; logged out
الرئيسية / شركة الهند الشرقية الإنجليزية بين شبه القارة الهندية والخليج العربي

العدد 173

شركة الهند الشرقية الإنجليزية بين شبه القارة الهندية والخليج العربي

الإثنين، 25 نيسان/أبريل 2022

جميعنا يدرك أن شركات الهند الشرقية كانت مهيمنة تجارياً في مدن شرق آسيا، مدة تقارب الثلاثة قرون ، (بين القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر الميلادي)، وسواء شركة الهند الشرقية البرتغالية، أو شركة الهند الشرقية الهولندية، الفرنسية، أو الإنجليزية، فإنها كانت جميعها بدعم من سلطات حكوماتها.

ولعلنا قرأنا طويلاً عن مدى تحكم هذه الشركات في أراضي وخيرات إندونيسيا والهند واليابان وسومطرة وأرخبيل الملايو إلى الصين والفلبين، والاستئثار ببضائع هذه الدول واستغلال مواردها الاقتصادية والبشرية، وإن أتينا على ذكر المواطنين وأصحاب الأرض في تلك البلاد فكان التاريخ حافلاً وشاهداً بأحداث مأساوية بين الشركات وبينهم، من تجويع وتشريد وقتل أو بيع، متنفذين بهدف توفير السلع مهما كانت الظروف، وبأبخس الأسعار، فكانت المنافسة بين هذه الشركات وبعضها أيضاً شديدة في تلك الفترات التاريخية في القارة الآسيوية الغنية، ولعل نتائج هذه الشركات في تلك المدن الآسيوية نلمسها حتى يومنا هذا، فعلى الرغم من غنى هذه الأراضي، لكنها فقيرة ومنتكسة في فسادها، وبلا تنظيم إداري، وما زالت تعتمد على السلع الغربية.

ماذا عن الشركات في الخليج العربي:

لكن ماذا عن هذه الشركات في الخليج العربي؟ ولماذا أتت إلى الخليج بعد المدن الآسيوية الغنية بأراضيها المنتجة؟ وكيف كان دخولها والقبائل العربية الحاكمة على جميع سواحلها حينذاك تقاوم السفن الأجنبية في حوض الخليج وتُغرقها؟ وهذا ما يوثقه "جون لوريمر" في كتابه (تاريخ الخليج) مدوناً أسماء السفن الإنجليزية المفقودة بسببهم، وأعداد البحارة الضائعين وخسائر البضائع المحمولة، وعن مقاومة البحارة العرب لأية سفينة أجنبية دخيلة في حوض الخليج العربي. فما الذي استفادته هذه الشركات من وجودها في موانئ الخليج يا ترى؟ ومدى تأثيرها على حدود الأقطار الخليجية؟ وطريقة التقسم، ولماذا التقسيم ولمصلحة من؟ وفي الضفتين الشمالية والجنوبية، خاصة أن منطقة الخليج مسبقاً كانت تسمى بمملكة هرمز العربية، بحدودها الواسعة، حتى احتلتها البرتغال عام 1507م، لتبدأ بالتفكك.

الأرشيف الهندي والبريطاني:

الواقع أن هذه الشركات تركت أثراً عميقاً في تاريخ الشرق بأكمله، وتأثيرها العميق المخرب هذا كان أيضاً في الخليج العربي، ولعل هذه الأسرار التي لم تعد اليوم أسراراً، متوفرة في الوثائق الخاصة بشركة الهند الشرقية، سواء البرتغالية أو الهولندية أو الإنجليزية، وكذلك في الأرشيف الوطني الهندي المركزي في نيودلهي، والذي يعد أكبر مستودع للوثائق في قارة آسيا على الإطلاق، حيث يضم عدداً ضخماً من وثائق الشركة، وأقدمها تعود إلى عام 1748م، ولا يمكن لطلاب البحث أن يستغنيوا عن هذا الأرشيف الذي يحمل الكثير، منها وثائق أقطار الخليج العربي، والتي اعتمد عليها كل الباحثون في العالم، على الرغم أنها كانت يوماً وثائق سرية، وتابعة للسلطات إبان فترة استعمارها حتى تم الإفراج عنها في القرن العشرين، خاصة أن السلطات الإنجليزية والهندية ورثتا هذه الوثائق وتولتا مسؤوليتهما بحفظهما بين الأرشيف البريطاني والأرشيف الهندي، وكل ما يتعلق بشركة الهند الشرقية الإنجليزية التي تعود ملكيتها وامتيازاتها التجارية إلى زمن عرش ملكة إنجلترا اليزابيث الأولى، وبالتحديد لعام 1600م، حين تم التصريح لها، ليتم التوقيع على تأسيس هذه الشركة، خاصة بعد قرن من سيطرة إسبانيا على الأندلس، وعلى الرغم من الوجود الإسلامي العثماني في احتوائه مناطق الشرق بعد سقوط الإمبراطورية العباسية 1517م، لكن مدن الساحل في الخليج العربي والتي كانت ضمن أراضي الإمبراطورية العباسية، إلا أنها لم تكن كلها ضمن الإمبراطورية العثمانية، كما أن التوسع البرتغالي في آسيا وإفريقيا بشركتها النامية (شركة الهند الشرقية البرتغالية) في الهند والخليج وغيرها شجعت الدول الأوروبية الأخرى للتوغل ومنافسة البرتغال بذات الطريقة أي من خلال تأسيس شركاتها وعلى غرارها، ومنها إنجلترا، للتحكم في طرق التجارة، والتجارة هي الهدف الرئيسي والأساسي للشركة، وتوفير السلع الشرقية كالتوابل والجواهر والعطور والبخور والحرير والقطن والأنسجة الشرقية النفيسة والشاي والقهوة... في الأسواق الإنجليزية، بحيث تخرج من سيطرة الدول الأوروبية فيما تخص الوكالات البضائع الشرقية.

شركة بجنود وسلاح:

نجحت شركة الهند الشرقية الإنجليزية في توسعها كمثيلاتها الأخرى من الشركات المستعمرة وبذات الطريقة، ويضعف أداء الشركات الأخرى، وتستمر الشركة الانجليزية بعنفوانها التجاري مدة تزيد عن 150عاماً، كانت تطفو على دماء أبناء هذه المناطق مثلما أكدت التقارير المكتوبة في المكتبة المركزية في كلكتا، حتى أخذت الشركة تتنامى بعد تفكك سلطنة مغول الهند عام 1857م، وكما أتى في كتاب شركة جون المسلحة: شركة الهند الشرقية الإنجليزية، الحرب الأنجلو مغولية والإمبريالية المطلقة في 1675 1690م، بريطانيا والعالم الذي أصدره جيمس فوجن عام 2017م، فيتبين مدى طموحهم للحصول على خيرات الشرق الذي بدأ يضعف، من هنا بدأت الشركة تتبع سياسة جديدة وتوسعية لتتمكن من المسيطرة على أقاليم شاسعة في الهند، حتى أصبحت الشركة بمستوى إمبراطورية لها حدودها وجنودها وسلاحها، بعيدة عن التحكم الإنساني، بقدر ما هو تحكم إداري تجاري استغلالي بحت، مما كان له الأثر السيء على الشرق برمته، من تجويع هذه المدن بعد أخذ خيراتها، ومن ناحية أخرى إغناء لندن وفتح أسواقها بهدف المزيد من الوكالات التجارية، ليعكس هذا جوعاً بالشرق بعد استغلال في الأسعار، كما حدث بالبنغال من مجاعة قاسية، بأخذهم البضائع بزهيد السعر، وبمساعدة السلطات العسكرية والسياسية في الشركة، ومع المزيد من الأرباح والتمكن يأتي مدراؤها كأباطرة غير متوجين، وتخرج الألقاب النبيلة، وتدخل الجواهر في التاج الإنجليزي لترصع فيه، وتُبنى القصور بعد القلاع، وتتوسع الأسواق وتنشهر أسماء بلقب تجار لندن وبوكالات تجارية حصرية.

ثورة الجياع:

هذا الابتزاز والجوع والإفلاس دفع البنغال والهند بعد إفلاسهم إلى الثورة، مما جعل الشركة بعد هذه الوقائع تتبنى سياسة جديدة، لتستمر، خاصة بعد كل تلك الأرباح والمكاسب التجارية، لتقوم بتجديد إدارتها وبأسلوب جديد ومرضي شكلياً، حتى يهدأ الوضع، لتنهي السلطة غير المسؤولة وتؤسس إدارة جديدة، أكثر كفاءة ونزاهة، وتغيير أعضاء الشركة، وسياسة إبعاد 24 ألف جندي، وإلغاء الامتيازات لمدراء الشركة والموظفين بعد ثورة الهنود، فعاد الجنود إلى بريطانيا ليتم دمجهم بالجيش الملكي، بالإضافة إلى إلغاء القوة البحرية الهندية، وتصبح السيطرة من لندن التي قررت الإشراف على شؤون الهند والشركة، لكنها تبنت أسلوباً آخر وهو أن تحصل على تمديد موقعها في الهند مع امتيازات مدة عشرين سنة جديدة، ولكن كلما انتهت المدة تمدد من جديد عشرين سنة أخرى وعقد جديد، وبقيت تركز جهودها لإدارة الهند واحتكار التجارة، حتى انتهت بثورة جديدة.

موانئ الخليج الشمالية:

في تلك المرحلة السابقة وقبل إلغاء الامتيازات لمدراء الشركة، كانت الشركة قد وجدت في الخليج العربي موانئ تستطيع أن تحرك من خلالها بضائعها لتبيعها، فكانت عينها على موانئ البحر الأحمر، وموانئ الخليج العربي، بوصفهما موانئ تجارية منذ القدم، موانئ بدروب وممرات هامة نحو اليابسة، وطرقات استراتيجية، خاصة موانئ الخليج العربي، سواء من الضفة الشمالية أو الجنوبية أو الغربية، وعودة المدراء إلى ذكرى تلك التجربة لشركة الهند الشرقية في بداياتها، وبالتحديد عام 1616م.

في ذلك التاريخ حين اتجهت سفينتهم "جيمس" بشحنتها الكبيرة من الأقمشة الصوفية، إلى ميناء جاسك على الساحل الشرقي الشمالي للخليج، وبيعت الشحنة بالكامل، وبالتالي فإن منطقة الخليج العربي بالنسبة للشركة الإنجليزية وسفنها أقرب لتصريف سلعهم وبضائعهم، وفكروا بتحويلها إلى أسواق ملائمة لصادرات الأقمشة الصوفية الإنجليزية تحديداً، لتقوم بعمل تقارير وإحصائيات، فكانت النتيجة مشجعة جداً، فالمناخ البارد وفصل الشتاء الطويل في بلاد فارس وبلاد الشام وشمال العراق والأناضول، تجعل الحاجة ماسة إلى أقمشتهم الصوفية المتينة الصنع.

وبالتالي موانئ الخليج، سواء من ميناء جاسك والطريق البري نحو لار شمالاً ثم إلى بلاد فارس، أو من موانئ دبا وجلفار والبحرين والحسا والطريق البري جنوباً نحو جزيرة العرب، أو من ميناء البصرة إلى بلاد النهرين فالشام وأسواق حلب ثم إلى الأراضي الأناضولية، فلم يكن أمام إنجلترا سوى السيطرة على الخليج وموانئها، إلا أن مقاومة المقاومين من القبائل العربية على الضفتين، جعلت إنجلترا تتعاون من حكام فارس، التعاون معه حتى تتمكن من إيصال بضائعها من خلال السيطرة على تلك الطرقات وبيعها.

المقاومة العربية للوجود الأجنبي في الخليج:

ولإتمام الهدف كان التعامل تحديداً مع الشاه عباس الصفوي في بلاد فارس أسهل بكثير من الحكام العرب للضفتين، ومن هنا نستطيع أن نقول بأن إنجلترا قد بدأت بتغيير الحدود الخليجية من خلال بلاد فارس المطيعة لها، فالقبائل العربية على سواحل الخليج كانت تقاوم الوجود الأجنبي في حوضها، من الأحواز والبصرة إلى البحرين ورأس الخيمة، من بني كعب والعتوب والقواسم وآل معين وغيرهم من القبائل المسلحة، الذين كانوا مصدر إزعاج شديد للشركة وسفنها التي تم إغراق الكثير منها، مقابل شعور الأسى الإنجليزي حول أعداد الموتى والأسرى من البحارة، وضياع أطنان من بضائعهم، ما جعل إنجلترا تتعاون مع الشاه عباس الصفوي لبلاد فارس، وتجد طريقاً للتحكم بالضفة الخليجية الشمالية كلها، مقابل امتيازات تحصل عليها شركة الهند الشرقية الإنجليزية من الشاه عباس الصفوي والذي اشترط بدوره أخذ مساحات من الضفة الشمالية للخليج منها جمبرون وهرمز، والتي كانت في ظل حكام عرب وسيطرة برتغالية.

ويحصل ممثلو الشركة على فرمان من الشاه عباس حاكم فارس، وكانت مرضية للغاية للإنجليز، فموجبه يسمح لهم بالاستقرار في الموانئ مقابل طرد البرتغال من الساحل الخليجي الشمالي، فكانت العملية العسكرية الأنكلو فارسية، ناجحة في الاستيلاء على هرمز، واستقرار ممثلو الشركة الإنجليزية في ميناء جمبرون والتي سميت ببندر عباس، على اسم الشاه الذي حولها لميناء بحري ولمدة مئة وخمسين عاماً التالية، لتصبح مركزاً مالياً للنشاط التجاري والسياسي في الخليج العربي، مع امتيازات للشركة من أمن وحراسة وغيرها.

القبائل العربية:

استمرت الشركة في محاولاتها بجعل البصرة ميناءً من ضمن أسواقها، لتنقل بضائعها من ميناء بندر عباس إلى ميناء البصرة، ومتاجرة بين الميناءين بأمان وبعيداً عن النزاع الهولندي بشركتها مع الفرس، ورغم إزعاج سفن العرب لهم، بقيت السيطرة على الضفة الشمالية للخليج بين فارس وانجلترا حتى التحكم التام، بدأت رويداً رويداً بأخذها أراضي السواحل الخليجية التي أخذتها فارس بمساعدة إنجلترا، وعلى الرغم من المقاومة في الجسم والأحواز من القبائل العربية التي تحكمها وتسكنها، لكن التخادم بين القوتين أذابت تلك الأقطار العربية في فارس.

كان اختيار الإنجليز لميناء جاسك على الساحل الشمالي للخليج العربي، اختياراً استراتيجياً لأنه يسهل الطريق إلى مملكة لار ثم إلى الشمال، لبيع البضائع الإنجليزية المرغوبة جداً هناك، دون تدخل من العرب على منع الطريق التجاري الجديد، لتقف السفن الإنجليزية أمام ميناء جاسك وتباع الحمولة من الصوف الإنجليزي بالكامل، وتنقل البضاعة أمام الحراسة الفارسية من الميناء نحو طريق لار البري، مكملة إلى الشمال حيث أسواق أصفهان وشيراز وطهران. ويستمر بيع البضائع من الأسواق الأوروبية، وبقيت الوكالات الإنجليزية في أسواق الشرق، وسيطرت الشركة الإنجليزية على الضفة الشمالية للخليج بمساعدة إنجلترا بعد طرد البرتغال، كان شحن الشركة يسيراً وسريعاً، في ظل الحراسة الفارسية، وهكذا لتصل البضائع من إنجلترا إلى الهند، ومن الهند إلى موانئ الخليج الشمالية وبعدها تشحن البضائع شحناً برياً إلى مدن فارس مثل أصفهان وطهران، وتحديداً الصوف الإنجليزي الذي كان يباع بشكل سريع، وتصبح الضفة الشمالية الخليجية تحت السيطرة الفارسية التي كانت شرطاً لأمان الشركة ووجودها بعد اعتمادها على طريق التجارة الآمنة والمستمرة في بلاد فارس، وعلى الامتيازات المبينة في دستور أو فرمان، والتي مُنحت بعد الاستيلاء على هرمز في عام 1622م، وتوطدت العلاقة بين هاتين القوتين في الحقوق المنصوص عليها، والتي استخدمها كلاهما، لتنظيم احتياجاتهم وتوقعاتهم المتغيرة على مدار 125 عامًا.

السلع الشرقية

وعلى الرغم من الغزو الأفغاني لفارس عام 1722م، فالشاه عباس الذي تخلص من أبيه، وجلس على الحكم، ورغب بالتوسع جنوباً، إلا أن الشركة قاومت وجودها من خلال ميناء البصرة فيما بعد. ولا بد من ذكر المنافسات الأوروبية على الشرق مرة أخرى، لتجعل من شركة الهند الشرقية الإنجليزية قوية وبلا رحمة، والتي أثبتت نجاحها في توفير السلع الشرقية كالتوابل والجواهر والعطور والبخور والحرير والقطن والأنسجة الشرقية النفيسة والشاي والقهوة في الأسواق الإنجليزية، وكان لها ذلك من دون الاعتماد على الشعوب الأوروبية الأخرى، سواء من الجزيرة الايبيرية إسبانيا والبرتغال، أو من موانئ إيطاليا المطلة على البحر المتوسط، ولا من اليونان والنمسا بطرقاتها جهة الدولة العثمانية النامية حينها، لتظل شركة الهند الشرقية بطابعها التجاري مدة تزيد عن القرن والنصف ولها مراكز تجارية عديدة، وفروع، كانت المراكز الرئيسية الثلاثة في شبه القارة الهندية، لأهميتها وثرائها وموقعها الاستراتيجي من خلال طرقاتها، فكانت المراكز الثلاثة للشركة في مدينة سورات وكلكتا ومدراس، لكن حصلت الشركة أيضاً على جزيرة بومباي فيما بعد، فاستعاضت به عن سورات، ومنذ ذلك الوقت أي في القرن الثامن عشر، أصبحت المراكز الثلاثة تعرف بالمديريات، ولكل مديرية رئيس يسمى بالحاكم، وبين أن يسمى حاكم أو رئيس كان مهامه مساعدة مجلس الإدارة، لتؤخذ القرارات باسمه. كانت مديرية بومباي تشرف على شؤون الشركة ومصالحها التجارية وخاصة في غرب القارة الهندية، وهي منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر.

البضائع بحراً من الخليج

أصبحت نشاطات البلدان الآسيوية فيما بعد محدودة أمام الموانئ والمدن الخليجية، لينفرد الأوروبيون بنقل البضائع بحراً من الخليج إلى ساحل كيرالا بالهند، حيث كان الساحل الغربي من الهند صلات بحرية كثيرة مع الخليج، واقتصر ذلك لمدة طويلة من الزمن، على التجارة ولم تقم الدول الهندية إلا بالقليل من المبادرات السياسية في الخليج سوى مع عمان، وكانت إمبراطورية المغول تمارس علاقات سياسية مع بلاد الفرس بين حين وآخر. ولكن لا يوجد هناك مصدر أو ما يشير على أن للهند نشاط سياسي في الخليج قبل نهاية القرن الثامن عشر عندما حاول حيدر علي، أو السلطان حيدر علي خان وهو الحاكم الفعلي لمملكة ميسور جنوب الهند، في أن يقيم وكالة في مسقط وبندر عباس على غرار الدول الأوروبية.

عمان والهند

وكما ذكر "بِن سلوت" في كتابه الشهير عرب الخليج، كيف كانت عمان القوة العربية الوحيدة الممتدة في منطقة جنوب الخليج العربي، والتي حافظت على علاقاتها السياسية الممتدة خارج الخليج، فقد كانت هناك تعاملات كبيرة مع الفرنسيين، وعلاقات حميمية مع حاكم ملابار الهولندي، ومع السلطان تيبو...

وعبر البحر العربي كانت قوة الشركة الإنجليزية تتزايد في الهند، وكان من المؤكد أن تلك القوى العظمى سوف تحاول توسيع نفوذها إلى أبعد من ذلك. وكان اهتمام الإنكليز الأساسي ينصب بحاجتهم للاتصال السريع بين أوروبا والهند، وكان الخليج هو الطريق الوحيد لإيصال الرسائل بسرعة إلى البحر الأبيض المتوسط، لأن العثمانيين لم يسمحوا للسفن الأوروبية بالتنقل عبر البحر الأحمر إلى مصر. والسبب الآخر لتوسع الإنجليز فيما بعد هو اهتمام الجزء الغربي الكبير من الهند (حيث كانوا هم القوة المسيطرة) بممارسة التجارة في الخليج.

لقد كان اختفاء القوة الأوروبية ظاهرياً مسألة مؤقتة، فعندما عادت الشركة الإنجليزية لم يكن هناك منافسون أوروبيون وبالتالي كان من الممكن لها فرض قوانينها الخاصة بها، لكن علينا ألا ننكر إيجابية هذه الشركة "الهند الشرقية الإنجليزية" إن استطعنا القول، في أنها وثقت كل تجارتها المالية والاقتصادية وكذلك السياسية والجغرافية في يوميات الموظفين والرسائل بينهم، من خلال الفروع إلى بريطانيا، لتحمل الكثير من المعلومات المعنية بنا نحن كأبناء الخليج العربي، وخاصة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وعلى الباحث الجاد أن يبحث عن تلك الوثائق الغزيرة التي لم تترجم منها سوى القليل، لأنها تكشف الكثير عما نحن عليه اليوم، وبكل وضوح.

 

مقالات لنفس الكاتب