; logged out
الرئيسية / إيران تواجه استحقاق داخلي صعب وتوتر علاقة النظام بالقوميات الحدودية

العدد 174

إيران تواجه استحقاق داخلي صعب وتوتر علاقة النظام بالقوميات الحدودية

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2022

تراقب إيران بدقة وحذر تطورات الحرب الروسية-الأوكرانية. ويمكن القول إن هذه الحرب جاءت في توقيت حرج جداً بالنسبة لإيران، وذلك لاعتبارات ثلاثة رئيسية: يتمثل أولها، في أنها توازت مع استمرار المفاوضات التي جرت في فيينا حول الاتفاق النووي، والتي تهدف القوى المشاركة فيها إلى الوصول إلى تسوية تتيح استمرار العمل بالاتفاق، وتتضمن عودة إيران إلى التزاماتها فيه مقابل رفع العقوبات الأمريكية على الصادرات النفطية والتعاملات التجارية الإيرانية مع العالم. وقد دفع ذلك روسيا إلى إجراء تغيير في سياستها في المفاوضات، باتجاه محاولة استغلال مشاركتها في المفاوضات ودورها في الاتفاق النووي من أجل تعزيز موقعها في المواجهة مع الدول الغربية حول الأزمة الأوكرانية. وقد تسبب ذلك، ضمن أسباب أخرى، في عرقلة المفاوضات التي توقفت منذ 11 مارس 2022م.

وينصرف ثانيها، إلى تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية داخل إيران، أولاً بسبب العقوبات الأمريكية، وثانياً بسبب تفاقم مشكلة انتشار فيروس كورونا. وقد جاءت الحرب الروسية-الأوكرانية لتفرض مزيداً من الضغوط الاقتصادية على إيران، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الغذاء على مستوى العالم. ومن دون شك، فإن إيران تأثرت كغيرها من الدول بالتداعيات التي فرضتها تلك الحرب، خاصة أنها لم تستفد من ارتفاع أسعار النفط الناجم عنها، أولاً لاستمرار العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وثانياً للقيود المالية التي تعترض التعاملات الثنائية مع الدول التي تقوم بتهريب النفط إليها، على غرار الصين. وقد أدى ذلك إلى تصاعد حدة الاحتجاجات الداخلية الإيرانية اعتراضاً على القرارات التي اتخذتها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي برفع الدعم عن بعض السلع الأساسية مثل الطحين والخبز، بشكل كان سبباً في ارتفاع أسعارها لثلاثة أضعاف على الأقل.

ويتعلق ثالثها، بالتحركات الإيرانية الجديدة لاستغلال الانشغال الروسي بإدارة الحرب في أوكرانيا ومواجهة الضغوط والعقوبات التي تفرضها الدول الأوروبية، من أجل تعزيز موقع إيران على الساحة الإقليمية، لاسيما في الملف السوري الذي سعت إيران إلى توجيه رسائل مباشرة في الفترة الأخيرة تفيد أنها صاحبة النفوذ الأبرز فيه على نحو بدا جلياً في الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران في 8 مايو 2022م، وهو ما بدأ يرتب معطيات إقليمية جديدة تتصل بتحرك إسرائيل بدورها لتقييد تحركات إيران على الساحة السورية لمنعها من الاقتراب من حدودها، على نحو يدفعها باستمرار إلى توجيه ضربات عسكرية ضد المواقع التابعة لإيران والنظام السوري والميليشيات الموالية لها.

وفي كل الأحوال، فإن هذه المواجهات ربما تتسع تدريجياً خلال المرحلة القادمة، خاصة أن روسيا نفسها قد تسعى إلى تأجيجها في إطار سياسة جديدة لإعادة التموضع داخل سوريا والإقليم بشكل عام، أولاً لاتخاذ إجراءات مناوئة لإسرائيل بسبب موقفها من الحرب في أوكرانيا، وثانياً لوضع حدود للتمدد الإيراني داخل سوريا والذي سيخصم في المقام الأول من حضور ونفوذ روسيا. وقد بدأت إسرائيل في التمهيد لتوسيع نطاق تلك المواجهات خلال المرحلة القادمة، بصرف النظر عما سوف تؤول إليه مفاوضات فيينا في النهاية، والتي قد تستأنف بعد الزيارة التي قام بها المنسق الأوروبي بشأن المفاوضات انريكي مورا إلى طهران ولقائه مساعد وزير الخارجية رئيس وفد التفاوض على باقري كني في 10 مايو 2022م.

ففي هذا الإطار، قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس-الذي قام بزيارة واشنطن في 18 مايو 2022م، حيث كان الملف الإيراني على قائمة المباحثات التي أجراها مع المسؤولين الأمريكيين أن "إيران تعمل على تطوير 1000 جهاز طرد مركزي متقدم في مواقع جديدة تحت الأرض يجري بناؤها بالقرب من منشأة ناتانز النووية"، ملمحاً إلى أن إسرائيل سوف تتحرك في حالة ما إذا أخفقت الدبلوماسية في منع إيران من امتلاك سلاح نووي.

تأثيرات مزدوجة

أبدت إيران اهتماماً خاصاً بمتابعة تطورات الحرب الروسية-الأوكرانية، خاصة أنها اعتبرت أن هذه التطورات يمكن أن تفرض عليها تأثيرات مزدوجة سلبية وإيجابية في آن واحد. ويمكن تناول التأثيرات السلبية على النحو التالي:

  • تراجع دعم "الظهير" الروسي: مثّلت روسيا بصفة مستمرة ظهيراً دولياً داعماً لإيران، على نحو عزز موقعها في مواجهة العقوبات والضغوط التي تفرضها الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية. كما دافعت روسيا باستمرار عن الخطوات التي اتخذتها إيران لتخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي بداية من منتصف عام 2019م، حيث اعتبرت أن ذلك يمثل رداً على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018 وفرض العقوبات الأمريكية على إيران بداية من 7 أغسطس من العام نفسه. لكن مع بدء الحرب الروسية-الأوكرانية، وتصاعد الدعم الغربي لكييف بالتوازي مع رفع مستوى الضغوط والعقوبات الغربية على موسكو، بدا واضحاً أن الأخيرة بدأت تنشغل عن دعم إيران في المفاوضات النووية.

إذ لم تعد روسيا حريصة على طرح مبادرات أو المشاركة في الجهود التي تبذل لتجسير الفجوة في المواقف بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وكان المندوب الروسي في المنظمات الدولية والمشارك في المفاوضات ميخائيل أوليانوف أشبه بالمتحدث الرسمي لهذه المفاوضات، حيث دائماً ما كانت الأخبار الواردة عنها صادرة عنه. إلا أن هذا الدور تراجع بشكل كبير خلال المرحلة القادمة، حيث لم يعد يظهر أوليانوف ولم يعد له دور في المساعي التي تبذل لاستئناف المفاوضات التي توقفت في 11 مارس الماضي، بسبب الخلافات العالقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول مسألة شطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية.

وهنا، فإن ذلك يوجه رسائل لا تتوافق مع مصالح وحسابات إيران، التي تعتبر أن ذلك يمكن أن يضعف موقعها، خاصة أنها تتوقع أن تتسع مساحة التقارب في المواقف بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في مواجهتها، على نحو بدا جلياً في اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة السبع بألمانيا، في الفترة من 12 إلى 14 مايو 2022م، والذي أصدر بياناً دعا إيران إلى انتهاز الفرصة الحالية للوصول إلى اتفاق نووي والتوقف عن الأنشطة والتدخلات التي تقوم بها في المنطقة والتي تؤثر على حالة الأمن والاستقرار، وعن مد المليشيات المسلحة بالمعدات العسكرية التي تنتهك من خلالها قرارات مجلس الأمن.

  • محاولة موسكو استغلال المفاوضات لخدمة موقعها في أوكرانيا: ربما يمكن القول إن روسيا سعت إلى استغلال دورها في الاتفاق النووي لخدمة مصالحها في أوكرانيا، حيث تقوم بمهمة حيوية في الاتفاق وهي استضافة الكميات التي تنتجها إيران من اليورانيوم المخصب وتزيد عن الحد المسموح به وفقاً للاتفاق. ويبدو أن روسيا عوّلت على أن البدائل المتاحة في هذا الصدد قد لا تحظى بتوافق داخل المجموعة المعنية بالمفاوضات والمنخرطة فيها، وخاصة إيران والولايات المتحدة الأمريكية، على غرار نقل هذه الكميات إلى الصين أو كازاخستان. وهنا، فإن رفض الوصول إلى حل وسط في هذا الشأن كان من الممكن أن يؤدي بالفعل إلى انهيار الاتفاق النووي وإهدار الجهود التي بذلت على مدى 11 شهراً منذ أبريل 2021.

ومن هنا، سارعت موسكو إلى مطالبة واشنطن بالحصول على ضمانات بعدم تأثر تعاونها مع إيران في المجال النووي بالعقوبات التي تفرضها الدول الغربية عليها بسبب الحرب في أوكرانيا. إلا أن الرد كان واضحاً من جانب الولايات المتحدة التي اعتبرت أن العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا ليست لها علاقة بالاتفاق النووي، في حين زعمت موسكو أنها حصلت على الضمانات المطلوبة من جانب واشنطن.

المهم في كل ذلك، أن هذا التغير المفاجئ في الموقف الروسي أثار مخاوف لدى إيران، وأضفى وجاهة خاصة على الدعوة التي أطلقتها اتجاهات عديدة داخل إيران من ضرورة "الحذر" من روسيا وعدم التعويل بشكل كبير على أن الأخيرة سوف تدعم الموقف الإيراني حتى النهاية، بل إن أحد هذه الاتجاهات بات يرى أن روسيا يمكن أن تعمل على عرقلة الوصول إلى اتفاق نووي باعتبار أن ذلك يمكن أن يرتب معطيات جديدة اقتصادية ودولية لن تتوافق مع المصالح والحسابات الروسية.

 وفي هذا السياق، استدعى هذا الاتجاه مجدداً التسجيل المسرب لوزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، في 25 أبريل 2021م، والذي قال فيه أن قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني-الذي قتل في الضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد موكبه بالقرب من مطار بغداد في 3 يناير 2020م-عمل مع روسيا لمعارضة الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو 2015م، وذلك لتأكيد رؤيته القائمة على أن روسيا لها حساباتها ومصالحها الخاصة التي قد لا تتوافق بالضرورة مع حسابات ومصالح إيران.

  • تأكيد جدية الدول الغربية في مواجهة إيران: ترى إيران أن أحد استحقاقات الحرب الروسية-الأوكرانية يتعلق بالمواقف التي اتخذتها الدول الغربية. فرغم أن هذه الدول لم تستطع إرغام روسيا على الامتناع عن استخدام الخيار العسكري، إلا أنها أثبتت قدرتها على اتخاذ إجراءات عقابية قوية ضد روسيا، بالتوازي مع تقديم مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا. وهنا، فإن إيران لا تستبعد أن يتكرر ذلك معها، في حالة ما إذا انهارت المفاوضات التي تجري في فيينا وعادت أزمة البرنامج النووي إلى مربعها الأول من جديد.

وفي هذه الحالة، فإن العقوبات التي تتعرض لها إيران لن تكون فقط أمريكية، وإنما ستكون غربية بالأساس. صحيح أن العقوبات الأمريكية لها التأثير الأكبر، إلا أن ذلك لا ينفي أن التقارب في السياسات الأوروبية والأمريكية تجاهها، على غرار ما يحدث مع روسيا في الفترة الحالية، يساهم في تقليص حرية الحركة المتاحة أمامها على الساحة الدولية، على عكس ما كان قائماً في الفترة الماضية، ولاسيما خلال فترة رئاسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث عملت إيران على استغلال التباين في السياسات الأوروبية والأمريكية لتوسيع هامش الخيارات أمامها وتعزيز موقعها في مواجهة الضغوط والعقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة.

أما على صعيد الجوانب الإيجابية، فيمكن تناولها في التالي:

  • تعزيز موقع إيران كمصدر للطاقة: أشارت تقارير عديدة إلى أن الضغوط التي تمارسها روسيا من خلال التهديد بتقليص، وربما وقف إمدادات الطاقة إلى الدول الأوروبية يمكن أن تساهم في تسريع المفاوضات النووية وتعزيز احتمالات الوصول إلى صفقة جديدة. وقد كان لافتاً أن إيران بدأت في التماهي مع هذه التوقعات، حيث بدأ مسؤولوها في الإدلاء بتصريحات تفيد عودتها من جديد إلى رفع مستوى إنتاجها وصادراتها من النفط. ففي هذا السياق، قال محسن خجسته مهر الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، في 4 أبريل 2022م، أن "طاقة إنتاج النفط في البلاد عادت إلى المستوى نفسه الذي كانت عليه قبل إعادة فرض العقوبات عام 2018م، في أعقاب انسحاب واشنطن بشكل أحادي من الاتفاق النووي"، مضيفاً أن "إنتاج النفط وصل إلى أرقام ما قبل العقوبات، على الرغم من الضغوط الاقتصادية". كما قال مجيد تشغني نائب وزير النفط الإيراني، في 15 مايو 2022م، أن "لدى إيران إمكانية تصدير إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا"، مضيفاً أن "إيران تسعى دائماً لتطوير دبلوماسية الطاقة وتوسيع السوق".

لكن رغم ذلك، تبدو تلك الطموحات الإيرانية مبالغاً فيها، إذ أن قدرة إيران على العودة مجدداً إلى رفع مستوى صادراتها النفطية إلى الخارج وإعادتها إلى سابق عهدها قبل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وفرض العقوبات الأمريكية، حيث كانت تبلغ نحو 2.5 مليون برميل يومياً، ما زالت محل شك، خاصة أن الفترة التالية على العقوبات شهدت انهياراً في البنية التحتية في قطاع الطاقة، على نحو يعني أن إيران في حاجة إلى مزيد من الوقت للعودة مرة أخرى إلى هذا المستوى. كما أن إيران تحتاج إلى إمكانيات لوجستية كبيرة لتصدير الغاز إلى أوروبا، وهي إمكانيات تفتقدها في الفترة الحالية نتيجة العقوبات الأمريكية. ويعني ذلك في النهاية أنها لا تستطيع أن تسد قسماً من إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا، بالإضافة إلى أن أية جهود قد تبذلها في هذا الصدد لتحقيق ذلك سوف تفرض تداعيات سلبية على علاقاتها مع روسيا.

  • التمسك بتطوير القدرات العسكرية: يمكن القول إن إيران استغلت اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية من أجل إضفاء وجاهة خاصة على سياستها الحالية القائمة على ضرورة تطوير قدراتها العسكرية بشكل كبير، خاصة في القطاعات الأكثر تقدماً على غرار قطاع الصواريخ الباليستية والقوات البحرية والطائرات من دون طيار. وربما لا يمكن استبعاد أن يطور النظام الإيراني مزاعمه في هذا الصدد، بالترويج إلى أن امتلاك السلاح النووي يمكن أن يمثل رادعاً لأي دولة أخرى عن التفكير في مهاجمة إيران. ويستند النظام في هذه الحالة إلى أن أوكرانيا تخلت طواعية عن أسلحتها النووية التي ورثتها عن الاتحاد السوفيتي وبالتالي لم يكن لديها من الإمكانيات ما يمكن أن يساعدها في وقف الغزو الروسي أو دفع روسيا من البداية إلى عدم تبني الخيار العسكري في تسوية الخلافات العالقة بين الطرفين.

وقد كان لافتاً أنه بعد نحو أسبوعين من اندلاع الحرب، حرص المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 10 مارس 2022م، على تأكيد أن "طهران لن تنحني أمام الضغوط الرامية لجعلها تقلص قوتها الدفاعية ووجودها في المنطقة والتقدم في التكنولوجيا النووية"، مضيفاً، خلال استقباله أعضاء مجلس خبراء القيادة: "لن نتخلى عن نفوذنا الإقليمي ولا عن قدراتنا الدفاعية أبداً. فليس هناك سذاجة أكثر من طرف يطالبنا بخفض القدرات الدفاعية للبلاد من أجل عدم إثارة حساسية العدو". وهنا، فإن خامنئي يشير تحديداً إلى أن الدول الغربية سعت إلى ممارسة ضغوط على إيران من أجل توسيع نطاق المفاوضات في فيينا لتشمل إلى جانب الاتفاق النووي كلاً من برنامج الصواريخ الباليستية والتدخلات الإقليمية، وهو ما رفضته إيران منذ بداية المفاوضات، في أبريل 2021، معتبرة أن تلك المفاوضات تجري حصراً حول الاتفاق النووي.

وربما يمكن القول إن إيران سوف تحاول اتخاذ خطوات تصعيدية في الفترة القادمة، على المستويين الصاروخي والإقليمي، لتأكيد أن سياستها لن تتغير إزاء هذين الملفين أياً كان السيناريو الذي سوف تنتهي إليه مفاوضات فيينا، حيث قد تجري مزيداً من التجارب حول إطلاق الصواريخ الباليستية، وقد تقدم مزيداً من الدعم لحلفائها الإقليميين، لاسيما المليشيات المسلحة، خاصة أن تلك المليشيات تواجه، مع القوى السياسية التي تنتمي إليه، أزمات داخلية صعبة في الوقت الحالي، لاسيما في كل من العراق ولبنان، بعد النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات التشريعية التي أجريت في الدولتين في 10 أكتوبر 2021 و15 مايو 2022م،  على التوالي.

  • تحقيق مزيد من التقدم في البرنامج النووي: استغلت إيران انشغال القوى الدولية بالحرب الروسية-الأوكرانية في تحقيق أكبر قدر ممكن من التقدم في البرنامج النووي، الذي يمثل بالنسبة لها ورقة ضغط تحاول استغلالها في مواجهة الدول الغربية. ففي هذا السياق، قامت إيران بنقل جزء من أنشطتها النووية إلى داخل منشأة جديدة قامت بتأسيسها تحت الأرض بالقرب من مفاعل ناتانز، وذلك لحمايتها من خطر التعرض لهجمات نسبتها جميعاً إلى جهاز "الموساد الإسرائيلي". كما أنها تواصل استخدام أجهزة الطرد المركزي من الطرازات الأكثر تطوراً على غرار جهاز "IR6". وهنا، فإن إيران تسعى إلى الاستعداد مبكراً لأىٍ من السيناريوهين المحتملين لمفاوضات فيينا. ففي حالة الوصول إلى صفقة، فإن إيران ترى أن هذا التقدم سوف يمنحها الفرصة للمطالبة برفع مستوى العوائد الاستراتيجية التي سوف تحصل عليها. وبمعنى أدق، فإنها سوف تطلب في مقابل تخفيض مستوى تلك الأنشطة بتنازلات كبيرة من جانب القوى الدولية فيما يتعلق بالنطاق الذي سوف يصل إليه رفع العقوبات الأمريكية.

وفي حالة فشل المفاوضات، تكون إيران قد احتفظت بمختلف مكونات برنامجها النووي، وتستطيع في هذه الحالة مواصلته دون أن تضطر إلى العودة لنقطة البداية كما كان الحال في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات الأمريكية، حيث بدأت رداً على تلك الإجراءات الأمريكية في رفع مستوى التخصيب من 3.67% إلى 20 ثم 60%، على نحو يساهم في اقترابها إلى حد كبير من "العتبة النووية" التي تعني امتلاك الإمكانيات التكنولوجية التي تتيح إنتاج القنبلة النووية حيث يتبقى القرار السياسي بتبني هذا الخيار لتصبح إيران دولة عضو في النادي النووي.

خاتمة:

إن ما سبق في مجمله يطرح دلالتين رئيسيتين: الأولى، أن الحرب الروسية-الأوكرانية سوف يكون لها انعكاسات مباشرة على توازنات القوى الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة، خاصة أنه لا يتوقع أن تصل إلى نهاية قريبة في ظل استمرار تصاعد حدة الخلافات بين الأطراف المعنية بها، والتي لا تبدو ثانوية أو تمثل تسويتها مهمة سهلة. وهنا، فإن إيران سوف تكون أولى الدول التي سوف تتأثر بتلك الانعكاسات، في ظل التشابك الملحوظ في الملفات الإقليمية المختلفة، والتي يتوقع أن تشهد تطورات عديدة بناءً على ما سوف تنتهي إليه مفاوضات فيينا النووية من نتائج.

والثانية، أن هذه الحرب قد تفجر أزمة داخلية إيرانية لا يستطيع النظام الحاكم مواجهتها على غرار ما حدث في الأزمات الداخلية السابقة. ولا يعود ذلك فقط إلى ما نجم عن هذه الحرب من ارتفاع في الأسعار على المستوى العالمي تأثرت به إيران كغيرها من الدول، وإنما يعود أيضاً إلى أن هذه الحرب يمكن أن تعيد الزخم للمسألة القومية مجدداً في إيران، خاصة أن هذه المسألة كانت محوراً رئيسياً في الخلافات العالقة بين روسيا وأوكرانيا، والتي مهدت لاستخدام الأولى الخيار العسكري لحسمها مع الثانية. وهنا، فإن النظام الإيراني الحاكم قد يجد نفسه في مرحلة لاحقة أمام استحقاق داخلي صعب، خاصة أن التوتر يمثل السمة الرئيسية في علاقاته مع القوميات الإيرانية المختلفة التي تتواجد على الحدود مع دول الجوار وتتشابك عرقياً معها، على نحو قد يفرض مزيداً من الضغوط على هذا النظام خلال المرحلة القادمة، لا يتوقع أنه سوف ينجح في احتوائها، في ظل إصراره على تبني سياسة تقوم في الأساس على استنزاف الموارد الإيرانية في الإنفاق على "مغامرات خارجية" في المنطقة تزيد من حدة عدم الاستقرار على المستويين السياسي والأمني في دول مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان وأفغانستان.

مقالات لنفس الكاتب