; logged out
الرئيسية / الإصلاحات السياسية والممارسة الديمقراطية في دول مجلس التعاون

الإصلاحات السياسية والممارسة الديمقراطية في دول مجلس التعاون

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

في البداية لا بد من التنبيه بأننا لن نعيد ما هو موجود فعلاً، وبوفرة في مراكز البحوث الخليجية، التي تحاول أن تغطي شتى الممارسات الديمقراطية في الخليج. أما تركيزنا هنا، فسوف ينصب بالدرجة الأولى على مجموعة من الأفكار العالمية، التي قادت بالفعل إلى الديمقراطية، وثانياً: على الممارسات الديمقراطية الفعلية في دول مجلس التعاون الخليجي.

 أ - أهم تجارب الآخرين في التحذير من العقبات التي تعوق الديمقراطية:

 أولاً: التلاعب بالقوانين: يقول نيلسون مانديلا، عندما عجزت الحكومة العنصرية عن إيقاف الحركات الشعبية في جنوب إفريقيا قدمت قانوناً يسمى قانون مكافحة الشيوعية، بحيث أصبح الحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا بموجبه منظمة غير شرعية، كما أصبح الانتماء له والدعوة إلى الأفكار الشيوعية جريمة بحكم القانون عقوبتها السجن (10) سنوات، وبادر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى عقد مؤتمر استثنائي في جوهانسبرغ. فصيغة ذلك القانون كانت فضفاضة، حيث شمل المنع كافة أنواع الاحتجاج على سياسات الدولة تقريباً، وأحال جريمة نشر أي فكر أو مذهب يدعو إلى أي تغيير سياسي أو صناعي أو اجتماعي أو اقتصادي، داخل اتحاد جنوب إفريقيا، إلى التحريض على القلاقل والشغب. وبذلك أعطى القانون الجديد في الواقع للحكومات صلاحيات بمنع أي تنظيم، والحد من نشاط أي شخص معارض لسياسات الدولة.

دول الشرق الأوسط تسير نحو كارثة محققة إن لم تدرك أهمية الإصلاح الحقيقي لا الصوري

 ثانياً: السجن بوساطة التشريعات: يقول مانديلا، الحظر لا يكبل المرء بدنياً، لكنه يحجر على روحه وأفكاره، ويولد لديه شعوراً بالضيق النفسي، لا يجعله يحن إلى حرية الحركة البدنية فحسب، بل إلى الحرية الروحية كذلك، حيث كان الحظر لعبة خطرة، لأن وسائل العزل والتكبيل لم تكن السلاسل والأغلال والقضبان، بل القوانين والتشريعات التي يمكن مخالفتها والخروج عليها بكل سهولة.

ونحذر هنا الحكومات الشرق أوسطية، عندما تبدأ الشعوب بمخالفة التشريعات الجائرة، تبدأ الفوضى تدريجياً تسود في المجتمع، إلى أن ينهار النظام الأتوقراطي.

ثالثاً: التحذير من محاولة ضرب إسفين ما بين القوى الشعبية: يقول مانديلا: إن حكومة البيض العنصرية حاولت أن تلعب سياسة (فرق تسد)، بمحاولاتها التفريق بين الإفريقيين والملونين والهنود. وفي استفتاء أجري في نوفمبر عام 1983م، ساند البيض خطة بي دبليو بوتا لإنشاء برلمان من ثلاث غرف يضم، بالإضافة إلى البيض، ممثلين عن الهنود والملونين. وكان الهدف من ذلك استيعاب الهنود والملونين في النظام السياسي وفصلهم عن الإفريقيين، غير أن العملية كلها كانت صورية، لأن قرارات وأعمال الهنود والملونين البرلمانية خاضعة للنقض من قبل البيض. ومن أهداف تلك الخطة أيضاً إيهام العالم الخارجي بأن الحكومة تسعى إلى إدخال إصلاحات على النظام العنصري، لكن حيلة بوتا لم تنطل على أفراد الشعب فقاطع أكثر من 80 في المائة من الناخبين الهنود والملونين الانتخابات البرلمانية في جنوب إفريقيا لعام 1984م.

ومن هنا نحذر الشعوب من لعبة ضرب الإسفين في منطقة الشرق الأوسط، وهي من أشهر الألعاب التي تلعبها الأنظمة الأوتوقراطية، وذلك من خلال إيجاد توتر دائم ما بين القبائل أو الطوائف أو الديانات أو القوميات، ومن هنا يسهل على النظام الأتوقراطي، تفكيك المجتمع، وبالتالي يسهل ذلك على الأنظمة الأتوقراطية الحفاظ على مكاسبها السياسية لأطول وقت ممكن.

 رابعاً: لا ديمقراطية من دون جمعية تأسيسية تمثل جميع فئات المجتمع: يقول مانديلا: عندما وصلنا إلى مرحلة الانفراج وطالبنا بجمعية تأسيسية عامة منتخبة لوضع دستور للبلاد، وأن يختار أعضاءها أبناء الشعب جميعاً. لكن قبل ذلك، لا بد من تشكيل حكومة مؤقتة تشرف على الفترة الانتقالية التي تنتهي باختيار حكومة منتخبة. وينبغي على الحكومة ألا تكون الحكم وطرفاً في المباراة، كما هو الحال سابقاً. لذا طالبنا بإنشاء مؤتمر تفاوضي متعدد الأحزاب يتولى تشكيل الحكومة المؤقتة، ويحدد المبادئ العامة لمهام وأعمال الجمعية التأسيسية.

اعتماد أية دولة على الصادرات النفطية يجعلها إجمالاً أقل ديمقراطية

وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي لن نكون مفرطين بالتفاؤل أكثر مما هو مطلوب، لكن لابد من إيجاد آلية تحرك المجتمع المدني لكي ينطلق إلى الأمام ويبدأ بالمشاركة التدريجية في التشريعات وصناعة القرار. وذلك الحراك التدريجي سيولد لدى المواطنين حب الوطن والتضحية من أجله، وأن الوطن حق للجميع للمشاركة فيه وبنائه، وجميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، والأفضلية لمن يقدم خدمات أفضل للوطن عن أقرانه.

ومن هنا نحذر الجميع في الشرق الأوسط بأننا نسير نحو كارثة سياسية حقيقية، إذا بقينا على الأسلوب السابق نفسه، الذي أصبح معروفاً عند جميع المثقفين، والذي سيوصلونه بدورهم كاملاً إلى شعوبنا. وكذلك نقول إن عملية تدارك الكارثة لا تزال في أيدينا، وذلك من خلال الإصلاح الحقيقي، لا الإصلاح الصوري.

 ب - أهمية السلطة التشريعية في دول مجلس التعاون الخليجي:

يقول الدكتور حسنين إبراهيم (إن العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يحكمها في المقام الأول ثلاثة عوامل هي: أسلوب تشكيل المؤسسة التشريعية، وهل هو بالانتخاب أم التعيين؟ وحجم وطبيعة السلطات والصلاحيات التي تتمتع بها السلطة التشريعية. ففي الدول التي لا تمتلك فيها البرلمانات صلاحيات تشريعية ورقابية حقيقية ويغلب على دورها الطابع الاستشاري، ويتم تشكيلها من خلال التعيين، كما هو الحال في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر. ففي هذه الدول تنتفي التوترات والتجاذبات الحادة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حيث تسيطر السلطة التنفيذية في ظل عدم امتلاك البرلمان لصلاحيات تمكنه من موازنتها ولو بشكل نسبي. وعلى الرغم من أن هناك مجلساً منتخباً في سلطنة عمان، إلا أن صلاحياته تعتبر بصفة عامة محدودة، كما أنه لا يمارسها بشكل فاعل ومؤثر.

وفي المقابل، فإنه في الدول التي تتمتع فيها البرلمانات بسلطات تشريعية ورقابية يعتد بها، والتي لم يتم تشكيلها عن طريق الانتخاب المباشر، كما هو الحال في الكويت والبحرين، فإن العلاقة بين السلطتين التشريعية والرقابية، لا تسير على وتيرة واحدة من التعاون، بل تكون عرضة لتوترات وخلافات، وبخاصة في ظل وجود قوى وجماعات معارضة ممثلة في البرلمان).

إذاً هنا نستطيع أن نجتمع ونتفق على أن المنتخب أفضل من المعين، لأن المنتخب غالباً يمثل آراء الأشخاص، الذين أعطوه أصواتهم، وفي هذه الحالة، كل فرد منتخب في السلطة التشريعية، يمثل رأي شريحة من المواطنين، وهذا التمثيل النيابي يعتبر جزءاً من المشاركة الوطنية في صناعة القرار، وغالباً ما يكون القرار أو القانون الذي يمر من خلال مجلس النواب المنتخب يكون له رضا شعبي أكثر من القانون الذي يصدر عن سلطة مركزية أو أتوقراطية، ولم تختبر مدى رضا الشارع عن مشروع القانون أو القرار... إلخ.

إن نظرية (الفوضى الخلاقة)، التي وضعتها الإدارة الأمريكية بعد تحرير العراق في عام 2003م، تقول في خلاصة تصورها إن الدولة الفاسدة أو الأتوقراطية أو المركزية لا تصلح إلا بعد تفكيك كافة بناها التحتية من مؤسسات أوتوقراطية، سواءً كان سياسياً أو اقتصادياً أو أمنياً أو ثقافياً، ومن ثم يعاد بناؤها من جديد وفقاً للنظرية الديمقراطية الليبرالية، التي تؤمن بها الولايات المتحدة الأمريكية، وضرب مثلاً على ذلك تفكيك وإعادة بناء دول شرق أوروبا، كيوغسلافيا التي كانت دولة واحدة، وأصبحت صربيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك وماسا دونيا والجبل الأسود، وكوسوفو والبقية تأتي. إذاً أيها العرب الخليجيون، إذا كنتم تريدون الفوضى الخلاقة، فقد بدأت في العراق.

أما قول النازية عن الفوضى الخلاقة، فقد بدأ منذ أكثر من قرن من الزمن تقريباً، حين كان هدفها إشاعة الفوضى، والدمار في العالم، ليتسنى للشعب المختار أن يستغل هذه الحالة، ويفرض مشيئته في كل مكان. طبعاً نحن نرفض كل البرامج العنصرية، التي كانت عند النازيين، لكن وجدنا في وثائقهم ما هو شبيه بما يحدث لعالمنا العربي، فهل الإدارة الأمريكية لا تزال تعتقد أن الفوضى الخلاقة لا تزال العلاج الناجح للمنطقة.

أخيراً، إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والمنظمة الدولية (الأمم المتحدة) جادة في مساعدة الخليج العربي والشرق الأوسط على الدخول إلى عصر الديمقراطية، فعليها دعم القطاع الأهلي والمدني معنوياً، وإذا تطلب ذلك مادياً لا يوجد مانع من خلال قنوات شفافة. ولم لا؟ فالدول العربية فيها نسبة لا بأس بها تتلقى دعماً مادياً وأمنياً مباشراً من الخارج، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. أما الحل الآخر للمساهمة في دعم وتمويل المجتمع الأهلي والمدني محلياً، فيجب أن توجد مؤسسة وقفية أهلية وتشرف عليها لجنة وطنية منتخبة شعبياً، وتقوم هذه اللجنة بالإشراف على مؤسسات المجتمع المدني، ولنقل نسبة من عائدات الهايدروكربون نوقفها لدعم المجتمع المدني والأهلي.

أما في وضعنا الحالي، فالحكومات العربية تملك ملكية مطلقة الموارد الطبيعية، وكذلك تتلقى دعماً مادياً ومعنوياً من الدول الأجنبية، بمعنى أن كل عوامل التسلط والسيطرة في القبضة الحديدية للحكومات العربية. أما إذا بقينا على الوضع الحالي، فبأي إمكانية يمكننا أن نجد مجتمعاً مدنياً وأهلياً، يتدرج إلى أن يصل بطريقة سلمية إلى قمة الديمقراطية التي نتمناها لأمتنا، والتي ستخرجنا من حالة الجمود التي نحن فيها.

 أما محاور الديمقراطية التي ننشدها لأمتنا فهي:

أولاً: إنشاء جمعية تأسيسية منتخبة لصياغة الدساتير.

ثانياً: تداول السلطة.

ثالثاً: عدالة توزيع الدخل.

رابعاً: عدالة توزيع الوظائف.

خامساً: توسيع قاعدة المشاركة الشعبية.

سادساً: الشفافية في إدارة المال العام.

سابعاً: الشفافية الكاملة في القطاع الإداري العام.

ثامناً: صياغة حقوق الإنسان كاملة واحترامها.

تاسعاً: إيقاف العنصرية والاستبداد بصورة مطلقة.

 لكن هل الطفرة النفطية التي تشهدها المنطقة ستساهم في مساعدة الخليج العربي على تطبيق الديمقراطية؟

هنا يوجد محوران، المحور الأول: في يوم 13 نوفمبر الماضي شاهدنا في تلفزيون الكويت برنامجاً فيه نقاش حول الفائدة من الثروة النفطية وركز فيه المشاركون على ثلاثة محاور رئيسية هي، أولاً: مشكلة البطالة بين شباب في ثالث أغنى دولة نفطية، وأثار أحد المشاركين أنه مندهش بعامل البطالة ما بين الشباب المواطنين والقطاع النفطي يوظف ما يقارب 35000 ما بين موظف وعامل أجنبي. ثانياً: تناقش المشاركون حول صندوق الكويت للأجيال القادمة (استثمارات الصندوق 100 مليار دولار) وكانت هناك مطالبة بشفافية كاملة حول إدارة الصندوق، وكذلك بتوزيع 25 في المائة من صافي أرباح الصندوق السنوية على المواطنين فوق 18 سنة، ثالثاً: تطرق المشاركون إلى نقطة من أخطر النقاط وهي أنه إذا انخفض سعر برميل النفط إلى 34 دولاراً فخلال خمس سنوات سيكون هناك عجز في الميزانيات الخليجية يقدر بـ 100 مليار دولار، بمعنى آخر سيكون ذلك كارثة اقتصادية حلّت على أهل الكويت، وما ينطبق على الكويت ينطبق على كافة دول مجلس التعاون الخليجي.

المحور الثاني: (أيضاً يقول إن ارتفاع النفط سيشكل كارثة على مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، إن لم تكن هناك ديمقراطية حقيقية في الخليج العربي)، فهذا مايكل أل روس، من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس عمل دراسة إحصائية على 13 دولة بين (1971-1997م)، استنتج منها أن اعتماد أية دولة على الصادرات النفطية يجعلها إجمالاً أقل ديمقراطية، وأن هذا التأثير ليس ناتجاً عن أي نوع آخر من الصادرات الأساسية، وأنه ليس محصوراً في شبه الجزيرة العربية أو الشرق الأوسط أو إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولا يقتصر على الدول الصغيرة. أما الآليات التي يراها روس، والتي يعوق الثراء النفطي المفرط من خلالها الديمقراطية فهي:

أولاً: ما يسمى التأثير الضريبي، فحكومات الدول الغنية بالنفط تميل إلى استعمال عوائدها للتخفيف من الضغوط الاجتماعية، التي كانت سوف تؤدي إلى مطالبات بأن تكون النخبة الحاكمة أكثر مسؤولية تجاه الشعب أو بتمثيل أكبر في تلك السلطة. بعبارة أخرى، شعار الثورة الأمريكية لا ضرائب من دون تمثيل، وشعار الدول النفطية لا تمثيل من دون ضرائب. فالأنظمة المدعومة نفطياً غير مضطرة لفرض ضرائب على شعبها لكي تستمر، لأنها بكل بساطة تستطيع حفر بئر نفط.

ثانياً: تأثير الإنفاق، فالثراء النفطي يؤدي إلى إنفاق دعائي أكبر يضعف بدوره الضغوط لنشر الديمقراطية.

ثالثاً: التأثير على نشوء المجموعات، عندما توفر عوائد النفط ربحاً نقدياً مفاجئاً، يمكن أن تستخدم الحكومة ثروتها الجديدة لمنع نشوء المجموعات المستقلة، لاسيما المجموعات الأكثر ميلاً إلى المطالبة بحقوق سياسية.

رابعاً: التأثير القمعي لأنها تتيح للحكومات أن تنفق بإسراف على الشرطة وقوة الأمن الداخلي والاستخبارات لقمع الحركات الديمقراطية.

خامساً: تأثير التحديث، فالتدفق الهائل من الأموال النفطية يمكن أن يخفف من الضغوط الاجتماعية للتخصص المهني والتمدن، وبلوغ مستويات تعليمية أعلى وهي نزعات تترافق عادة مع نمو اقتصادي واسع النطاق، وتجعل الشعب أكثر فصاحة وقدرة على التنظيم والمساومة والتواصل، ويتمتع بمراكز قوة اقتصادية خاصة به. ويؤكد روس أن هناك علاقة طردية ما بين ارتفاع أسعار النفط وتباطؤ الحريات. 

مجلة آراء حول الخليج