; logged out
الرئيسية / العالم متعدد الأقطاب يضم بلداناً وشركات وجماعات إجرامية وإرهابية

العدد 174

العالم متعدد الأقطاب يضم بلداناً وشركات وجماعات إجرامية وإرهابية

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2022

مع شن القوات الروسية حربًا على أوكرانيا في أواخر شهر فبراير الماضي، انتشر "ميم" ساخر عبر العالم الافتراضي "الإنترنت" يسخر من ردود الفعل الدولية وذلك في صورة عبارة عن بيان يسرد سؤالًا في اختبار للعلاقات الدولية وهو "ماذا تسمون إرسال بلد ما لقوات ودبابات عبر الحدود؟" وسيكون جوابه: يعتمد الأمر على جنسية تلك القوات والدبابات، هل هي القوات والدبابات الروسية في أوكرانيا، ففي هذه الحالة هي "غزو"، أما إذا كانت القوات والدبابات الأمريكية في فيتنام أو أفغانستان أو العراق، فهي "تحرير".

وتطابق "الميم" الساخر إلى حد ما مع ردود الأفعال الدولية في العالم الواقعي أيضًا، فبالرغم من إدانة معظم دول العالم للعدوان الروسي، ظهرت ردود فعل مفاجئة من مناطق مختلفة في القارتين الآسيوية والإفريقية، ومن بينهم منطقة الخليج والشرق الأوسط، لتتأكد بذلك ردود الأفعال على ترابط العالم وتعدد أقطابه، ليتم تعريفه على أنه عبارة عن قوى "معقدة متعددة الأقطاب"، فيما تُشير المناقشات بداخل أروقة الأمم المتحدة وخارجها إلى أن التناقض الاستراتيجي أصبح بمثابة أداة جديدة بين بعض الدول لتعزيز استقلالها الاستراتيجي.

وتمتد العلاقات بين روسيا والدول الآسيوية عبر مختلف المجالات، الاقتصادية والسياسية والأمنية، فبالنسبة لبعض الدول تُعد روسيا مصدرًا للطاقة والغذاء والأسمدة والتجارة العامة والمعدات العسكرية، وبالنسبة للبعض الآخر، تُعد العلاقات مع روسيا بمثابة قيمة استراتيجية في مواجهة الولايات المتحدة/الغرب، وأحيانًا تُستخدم من أجل موازنة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.

وتساعد هذه التعقيدات في تفسير سبب تردد بعض الحكومات الآسيوية والإفريقية والشرق أوسطية في إدانة حرب روسيا ضد أوكرانيا علنًا أو فرض عقوبات رُغم أن لديها تجاربها الخاصة مع الاستعمار والحرب والنزاعات الإقليمية والبحرية والاختلافات العرقية والثقافية.

رد فعل الدول الآسيوية

الداعمة للغزو

أعلنت عدم انحيازها لأي من الطرفين

أدانت الغزو، لكنها لم تتخذ إجراء

أدانت الغزو وساعدت أوكرانيا وفرضت عقوبات على روسيا

لم تُصدر تصريح رسمي

ميانمار (مجلس إدارة الدولة)

بنجلاديش

إندونيسيا

أستراليا

بوتان

 

الصين

المالديف

اليابان

منغوليا

 

الهند

ميانمار (جمهورية اتحاد ميانمار)

نيوزيلندا

 

 

باكستان

نيبال

سنغافورة

 

 

سريلانكا

الفلبين

كوريا الجنوبية

 

 

أغلب الدول الأعضاء برابطة الآسيان

تيمور الشرقية

تايوان

 

 

رابطة الآسيان

منتدى جزر المحيط الهادئ

 

 

المصدر: مؤسسة آسيا والمحيط الهادئ الكندية

انتقدت الصين حلف شمال الأطلسي وأدانت العقوبات الغربية على روسيا وذلك بعد أن أقرت بأحقية مخاوف روسيا الأمنية، لكنها امتنعت عن دعم "العمليات العسكرية" الروسية في أوكرانيا وامتنعت كذلك عن التصويت في مجلس الأمن الدولي (إلى جانب الهند والإمارات العربية المتحدة)، منتقدة الغزو الروسي لأوكرانيا بدلًا من استخدام حق النقض ضده.

ويُفسَر موقف بكين بأنه بمثابة تحجيم للدعم الصيني لروسيا لأنه وبالرغم من المصالح الجيوسياسية المشتركة مع روسيا، إلا أن الغرب أكثر أهمية من الناحية الاقتصادية بالنسبة للصين.

ولم تساعد الصين روسيا حتى الآن في التهرب من العقوبات الاقتصادية، وذلك ربما من أجل تجنب تعرضها لعقوبات ثانوية، وتُعد الفائدة المباشرة الوحيدة لهذه الأزمة بالنسبة للصين هي تشتت الغرب، غير أن توحد الغرب (أو عدم توحده) بشأن أي تصرف أحادي الجانب من الصين بخصوص تايوان سيُصبح بالنسبة لبكين أمرًا محبطًا (أو مشجعًا).

وعلى صعيد آخر، وافقت تايوان التي تدعي الصين أنها جزء من أراضيها على فرض عقوبات غربية على روسيا. وأعربت رابطة دول جنوب شرق آسيا العشر "الآسيان" عن "قلقها العميق" إزاء "الأعمال العدائية المسلحة" ودعت الجانبين إلى "مواصلة الحوار" وفقًا للقانون الدولي، بينما غرد المجلس العسكري في ميانمار وحيدًا، حيث وصف تصرفات روسيا بأنها "الشيء الصحيح الذي يجب القيام به".

ومن المرجح أن تصريحات رابطة "الآسيان" تنبع من المخاوف الاقتصادية والأمنية القومية؛ فبالرغم من أن تجارة روسيا مع جنوب شرق آسيا ضئيلة (1٪ من إجمالي تجارتها)، إلا إن اقتصادات إندونيسيا وتايلاند وفيتنام لديها فوائض تجارية كبيرة مع روسيا وتسعى إلى حماية هذه المزايا خلال فترة التعافي بعد الجائحة.

وتعد روسيا موردًا رئيسيًا للأسلحة الدفاعية لدول جنوب شرق آسيا، حيث تعد فيتنام وميانمار من بين أكبر عملائها. ولذلك، فإن العقوبات الأمريكية وغيرها من العقوبات الدولية أصبحت تهدد مبيعات الأسلحة الروسية المستقبلية إلى جنوب شرق آسيا، وتُعاني المنطقة من مصدر قلق آخر، ألا وهو السيادة في بحر الصين الجنوبي الذي يوجد به عدد من المطالبات التي لم يتم حلها حتى الآن.

ورُغم الخلاف الحاد بين الجارتين، إلا أن الهند وباكستان – على سبيل التغيير – أصبحا على نفس الجانب من خلال تأييدهما لروسيا في حربها، وتعتمد الجارتان على موسكو في إمدادات الطاقة والدفاع والنفوذ الدبلوماسي عند روسيا ضد بعضهما البعض، ففي الوقت الذي تستورد فيه الهند أكثر من نصف أسلحتها من روسيا، فإنها تستورد النفط بأسعار مخفضة وتتفاوض أيضًا على شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي الصنع "إس 400" لمواجهة باكستان والصين (التي كانت الولايات المتحدة تدرس إعفاءها من العقوبات قبل الحرب).

وتسعى باكستان إلى تحقيق هدفين من روسيا، أولهما الحصول على مساعدة موسكو في تحقيق الاستقرار في أفغانستان؛ والثاني هو خط أنابيب الغاز الطبيعي الروسي "السيل الباكستاني" الذي تبلغ تكلفته 2.5 مليار دولار والذي يمتد من كراتشي إلى منطقة البنجاب الباكستانية (ومن المثير للاهتمام أن خط الأنابيب لن ينقل الغاز الروسي إلى باكستان ولكنه سيسحب صادرات الغاز القطرية بعيدًا عن أوروبا إلى باكستان المجاورة، مما يجبر أوروبا على أن تكون أكثر اعتمادًا على الغاز الروسي).

وبدورها، أعلنت اليابان فرض عقوبات على البنك المركزي الروسي وتقديم حزمة مساعدات بنحو 200 مليون دولار إلى أوكرانيا، ما أثار مخاوف الشركات اليابانية بشأن تأثير العقوبات على صناعة السيارات لديها.

وترددت اليابان لفترة طويلة بسبب مخاوفها على صناعة السيارات وكذلك العلاقات المالية بين اليابان وروسيا في مشاريع التنمية في القطب الشمالي، ما جعلها الدولة الوحيدة في مجموعة الدول السبع المترددة في قرار حظر البنوك الروسية من نظام "سويفت" العالمي، وذلك بالطبع بالإضافة إلى القضية الإقليمية المستمرة منذ عقود بين روسيا واليابان حول "الأقاليم الشمالية"، والتي يمكن أن تُثار مرة أخرى بسبب موقف طوكيو.

وفي خضم الأزمة المستمرة، اقترح رئيس الوزراء السابق شينزو آبي أن تدرس اليابان فكرة إمكانية استضافة أسلحة نووية أمريكية مماثلة للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وهو ما يعني التخلي عن سياسة اليابان السلمية القائمة منذ فترة طويلة، غير أن رئيس الوزراء الحالي كيشيدا فوميو وصف الاقتراح بأنه "غير مقبول" نظرًا لموقف البلاد الحالي المناهض للأسلحة النووية.

وأدانت كوريا الجنوبية الغزو الروسي وانضمت إلى ركب المعسكر الغربي في منع بعض البنوك الروسية من نظام "سويفت" العالمي، لكنها طلبت أيضًا من واشنطن منحها بعض الاستثناءات من عقوبات التصدير المفروضة على روسيا، في إشارة إلى مخاوفها بشأن تأثير ذلك على صناعة التكنولوجيا في كوريا الجنوبية المرتبطة بكل من روسيا وأوكرانيا.

وبطبيعة الحال، ألقت كوريا الشمالية باللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في إثارة الصراع في أوكرانيا، وذلك خلال اختبار إطلاق صاروخ باليستي، ومن المرجح أن تزيد الأزمة الروسية الأوكرانية من خوف كوريا الشمالية من تزايد هدف نزع السلاح ونزع الأسلحة النووية.

رد فعل الدول الإفريقية

من بين 28 دولة إفريقية، امتنعت 17 دولة عن تصويت قرار إدانة روسيا في الأمم المتحدة بشهر فبراير الماضي، من بين 34 دولة على مستوى العالم، فيما صوتت كلٍ من نيجيريا ومصر لإدانة روسيا، وامتنعت ثمانية دول أخرى عن التصويت، وكانت إريتريا هي الدولة الإفريقية الوحيدة التي صوتت ضد القرار، إلى جانب روسيا وبيلاروسيا وسوريا وكوريا الشمالية، واتخذت العديد من هذه الدول موقفًا مماثلًا خلال ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014م.

وأقامت روسيا عددًا من التحالفات الاقتصادية والعسكرية مع الحكومات في الدول الإفريقية التي تواجه حركات تمرد عنيفة أو عدم استقرار سياسي، مما أثر على موقفها خلال الأزمة الحالية؛ ففي حين انتقدت كينيا وغانا ونيجيريا والسنغال روسيا، امتنعت كل من جنوب إفريقيا ومالي وموزامبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى وأنغولا والجزائر وبوروندي ومدغشقر وناميبيا والسنغال وجنوب السودان والسودان وأوغندا وتنزانيا وزيمبابوي عن التصويت.

وقال محللون إنه ينبغي عدم توقع حدوث إدانات حادة من الدول الإفريقية ضد موسكو، نظرًا للتواجد الروسي القوي بها، خاصة من المتعاقدين العسكريين الخاصين مثل مجموعة فاغنر – في جمهورية إفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو ومالي والسودان وليبيا"، ويضيفون "هناك نهج لدى الدبلوماسية الإفريقية يقول إن الدول الإفريقية يجب أن تحافظ على مبدأ عدم التدخل في الحروب بالوكالة (بين الشرق والغرب)".

ولخصت جنوب إفريقيا هذا الشعور بقولها "موقفنا واضح جدًا... هناك من يصر على أننا يجب أن نتخذ موقفًا عدائيًا للغاية ضد، روسيا، فيما أوضحنا جيدًا أننا نصر على ضرورة أن يكون هناك حوار"، لكنها ألقت أيضًا باللوم على حلف شمال الأطلسي بقولها "كان من الممكن تجنب الحرب لو استجاب الناتو للتحذيرات من قادته ومسؤوليه على مر السنين بأن توسعه شرقًا سيؤدي إلى عدم استقرار أكبر في المنطقة".

وقالت زيمبابوي إنها غير مقتنعة بأن قرار الأمم المتحدة يدفع الدولتان إلى الحوار، بل يؤجج الحرب، وهو ما سيتسبب بالتالي في زيادة تعقيد الأوضاع.

ولم تنتقد بعض الحكومات الإفريقية روسيا نظرًا لأنها تُريد الحفاظ على العلاقات مع موسكو وإبقاء كافة الخيارات متاحة إذا واجهت نوعًا من الثورات في المستقبل، بعد أن رأوا ما حدث في سوريا وكيف أبقى بوتين بشار الأسد في السلطة.

ويرى بعض المحللين أن رد الفعل الصامت ينبع مما تراه تلك الدول على أنه نفاق غربي، فالرسالة التي تدفع بها موسكو حاليًا لتلك الدول هو أنك إذا سئمت من الطريقة الأبوية التي يتعامل بها الغرب معك، فنحن سنصبح شركاءك في حفظ الأمن، وستُصبح علاقتنا قائمة على مبدأ التساوي.

وبخلاف العديد من الدول الأوروبية، فإن روسيا لم تكن قط دولة استعمارية في إفريقيا، وبالتالي تمتلك قوة ناعمة في تحدي الهيمنة الغربية على القارة، وخلال الحرب الباردة، امتلك الاتحاد السوفيتي علاقات مع عملاء في العديد من الدول الإفريقية، لذا فإن روسيا "بوتين" سعت خلال الفترة الماضية إلى إحياء بعضٍ من هذه العلاقات، وفي السنوات الأخيرة، رسخت روسيا مكانتها باعتبارها واحدة من أكثر الشركاء التجاريين قيمة لإفريقيا لتصبح موردًا رئيسيًا للمعدات العسكرية إلى نيجيريا وليبيا وإثيوبيا ومالي، لتُشكل إفريقيا 18% من صادرات الأسلحة الروسية بين عامي 2016 و2020م، بحسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

ومع ذلك، فقد دخلت إفريقيا في كثير من الأحيان في قلب الصراع في التنافس بين القوى العظمى من اللاعبين الجيوسياسيين الرئيسيين مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا على النفوذ الدولي، حيث تحاول بعض الدول الاستفادة من هذا الموقف بطرق متنوعة، فعلى سبيل المثال، رأت تنزانيا من الوضع الحالي فرصة جيدة لصناعة الطاقة لديها من أجل تحقيق أرباح؛ حيث ترى أن هذه فرصة للدول الأوروبية من أجل البحث عن أسواق بديلة للغاز نظرًا لأنها تمتلك سادس أكبر احتياطي للغاز في إفريقيا، وفي الوقت الذي ستعاني فيه بعض الدول الإفريقية من بعض الصدمات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، تحاول دول أخرى الصمود في وجه العاصفة من خلال البحث عن سبل جديدة للتربح.

الشرق الأوسط والحراك الاقتصادي

وتباينت ردود فعل الحكومات العربية ما بين تصنيفات ثلاث، الأول هو المعسكر الموالي لروسيا (ويضم سوريا)، والثاني هو المعسكر المناهض للغزو (ويضم كلًا من لبنان والكويت بسبب تجربتهما في التعرض للغزو – ومعهم قطر أيضًا)، والثالث هو المعسكر الذي لم يحدد طرف بعد (ويضم كلًا من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر).

وتُؤثر ردود الفعل الخليجية والشرق أوسطية على مستقبل تحالف أوبك بلس، الذي تشارك المملكة العربية السعودية في قيادته مع روسيا؛ حيث تحرص المملكة على الحفاظ على "أوبك بلس" من أجل ضمان ارتفاع أسعار النفط، بعد أن ساعدتها روسيا في مسعى تأسيسه أكثر من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقال صندوق النقد الدولي إن ارتفاع أسعار النفط من المرجح أن تزيد من الناتج المحلي الإجمالي السعودي بمقدار تريليون دولار في عام 2022م.

أما قطر، فهي تنتج بالفعل أقصى حد لها من الغاز الطبيعي، ومن غير المرجح أن تُسهم في تعويض النقص في أوروبا، ولكن باعتبارها حليفًا رئيسيًا من خارج حلف شمال الأطلسي وموطنًا للقاعدة الجوية الأمريكية في العديد، فهي عرضة للضغوط، خاصة بعد نهج تركيا الصارم تجاه روسيا.

وفي الخليج، يُساهم ارتفاع أسعار النفط إيجابيًا في تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد جائحة "كوفيد-19" ويضمن عدم حدوث عجز في الميزانية.

وبحسب بيانات بنك " إتش إس بي سي"، فإن كل زيادة قدرها 10 دولارات للبرميل في أسعار النفط ستضيف 65 مليار دولار إلى عائدات صادرات النفط في دول الخليج، ومن شأن بقاء أسعار النفط عند مستوى 100 دولار للبرميل أن تُحقق فوائض في الميزانية بنسبة 10% وفي الحساب الجاري بنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج العربية.

ومن جانب الإمارات، فقد لا يُسبب الاضطراب التجاري الناجم عن الحرب أي قلق لها نظرًا لأن روسيا تُشكل أقل من 1% من صادرات الإمارات غير النفطية و1.5% فقط من وارداتها في عام 2021م، إلا إن أثر الحرب الأوكرانية على قطاع السياحة هائل، حيث زار دبي – على سبيل المثال في عام 2021م-حوالي 600 ألف سائح روسي، لتُسجل أعلى مستوى في عدد السياحة الزائرة بعد الهنود والسعوديين، ومن غير المرجح أن يتدفق عدد سياح روس بهذا الحجم إلى دبي في المستقبل القريب (سوف تتلقى السياحة في تايلاند وإندونيسيا وسريلانكا وجزر المالديف ضربة قوية أيضًا)، ومن المرجح أن يكون لانخفاض تدفق السياح الروس تأثير متتالي على قطاعات الطيران والضيافة والعقارات، كما أنه من المرجح أيضًا أن تشهد الاستثمارات الإماراتية والسعودية في روسيا بعض الاضطرابات.

ولا تزال العديد من الجوانب الأخرى التجارية غير واضحة، ومن بينها مستقبل العديد من صفقات الأسلحة، والتأثير الروسي على عملية تحقيق الاستقرار في سوريا، وما يجمع تلك الأزمة من أوجه تشابه مع الأزمة المحتملة بين الصين وتايوان.

ونظرًا لأن روسيا والإمارات العربية من بين أكبر موردي الألمنيوم إلى الاتحاد الأوروبي، فهل تُمكن الحرب الإمارات من زيادة صادراتها إلى الاتحاد والاستفادة من ارتفاع الأسعار؟

وفرت الأزمة لدول الخليج العديد من الفرص الدبلوماسية لاختبار ما إذا كانت سياسة التحوط التي انتهجتها في العقد الماضي فعالة ام لا، كما توفر الأزمة الحالية فرصة للعديد من دول المنطقة لتجربة المناورات الدبلوماسية بعيدًا عن الولايات المتحدة، فقد أُتيحت للإمارات فرصة الانخراط في مناورات دبلوماسية صريحة (خلال فترة رئاستها لمجلس الأمن) بدلًا من التزام الصمت أو التحوط.

وبالرغم من أن العديد من الدول الآسيوية والإفريقية والشرق أوسطية لا تحصل على الطاقة أو المنتجات الزراعية مباشرة من روسيا أو أوكرانيا، إلا أن ارتفاع أسعار الوقود ونقص المنتجات الغذائية والأسمدة، فضلًا عن انخفاض تدفق السياح الروس أدى إلى حدوث تضخم سريع في تلك الدول في ظل تباطؤ اقتصادي متأثر بالفعل بجائحة "كوفيد-19".

وتعتمد مصر والجزائر والمغرب وتونس على واردات القمح من كل من روسيا وأوكرانيا، حيث صدرت روسيا 70% من صادراتها من القمح في عام 2021 إلى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وهو ما أثر سلبا على شعوب تلك الدول وأجبر الحكومات التي تعاني من ضغوط على اتخاذ إجراءات طارئة (ومن بينهم على سبيل المثال، سريلانكا)، وتسببت الأزمة في استبعاد العديد من البنوك الروسية من نظام "سويفت" العالمي الذي يربط حوالي 11000 بنك في 200 دولة حول العالم ببعضهم البعض.

ومع إصرار روسيا على بيع روسيا الغاز للدول الأوروبية بالروبل، ودراسة السعودية والصين لإمكانية شراء المنتجات النفطية باليوان، فإن هيمنة الغرب على العملة العالمية بدأت في التعرض لتخبطات، ما يؤثر على هيمنة الغرب الجيواستراتيجية.

الخاتمة

ومن المثير للسخرية أن الحرب الدائرة في أوكرانيا حاليًا ينظر إليها جميع الأطراف المعنية على أنها "حرب من أجل السلام"، حيث ترى روسيا أنها حرب تهدف إلى تأمين السلام لنفسها، فيما ترى أوكرانيا أنها تقاتل من أجل الدفاع عن نفسها، ويُحرض الغرب أوكرانيا ويموله ويسلحه في مواجهة روسيا من أجل الحصول على السلام في العالم الديمقراطي.

ومن المفارقات الساخرة أيضًا أن الحرب التي يشنها الغرب (في أفغانستان والعراق) تُصبح دائمًا حربًا من أجل السلام، في حين أن الحرب التي تشنها أي دولة أخرى بخلاف الغرب تُصبح "عدوانًا".

وما يُثير السخرية أيضًا أن معظم الدول الأوروبية لا تزال تستفيد من إمدادات الغاز الروسية، لكنها تحث بقية العالم إلى جانب الولايات المتحدة على مقاطعة موسكو، بل وتهدد بفرض عقوبات على الدول التي لا تقاطعها.

 

وفي حين يزعم الكثيرون أن ردود فعل الدول تُعد بمثابة بارقة أمل، إلا أنها تحمل في طياتها ما هو أكثر من ذلك، فهي تعكس اتجاهًا متزايدًا للعديد من الدول، بما في ذلك بعض دول الخليج، التي تتحدى مطالب الولايات المتحدة بسبب تقديم واشنطن مطالب غير معقولة دون النظر إلى الصعوبات التي تواجهها الدول الأخرى في الاستجابة لها.

ولفتت بعض الحكومات الخليجية النظر إلى التناقضات غير العادلة في كيفية استجابة الغرب للصراعات الإنسانية، فقد تدخل بسرعة لمساعدة أوكرانيا بطريقة لم تشهدها الصراعات في الشرق الأوسط وما عاناه من أزمات للاجئين.

وأثارت تصريحات بعض الصحفيين والقادة الغربيين موجة من الغضب في الأوساط غير الغربية حول قولهم إن أوكرانيا لم تكن معتادة على مشاهدة الحرب "مثل العراق أو أفغانستان"، واصفين البلاد بأنها مكان "متحضر نسبيًا وأوروبي نسبيا".

أما بالنسبة لهؤلاء الذين يسلطون الضوء على الإخفاقات الروسية في أوكرانيا، فلا ينبغي عليهم أن يتناسوا إخفاقات الولايات المتحدة في العقدين الأولين من هذا القرن؛ حيث تُعد حجة المقارنة بين نقاط القوة والضعف في القوة العسكرية للقوى العظمى في العالم أو الإشادة بمقاومة الدول الصغيرة هي حجة ضعيفة وعديمة الفائدة، ولكنها تدفعنا نحو طرح سؤال أكثر أهمية، ألا وهو: هل حققت أي حرب حديثة أهدافها؟

وربما يكون السبب الذي دفع بعض الدول الشاذة عن التضامن الدولي مع المعسكر الغربي في الحرب الأوكرانية مثلما حدث في آسيا (كالهند مثلا) أو دول الخليج وإفريقيا، هو تأملهم في إجابة هذا السؤال، وهو ما دفعهم لتبني موقفًا متناقضًا، وكذلك تحدي الوضع الراهن، بل والضغط من أجل حل الأزمة دبلوماسيًا بدلًا من تأجيج الحرب (مثل الحوار الإماراتي والسعودي مع إيران وتركيا).

وختامًا، من الصعب بالتأكيد التنبؤ بموعد انتهاء هذه الحرب وكيفية حدوث ذلك، لكن وبغض النظر عن نتيجته النهائية، فمن المرجح منذ الآن أن يُصبح العالم متعدد الأقطاب أكثر مما كان عليه بالفعل.

وفي الواقع، سيكون من الأفضل تصنيف العالم المتطور بأنه عالم "معقد متعدد الأقطاب"، والذي لا يضم العديد من البلدان القوية فحسب، بل أيضًا المؤسسات الدولية والإقليمية والشركات والمنظمات غير الحكومية عبر الوطنية والحركات الاجتماعية والجماعات الإجرامية والإرهابية عبر الوطنية، وغيرهم الكثير.

مقالات لنفس الكاتب