; logged out
الرئيسية / الحرب ستولد التطرف والجمهوريات الآسيوية الست قابلة لنشأته

العدد 174

الحرب ستولد التطرف والجمهوريات الآسيوية الست قابلة لنشأته

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2022

تبدأ الحروب صغيرة ثم تكبر عكس كل المصائب التي تبدأ كبيرة ثم تصغر، كل الذين يشعلون الحروب لا يستطيعون إيقافها حتى لو أرادوا ذلك، وكلهم يتصور أنه سيشعلها وقتما يشاء ويوقفها متى شاء ولكنه بمجرد إشعاله لها تفلت جذوتها منه، كل الحروب تبدأ صغيرة ثم يتسع مداها ولا يستطيع أحد السيطرة عليها، وعادة ما يندم مشعلو الحروب قبل أن يطويهم النسيان.

كان بوتين يتوقع أن يزف بشرى النصر الكامل على أوكرانيا في احتفالية مرور 77 عاماً على انتصار روسيا والحلفاء في الحرب العالمية الثانية على هتلر والنازية ولكن مرت المناسبة دون أن يجد نفسه منتصراً وشعر أنه دخل مستنقعًا لم يستطع الخروج منه.

كان بوتين يعتقد أن غزوه لأوكرانيا نزهة سهلة مثل نزهة ضمه للقرم وأن هذا الغزو سيمر مرور الكرام لم يتعلم الدرس من هتلر الذي غرته بدايات الحرب العالمية الثانية الوردية حينما احتل قرابة ثلث أوروبا حتى وقفت الدنيا كلها ضده وحطمته مع أحلامه ودمرت ألمانيا وقسمتها وفرضت عليها شروطاً مذلة مازال بعضها سارياً حتى اليوم.

استهان بوتين بالمارد الأمريكي والداهية الأوروبي الذي يبدو في بداية كل حرب رقيق الطبع والملمس فإذا بشراسته ومكره يظهران بعد ذلك، غزو روسيا لأوكرانيا ستطال آثاره العالم كله سياسياً واجتماعياً واقتصادياً حتى يمكننا القول مطمئنين إن العالم قبل هذا الغزو سيختلف تماماً عنه بعد الغزو.

وإذا كان الجميع قد أطلق صيحة "العالم بعد 11 سبتمبر 2001م، قد اختلف عنه قبل هذا التاريخ"، فإن الشعار تم واقعيًا رغم أن تفجير البرجين كانت حادثة إرهابية داخل الولايات المتحدة فقط، فقد سقط برجان كبيران في العالم الإسلامي إثر سقوط برجي التجارة الأمريكيتين هما سقوط أفغانستان والعراق ووقوعها تحت الاحتلال فما بالنا بغزو روسيا لدولة كبيرة مثل أوكرانيا ودقها أبواب أوروبا الشرقية بجيوشها.

كل شيء سيتغير في العالم كله من جميع النواحي، وعلى سبيل المثال فإن سوق الطاقة العالمي سيتغير تغيراً جذرياً لأن روسيا تعد أكبر مصادر البترول والغاز والفحم في العالم، وسوف يحاول الغرب ممثلاً في أمريكا وأوروبا وحلفائهما الاستغناء عن هذا المصدر ولو مؤقتاً.

ومن لم يهيئ نفسه مبكراً لهذه التغيرات فإن عجلة الزمان والأحداث المتسارعة لن ترحمه أو تنتظره، فسنن الله لا تحابي مؤمناً لإيمانه لم يتوافق مع هذه السنن، ولا تظلم آخر توافق مع هذه السنن وضبط حركته مع دورانها.

كل شيء في العالم سيتغير فإن الغرب الأمريكي الأوروبي حول طموحه اليوم من مجرد الدفاع عن أوكرانيا أو حث روسيا على الانسحاب إلى رغبة كبيرة في تحطيم قوتها أو تحجيمها على الأقل أو إقصاء بوتين، بل لم تتحرج أمريكا في هذا الوقت العصيب من مهاجمة الصين دون مبرر واضح لتصنع عدوين في وقت واحد، وهذا سيجعل الصين تحول دون سقوط روسيا حتى لا ينفرد هؤلاء بالصين وحدها، لأنها أيقنت اليوم أن الدور سيكون عليها بعد روسيا، التصريحات الأمريكية أصابها إسهال متعمد كشف كل هذه النوايا.

وبعد، فهذه الدراسة مختصة فقط بتأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على الدول الإسلامية أو الولايات الإسلامية السابقة التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق وهي أذربيجان وطاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان وقيرغيزستان ويمكننا عرض هذه الدراسة في نقاط محددة تيسيراً على القارئ وزيادة في الإيضاح والاختصار:

أولاً: نريد أن نعطي فكرة مبسطة عن هذه الدول الست:

(أ) أذربيجان ومعناها"الحر أو سيد نفسه"تعتبر أول جمهورية برلمانية حديثة في العالم الإسلامي استقلت عن روسيا 1918م، بعد انهيار إمبراطوريتها خلال الحرب العالمية الأولى، وهي أول دولة إسلامية في العالم، منحت المرأة حق التصويت وجعلت لها حقوقاً سياسية موازية للرجل.

وبعد 22 شهراً فقط من استقلالها غزا السوڤيت بأوامر لينين دولتهم الوليدة واحتلوها وضموها للاتحاد السوفيتي ولولا ذلك لكان لهذه الدولة شان عظيم، وهذه والله من جرائم الاتحاد السوفيتي المنكرة وما أكثرها، قاوم أهلها ببسالة ولكن دون جدوى.

وفي أثناء الحرب العالمية الثانية قدمت أذربيجان أعظم خدمة للاتحاد السوفيتي فكانت تمثل مدد الطاقة الرئيسي للسوفيت أثناء الحرب.

هناك قرابة 3 مليون أذربيجاني يعملون في روسيا واللغة الأذرية هي الأكثر انتشاراً في البلاد ويتحدث بها كذلك ربع سكان إيران فالإيرانيون الأذريون هم أكبر أقلية في إيران ويمثلون 24 % من سكان إيران، استقلت أوزبكستان عام 1991م، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

(ب)أما كازاخستان وهي تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة فهي التي ينحدر منها البطل والقائد العسكري العظيم حاكم مصر والشام الظاهر بيبرس الذي هزم التتار وأذل الصلبيين وقضى على أسطورتهما معاً ولم يهزم في معركة قط وأحد مفاتيح النصر الكبرى في معركة عين جالوت وتعد كازاخستان هي الدولة الأقوى اقتصادياً في آسيا الوسطى، عاصمتها "نور سلطان" ويعد الفارابي من أعظم العلماء والفلاسفة الذين أنجبتهم كازاخستان كما أنجبت عالم اللغة الشهير إسماعيل بن حماد التركي المعروف باسم الجوهري مؤلف "الصحاح"، ويوجد بها 131 عرقاً أبرزهم الروس والأوزبك والأوكرانيين والألمان والتتار...ألخ ،استقلت عام 1991م، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي و يصل عدد سكانها لقرابة 20 مليوناً، وفيها جالية يهودية صغيرة ولكنها كالعادة نشطة للغاية، أما معظم الألمان الذين كانوا يسكنونها فقد عادوا إلى بلادهم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وضم ألمانيا الشرقية للغربية ولها علاقات طيبة مع مصر والأزهر، وفيها فرع كبير لجامعة الأزهر، وتعتبر جامعة "نور مبارك" فرعاً للجامعة الأزهرية ودشنها الرئيسان مبارك ونور سلطان حاكمي مصر وكازاخستان وقتها وكان د/محمود حجازي أول رئيس مصري لهذه الجامعة.

(جـ) أما تركمانستان فكانت دوماً على مفترق طرق الحضارات لعدة قرون، ومعناها بالفارسية "المرج" والحجارة البيضاء، وفتحها الأحنف بن قيس في عهد الأمويين، واشتهرت عاصمتها "مدينة مرو" بالعلم والتحضر، وأنجبت الآلاف من علماء الإسلام، وكان يطلق عليها قديماً قاعدة خراسان وكانت تعد أكبر مدن العالم في القرن الـ 12 الميلادي، وولد بها عبد الله بن المبارك وإسحق بن راهوية وبشر الحافي، أحمد بن حنبل، سعيد الخراساني مؤلف كتاب السفن، دمرها المغول مع مدينة بلخ وذهب إليها الرحالة ابن بطوطة ورصد كل التدمير فيها ومن أهم علماء "مرو خاصة وتركمانستان عامة" أبو الفرج الأصفهاني وأبو إسحق الاسفراييني والقزويني وأبو بكر السجستاني وأبو حاتم الرازي وأبو داوود والحاكم النيسابوري أبو نعيم الأصبهاني وإسحق بن راهوية وابن الجزري وابن ماجه*وعبد القادر الجيلاني والطبراني وكلهم من أعظم علماء الإسلام في معظم فروع العلم .

(د) قيرغيزستان: يمتد تاريخها لألفي عام كانت على مفترق طرق بين عدة حضارات قوية كجزء من طريق الحرير المعروف، الإسلام دين الغالبية واستقلت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام1991م، عدد سكانها قارب 7 مليون منهم 57% قيزغيزو6% أوزبك، وتحتفظ بالروسية كلغة رسمية مع كازاخستان فقط من بين الدول الست.

(هـ) طاجكيستان: وهي من الدول الحبيسة في آسيا الوسطي وهي دولة جبلية وشعب الطاجيك معروف تاريخياً بأنه من الشعوب الآرية "الفرس والكرد والأفغان" وهو شعب معروف بالقوة والبأس والحرب كما وصفهم الرحالة الشهير ابن بطوط وتغطي الجبال 90% من مساحة البلاد وهي أصغر دولة في آسيا الوسطى ويبلغ عدد سكانها قرابة 9 مليون 99% من سكانها مسلمون ومعظمهم من السنة مع أقلية شيعية لا تتجاوز 3% والمذهب الرسمي حنفي مثل أفغانستان.

ثانياً: هذه الدول الست استقلت عن روسيا بعد عامي 1990م، ويطلق على منطقة هذه الدول تاريخياً آسيا الوسطى وهي عبر التاريخ كانت منطقة صراع بين روسيا "الاتحاد السوفيتي" قديماً "وتركيا "الدولة العثمانية قديماً" وبين إيران "الدولة الصفوية" وكلهم كانوا يتنازعون على السيطرة عليها والغرب أيضاً يتصارع على ثرواتها كما أنها تعد منطقة تمدد ونفوذ للصين إذن هي دائماً من المناطق الساخنة في العالم.

الروس دائماً يقلقون من التطرف الإسلامي داخل هذه الدول خوفاً من امتداده إلى الداخل الروسي الذي يحوي قرابة 20مليون مسلم روسي الجنسية، كما أن لإسرائيل نشاطًا كبيرًا من كل النواحي في أذربيجان وعلاقات قوية معها وإسرائيل كانت مع أذربيجان المسلمة في حروبها ضد أرمينيا المسيحية لاسترداد إقليم ناغورنو كاراباخ، أما إيران المسلمة فكانت في صف أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة، إنها لعبة السياسة القذرة التي لا تمت للأخلاق ولا الدين بصلة ورغم أن أذربيجان كانت محقة في هذه الحرب لاسترداد جزء محتل من وطنها.

كما أن تركيا لها علاقات قوية بأذربيجان وكانت الداعم الرئيسي لها في هذه الحرب التي انتصرت فيها أذربيجان وانتصار أذربيجان يفزع دائماً إيران رغم أن المرشد الإيراني على خامنئي من أصول أذرية وذلك حتى لا تؤثر أذربيجان على السكان الإيرانيين الأذربيين.

ومن هنا يمكن القول إن أذربيجان من أقرب الدول لتركيا وإسرائيل وكلاهما يؤيد أوكرانيا في صراعها مع الروس ولا يعني ذلك أن تجرؤ أذربيجان على مجابهة أو معاكسة روسيا أو انتقادها علانية في غزوها لأوكرانيا وتركيا تعتبر عدوًا لروسيا في ملفات وصديقًا لها في ملفات أخرى.

ثالثاً: كل الحروب الكبرى تولد عادة تغيرات أيدلوجية تصب دوماً في خانة التطرف إما الديني أو القومي أو النازي أو كلهم جميعاً فلا يمكن أن تؤدي الحروب إلى شيوع فلسفة الصفح والعفو والرحمة والمودة والألفة ولكنها عادة تؤدي إلى شيوع دعوات الانتقام والثأر وتجديد الحروب فالحرب تولد الحروب والسلام يولد السلام والحرب تولد القسوة والتطرف والسلام يولد الرحمة والاعتدال.

* وقد نشأت النازية على ضفاف الحرب العالمية الأولى وكانت أثراً مباشراً من آثار هزيمة وانكسار ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، كما نشأت القاعدة على ضفاف الغزو السوفيتي لأفغانستان وكأثر من آثارها بدأت عولمة الإرهاب التي بدأت بتفجيرات سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا وتفجير المدمرة كول في ميناء عدن ونهاية بأحداث 11 سبتمبر التي هزت العالم كله.

وأدى غزو أمريكا للعراق والأحداث التي تلت الثورة السورية على بشار الأسد إلى نشوء وبداية داعش التي نمت وترعرعت على ضفاف الصراع المذهبي السني الشيعي التي رعته بعض بلاد المنطقة عبر ميلشياتها الشيعية التي انتشرت في المنطقة انتشار النار في الهشيم، ونخلص من ذلك كله إلى الحقائق الآتية:

قد ينشأ تطرف عرقي أيدلوجي أشبه بالتطرف النازي لدي كثير من المهاجرين الأوكرانيين في البلاد الأوروبية المختلفة.

ضيق سكان الدول الأوروبية التي استضافت أعداداً كبيرة من المهاجرين الأوكرانيين، ونشأة التطرف اليميني بها والذي يتبنى طرد كل المهاجرين من بلادهم، وقد يؤدي ذلك مع عوامل أخرى إلى صعود اليمين المتطرف في معظم الدول الأوروبية مستغلاً حالة الركود الاقتصادي في هذه البلاد، وأن بلادهم لمواطنيها فقط، وهذا يؤدي إلى تطرف يميني ودعم للأحزاب اليمينية في هذه البلاد يوازيه تطرف نازي لدى الشعب الأوكراني.

قد يؤدي ذلك كله إلى زيادة معدل التطرف الإسلامي في بعض هذه الدول الست التي ذكرناها أو في مسلمي الشيشان وخاصة إذا قتل عدد كبير من الجنود الشيشان في أوكرانيا أو مسلمي روسيا المقاتلين في أوكرانيا وخاصة بعد تزويد أوكرانيا بالأسلحة الأمريكية الحديثة وزيادة الخسائر في الجانب الروسي.

رابعاً: موقف الدول الست من الغزو الروسي لأوكرانيا كان غامضاً ولعل ذلك يتضح أثناء التصويت في الأمم المتحدة على قرار إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا فلم تؤيد هذه الدول القرار وامتنعت كبراها وهي كازاخستان وطاجيكستان وقيزغيزستان عن التصويت رغم خضوعها غير المباشر للنفوذ الروسي وارتباطها بمصالح كثيرة مشتركة معها ولكن هذه الدول لم ترد أن تغضب روسيا من جهة ولا الغرب من جهة أخرى فلا هي أيدت القرار ولا عارضته وكلنا يعلم ارتباط بعضها بتركيا أو إيران أو إسرائيل ولذا أخذت طريق السلامة فلم ترد أن توقع عليها عقوبات سياسية أو اقتصادية مباشرة أو غير مباشرة من الغرب من جهة ولا من روسيا من جهة أخرى,وهذا الاختيار بعدم التصويت لم يحمل قدراً كبيراً من المفاجأة وقد أيد قرار الإدانة 141 دولة وامتنعت عن التصويت دول كبرى مثل الهند والصين وجنوب إفريقيا وإيران والجزائر والعراق وباكستان ومعظم الدول الإفريقية.

أما قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة فقد وافقت عليه 93 دولة وعارضته 24 دولة وامتنعت 58 دولة عن التصويت، أما الدول الست المعنية بدراستنا فقد رفضت القرار في خطوة متقدمة لدعم روسيا وعدم طردها من مؤسسات الأمم المتحدة خشية غضب الدب الروسي من جهة أو لأن الدور سيلحق بهم جميعاً بعد ذلك.

واعتبرت هذه الدول أن تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان في المؤسسات الدولية تصعيداً لا مبرر له مقلدة في ذلك دولاً كثيرة مثل السعودية وغيرها حيث يريدون جعل الباب موارباً أمام روسيا لحل المشكلة بدلاً من زيادة تعقيدها.

خامساً: ليس من المتوقع أن تساهم أو تشارك هذه الدول الست في الحرب الروسية الأوكرانية لا مع روسيا ولا مع أوكرانيا، لا بطريق مباشر أو غير مباشر فكلهم يعلمون مغبة انضمام أحدهم إلى أي طرف من طرفي النزاع فقد ذاقوا ويلات وعذابات الروس والسوفيت أياماً طويلة، كما بذلوا أثمانًا باهظة من أموالهم وأبنائهم حينما وقفوا مع السوفيت ضد هتلر والنازية في الحرب العالمية الثانية التي استهلكت معظم مواردهم من النفط وخاصة باكو العاصمة وذلك دون مقابل.

كما رأوا البطش الروسي أيام لينين وستالين الذين ضموا هذه الدول الواعدة إلى الاتحاد السوفيتي قسراً وقهراً، وكيف قتل ستالين وشرد من أبنائهم قرابة 20 مليوناً هاجر بعضهم إلى سيبيريا ومات أكثرهم هناك.

فهم لا يريدون إغضاب روسيا بالانضمام إلى الحلف الأوكراني الغربي، ولا يريدون إغضاب أمريكا والغرب بالانضمام إلى الصف الروسي الذي يدركون أنه قد يخسر اقتصادياً وسياسياً وسيحاصر إن لم يهزم عسكرياً في نهاية المطاف كما حدث للاتحاد السوفيتي بعد غزوه لأفغانستان.

كما أن هذه الدول الست لا تريد العودة أبداً للحضن الروسي بل تتوق إلى الحضارة الغربية أكثر من الشرقية وبعضها له علاقات جيدة مع تركيا مثل أذربيجان وتركيا في حلف الأطلنطي(الناتو) وضد روسيا من جهة كبرى، ولها كذلك علاقات جيدة بإسرائيل، ولا تنسى لتركيا وقوفها إلى جوارها في حربها مع أرمينيا، ولا تنسى لروسيا وقوفها مع أرمينيا ضدها.

والخلاصة أن الدول الست لن تنخرط بشكل أو بآخر في الحرب الروسية الأوكرانية، فهي في قرارة نفسها تخشى أن تربط مصيرها بمصير بوتين خشية أن يحدث معها ما حدث لهتلر وحلفائه بعد الحرب العالمية الثانية، وتدرك أن روسيا تقف وحدها في خندق المعركة في مواجهة دول الناتو العتيدة القوية والماكرة أيضاً.

معظم الدول الست ستتضرر من هذه الحروب اقتصادياً وسياسياً فهي محصورة بين المطرقة الروسية والسندان الغربي، ولكن بعضها قد يستفيد من الحرب استفادة كبيرة ومنها أذربيجان وهي من أكبر دول العالم في تصدير البترول والغاز والطاقة التي زادت أسعارها عالمياً زيادة غير مسبوقة مما سينعش اقتصاديات أذربيجان بالذات.

الخلاصة: أن الحرب الروسية الأوكرانية ستولد أنواعاً متعددة من التطرف منها النازي والعرقي والديني واليميني والإسلامي، وأن الدول الستة قابلة لظروف كثيرة لنشأة تطرف ديني تغذيه ظروف الحرب المعقدة والمتشابكة.

وأن الحرب ستخسر فيها كل الأطراف وستكون روسيا وأوكرانيا هم الضحيتين الأكبر للحرب.

الحرب تحولت إلى حرب بالوكالة بين روسيا من جهة وأمريكا وأوروبا والناتو من جهة أخرى، وأرض الصراع الجديدة هي أوكرانيا التي ستخسر الكثير من أبنائها ولن تعوضهم مليارات أوروبا وأمريكا.

العالم بعد هذه الحرب سيختلف جذرياً عنه قبلها.

غالب الدول الستة سيكون لها موقف المحايد من الحرب وستضار منها، باستثناء الدول البترولية الكبرى مثل أذربيجان، لو انتهت الحرب بضعف روسيا فقد تتحرر هذه الدول من ربقة الاستعباد السوفيتي ثم الروسي، ولكنها قد يجعلها تضطر اضطراراً للدوران في فلك الغرب الذي قد يكون أكثر تطوراً تقنياً، أو قد تقع تحت وطأة النفوذ الصيني أو الإيراني، وكلاهما يحاول التمدد نحوها لولا الخوف من روسيا.

الحرب الروسية الأوكرانية لا يعرف أحد نهايتها ولا سيناريو هذه النهاية ولا تقدير خسائرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولكن ما نوقن به جميعاً أن الجميع سيخسر بنسب متفاوتة.

العالم بعد الحرب يختلف تماماً عنه قبل الحرب في كل شيء.

قد يتحول ولاء هذه الدول الستة من المعسكر الشرقي إلى المعسكر الغربي ولا أعتقد أنها ستتجه إلى الصين لأنها تصادم توجهات شعوبها الدينية والفكرية وتطلعها للديمقراطية ولن تتجه إلى إيران لأن معظمها سني وحتى أذربيجان التي فيها نسبة كبيرة من الشيعية على خلاف مع إيران ووفاق مع تركيا وإسرائيل، وإيران ساندت خصمتها أرمينيا في الحرب.

مقالات لنفس الكاتب