمَلا يتلوها جُمَل، ومع ذلك فلا يزال إشكال التعليم قائمًا على حاله، ولا أظن الأمر مقتصرا علينا لوحدنا، بل هو داء شمل بضُرِّه مختلف أنحاء وطننا العربي للأسف.

في هذا السياق تشير الكثير من الدراسات إلى أن الإشكالية الجوهرية للتعليم العام في العالم العربي كامنة في نوعيته، وعمليات تنفيذه، والنواتج المتدنية رغم بعض الإنجازات الكمية. وحسب تقرير البنك الدولي (2019م) فإن المواد التي تتم دراستها والنهج التربوي المستخدم في العديد من الفصول الدراسية في الدول العربية تتسم بطابع تقليدي ليس له علاقة بحياة الطلاب اليومية، ويتم تقديم المواد على شكل مجموعة من الحقائق والعمليات التي يجب حفظها، بطريقة لا تشجع التعلم المستقل أو الاستفسار. كما أن العلاقة بين النظرية والممارسة تبقى غير مستكشفة، وكذلك الروابط بين الماضي والحاضر. والأخطر أن التقرير قد استنتج أن مفهوم التعليم في مؤسساتنا يطغى على مفهوم التعلم. مع الإشارة إلى أن التقرير قد حدد عددًا من التحديات التي تواجه التعليم ومنها: القدرة على بناء المهارات الأساسية اللازمة من الطفولة المبكرة مرورًا بصفوف المدرسة الأولى لتحقيق التعلم والنجاح في المستقبل؛ والتأكد من أن المعلمين ومديري المدارس مؤهلون، باعتبارهم أهم المدخلات في عملية التعلم، وأنه يتم اختيارهم بشكل جيد، والاستعانة بهم بشكل فعال، وتحفيزهم على التطوير المهني المستمر؛ وتحديث علم التربية وممارسات التعليم لتعزيز ملكة السؤال والإبداع والابتكار.

وبالنظر إلى واقع التعليم في المملكة العربية السعودية وحتى نهاية العقد الأول من القرن العشرين، يمكن القول بأن الحال لم يتغير بصورة إيجابية، بل تشهدُ المُخرجات بأن جودة ومتانة التعليم قديمًا كان أفضل مما هو عليه مؤخرًا، سواء على مستوى التعليم العام أو العالي. وبالتالي وأمام ما نعيشه من واقع غير مرضي تصبح الحاجة ماسة إلى عقد ورش عمل متنوعة، وحلقات عصف ذهني بين مختلف شرائح التعليم العام والعالي، بهدف الوصول إلى أفضل آليات التطوير التربوي والتعليمي، وتحديد غاياتنا الاستراتيجية من التعليم، ورسم خارطة طريق واضحة لبلوغ الغاية والمراد.

على أن قيمة ذلك لن تكون كاملة وفاعلة وتحقق النجاح المطلوب إلا إذا ابتعدنا عن ظاهرة استجلاب تجارب تعليمية خارجية، لا يستجيب لها تعليمنا، لاختلاف البيئة، وذهنية التفكير الجماعي المعاش، إذ لكل مجتمع خصائصه النفسية، وطبائعه الاجتماعية، وعاداته السلوكية، وأبعاده التاريخية، التي لا يمكن الانفصال عنها بأي حال من الأحوال.

  • البيئة الصديقة للتعليم:

في هذا الإطار أشير إلى أن التعليم العام يرتكز على مثلث من ثلاثة أضلاع مهمة ومتساوية في القوة والمردود وهي: المعلم، والمنهج، والمبنى التعليمي، ولا يختلف اثنان في حاجة كل ضلع إلى تطوير في المتن والمضمون وليس الشكل والمظهر وحسب، وإذا كان ضلع المنهج قد حظي باهتمام خلال الفترات السالفة، وحظي ضلع المعلم باهتمام وتطوير مؤخرًا، فإن ضلع المبنى المدرسي لا يزال غائبًا عن صانع القرار، وأتصور أنه قد آن الأوان لإيجاد مخطط هندسي لمدارسنا تتوافق سماته من حيث الشكل والمواد المستخدمة في البناء والمساحة أيضًا مع البيئة الصديقة المحفزة للتعليم، التي لا ترتكز على ثقافة الكم وإنما ثقافة الكيف، وتكسر حاجز العزلة بين الطالب ومحيطه البيئي، التي تُمثل النوافذ المغلقة وغالبًا ما يتم تجليدها بشكل عبثي، أحد ملامحها الرئيسة.

والأمر لا ينتهي بالتخرج من المرحلة الثانوية، بل أراه صار ممتدًا إلى أروقة الجامعات التي بات أغلبها غير محفز لتحقيق غاية التعلم، وصارت أقرب إلى الثانويات العليا بما تقدمه من نهج تلقيني لا جهد فيه ولا ابتكار، وليست العلوم الإنسانية بمنأى عن ذلك أيضًا، فما أحوجنا إلى طالب قادر على أن يغوص في أفانين المعرفة بحثًا وتأملاً واستنطاقًا، ليناقش بعد ذلك كل ما وصل إليه مع أستاذه في منحى علمي بهيج، تحقيقًا للقاعدة التي تقول: إنما العلم بالتعلم.

ولذلك فمن المفترض أن تمثل المدرسة ومن ثم الجامعة المساحة الأرحب التي تتبلور فيها شخصية الطالب والطالبة بشكل أكثر إيجابية وعملية، ولن يتأتى ذلك في قاعات الدرس، وبين ردهات الكتب التعليمية، وإنما في ثنايا الأنشطة الثقافية المتنوعة، التي يمكن أن ينخرط فيها الطالب في التعليم العام والجامعي بجنسيه. على أن ذلك ليس متيسرًا كما يبدو، فكم طالبًا وطالبة قد تخرجا من المدرسة والجامعة دون أن ينخرطا في أي نشاط ثقافي، ودون أن يكتشفا أي موهبة كامنة في داخلهما، بل إن كثيرًا منا قد خرج كما دخل من حيث طبيعة التجربة المعرفية والمهارات الحياتية المتنوعة.

  • ما الغاية من التعلم؟

وهنا يبرز سؤال وجودي وهو: ما الغاية من التعلم؟ هل اكتساب المعلومة هو الغاية والهدف؟ أم أن الأمر متعلق بشيء آخر؟

حتمًا الأمر أكبر من اكتساب معلومة هنا أو هناك، ولم يكن ذلك عَصِيَّا في السابق، فكيف به اليوم وقد بات محرك البحث العنكبوتي كـ "قوقل" مثلاً، أو كما يصفه البعض تمُلحا بـ "الشيخ قوقل"، مصدرًا لكثير من المعلومات، وصار بإمكان أي أحد قادر على القراءة أن يَعلم ما يشاء، وفي أي وقت يشاء، فهل تحققت الغاية من التعليم بذلك؟ أعود وأقول: حتمًا لا، فالمراد بالتعلم هنا أكبر مما يُفهم بصورة قاصرة، وقديمًا قالوا: من كان شيخه كتابه، كثر خطؤه وقل صوابه.

الغاية من التعلم ليس اكتساب معلومة، وإنما بلوغ حدٍّ جيد من معرفة كُنه تلك المعلومة، وقيمة المعرفة هنا لا تتأتى إلا بملازمة شيخ، أستاذ، عالم، أيا كان لقبه، إذ من خلاله يتعلم الطالب قواعد سلوكية، ويدرك أفاقًا تأملية، ويستوعب منهج صناعة السؤال المعرفي، وهو ما سيحقق مفهوم "عَلِم" وصولاً إلى الغاية الكبرى وهو مفهوم "عَرَف"، التي تشكل أول لبنة من لبنات الثقافة بمفهومها الشامل والعميق.

أسوق كل ذلك اليوم وأنا أستشعر مرارة الألم في ذهني من فكرة تعميم "التعليم عن بعد"، التي بات يُروَّج لها اليوم جراء تنفيذها بسبب قواعد الحظر التي فرضت مع جائحة كورونا، وأسأل وزراء التعليم في عالمنا العربي جملة ودول مجلس التعاون الخليجي بخاصة: هل حققنا الغاية من التعليم وفق مفهوم "عَلِمَ وعَرَفَ" في المراحل السالفة لنتمكن من تحقيقها اليوم عن بعد؟ وفي ظل أزمتنا المنهجية مع التعليم هل سنخوض غمار تجربة أخرى تعتمد الغيبية منهجًا، ونحن لم نجهز طالبًا مسؤولاً أولاً؟

إنما العلم بالتعلم، والمعرفة بالتتلمذ المباشر بين يدي أستاذ، وكما أن التربية الصالحة لا تكون قائمة على أصولها إلا بالممارسة الحية والمباشرة بين أبوين صالحين وأسرة واعية، فكذلك التعليم لا يستقيم أمره إلا بمباشرة معلم وأستاذ مباشر تستشعره ويستشعرك، وليس روبوتًا آليا يقتل ما بقي فينا من إدراك ومشاعر.

أمام أهمية ذلك يبرز سؤال وجودي أخر وهو: هل يعيش المعلم وهو أحد أضلاع الحركة التعليمية الرئيسية حالته التي يجب أن يكون فيها وعليها؟ حتمًا ستكون الإجابة بالنفي، إذ وعلاوة على أنه قد ألحق بالتعليم العام في فترة ماضية كل من امتلك درجة البكالوريوس دون النظر إلى صلاحية تخصصه من عدمه، حتى أنه تم توظيف خريجي العلوم السياسية والاقتصاد والفيزياء النووية والآثار كمعلمين في المرحلة الابتدائية ودون أن يكون لهم أي علاقة بالتعليم، ثم كان الأدهى والأمر أن يتم تعيينهم معلمين في المرحلة الأكثر حساسية من حيث القيمة والمعيار وهي المرحلة الابتدائية، إذ كانت القصة في ذهن مسؤولي التوظيف محصورة في تدريس الحروف الهجائية، وتعليم قصار السور، وهكذا نشأ جيل وراءه جيل، وتنامى في الذهن مرة بعد مرة سهولة تدريس المرحلة الابتدائية، ثم سهولة التعليم العام، وصولا إلى هامشية المعلم من حيث طبيعة وظيفته وقيمة ما يؤديه من عمل.

  • استعادة الثقة أولا:

من أجل ذلك فَقَدَ المجتمع الثقة في المعلم الكفؤ، وصار واجبًا اليوم إعادة الثقة به وبقدراته الوظيفية، المختلفة بمميزاتها وخصائصها عن غيرها من القدرات الوظيفية الأخرى سواء في القطاع الخاص أو الحكومي. ذلك أنه بما يملك من قدرة، وبما أوتي من حكمة، مكلف بتشكيل ذهنيات أبنائنا، وتطوير قدراتهم المهارية والإبداعية، وبالتالي فإن ظروف عمله تتطلب التعامل معه بأسلوب مغاير عن باقي موظفي القطاع الحكومي والخاص، الأمر الذي حرصت على تطبيقه مختلف الدول المتقدمة، بهدف تحقيق غاياتها الاستراتيجية العليا، مما جعل المعلم، باعتباره الضلع الرئيس في العملية التربوية والمعرفية، يتبوأ مكانة عالية في سلمها الوظيفي والاجتماعي، ويعيش تفاصيل وظيفته بالصورة التي تتواءم مع احتياجات طلابه، بعيدًا عن بيروقراطية وفلسفة مسؤولي الوظائف المكتبية، البعيدين عن طبيعة الميدان التربوي والتعليمي، الذين أرهقوا أنفسهم ومجتمعهم الوظيفي بالعديد من الأنظمة البيروقراطية السلبية.

بهكذا سبيل أجزم بأننا سننتج معلمًا قادرًا على تعميق درجات الوعي الإدراكي في أذهان طلابه، وهي أولى الخطوات صوب النهضة المنشودة التي تصنع إنسانًا قارئًا واعيًا مدركًا متسائلاً، بما نسميه "مثقفًا" في اصطلاحنا المجتمعي، ليكون قادرًا على خوض أهم معركة في حياته وهي معركة الوعي بذاته، والوعي بأفكاره، بقدراته، بمجتمعه، بمحيطه الإنساني؛ وليس الأمر سهلاً كما يتخيل البعض وإلا لما عاش الكون في إشكال مستمر حتى اليوم.

  • معركة الوعي:

في هذا السياق يمكن تعريف الوعي بأنه: ذلك الفهم الناتج عن المحصول المعرفي الذي ينضوي عليه عقل الإنسان، بالإضافة إلى وجهات النظر المتعلقة بالمفاهيم المتنوعة حول مختلف القضايا الحياتيّة والمعيشيّة؛ والوعي في هذه الحالة قد يكون إيجابيًا أو زائفًا، وفقًا لطبيعة وهوية المحصول التعليمي المعرفي الذي يتعرض له عقل الإنسان وينضوي تحت لوائه، ولهذا فالفيصل بينهما يعتمد على مدى امتلاك المرء لأدوات التفكير الناقد التي بموجبها يكون قادرًا على التحليل والمقارنة والاستيعاب للتخلص من التأثير السلبي للوعي الزائف، وبلوغ حقيقة الوعي الإيجابي الذي به ينهض وينهض مجتمعه.

ولا شك فإن مؤسسات التعليم العام والعالي، هي القاعدة الأساس التي يتشكل من خلالها وعي الإنسان، ولا يكون ذلك إلا بتحقيق التوازن بين حقلي العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية، حيث اقترحت مؤشرات العلوم الإنسانية التي كُشف النقاب عنها في عام 2009م، من قبل الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون، فكرة تعميم تعليم العلوم الإنسانية على جميع الطلاب، بمعنى أن يتوجب على كل طالب أن يدرس العلوم الإنسانية إلى جانب تخصصه. وكانت جامعة شيكاغو وكولمبيا من أوائل من فرض دراسة الفلسفة والتاريخ والأدب والفنون على جميع الطلاب.

وواقع الحال فإننا بقبولنا تدريس علوم الفلسفة والتاريخ في مختلف مراحل تعليمنا وحقوله المعرفية، نكون قد أسسنا اللبنة الأولى لصناعة طالب مثقف قادر على ممارسة ثقافة التفكر والتدبر، وإنتاج السؤال، وممارسة ثقافة الحيرة العلمية وطرح سؤال الدهشة حين دراسة المعلومة، وسيسهم ذلك في تعزيز قبول طلابنا للعديد من النظريات العلمية التي يتم تدريسها في مختلف المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء، ولن يجد أبناؤنا في حينه أي تناقض سلوكي بين ما يتم تدريسه لهم في جانب المعارف العلمية، مع ما يتم تدرسيهم إياه في جانب المعارف الإنسانية، وهو ما سيزيد من قدراتهم المعرفية بشكل سليم، ويدفع بالعملية التعليمية إلى آفاق أوسع، ويخلق إنسانًا مثقفًا فاعلاً بصورة إيجابية.

  • اللبنة الأولى في بناء الشخصية المثقفة:

في هذا الإطار بات واجبًا الإشادة بالخطوة التصحيحية التي قامت بها وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية التي أقرت مؤخرًا تدريس منهج "التفكير الناقد" في تعليمها العام، وهو النموذج المثالي الذي يرتكز على قيم فكرية عالمية مثل: الوضوح، والدّقة، والعمق، والاتساع، والإنصاف، وهي مهارات تساعد الطالب والطالبة على إمكانية التحليل الموضوعي لمجمل ما يصله من خبر ومعلومة، والقدرة على النقاش بمنهجية، وهو ما يسهم في حل كثير من المشكلات، ويساعد على الانفتاح على الآخر، ويؤدي إلى حدوث مرونة في التفكير وتلقي مختلف الأفكار بحيادية، ناهيك عن دوره الفاعل في تخفيف الأثر السلبي لآلية التعليم التلقيني التي كانت ولا تزال مدار الشكوى من العملية التعليمية التقليدية المرتكزة على أسلوب الحشو كمًا لا كيفًا.

ذلك أن التفكير الناقد سيهتم من حيث معناه بالبحث في دلالات الأشياء وحكمة صنعها ووجودها، والتفكير في أسباب تغيرها، واستفراغ الوسع الذهني في معرفة العلل العقلية والنفسية والنوازع الذاتية، التي يكون لها الفعل الأكبر في تحديد خواص التأثير والتأثر، ولذلك فقد عدَّه العلماء اللبنة الرئيسة لولوج فضاءات المعرفة، وهو ما تفوق فيه العلماء المسلمون في عصور النهضة الإسلامية، وأفردوا له أبوابًا واسعة في حلقات نقاشهم المعرفي، وخلال تدوينهم الكتابي، تحت مسمى علم المنطق، وكان من جراء ذلك أن أبدعوا في مختلف جوانب المعرفة، وتوجوا دراساتهم بالعديد من النظريات العلمية التي كان لها أكبر الأثر في تطور وتيرة العلوم والمعارف حتى الوقت الراهن.

وكان لغياب أدوات التفكير الناقد القائم على إثارة السؤال والسؤال اللامفكر فيه تحديدًا، أثره السلبي الواضح على مسارنا التعليمي سابقًا، ولذلك فإن إقرار تدريس مادة التفكير الناقد ضمن سياقنا المنهجي سيكون له أثره الإيجابي مستقبلاً، حيث ستتعزز ثقافة ممارسة التفكر والتدبر وإنتاج السؤال، وسيسهم ذلك في تعزيز تقبل أبناءنا فكريًا للعديد من النظريات العلمية سواء في مادة الرياضيات أو الفيزياء وغيرها، وهو ما سيدفع بالعملية التعليمية إلى آفاق أوسع تمكن من ولوج عوالم الألفية الثالثة بثبات، وتخلق حسًا إبداعيًا ثقافيًا في نفوس وأذهان النشء، الأمر الذي يتسق مع الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بوجه عام.

مقالات لنفس الكاتب