; logged out
الرئيسية / قراءة في كتاب البعثة الهولندية في الجزيرة العربية

العدد 173

قراءة في كتاب البعثة الهولندية في الجزيرة العربية

الإثنين، 25 نيسان/أبريل 2022

أشارت سفيرة مملكة هولندا السيدة جانيت البردا إلى عمق العلاقات السعودية الهولندية التي امتدت قرابة 150 عاما منذ افتتاح أول قنصلية هولندية بمدينة جدة عام 1872م، جاء ذلك في مقدمتها للطبعة الرابعة الخاصة من كتاب "البعثة الهولندية في الجزيرة العربية: لمحات تصويرية" التي تم إصداره من قبل (المعهد الملكي الهولندي للدراسات المدارية) وطبع طبعة خاصة في هذه السنة 2022م، وفيه جرى توثيق عديد من المشاهد لمدينة جدة ومكة المكرمة والرياض ولملك المملكة العربية السعودية في عديد من الصور النادرة التي تم التقاط أغلبها من قبل القنصل الهولندي السيد دانيال فندر مويلين في عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن العشرين الميلادي.

وقد احتوى الكتاب على تمهيد وثلاثة محاور مهمة علاوة على الجزء الكبير الخاص باللقطات التصويرية، واشترك في كتابته ثلاثة كتاب متخصصين وهم: السيد كارل فن ليوون الذي كتب بعنوان "البعثة الهولندية في جدة: من الحج إلى التجارة؛ فيما كتبت السيدة ديري أووستدام عن كريستيان سنوك هرخرونيه ورحلته إلى الجزيرة العربية وحياته بمكة المكرمة؛ أما السيد ستيفن فينك فقد تتبع مسيرة القنصل دان فندر مويلين وأعماله سواء في شرق أسيا أو في الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية بعد ذلك.

محاور الكتاب

في المحور الأول أشار السيد ليوون إلى الأسباب والدواعي التي جعلت مملكة هولندا تستهدف فتح قنصلية لها بمدينة جدة تابعة للمفوضية في العاصمة العثمانية استانبول لكنها مستقلة عنها إلى حد كبير، وأبان بأن ذلك كان بغرض تقديم الخدمات لرعايا مملكة هولندا من مسلمي جزر الهند الشرقية الهولندية (إندونيسيا حاليا)، وقد اهتمت القنصلية بعدئذ بمتابعة المصالح الخاصة بحجاج شرق أسيا ممن هم تحت الرعاية الهولندية وتسهيل أمورهم أثناء تأدية مناسك الحج، حيث عملت على متابعة رعاياها حال وصولهم للحجر الصحي قرب مدينة جدة، ثم عند وصولهم لميناء جدة، كما تعمل على توفير التسهيلات المالية لحجاجها الذي يتمثل في تبديل العملة، كما يهتم القنصل بتسهيل كل الإجراءات للرعايا الهولنديين وحمايتهم من أي غش أو ابتزاز، إلى غير ذلك من الأعمال والمهام التي استمر القيام بها منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وحتى الثلث الأول من القرن العشرين، حيث تحولت القنصلية إلى بعثة متكاملة مع قيام الدولة الحديثة وتأسيس المملكة العربية السعودية باكتمال توحيد الحجاز وسيطرة الملك عبد العزيز على مقاليد الحكم فيه منذ العام 1926م، وبالتالي فقد تم رفع درجة القنصلية في عام 1930م إلى مفوضية، وبحكم توطد العلاقة بين مملكة هولندا والمملكة العربية السعودية في بدايات نشأتها، فقد سمح للهولنديين بفتح مكتب فرعي للشركة الهولندية التجارية بمدينة جدة، فكان المكتب أول مصرف رسمي لدولة أوربية بجدة، وهو ما سمح بإقامة علاقات اقتصادية مهمة بعد ذلك بين البلدين، ولم يقتصر الأمر على ذلك وحسب، بل امتد لجوانب أخرى ومنها الجانب الصحي حيث ساعدت مملكة هولندا في تحديث وتطوير الإمكانات الصحية وتوفير أخصائي بكتيريا وإنشاء مختبر قادر على إنتاج الأمصال وإجراء البحوث المختبرية المتنوعة. كما بدأ الدكتور فن درهوخ عام 1927م بإنتاج لقاح ضد الجدري ثم طور لقاحا ضد الكوليرا والتيفوئيد وغيرها بأحد المقرات الصحية بمدينة جدة. ومع استقلال إندونيسيا أعاد الهولنديون فتح بعثتهم الدبلوماسية في جدة التي أصبحت سفارة رسمية عام 1972م.

وتطرق المحور الثاني الذي كتبته السيدة أووستدام للحديث حول شخصية هولندية مهمة للهولنديين وللعرب والمكيين بوجه خاص على حد سواء، وهو الباحث والمؤرخ كرستيان سنوك هرخرونيه الذي كان له الدور الأكبر في تهيئة الموظفين المدنيين الهولنديين المتوجهين للعمل في جزر الهند الشرقية، وفي مدينة جدة أيضا، كما كان له الدور الأكبر في رصد معالم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية في مدينتي جدة ومكة المكرمة تحديدا التي مكث فيهما قرابة العام بين 1884 إلى 1885م، وعمل على توثيق رحلته واختلاطه بالناس والحجاج من خلال ما تركه من كتابات وصور وتسجيلات صوتية، حيث تلقى عام 1907 قرابة 150 إلى 200 أسطوانة شمعية وعليها أصوات من الحجاز كصوت الأذان، ونداءات التجار في السوق، وبعض المقطوعات النغمية، وسرد لقصص وأشعار متنوعة، علاوة على أصوات الناس وهم يؤدون صلواتهم، وبعض اللهجات المختلفة السائدة في مكة وجدة في ذلك الوقت.

وكان كتابه عن مكة قد احتوى وصفا تاريخيا وجغرافيا للمدينة المقدسة، كما وصف الحياة العامة والأسرية والعلمية والدينية بها، وكذلك فعاليات الزواج وطقوسه المجتمعية، علاوة على التعليم ومحاضرات تلاوة القرآن ودروس الفقه في المسجد الحرام، وتحدث عن الرعايا الهولنديين من سكان جزر الهند الشرقية (إندونيسيا حاليا). وفي الكتاب أيضا نشر أطلسه المصور عن مكة المكرمة الذي يتكون من صور فوتوغرافية للحجيج وبعض الشخصيات المكية الرفيعة، وجانب من مدينة مكة وما حولها. وهو ما جعله يتسنم مكانة كبيرة قدرها الملك عبد العزيز وأولاده بعد ذلك، ولهذا فقد حرص الملك فيصل بن عبد العزيز على لقائه حال زيارته لمملكة هولندا وهو في شبابه عام 1926م ثم في عام 1932م، وكذلك الحال مع الملك سعود بن عبد العزيز الذي التقاه في شبابه أيضا حال زيارته لمملكة هولندا عام 1935م.

أما المحور الثالث والأخير فقد خصص للحديث عن القنصل دان فندر مويلين وأعماله، حيث أشار كاتبه السيد فينك إلى دور المؤرخ سنوك في ترشيح مويلين ليكون قنصلا بمدينة جدة، وكيف عمل على تعليمه اللغة العربية، وتثقيفه بما يحتاجه من معلومات ليتمكن من العمل بكفاءة عالية. وتتمثل أهمية القنصل مويلين في أنه استلم مهامه مع انضمام الحجاز لحكم الملك عبد العزيز، حيث وصل جدة عام 1926م، وكان أن التقى بالملك عبد العزيز في ذات العام الذي وصل فيه، واستمر عمله بجدة حتى عام 1931م، لينتقل بعدها إلى جزر الهند الشرقية، لكنه سرعان ما عاد إلى جدة بوصفه وزيرا مفوضا عام 1941م، والتقى الملك عبد العزيز عام 1944م، ثم غادر الجزيرة العربية متنقلا في وظائف متعددة، كما تنقل في أرجائها مستكشفا بعض جهاتها كحضرموت وبعض بلاد اليمن ونجد وغيرها، وهو ما جعل منه خبيرا في الثقافة والقضايا العربية والإسلامية بوجه عام.              

 

مقالات لنفس الكاتب