; logged out
الرئيسية / المجتمع المدني الخليجي: محددات الدور والفاعلية

المجتمع المدني الخليجي: محددات الدور والفاعلية

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

فرضت منظمات المجتمع المدني داخل دول مجلس التعاون الخليجي نفسها على الواقع المجتمعي والسياسي في هذه الدول، بحيث أصبح الحديث الآن عن إيجاد دور إصلاحي وتنموي لتلك المؤسسات ومنظماتها، وبالتالي إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع وحدود الارتباط بين فلسفة العمل الأهلي القائمة وارتباطها بعملية التحول الديمقراطي.

إن المجتمعات الخليجية لا يزال يغلب عليها الطابع التقليدي رغم ما تحمله من سمات المجتمع الحديث، وبالتالي فإن متطلبات عملية التحول والانتقال تكون أصعب من تلك التي تشهدها المجتمعات الحديثة. لذا يبدو أن عمليات بناء المجتمعات في ظل عملية التحول تتطلب توافر حالة من البناء المتوازن حتى يمكن تجاوز العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية ومواطن الضعف الاقتصادية والسياسية، وهو ما لا يتأتى إلا من خلال توافر رؤية استراتيجية واضحة تأخذ في الحسبان مقتضيات الواقع الجديد الذي يفرض تغير دور المواطن من ناحية، ومتطلبات رسم جملة من السياسات والبرامج الهادفة لتعزيز هذا الدور من ناحية أخرى. وفي هذا السياق، تشير مجموعة من المؤشرات الدالة على نمو حركة المجتمعات العربية، ومنها المجتمعات الخليجية، إلى تغير العديد من أوجه المعادلة التي حكمت العلاقة بين الدولة والمجتمع في العالم العربي. هذه النتيجة التي يمكن تلمسها بوضوح تقابلها نتيجة أخرى ترتبط بتباين درجة التطور المجتمعي بين الدول العربية، وأيضاً التبابن في درجة تطور النظم السياسية.

العمل الأهلي في دول مجلس التعاون الخليجي ما زال يغلب عليه الطابع الخيري

والملاحظ أن النظم السياسية الخليجية استندت، في ترسيخ دعائمها وتحقيق التوازن الداخلي مع القوى الاجتماعية التقليدية، إلى مجموعة من الركائز يأتي في مقدمتها ما أفرزه نمط (الدولة الريعية) من تطورات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

فقد امتلكت الدولة درجة عالية من الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي، كما امتلكت الدولة حرية اختيار الفئات الحليفة لها، فضلاً عن سيطرتها على النشاط السياسي من خلال أجهزه بيروقراطية. وبالتالي كان للصعوبات المالية وأثرها الواضح في تراجع سياسات الرفاه التي تبنتها الدول الخليجية في مرحلة سابقة، انعكاساتها المباشرة على علاقة الدولة بالمواطنين، وهو ما عبرت عنه موجات المطالبة بالمشاركة السياسية وزيادة حيز الديمقراطية. إذ تجمع تجارب المجالس الاستشارية رغم اختلاف مسمياتها وطبيعتها (باستثناء الكويت التي فيها مجلس نيابي) على دوافع متشابهة لقيامها من ناحية، وكونها إفرازاً مباشراً لمجموعة الضغوط والمطالب التي تتعرض إليها الدولة في الخليج من ناحية أخرى، ومن ثم كانت الرغبة في استيعاب مجموعة المتغيرات المجتمعية وإضفاء الإطار الديمقراطي على النظام، مترجمة لهامش حركة تلك المجالس ومفسرة لتباينها بين الدول الخليجية.

وبالتالي فقد تباينت التأثيرات العاكسة لدرجة التطور السياسي فيما بين دول مجلس التعاون الخليجي لتتراوح بين تلك الناتجة عن صعوبات عملية التطور الديمقراطي كما تعكسها الانتخابات البرلمانية الكويتية، وبين تلك الناتجة عن الركود السياسي كما توضحه أعمال العنف التي شهدتها البحرين (في أحد جوانبها) خلال أعوام 1995 و1996 و2011. والملاحظ أن الرغبة في التغيير كانت الدافع والقاسم المشترك لتحريك معظم الأحداث التي شهدتها الساحة الخليجية في السنوات القليلة الماضية وإن اختلفت في الأهداف والآليات، لتتراوح ما بين الحرص على الخروج من حالة الركود العامة للدولة، وبين هدف التطوير التدريجي لصلاحيات مجالس الشورى. وقد أدى نجاح التغيير إلى تدعيم التفاؤل بإمكانية زيادة هامش المشاركة السياسية، لاسيما مع غياب الانقسامات الحادة تجاه القضايا الكبرى للتطور السياسي - الاجتماعي، والتي تظل عند مستوى الخلاف على أسلوب الإدارة، مما يحد من إمكانات تفاقمها في المستقبل. فالدولة في الخليج لا تعاني أزمة شرعية أو انقسامات حادة في الهوية.

ومن ثم أخذت النظم الخليجية بالسماح بقدر أكبر من الحركة السياسية وخاصة في ما يتعلق بزيادة مجالس الشورى بإكسابها بعض السلطات التشريعية أو الرقابية. وفي هذا السياق، تبدو الحالة القطرية في الوسط بين تجارب تسبقها مثل الكويت وسلطنة عمان وحالات مساوية مثل البحرين(المرشحة لأخذ خطوات متسارعة على طريق الانفتاح السياسي) وحالات أقل مثل السعودية والإمارات.

وبطبيعة الحال يتباين حيز الحركة داخل هذه التجارب من فترة إلى أخرى ومن حاكم إلى آخر داخل البلد الواحد. وإن كانت خطوة المجالس الاستشارية والاستناد إلى الانتخابات تمثل بداية مرحلة جديدة وأسلوباً آخر لاستيعاب عملية التطور والحراك السياسي والاجتماعي في المجتمع الخليجي، وبداية علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع.

الدولة في الخليج لا تعاني أزمة شرعية أو انقسامات حادة في الهوية

أما ثانية هذه القضايا فتتعلق بمنهج وفلسفة العمل الأهلي، حيث تبرز بعض التجارب والنماذج الجنينيةالساعية لعدم الاكتفاء بالدور الأهلي التقليدي القاصر على مجالات البر والأعمال الخيرية والانطلاق إلى مرحلة أوسع من المشاركة في عملية التنمية وتعميق مجالات عملها تجاه قضايا المساواة بين الجنسين وزيادة فرص تمكين المرأة.

ورغم محدودية تأثير أو انعدام دور المجتمع المدني الخليجي في صياغة أولويات القضايا الوطنية والمشاركة في رسم السياسات العامة للدول، إلا أن تسارع الخطى داخل بعض الدول الخليجية واتساع نطاق الجدل حول قضايا كانت تتسم بالحساسية المجتمعية والسياسية الشديدة، يثيران العديد من التساؤلات حول طبيعة معادلة الحكم القائمة على أولوية الدفاع عن شرعية الحكم وتأمين الاستقرار السياسي على حساب توسيع حيز المشاركة السياسية وإنشاء مؤسسات حكم ديمقراطية؟ أم أن التغيير فرض تغيراً في قواعد اللعبة بين الدولة والمجتمع انعكس في الأسلوب فقط وليس في جوهر معادلة الحكم.

 بنية المجتمع المدني الخليجي

تنقسم تكوينات المجتمع المدني الخليجي إلى قطاعين أساسيين، الأول: المنظمات والجمعيات الأهلية، والثاني: الاتحادات أو التنظيمات المهنية، بالإضافة إلى (التكوينات المدنية) التقليدية مثل (المآتم) أو الحسينيات و(الديوانية) والصناديق الخيرية، فهذه الأشكال أو التنظيمات الأهلية لا تزال تحظى بفاعلية كبرى من جانب المجتمع بقدر أكبر من التنظيمات الأهلية المدنية الأخرى.

فتشير إحصائيات عام 2003 الصادرة عن تقرير الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، إلى وجود ما يقرب من 793 منظمة أهلية في دول الخليج الست، وأن دولة البحرين تحظى بأكبر عدد من المنظمات الأهلية البالغ عددها بـ 331 منظمة، تليها دولة الكويت بـ 256 منظمة ثم دولة الإمارات بـ 132 منظمة، وأخيراً كل من قطر وسلطنة عمان بـ 44 و30 منظمة على التوالي.

والحقيقة أن الأعداد السابقة، لا ترسم خريطة العمل الأهلي في بلدان مجلس التعاون الخليجي، ولا توضح حقيقة القفزة التي تحققت على صعيد العمل الأهلي المؤسسي، الأمر الذي يمكن تلمسه بوضوح عند الأخذ في الاعتبار حالة الفاعلية التي تحظى بها العديد من البنى الاجتماعية المدنية، وقراءة مدلول القفزة التي تحققت في أعداد التنظيمات الأهلية ما بين فترة التسعينات والفترة الراهنة، إذ تشير الإحصائيات إلى ارتفاع أعداد التنظيمات الأهلية من 360 جمعية مسجلة رسمياً طبقاً للقانون في كل دول الخليج في منتصف التسعينات، إلى 1246 تنظيماً مدنياً في بداية عام 2000. وفي هذا السياق، يمكن رصد عدد من السمات العامة الخاصة بالمجتمع المدني الخليجي، نذكرها في التالي:

* غلبة المكون الديني على ما عداه من عوامل دافعة للعمل الأهلي وانتشاره، بالإضافة إلى ضعف الدور التنموي وانقطاع الدور الثقافي أو غيابه.

* غلبة البعد الخدمي والرعائي على أنشطة التنظيمات الأهلية، وهو ما يعبر عنه ارتفاع أعداد الجمعيات الخدمية والصناديق الخيرية، مقارنة بالمنظمات العاملة في مجال التنمية والتمكين.

* تفاوت معدلات تطور مؤسسات المجتمع المدني الخليجي، تبعاً لدرجة تطور المجتمع وانفتاحه السياسي من جانب، ومدى تطور البنية التشريعية والدستورية بالتبعية من جانب ثان، وهو ما يمكن معه تفهم التفاوت الكمي لتطور أعداد الجمعيات الأهلية على وجه الخصوص في دول الخليج.

* تباين تطور مؤسسات المجتمع المدني الخليجي على مستوى مؤسساته وحركته مدنياً وسياسياً وفكرياً.

 إن السمات السابقة، تطرح بدورها سمة أخرى تتعلق بطبيعة وحيز المجال المتاح أمام أنشطة التنظيمات الأهلية، والذي يقتصر على مجالات بعينها، فباستثناء حالة البحرين يمنع على التنظيمات الأهلية ممارسة أي نشاط ذي طبيعة سياسية،مما يقودنا إلى التساؤل عن مدى توافق خريطة المجتمع المدني الخليجي مع الاحتياجات الفعلية للمواطنين من جانب، ومتطلبات عملية التحول الديمقراطي من جانب ثان.

 متطلبات وحدود التفعيل

ترتبط درجة توافق مجالات وأنشطة التنظيمات المدنية مع متطلبات المجتمع وعملية التحول الديمقراطي، بالعديد من المحددات الداخلية والخارجية. كما ترتبط المحددات الداخلية بالوضع الاقتصادي ودور الدولة في المجتمع، إلى جانب المكونات الثقافية للمجتمع ومدى تشجيعها على القيم الديمقراطية مثل الاستقلالية وحرية التعبير عن الرأي. أما المحددات الخارجية فتتعلق بحجم الضغوط والفرص الدولية وتطور النظام الدولي والقيم السائدة التي يقوم عليها.

وبالنسبة إلى دول الخليج، ثمة تشابك بين المحددات الداخلية والخارجية تطرح معها حالة من التناقض الظاهري عند الوقوف على درجة توافق خريطة المجتمع المدني الخليجي مع متطلبات الداخل وضغوط الخارج. فمن ناحية، تشير المحددات الداخلية إلى توافق خريطة المجتمع المدني الخليجي، الذي يقوم على الجانب الرعائي والخدمي في مجمله، مع متطلبات المجتمعات الخليجية. ويرجع ذلك التوافق إلى عاملين أساسيين: الأول: ارتبط بالوضع الاقتصادي لدول الخليج وتبنيها مسؤولية تحقيق الرفاهية الاقتصادية، حيث قامت حكومات الخليج باستغلال العائدات النفطية والوفرة المالية في تقديم الخدمات الاجتماعية المختلفة من دون مقابل، بالإضافة إلى توزيع جزء من الثروة على بعض الفئات الاجتماعية بهدف احتوائها كنمط للتوظيف الاجتماعي لعامل النفط في الحصول على الولاء السياسي والتأييد الشعبي والشرعية، مما أفقد الحاجة إلى ظهور تنظيمات مدنية قوية، في ظل قيام مؤسسات الدولة بدور الرعاية الاجتماعية بشكل كامل من ناحية، فضلاً عن ارتفاع مستوى الدخل والمعيشة من ناحية أخرى، والذي ساهم إلى حد بعيد في تخفيف حدة المعارضة الداخلية والتقليل من التوترات السياسية. أما العامل الثاني، فقد جسدته الثقافة السياسية السائدة في المجتمعات الخليجية، والتي تقوم على ترسيخ نمط مركزية الحكم والسلطة.

في المقابل، فإن المحددات الخارجية تفرض إعادة النظر في طبيعة المجتمع المدني الخليجي وأنشطته وأهدافه من ناحية، ومن ثم تفعيل دوره في الحياة العامة من ناحية أخرى. فعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تزايدت دعاوى الإصلاح وضرورة التحول الديمقراطي في المنطقة العربية.كما ساهم ارتباط فاعلية المجتمع المدني بالمجتمع كمعيار لمدى ديمقراطية الدولة، في تضمن مبادرات الإصلاح الخارجية والداخلية على السواء مبدأ (تفعيل المجتمع المدني بتنظيماته ومكوناته المختلفة) في المجتمعات العربية ومنها الخليجية.

 مجالات النشاط

تعبر مجالات أنشطة التنظيمات المدنية الخليجية عن وجود قدر من النمو باتجاه مجالات لم يكن يتم التطرق إليها من قبل مثل حقوق المرأة والطفل وحماية المستهلك جنباً إلى جنب مع تزايد إيقاعها تجاه قضايا أخرى بعينها مثل الصحة والبيئة. هذا التطور بطبيعة الحال لم يغير كثيراً من خريطة العمل الأهلي الخليجي الذي ما زال يغلب عليه الطابع الخيري. وفي هذا السياق، يمكن رصد بعض مظاهر التغيير التي أخذت سبيلها نحو فلسفة أنشطة العمل الأهلي.

ففي دولة الكويت، برزت التجمعات السياسية العلنية والمعارضة السياسية، والتي حققت نجاحات ملموسة في جولات عدة انتخابية وبخاصة منذ بداية انتخابات 1992، وهو ما ظهر كنتاج لتداعيات الغزو العراقي، حيث أخذت هذه التجمعات السياسية تستخدم الجمعيات الأهلية كمنابر سياسية تطرح من خلالها فكرها الأيديولوجي وبرنامجها السياسي ورؤيتها الخاصة تجاه القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب تبنيها لأهمية دور الجمعيات الأهلية الكويتية في توفير الدعم الاجتماعي لتنشيط القوى السياسية في مواجهة السلطة السياسية.

أما مملكة البحرين،فتبرز تجربتها النقلة النوعية التي عكستها توجهات وأنشطة الجمعيات الأهلية البحرينية، إذ تم إشهار بعض الجمعيات الدفاعية مثل جمعية حقوق الإنسان البحرينية وجمعية حماية المستهلك، وجمعية المعلمين وغيرها من الجمعيات الدفاعية. كما تم إشهار عدد من الجمعيات السياسية عام 2002، مثلت مختلف القوى السياسية كجمعيات الإسلام السياسي والجمعيات القومية واليسارية والجمعيات الليبرالية وغيرها، وهي في نشاطها وتركيباتها تكاد تقترب من الأحزاب السياسية.

من هنا، فالمطلوب هو إعادة رسم خريطة المجتمع المدني الخليجي عبر استراتيجية تهدف إلى تخليق صيغة جديدة توفر لمؤسسات المجتمع المدني المشاركة في صنع السياسات العامة والاختيارات الاستراتيجية للدولة، وتستند إلى خدمة المجتمع من خلال خدمة مصالحها، وتأخذ في الاعتبار مجموعة من المحاور الرئيسية التالية:

* إحياء وتشغيل البنى الاجتماعية المدنية ما تحت السياسية كوسيلة لبث دماء جديدة في المجتمع وإعادة تكوين القوى الحية التي سوف تشارك في المستقبل.

* الدفع نحو جعل الروابط والجمعيات المدنية أطراً حية لتبلور وتجدد قوى المجتمع المدني، وذلك عبر توليد مجموعة من الآليات الجاذبة للمثقفين والنخبة.

* تجاوز حالة التردد التي تكتنف الطبقة الوسطى والقوى السياسية المرتبطة بها في الاستثمار الفعلي في المجتمع المدني.

* دعم مؤسسات المجتمع المدني بما يوفر لها القدرة على تحقيق الاستقلال عن الدولة.

* تبديل دور المؤسسات المدنية من الدور الإغاثي والرعائي إلى البناء والتنمية.

 وأخيراً يمكن القول إنه رغم سلبيات الصورة الراهنة لغالبية مؤسسات المجتمع المدني، إلا أنها تظل المدخل الأكثر ملاءمة لتدريب المواطن العادي على الممارسة الديمقراطية، وإحداث الحراك الاجتماعي المطلوب لدعم استقلال المجتمع بكل تناقضاته الاجتماعية.

 

 

 

مجلة آراء حول الخليج