; logged out
الرئيسية / ثلاثة عوامل رئيسية تجعل إفريقيا الأكثر تأثيرًا بتداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية

العدد 174

ثلاثة عوامل رئيسية تجعل إفريقيا الأكثر تأثيرًا بتداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2022

تشكل الحرب الروسية على أوكرانيا متغيرًا مهمًا في السياق الدولي له انعكاساته في كل أنحاء العالم، ولعل التداعيات الأوسع والأكثر تأثيرًا من المتوقع أن تكون في القارة الإفريقية وذلك لعدد من العوامل، منها توظيف المنصة الإفريقية منذ فترة طويلة كمسرح للصراع بين أطراف النظام الدولي، ومفرداته، ومنها ما يرتبط بكون إفريقيا منجمًا للموارد الطبيعية بكافة أشكالها وأنواعها وهو ما يجعلها تحتل أهمية استراتيجية لكافة الأطراف الدولية، ومنها ثالثًا أن أحد أهم النواقل للنفط  حول العالم البحر الأحمر هو على التخوم الشرقية للقارة الإفريقية، وهو أيضًا الطريق البحري لمشروع الحزام والطريق الصيني للشرق الأوسط وأوروبا، وفي الأخير فإن الدعم الجيوسياسي الذى تقدمه الدول الإفريقية  أساسي لكل أطراف النظام الدولي ،حيث أنها تشكل أكبر كتلة تصويت جغرافية داخل العديد من المؤسسات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية العالمية، وبشكل خاص مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبالتالي فإن الدعم الإفريقي مغرٍ وجاذب لروسيا في إطار سعيها لتأكيد أهميتها وهيمنتها على العالم.

في هذا السياق نتعرض هنا للعلاقات الروسية ـ الإفريقية وطبيعة التفاعل بين الطرفين وذلك في مرحلة ما قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، وكذلك التداعيات الأولية لهذه الحرب على إفريقيا، كما تتناول الدراسة الآليات الروسية الراهنة في التفاعل مع إفريقيا

وأخيرًا نتناول التداعيات المنظورة للحرب، وآفاق تأثيرها على إفريقيا.

أولاً: بيئة التقارب الروسي ــ الإفريقي:

يمكن رصد أن التقارب الروسي ــ الإفريقي قد بدأ في العقد الثاني من الألفية حينما بدأت روسيا تؤسس لصعودها في نادي الكبار بالنظام الدولي، وبدأت في بلورة توجهاتها الاستراتيجية، حيث شهد عام 2015م، قفزات واضحة في الدور الروسي، خصوصًا بعد إعلان العقيدة العسكرية الروسية في نسختها الرابعة.

هذا الصعود الروسي في النطاق الدولي  توازى معه بداية أزمة العلاقات الإفريقية ــ  الغربية ومعاناتها  من سياق مأزوم على نحو كبير في ضوء تقييمات سلبية  للنخب الإفريقية بشأن السياسيات الغربية في إفريقيا من جانب النخب الرسمية أو غير الرسمية الإفريقية وذلك لسببين: الأول أن المقاربات الغربية لتطوير الدول الإفريقية التي بدأت في تسعينيات القرن الماضي، قد تأسست على مشروطيات صندوق النقد والبنك الدوليين  في الإصلاح الاقتصادي ، وهي المشروطيات التي لم تراع الهياكل الاقتصادية، ولا البنى الاجتماعية والثقافية للقارة الإفريقية، حيث نتج عن هذه المقاربات اتساعًا لظاهرة الفقر ، بما أنتجه ذلك من عدم استقرار سياسي للدول الإفريقية، فضلاً عن دعم القدرات البشرية للتنظيمات الإرهابية عبر تجنيد جيوش من السكان الأفارقة الفقراء لصالحهم .

أما السبب الثاني للإخفاق الغربي في إفريقيا هو المقاربات الأمنية لمواجهة ظاهرة الإرهاب حيث تبلورت هذه المقاربات في أمرين منها التدخل العسكري المباشر وذلك تحت مظلة دولية من مجلس الأمن، والتحالفات العسكرية الفرنسية مع عدد من الدول الإفريقية وأهمها تحالف G5

ويمكن القول إن التقييم الإفريقي العام لنتائج المقاربات الغربية في إفريقيا خلال الأربعين عامًا الماضية كان سلبيًا، خصوصًا مع شكلانية التمسك بالتطور الديمقراطي الإفريقي وهو ما ظهر جليًا في الموقف الفرنسي من التطورات غير الدستورية في تشاد، واستمرار آليات النزوح للثروات الإفريقية عبر الشركات العابرة للجنسية بعوائد مالية غير عادلة للاقتصادات الإفريقية.

هذا التقييم الإفريقي السلبي للغرب لم يقتصر على النخب الرسمية ولكنه اخترق المجال العام الإفريقي ليتم التعبير عنه  في مظاهرات شعبية اندلعت ضد النفوذ الفرنسي في كل من تشاد  والنيجر ومالي، كما أنه يمكن رصد اتجاهات الشباب الإفريقي من خلال مسارات وحوارات المؤتمرات الفرنسية الإفريقية سواء في مؤتمر منظمات المجتمع المدني الذي عقد في يناير٢٠٢١م، أو في مؤتمر الشباب الصيف الماضي، وهما آليتان لجأت لهما باريس بهدف تحسين صورتها، وتجاوز مشاكلها مع عدد من الدول الإفريقية أبرزهم الجزائر ومالي التي وصل فيهما التلاسن السياسي  بين الأطراف لمستويات غير مسبوقة، وكشفت عن حجم الخسائر الفرنسية في إفريقيا .

أولاً: الآليات الروسية للتقارب مع إفريقيا:

أ-المنظمات الدولية:

شكلت مجموعة البريكس التي تضم جنوب إفريقيا رافعة مناسبة للاستراتيجيات الروسية تجاه إفريقيا، حيث عقد تحالف البريكس اجتماعًا مع دول الاتحاد الإفريقي على هامش القمة الإفريقية بأديس أبابا عام ٢٠١٣م، كما كان لعقد قمتي "بريكس" و"شنغهاى" متعاقبتين على مدى ثلاثة أيام من 8 – 10 يوليو 2015م، في مدينة "أوفا" الروسية، واللقاء المشترك بين زعماء الدول الأعضاء فيهما ودول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، أصداء واسعة ودلالات هامة دولياً وإقليميًا ،ربما يكون من أهمها نضج المنظمتين وبروزهما كفواعل دولية هامة ومؤثرة على الصعيدين الاقتصادي والأمني، بما يعني استقرار الشراكات والتحالفات الاقتصادية والأمنية الروسية في إطارهما.

وقد طورت روسيا من أدواتها في هذا السياق فأسست آلية القمم الروسية الإفريقية المشتركة، وانعقدت دورتها الأولى عام ٢٠١٩م، في مدينة سوتشي برئاسة مشتركة بين مصر وروسيا، حيث كان خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالغ الدلالة فيما يتعلق بالمنظور الروسي للعلاقات مع إفريقيا، سواء فيما يخص الاستثمار الروسي المباشر في إفريقيا، أو بالمنهج الروسي في القروض في أن تكون مقابل التنمية، فضلاً عن تقديم الدعم الروسي المباشر في مجالات محاربة الأوبئة وغيرها من الاحتياجات الإنسانية.

وقد عبر بوتين عن موقف روسي مضاد للمناهج الغربية في التعامل مع الدول الإفريقية وفرض مشروطيات معينة في التحول نحو الديمقراطية قائلا ” نشهد أن بعض الدول الغربية تنتهج منهج الضغط والترهيب والابتزاز تجاه حكومات البلدان الإفريقية ذات السيادة. إذ أنها تحاول باستخدام هذه الوسائل باستعادة نفوذها المفقود وهيمنتها الماضية في مستعمراتها السابقة، وتسعى – ولو «بغلاف جديد» – إلى الحصول على الأرباح الزائدة واستغلال القادة بغض النظر عن احتياجات سكانها أو إلى المخاطر البيئية وغيرها من المخاطر.

 قد كانت المخرجات الاقتصادية لقمة سوتشي أكثر من ٥٠ من الاتفاقيات والمذكرات والعقود التي تم توقيعها بين روسيا والدول الإفريقية، حيث بلغ إجمالي الحجم المالي للوثائق حوالي 800 مليار روبل (نحو 12,5 مليار دولار).

وإلى جانب تدشين التحالفات الدولية تلجأ روسيا أيضًا إلى إنشاء المؤسسات والوكالات الاقتصادية الموازية للغرب ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر حيث أعلنت موسكو عن إنشاء وكالة " للتصنيف الائتماني " في عام 2015 م، لموازنة تأثير الوكالات الغربية على وصول دول العالم النامي إلى التمويل والتي قوبلت بحماس واهتمام من القادة الأفارقة.

جنوب-الآليات الأمنية:

تعد شركة فاغنر من أهم الآليات الروسية الراهنة في التفاعل مع إفريقيا، وقد بدأت الشركة هذه المسيرة عام ٢٠١٣م، مع احتدام الأزمة السورية، وتنتشر حاليًا في ٢٣ دولة إفريقية، وتعد آلية منخفضة التكاليف السياسية والاقتصادية بالنسبة لروسيا، وذلك عبر علاقة غير مباشرة بالحكومة الروسية وبالتالي فالتكاليف السياسية منخفضة، فضلاً عن انخفاض تكاليف عملها الاقتصادية مقارنة بالشركات الغربية المثيلة مثل black water الأمريكية حيث يتقاضى المرتزق الأمريكي أربعة أضعاف أجر المرتزق الروسي ، وربما يكون توصيف بوتين لها واقعيًا لكونها وسيلة لتنفيذ المصالح الوطنية دون مشاركة مباشرة من الحكومة الروسية.

وتتعدد المهام التي تضطلع بها فاجنر في إفريقيا ما بين سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية، فإلى جانب المشاركة في عمليات القتال في الخطوط الأمامية، توفر الشركة الروسية التدريب على الأسلحة ودعم الشرطة وأجهزة الاستخبارات المدنية وعمليات التأمين الشخصي لكبار الشخصيات السياسية.

وفي هذا السياق تنشط فاجنر في مجالي جمع المعلومات وتوجيه الرأي العام داخل الدول الإفريقية، وذلك من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث تمتلك فاجنر 7 حسابات على Instagram و73 صفحة على Facebook بلغ عدد متابعيها أكثر 1.72 مليون حساب، يركز محتواها على المصالح الروسية، ولعل أنشطة فاجنر المستهدفة السودان تؤشر إلى مساندة السلطة الراهنة مقابل تحالف المعارضة السودانية.

وقد وفر هذا الانتشار لقوات شركة فاجنر الأمنية بيئة آمنة للاستثمارات الروسية في البيئة الإفريقية المضطربة تقليديا، فنشطت الاستثمارات المباشرة الروسية في عدد من الدول الإفريقية مثل السودان على سبيل المثال لا الحصر التي تهتم فيها روسيا بالتعدين.

وفي الأخير يبدو أن حجم العوائد المالية المجزية لشركة فاجنر قد ساهم بشكل مباشر في فتح الباب أمام جيل ثانٍ من الشركات العسكرية الروسية الخاصة، حيث بدأت شركتان جديدتان هما باتريوت Patriot وسيو Sew للخدمات الأمنية عملياتها في إفريقيا منذ عام 2018م.

ج -تصدير التكنولوجيا العسكرية

باتت موسكو الموردّ الرئيسَ للتكنولوجيا العسكرية للدول الإفريقية، حيث تجاوزت مبيعات الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت النسبة الأكبر لمبيعات الأسلحة الروسية إلى الجزائر (58.64%) ثم مصر (25.96%)، فأوغندا (5.17%)، والسودان (2.63 %) وأنغولا (2.11%) .. وتشير الاحصائيات أن أكبر أربعة موردي أسلحة لإفريقيا في عام 2017م، روسيا في المرتبة الأولى

بنسبة 37.6٪ تليها الولايات المتحدة 16.3٪ وفرنسا 14.6٪ ثم الصين 9.2٪وقد تطورت مبيعات الأسلحة الروسية للدول الإفريقية خلال السنوات اللاحقة طبقا للجدول التالي:

 

 

د-دبلوماسية الطاقة:

يشكل قطاع الطاقة أحد الروافع الرئيسية للنفوذ الروسي في إفريقيا حاليًا فالاستثمارات الرئيسية نجدها في النفط والغاز والتعدين والطاقة النووية. وتقود هذه الاستثمارات شركات مثل جازبروم ووكويل وروستيك وروساتوم التي لها استثمارات في الجزائر ومصر  والسودان وجنوب إفريقيا وأوغندا وأنغولا، على أن الوجود الروسي في قطاع الطاقة قد يجد منافسة حادة من أوروبا نتيجة احتياجها لتوفير بدائل للغاز الروسي، وهو ما دفع ربما ماريو دراجي رئيس الوزراء الإيطالي لجولة في عدد من الدول الإفريقية بهدف تكثيف الاستثمارات الروسية في مجال الغاز، كما سوف تحوز كل من مصر والجزائر أهمية استراتيجية لأوروبا خصوصًا بعد أن أقدمت روسيا بالفعل علي قطع إمدادات الغاز عن فنلندا ،كما أنه من المتوقع أن تحوز الطاقة الشمسية في دول الساحل الإفريقي على اهتمام أوروبي في المرحلة القادمة.

 

 

ثانيًا: اتجاهات الموقف الإفريقي إزاء الأزمة الروسية الأوكرانية

 

على الرغم من دعوة الاتحاد الإفريقي بشكل لا لبس فيه روسيا إلى احترام أوكرانيا وسيادتها طبقًا لما قاله سفير كينيا لدى الأمم المتحدة، مارتن كيماني، فإن التصويت الإفريقي في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا جاء صادمًا للغرب، حيث أيدت قرار الإدانة الغربي ٢٨ دولة إفريقية فقط بينما امتنعت ١٧ دولة عن التصويت ،وغابت ٨ دول إفريقية عن الجلسة، بينما صوتت إرتيريا التي أقعدتها العقوبات الدولية ضد القرار، في حين أصدرت مصر قرارًا يدين الأداء الغربي ضد روسيا بعد تصويتها لإدانة روسيا على غزوها لأوكرانيا.        

وقد استمر الموقف الإفريقي متباينا من تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان مطلع شهر إبريل الماضي جاء في نفس الاتجاه حيث تغيبت ١١ دولة إفريقية عن الحضور، وأيدته ١١ دولة أخرى بينما أمتنعت ٢٣ دولة عن التصويت، وهو الأمر الذي أقدمت روسيا معه الدول التي امتنعت عن التصويت، والتي صوتت بنعم بأن هذا التصرف سيعتبر «بادرة غير ودية» لها عواقب على العلاقات الثنائية، بينما أضطر الرئيس الأمريكي بايدن إلى مهاتفة رئيس جنوب إفريقيا رامافوزا بعد امتناع بلاده عن التصويت ضد روسيا لثالث مرة في محافل دولية.

وإذا كانت هذه هي المواقف الرسمية للدول الإفريقية فإن اتجاه الفضاء العام إزاء الغرب أصبح ملمًا بانتهازية الموقف الدولي بشكل عام من إفريقيا، وذلك مع موجة الاستياء من كون إفريقيا مسرحًا لصراعات القوى الكبرى. وهو ما تم التعبير عنه بالقول «إنه شعور بأننا نكون مرئيين فقط حينما تمارس القوى العظمى ألعابها. لا يهم ما نمر به. ما يهتمون به هو قوتهم». ولعل الأدلة واضحة على تجاهل الغرب للمصالح الإفريقية الحيوية، وذلك مع تجاهل دعوات القادة الأفارقة لتوفير لقاحات ضد كوفيد ١٩ من جانب الدول الغنية التي لديها ما يكفي لتجنيبها تفاقم الأوضاع، وهو التجاهل الحاصل أيضًا لنداء إفريقيا للحصول على أموال للتعامل مع تغير المناخ.

ثالثًا: آفاق العلاقات الروسية ــ الإفريقية

قد تحدد نتائج الحرب على أوكرانيا ملامح النظام الدولي الجديد بعد المواجهة العسكرية الحالية بين الشرق والغرب على المنصة الأوكرانية، والتي يتم النظر إليها أحيانًا أنها الحرب العالمية الثالثة، وفي ضوء هذه النتائج قد يتحدد الوزن الروسي في القارة الإفريقية، ولكن دون إهمال النجاحات التي حققتها روسيا في إفريقيا حاليًا، هي نجاحات مؤثرة سيكون لها تداعيات مستقبلية إيجابية على روسيا التي حققت انتصارات تاريخية على فرنسا في منطقة الساحل الإفريقي في جمهورية إفريقيا الوسطى، ويبدو أن الدور قادم في كل من مالي وتشاد. حيث سبق أن أعلنت فرنسا مطلع يونيو/حزيران 2021 م، تعليق عملياتها العسكرية المشتركة في مالي بالرغم من أنها أشارت إلى استئناف العمليات العسكرية عقب انقلاب عسكري بالبلاد هو الثاني خلال أقل من عام، ولكن من غير المرجح أن تنجح فرنسا في ظل الوضع الراهن في مالي حيث تعارض الحكومة الانتقالية الرافضة للهيمنة الفرنسية، وهو ما دفع مابكو مطلع شهر مايو إلى إلغاء كل الاتفاقات الدفاعية مع فرنسا وكل شركائها الأوروبيين  والتي تم إبرامها عام ٢٠١٤م، بما يعني أن شركة فاجنر الروسية قد استطاعت استكمال هياكلها على الأرض لحماية الانقلابيين في مالي ، خصوصًا بعد تصاعد المطالبات الشعبية باتخاذ إفريقيا الوسطى مثالاً يجدر الاحتذاء به، نتيجة النجاحات الأمنية الروسية هناك، وظهر ذلك واضحًا عندما نزل مؤيدون مبتهجون لتحركات الجيش إلى شوارع باماكو للاحتفال، وبعض المحتفلين كانوا يرفعون الأعلام الروسية ويشيدون بالتعاون المالي الروسي، وصورًا لفلاديمير بوتين، ورسائل تشكر روسيا على دعمها

ولعل الرافعة الأساسية لروسيا في منطقة الساحل الإفريقي هي دعمها للأفارقة في حربهم ضد الإرهاب عبر تصدير الأسلحة كما يوضح الجدول التالي:

ولعل انقلاب بوركينا فاسو والأوضاع الحرجة في نيجيريا، يؤشران على نحو لا لبس فيه أن النجاح في مساندة الدول الإفريقية في محاربة الإهاب وخفض المهددات الأمنية بشكل عام سوف يكون من المحددات الحاكمة للعلاقات الروسية الإفريقية خلال المرحلة القادمة.

 في هذا السياق نجحت روسيا أن تكون في دوائر صناعة القرار الضيقة في بعض الدول الإفريقية ومن ذلك، حيث تم تعيين مستشار روسي للأمن القومي في إفريقيا

 الوسط (فاليري زاخاروف) في مايو/أيار 2018 وفي عام 2019م، وقعت روسيا اتفاقية ثنائية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث سهلت تلك الاتفاقية تفويض مستشارين عسكريين روس في القوات المسلحة الكونغولية.

وفضلاً عن إفريقيا الوسطى تبدو السودان بلدًا مرشحًا أيضًا لتنامي النفوذ الروسي على حساب النفوذ الغربي وذلك بعد أحداث ٢٥ أكتوبر في السودان ضد المكون المدني في المعادلة السياسية الانتقالية التي تأسست في أغسطس ٢٠١٩م، بموجب وثيقة دستورية، ولعل معطيات هذه التوقعات تكمن في السعي الروسي للوجود العسكري على سواحل البحر الأحمر وهي الورقة التي يوظفها المكون العسكري السوداني ضد الغرب حاليًا في ضوء ضغوط الأخير على الخرطوم، وربما يكون من المهم ذكره هنا هو اعتراف نائب رئيس المجلس السيادي السوداني بسيادة جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك واستقلالهما عن دولة أوكرانيا وذلك في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا مباشرة ،وهو ما يؤكد الانتباه العام من القوى الشمولية وغير الديمقراطية بإمكانية الاستفادة من روسيا في هذا التوقيت في مواجهة الضغوط الغربية ،حيث أن هذا الاعتراف السوداني بسيادة الإقليمين الأوكرانيين،  قد ينتج عنه الحصول على طائرات درون روسية وهو الأمر الذي قد يتسبب بخلل في توازنات القوى بين القوات المسلحة السودانية الرسمية، وقوات الدعم السريع التي يمكن أن تتحول بسهولة في ضوء هذا الخلل إلى نماذج مثل الحوثي أو حزب الله في المعادلة السياسية السودانية الحرجة أصلًا وذلك مع ميزة تفضيلية لقوات الدعم السريع التي يمتد نطاقها القبلي (قبيلة الرزيقات )حتى أقصى غرب إفريقيا وهو ما يعني في التحليل الأخير التأثير على الأمن الإقليمي الإفريقي فضلاً عن استقرار كل من تشاد والسودان بالأساس.

إجمالاً ستستمر إفريقيا منصة للصراع الدولي طالما لم تستقر ملامح النظام الدولي الجديد، كما أنها ستكون القارة الأكثر معاناة على المستوى الاقتصادي بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية بتداعياتها المباشرة على ارتفاع مستويات التضخم المنذر بحدوث المجاعات في إفريقيا كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار السلع الغذائية.

مقالات لنفس الكاتب