array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 172

السعودية تملأ الفراغ في المنطقة وتدافع عن مصالحها والمصالح العربية

الثلاثاء، 29 آذار/مارس 2022

إذا ما أعملنا النظر في الأوضاع الحالية والآفاق المستقبلية لمسار العلاقات بين المملكة العربية السعودية وأوروبا (تمثل أوروبا في هذا الصدد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء داخل التكتل الأوروبي)، لوجدناها تخضع للعديد من الأبعاد والعوامل المؤثرة. ويَبرز البُعد الأول في التحول الحالي في الديناميكيات السعودية من حيث توقعات سياستها الداخلية والخارجية وتأثير ذلك على رؤية صاحب القرار في الرياض فيما يخص منطقة الشرق الأوسط وخارجها. والبُعد الثاني هو كيفية تفسير هذا التحول في أوروبا وما هي آثار هذا التحول على كيفية تفاعل أوروبا مع المملكة. ومن الأبعاد التي يجب مراعاتها دائمًا حقيقة أن كلا الجانبين ملتزمان بتأمين منطقة الشرق الأوسط ليصبح أكثر استقرارًا، مع عدم محاباة أي طرف قد يتسبب في استمرار الاضطرابات والتقلبات في المنطقة. ويتمثل البُعد الثالث في كيفية التغلب على الخلافات المستمرة بين الجانبين وكيفية الجمع بين المصالح المتماثلة على الرغم من وجود نهج سياسي مختلف حول كيفية تحقيق تلك الأهداف المتشابهة. وأخيرًا، ونظرًا للأزمة الحالية في أوكرانيا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كانت تلك الأزمة تمثل فرصة لبدء فصل جديد في العلاقات بين الجانبين بالنظر إلى التبعات الواسعة النطاق لهذه الحرب على كلٍ من النظام الإقليمي والعالمي.

لا تزال العلاقات بين المملكة العربية السعودية وأوروبا تتسم بدرجات من الانقسام بين الطموح في تعزيز العلاقات والواقع التي تعيشه هذه العلاقات. فبرغم أن الاتحاد الأوروبي قد أصبح مدركًا للأهمية الاستراتيجية المتزايدة لمنطقة الخليج، أن دول مجلس التعاون الخليجي أضحت تتوق إلى تعزيز علاقاتها مع أوروبا بناءً على أسس سياسية واقتصادية، إلا أن كلا الجانبين لا يزالا في حالة تردد وشك من كيفية هيكلة علاقاتهما بشكل يعود بالمنفعة المتبادلة.

ويُعد العنصر الأساسي المفقود هو مستوى الأولوية التي يتم إيلاؤها لبعض القضايا. ففي الوقت الذي تبرز فيه أهمية المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي على خريطة الاتحاد الأوروبي، فإنه لا يُنظر إليها على أنها من دول الجوار المباشر لأوروبا حيث يُنظر إلى التطورات في سوريا أو ليبيا، على سبيل المثال، على أنها من دواعي القلق المُلحَّة. ومن إحدى النتائج المباشرة لذلك لم تأخذ أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي من قبل زمام المبادرة داخل الاتحاد الأوروبي لدفع الخليج إلى مستوى أعلى في جدول الأعمال المشترك. وبالمثل، ترى المملكة العربية السعودية أن أوروبا تلعب دورًا ثانويًا فقط عندما يتعلق الأمر بضمان أمنها. ونتيجة لذلك، لا يوجد اتفاق واضح داخل المملكة العربية السعودية حول الدور الذي يجب إسناده إلى العلاقات متعددة الأطراف بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي أو العلاقات السعودية الثنائية مع الدول الأوروبية الفردية.

ومع ذلك، قد تكون الظروف مواتية الآن أكثر من أي وقت مضى لتغيير هذا الوضع. فمع إمكانية التوصل إلى حل للأزمة داخل دول مجلس التعاون الخليجي بشأن قطر، أخذت فرص تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وبين أوروبا والمملكة العربية السعودية في التحسن بشكل ملحوظ. وقد أسفر ذلك عن عقد الاجتماع الوزاري السادس والعشرين لدول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي في بروكسل في 21 فبراير 2022م، وهو أول اجتماع وزاري منذ ما يقرب من ست سنوات. وقد صرح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قبل انعقاد الاجتماع، أنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن ينظر إلى دول مجلس التعاون الخليجي بوصفه منظمة عاملة يمكنها الإسهام في خلق تكامل إقليمي أفضل وحل النزاعات بالإضافة إلى تحقيق التعددية بشكل أكثر فاعلية. وأشار بشكل خاص إلى زيادة المشاركة السياسية، ويمكن النظر إلى الإعلان عن تعيين مبعوث خاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج كخطوة في الاتجاه الصحيح.

التطور الثاني الذي يمكن أن يؤثر أيضًا على العلاقات السعودية ـ الأوروبية هو الحرب في أوكرانيا التي أحدثت موجات من الصدمة في جميع أنحاء أوروبا وتسببت في إعادة تقييم طبيعة النظام السياسي الحالي ومستقبل النظام الأوروبي بشكل جوهري. لقد وجدت أوروبا نفسها فجأة أمام حقائق جديدة على الرغم من وميض إشارات الخطر حول روسيا لأكثر من عقد من الزمان. وكانت الحرب بين روسيا وجورجيا في عام 2008م، وضم شبه جزيرة القرم في عام 2014م، بمثابة تحذيرات واضحة بأن روسيا لن تقبل التوسع الزاحف لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي مباشرة نحو حدودها. وبخلاف ما قد وقع في الماضي من تلقى للإجراءات الروسية دون مقاومة واسعة النطاق، فإن الهجوم على أوكرانيا قد أيقظ أوروبا من تهاونها. ولسوف تكشف لنا الأيام إن كان ذلك الحدث المزلزل سيؤدي في نهاية المطاف إلى تمتع أوروبا باستقلال ذاتي استراتيجي أكبر، وهو الأمر الذي طالب به العديد من الساسة في أوروبا على مدار السنوات الماضية. وبالرغم من ذلك، تتمثل إحدى النتائج المباشرة في تصميم أوروبا على تقليل التبعية إلى جانب زيادة التباين في علاقاتها الخارجية. وفي هذا السياق، هناك تشابه بين أهداف السياسة الأوروبية والسعودية، ومن ثم يعد الأساس لتحقيق درجة من التقارب قائمًا.

عقبات تؤثر على العلاقات السعودية الأوروبية

قبل البدء في تحديد المجالات التي يمكن بناء العلاقات السعودية ــ الأوروبية المستقبلية حولها، من الضروري أولاً تحديد العقبات الرئيسية التي حالت دون إقامة علاقة أوثق في الماضي. ومن العوائق التي أثرت على العلاقات مع المملكة العربية السعودية استمرار أوروبا في التصدي إلى الاضطرابات في الشرق الأوسط، وفي هذا السياق ترى أوروبا أنه من الصعب التعامل مع المملكة، حيث كان يُنظر إلى المملكة العربية السعودية في الماضي على أنها قوة عظمى موجودة على أرض الواقع وتتصرف بشكل تفاعلي كبير من وراء الكواليس. ولكن في السنوات الأخيرة، تخلت المملكة عن حذرها من أجل تعزيز دورها الناشط بشكل أكبر، وهو ما يُنظر إليه في أوروبا على أنه سياسة إقليمية جديدة.

وبالتالي، كان رأي مسؤولي ومحللي السياسة الخارجية في أوروبا أن المملكة العربية السعودية كانت تعمل ضد بعض المصالح والمبادئ الرئيسية لأوروبا. وعليه، فإن العائق الرئيسي في هذا الصدد هو حقيقة أن وجهة النظر السعودية نادراً ما كان يتم تقبلها أو تفهمها في أوروبا فيما يتعلق بالتطورات التي حدثت في السنوات الأخيرة. وفي الواقع، لم يُبذل جهداً يذكر لمحاولة رؤية التهديدات والتحديات التي تواجهها المملكة من منظور الرياض.

ولكي تبدأ أوروبا في سد تلك الفجوة حول تفهمها لسياسات المملكة، فثمة ستة عوامل محددة يمكن فهم الحسابات السعودية الحالية في ضوئها: العامل الأول هو القيادة، حيث تمر المملكة العربية السعودية بمرحلة انتقالية مع جيل جديد من الأمراء في إطار وصول الجيل الذي حكم منذ إنشاء المملكة الحديثة، وبالتالي، تتحول السُلطة إلى جيل معظمه في الثلاثينيات من عمره. وهذا التحول غير المسبوق يجلب إلى السُلطة مجموعات من القادة أكثر طموحًا وأقل عزوفًا عن المخاطر، ممن لم يعودوا يشعرون بأنهم مُقيدون بالسياسات التوافقية التي لطالما حددت التفاعلات الخليجية على نحوٍ تقليدي.

ثانيًا، يقترن التحول السياسي بعملية إصلاح واسعة النطاق للاقتصاد السعودي والتي تُعد ضرورية لتقليل اعتماد المملكة على النفط ولتظل قادرة على البقاء في القرن الحادي والعشرين. وإذا تم تنفيذ هذه العملية على النحوٍ المُحدد، فستعمل رؤية السعودية 2030 على تحويل الأسس الاقتصادية التي عملت عليها المملكة على مدار السبعين عامًا الماضية بشكل جذري. ونتيجة لذلك، يجب أخذ الحسابات والامتيازات الاقتصادية في الاعتبار عند التعامل مع المملكة في المستقبل القريب.

ثالثًا، تعتبر الإجراءات المتخذة ضد التطرف الإسلامي داخل المملكة، عنصرًا أساسيًا في اعتبارات الأمن السعودي. ومنذ أن غيرت الحركات المتطرفة، بما في ذلك تنظيمات مثل القاعدة والدولة الإسلامية، وجهتها إلى المملكة في محاولة لزعزعة استقرارها، بدأت السعودية في تجديد العديد من سياساتها وممارساتها الدينية في محاولة للقضاء على هذا التهديد. وبالنسبة لأوروبا، لا يزال موقف المملكة العربية السعودية من التطرف محل نقاش، ولذلك فإن الجهود المبذولة لمكافحة التطرف الديني على الصعيدين المحلي والدولي تعتبر أولوية للمملكة العربية، وهذا بدوره يسمح بدرجة معينة من التقارب مع التفكير الغربي والأوروبي أيضًا.

وبالانتقال إلى الوضع الخارجي، يتمثل العامل الرابع في فشل السياسة الأمريكية في المنطقة، والتي زادت من هشاشة المنظومة الأمنية بدلاً من تقليل حدتها، وسياستها غير الإيجابية تجاه المملكة العربية السعودية. ومثلما كانت الولايات المتحدة تعيد تقييم شراكتها مع المملكة العربية السعودية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001م، كانت السعودية تعيد تقييم تحالفها التقليدي مع الولايات المتحدة، بعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003م. ومع ذلك، تنظر المملكة العربية السعودية حاليًا إلى المظلة الأمنية الأمريكية باعتبارها ضرورية، نظرًا لسياسات إيران الإقليمية. وفي الوقت نفسه، تحاول المملكة تنويع خياراتها بدلاً من الاعتماد على أمريكا فقط، وهو ما يفسر تحركات المملكة تجاه الصين وروسيا وكذلك تجاه أوروبا. مما يجعل ذلك فرصة سانحة لأوروبا إذا ارادت اقتناصها.

خامسًا، وعطفًا على ما سبق، ثمة قناعة داخل المملكة العربية السعودية بأن إيران لا تزال تصمم على نشر نفوذها إقليمياً على حساب المملكة بشكل مباشر. ومن وجهة نظر المملكة، فإن الطموحات الإيرانية في المنطقة لم يُكبح جماحها بصورة كبيرة، وهو ما أدى مباشرة إلى اندلاع الكثير من الاضطرابات الداخلية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، مثل سوريا والعراق ولبنان، بالإضافة إلى اندلاع توترات طائفية واسعة النطاق في جميع أنحاء المنطقة. وفي الوقت نفسه، فإن هذه الاضطرابات الموجودة في المنطقة لم تنتج ببساطة بسبب أي عداء تاريخي مع إيران، ولكن فقط لأن إيران يُنظر إليها على أنها تعمل بشكل أساسي ضد النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة، والذي يعد الرياض أحد مكوناته. وقد فتح هذا الأمر الباب أمام شكل من أشكال الحوار بين المملكة والجمهورية الإسلامية الإيرانية مثلما حدث مؤخرًا في جولة المحادثات التي عُقدت في العراق عام 2021م، حيث أشار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى أن المملكة ستواصل هذه المحادثات. ومن أجل المساهمة بفعالية في جهود تقليل التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، تحتاج أوروبا إلى فهم التحولات الجارية بصورة أوسع، والتي تؤثر على نظام المنطقة، دون محاولة فهم التطورات من وجهة نظر أوروبية فقط.

وأخيرًا، يبرز العامل السادس في تراجع دور الدول العربية الأخرى وبشكل خاص الدول التقليدية التي تقود العالم العربي. فمصر غير ما كانت عليه من قبل، وتعاني بشكل متزايد من بعض المشاكل، وسوريا يتم تدميرها، ومن غير المرجح أن تستعيد قوتها خلال العقود القادمة، وفي العراق، استغرق الانتقال الهش للسلطة الذي كان يهدف إلى تحقيق مزيد من الاستقرار ما يقرب من 20 عامًا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. وبدأت المملكة العربية السعودية في مواجهة ذلك الفراغ لأن هناك حاجة لحماية مصالحها ومواجهة النفوذ الإيراني المتزايد. ونظرًا لأن القوى العربية التقليدية إما غير راغبة أو غير قادرة على تولي قيادة العالم العربي، فقد تُرك الأمر للمملكة العربية السعودية، ليس فقط لتحمل مسؤولية الدفاع عن المصالح السعودية، ولكن المصالح العربية أيضًا. وفي الوقت نفسه، تصمم المملكة العربية السعودية على توحيد الدول العربية باعتبارها حصنًا هامًا ضد كل من التوسع الإيراني وانتشار التطرف الإسلامي.

ومع أخذ كل العوامل المذكورة أعلاه في الاعتبار، يبرز الهدف النهائي للسياسة السعودية، وهو إقامة شكل من أشكال التطبيع في العلاقات الإقليمية واستعادة وضعها السابق. وفي الواقع، فإن هذا الهدف ثابت في السياسة السعودية، وما قد تغير هو الظرف الذي يتم فيه تطبيق السياسة وممارستها بشكل عام. وتدرك القيادة السعودية إدراكًا تامًا تقلبات البيئة الاستراتيجية الحالية في المنطقة، وهي مقتنعة أيضًا بنفس القدر بأن هناك حاجة ضرورية لمزيد من المشاركة المباشرة من المملكة في الشؤون الإقليمية من أجل تأمين مصالحها.

ويتعين أخذ كل العوامل السابقة في الاعتبار، في حال قررت أوروبا الدخول في نهج التقارب مع المملكة العربية السعودية. إن أوروبا تنظر إلى الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية المتعددة التي أعلنت عنها المملكة في السنوات الأخيرة، لا سيما تلك المتعلقة بمكافحة التطرف وتمكين المرأة، بوصفها خطوات مهمة، وأي تردد من جانب أوروبا سوف يحرم أوروبا في نهاية المطاف من جني الفوائد من بناء علاقات وثيقة وأكثر استراتيجية مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

إن المملكة العربية السعودية تنظر إلى أوروبا بنوع من التشكك، وهو ما يجب على الطرف الأوروبي فهمه أيضًا. فهناك شعور في المملكة بأن السياسات الأوروبية بشكل عام لا تعزز المصالح السعودية وأن أوروبا بالكامل لم تفصح عما يمكن أن تضيفه للمملكة. كما تنظر الرياض إلى مبادرات السياسة الأوروبية على أنها منفصلة عما يحدث على أرض الواقع، لا سيما على صعيد القضية الإيرانية. وفيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران (المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة)، ترى المملكة العربية السعودية أن هذا الاتفاق لم يفعل شيئًا يذكر لتقليل التهديد الإيراني لمنطقة الخليج، وأن أوروبا لا تزال تتعامل بسذاجة لاعتقادها أن إيران ستعمل على تعديل مسارها الإقليمي نتيجة لهذا الاتفاق. ورغم وجود درجة معينة من الإجماع حول طبيعة التهديد الإيراني، فلا يوجد اتفاق مع أوروبا حاليًا حول أدوات السياسة المطلوبة لمواجهة هذا التهديد. وتنظر المملكة العربية السعودية أيضًا إلى أوروبا على أنها فشلت في التصرف كعنصر فاعل متماسك في هذه القضية. وبالتالي، فإن سياسات المملكة تستند إلى العلاقات الفردية مع بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وليس على الاتحاد الأوروبي كتكتل. ولذلك تولي الرياض أهمية أقل بكثير لما يحدث في بروكسل، على عكس علاقاتها المباشرة والتي تحتفظ بها مع فرنسا وبريطانيا في المقام الأول.

ولذلك، ما لم تبدأ أوروبا في إجراء حوار أكثر شمولاً مع المملكة العربية السعودية حول التحديات التي تواجه الشرق الأوسط، فإن العلاقات بين الجانبين ستصبح أكثر توتراً في المستقبل القريب. ولتجنب مثل هذا السيناريو، يتعين على أوروبا توسيع نطاق الحوار مع الجيل الجديد من الحكام في المملكة، من أجل التوصل إلى فهم أفضل لتفكيرهم وضمان استمرار مزيد من التداخل مع المصالح الأوروبية. إن المملكة العربية السعودية وأوروبا يتشاركان في العديد من الأهداف، وخاصة الأهداف السياسية في منطقة الشرق الأوسط. وهذه الأهداف يجب مناقشتها تفصيليًا مع أوروبا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولذلك تحتاج أوروبا إلى تطوير حوار استراتيجي مع المملكة العربية السعودية من أجل إتاحة المجال لمزيد من التفكير طويل المدى، بدلاً من التركيز الحالي قصير المدى على السياسة السعودية. وفي النهاية، فإن إدراك التأثيرات والعواقب الأكبر للعلاقة بين الطرفين أمر ضروري للدخول في مناقشات موضوعية حول مجموعة شاملة من قضايا السياسة المشتركة.

المضي قدماً:

وفي تطور إيجابي، أدركت أوروبا مؤخرًا أن إقامة علاقات أوسع وأكثر استراتيجية مع المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي تُعزز المصالح الأوروبية الخاصة. وقد أكد ذلك الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قبل انعقاد الاجتماع الوزاري السنوي لدول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي عندما أقر بأنه "يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يشارك بقدر أكبر وبصورة دائمة مع دول مجلس التعاون الخليجي، في تعزيز الحوار الثنائي بين الجانبين. ويشمل ذلك فتح قناة أوسع للنقاش مع المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل الاتفاق النووي الإيراني، وإنشاء نظام أشمل للأمن الإقليمي. وقد أدركت أوروبا بأن استبعاد المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى من المشهد لم يعد خيارًا سياسيًا قابلاً للتطبيق. وبدأت كل من دائرة العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي ووزارات الخارجية في الدول الأوروبية في إيلاء اهتمام أكبر للمنطقة والدور الذي يمكن أن تلعبه دولة مثل المملكة العربية السعودية لتعزيز المصالح الأوروبية على نطاق أوسع. ولذلك فإن تعيين مبعوث خاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج يؤكد الاعتراف الأوروبي بضرورة التعامل مع القضايا الأمنية.

ومن المهم الآن التمسك بحالة الزخم الموجودة حاليًا بين الجانبين، وإرساء الأساس المناسب للعلاقات السعودية الأوروبية المستقبلية. ويشمل هذا بشكل رئيسي حاجة أوروبا إلى الاضطلاع بدور أكبر فيما يتعلق بمسائل الأمن الإقليمي، حيث تمتلك أوروبا مجموعة أدوات واسعة من حيث آليات إدارة النزاعات وحلها، وهي الأدوات التي قد تساعدها في الحفاظ على بيئة تخفيض التصعيد السائدة حاليًا في منطقة الخليج. ولذلك، فإن المطلوب من أوروبا هو بذل جهد مشترك تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، وكذلك إنشاء مبادرات فردية من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وقد تكون مشاركة أوروبا في قضايا الأمن الإقليمي ضمن مجموعات ثلاثية أو رباعية، على سبيل المثال، إطارًا أفضل يمكن من خلاله إجراء المناقشات بين الجانبين. وبالتنسيق مع المملكة العربية السعودية، سيكون من الضروري إجراء مناقشات حول آلية أمنية أوسع نطاقاً تتجاوز مناقشة خطة العمل المشتركة الشاملة الحالية التي أُبرمت في فيينا.

ونسرد هنا على سبيل المثال ثلاثة مجالات أساسية، أولها أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي تعميق وتعزيز دوره الأمني البحري، خاصة المتابعة الأوروبية على الصعيد البحري لمضيق هرمز، ودعوة المزيد من الدول الأوروبية بالانضمام إلى هذه المهمة؛ حيث إن ضمان حرية الحركة في المياه الخليجية هو أمر هام وحيوي للغاية. وثاني تلك المجالات هو ضرورة دعم الاتحاد الأوروبي للمبادرات، مثل إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الخليج، باعتبارها خطوة نحو التوصل إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. وتحظى هذه الأفكار بدعم وتأييد من دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك فقد حان الوقت لأن يحظى مفهوم منطقة الخليج الخالية من أسلحة الدمار الشامل بدعمٍ أوروبي. وثالث تلك المجالات هو أنه يتعين على كلٍ من الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية إجراء حوار واسع النطاق للتباحث حول استراتيجيات دعم الاستقرار في الدول التي تُعاني من أزمات بالمنطقة، ومن بينها العراق ولبنان وليبيا وسوريا والسودان. ونظرًا إلى أن استقرار العراق هو أمر هام وضروري للشرق الأوسط بأكمله، يتعين على الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية إنشاء مجموعة عمل تنسيقية بشأن العراق في ظل خفض الولايات المتحدة لدورها في البلاد. وفي ضوء الآثار الناجمة عن الأزمة الأوكرانية، يتعين على الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية مُمَثِلة عن مجلس التعاون الخليجي التفكير في إنشاء صندوق مشترك لدعم دول الشرق الأوسط بأكمله، حيث تتعرض دولًا مثل تونس والمغرب، ومصر، والأردن، وفلسطين لضغوط اقتصادية هائلة نظرًا لارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب القيود المفروضة على صادرات القمح والحبوب الروسية والأوكرانية.

وعلى صعيدٍ آخر، يتعين بدء المباحثات حول إعادة النظر في التعاون بشأن قضايا محددة على النحو المبين في برنامج العمل المشترك الجديد بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة بين 2022 إلى 2027م، والذي تم الاتفاق عليه في الاجتماع الوزاري الأخير. وتُعد عملية التحول في مجال الطاقة والتغير المناخي والتنمية المستدامة وصمود المنظومة الصحية والمساعدات الإنسانية هي خمسة مجالات أساسية يستطيع كلٍ من الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية من خلالها إنشاء مجموعات عمل أو فرق عمل لبحث الوضع الحالي للعلاقات والتعرف على التحديات المستقبلية واقتراح توصيات سياسية ملموسة. ويجب على كل مجموعة عمل تطوير خطط عمل محددة تؤدي إلى تعزيز التعاون في هذه المجالات. ويجب التركيز بشكل خاص على تعزيز التعاون التقني في مجال التغير المناخي، على سبيل المثال، في مجالات إدارة المياه، والتصحر، والعواصف الترابية، ووسائل النقل الصديقة للبيئة، والحفاظ على التنوع البيولوجي.

وعلى وجه الخصوص، يتعين تركيز المباحثات على مصادر الطاقة أيضًا، وذلك في ظل اعتزام أوروبا التخلي كليًا عن المنتجات النفطية الروسية. وفي الوضع الحالي، يستطيع الاتفاق الأخضر الأوروبي أن يضخ محفزات جديدة في العلاقات السعودية الأوروبية، خاصة في مجالات الهيدروجين الأخضر. وبشكل عام، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى حوالي 4000 جيجا وات من الطاقة الشمسية و1300 جيجا وات من طاقة الرياح سنويًا من أجل تلبية متطلباته المحلية، وسيتعين عليه حينئذ باعتباره الخيار الأكثر أمانًا الاعتماد على الواردات من الدول القريبة. ويتعين على كلٍ من الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية كذلك التباحث حول إجراء مزيدًا من الشراكة بين الجانبين للوصول إلى أهداف الاستثمار من خلال إجراء حوار بناء بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي حول التجارة والاستثمار، وذلك من أجل تطوير إطار بيئي واجتماعي وإطار حوكمة مشترك بين الجانبين. ومن أجل تسريع تنفيذ تلك المقترحات، ينبغي على كل من البنك الإسلامي للتنمية وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير التباحث حول تلك المقترحات.

وختامًا، يتعين كذلك سد الفجوة المعرفية المستمرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة العربية السعودية من أجل تعزيز التفاعل بين الأفراد. ومن أجل تطبيق ذلك، يتعين التركيز بشكل خاص على قطاع الشباب من خلال زيادة فرص التدريب والتعلم مثلا. ويشمل ذلك توسيع نطاق برنامج "إيراسموس+" بهدف إدراج المزيد من الطلاب في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك زيادة التعاون الجامعي وبدء مجموعة متنوعة من برامج التبادل: مثل خلق ترابط بين الشركات الناشئة وتحسين برامج تنمية القدرات. وبشكل عام يجب أن تنطوي العلاقات على كافة الجوانب السياسية وأن تمتد كذلك عبر جميع قطاعات المجتمع.

ونظرًا إلى التحولات الهائلة الجارية على الصعيد الإقليمي والعالمي، فإن أوروبا والمملكة العربية السعودية أمامهما فرصة لوضع الأساس لعلاقة طويلة الأجل تعود على كليهما بالنفع المتبادل. وللاستفادة من هذا الوضع، يتعين استغلال الزخم الحالي بحكمة وذكاء. وتُعد الاقتراحات الواردة أعلاه بمثابة أفكار أولية تضمن، في حال اتباعها وتنفيذها بشكل صحيح، بداية تحسن نوعي في العلاقات بين الجانبين.

مقالات لنفس الكاتب