; logged out
الرئيسية / الحرب دفعت اليابان لتعديل سياساتها الدفاعية وضغوط داخلية بامتلاك النووي

العدد 174

الحرب دفعت اليابان لتعديل سياساتها الدفاعية وضغوط داخلية بامتلاك النووي

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2022

غالباً ما اتسم التاريخ الروسي الياباني على مدار القرن الماضي بالمواجهة والصدام، حيث كانت الحرب بين البلدين التي اندلعت في 1904-1905م، هي أحد الأسباب المهمة وراء انهيار الامبراطورية الروسية السابقة بعد أن تسبب الطموح الروسي الرامي إلى إنشاء ميناء جنوبي في إثارة تهديدات بنشوب صراع طويل الأمد بين البلدين.

وبالرغم من هذه النزاعات الإقليمية، وقعت الدولتان معاهدة عدم اعتداء في عام 1941م، والتي سعت من خلالها روسيا إلى حماية حدودها الشرقية في خضم الحرب العالمية الثانية وتدهور الوضع السياسي العالمي وتزايد التهديد الإقليمي الذي فرضته ألمانيا أدولف هتلر على أوراسيا.

 

وفي نهاية المطاف، هُزمت إمبراطورية اليابان في الحرب العالمية الثانية وقبلت الاستسلام غير المشروط في إعلان بوتسدام في 14 أغسطس 1945م، وأعلنت روسيا لاحقًا تجاهلها لمعاهدة عدم الاعتداء المُبرمة مع اليابان والتي كانت من المفترض أن تظل سارية حتى أبريل 1946م، وبالرغم من قبول اليابان لإعلان بوتسدام، غزت روسيا منشوريا (والتي تقع الآن في الجزء الشمالي الشرقي للصين) وجزر كوريل بالقرب من جزيرة هوكايدو في 9 أغسطس 1945م.

وبعد أكثر من 70 عامًا من انتهاء الحرب العالمية الثانية، لا تزال هناك قضايا شائكة بين الدولتين حول القضايا الحدودية الخاصة بجزر الكوريل، التي اتفق كلا البلدان في السابق على أنها أراضي يابانية في معاهدة سان بطرسبرج لعام 1875م، ونظرًا لكون الدولتين متجاورتين، فقد أسستا فيما بعد علاقات مؤسسية سيادية وخاصة في عدد من المشاريع المختلفة، مثل تجارة النفط والغاز الطبيعي المُسال إلى جانب مشاريع التبادل الثقافي والتعليمي.

 

وشهدت السنوات الأخيرة تدشين مشاريع ضخمة للبنية التحتية للنفط والغاز، ومن بينهم سخالين-1 وسخالين-2 (وهو مشروع شقيق لسخالين 1،) في جزيرة سخالين والذي أسسه اتحاد دولي من الشركات يضم شركة غازبروم الروسية، ويُعد الاتحاد الياباني (الذي يضم شركات ميتسوي وشركاه وشركة ميتسوبيشي) هو ثالث أكبر مساهم في المشروع بنسبة 22.5% من مشروع سخالين 2، وأبرم الاتحاد عقدًا طويل الأجل مدته 30 عامًا لشراء الغاز الطبيعي المُسال المنتج من المشروع مع تصدير 60% من الغاز الطبيعي المسال إلى اليابان، وتأتي شركة شل في المرتبة الثانية من حيث المساهمين بنسبة 27.5% في مشروع سخالين 2، لتُصبح بذلك ثاني أكبر مساهم بعد غازبروم (التي تمتلك 50% من الأسهم)، لكنها في الآونة الأخيرة أعلنت عن قرارها لبيع أسهمها في المشروع بسبب فرض عقوبات اقتصادية دولية غير مسبوقة على روسيا في أعقاب الحرب على أوكرانيا، ما قد يتسبب في خلق عقبات إضافية لإتمام مشروع سخالين 2 نظرًا لكون المشترين المحتملين الوحيدين الذي يُمكنهم حيازة أسهم شل بما يتناسب مع رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشركة غازبروم سيكونوا إما مؤسسة البترول الوطنية الصينية أو المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري.

 

يُعد الصراع الروسي الأوكراني مفاجأة غير متوقعة وتحدي استراتيجي محتمل لليابان، وذلك إلى جانب المخاوف الناجمة عن النزاع المستمر مع موسكو حول جزر كوريل وكذلك مشاريع البنية التحتية، فهو يُضيف تحدٍ آخر ألا وهو العلاقات الدبلوماسية بين الجارتين.

ومما لا شك فيه أن الصراع الروسي الأوكراني يمتد إلى أمد بعيد نظرًا لتاريخ العداوة الطويل بين موسكو وكييف، فضلًا عن التصعيد المستمر في التنافس بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من جانب وروسيا من الجانب الآخر حول مصالح الأمن القومي.

ولقد تأسس حلف شمال الأطلسي – ذا الطبيعة العسكرية -بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهو نتاج للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وانتقد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر والدبلوماسي المخضرم جورج كينان والأستاذ بجامعة شيكاغو جون ميرشايمر صراحة توسع الناتو المستمر باتجاه الشرق – متجاهلًا بذلك معارضة روسيا، حتى أنهم توقعوا الصراع الدائر في الوقت الحالي.

وفي عام 2008م، أعلن الناتو ترحيبه بعضوية الناتو، لكن عملية الانضمام لم تكتمل، وفي عام 2014م، دافع الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش عن سياسة عدم الانحياز، لكنه تنحى بعد ذلك وذهب إلى المنفى وسط "الثورة الملونة" التي تعتقد روسيا بأن الولايات المتحدة تقف ورائها.

 

ومع الطموحات التوسعية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطموحاته الاستبدادية، نستطيع أن نرى الآن بوضوح أن هذا الصراع طويل الأمد لم ينته بعد ولن ينتهي عما قريب. ومما لا شك فيه أن أوكرانيا، باعتبارها دولة ذات سيادة، لها الحق المطلق في اختيار الانضمام إلى الناتو والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والحلفاء الغربيين وبالتالي اتخاذ قراراتها الخاصة فيما يتعلق بالاتجاه السياسي والاقتصادي لدولتها.

 

وتعتقد روسيا أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي سينشران صواريخ في أوكرانيا وأنهما يرغبان في دعم أوكرانيا نحو امتلاك أسلحة نووية، ما جعل الرئيس بوتين يرى اقتراب الناتو من الحدود الروسية على أنه غزو وشيك من قبل حلف شمال الأطلسي لبلاده، وذلك في الوقت الذي لم تتلق فيه موسكو أي رد إيجابي على أسئلتها الدبلوماسية من أوكرانيا أو الولايات المتحدة أو الناتو.

ولا يرتكز الصراع على البعد الجغرافي فحسب، بل ينبع أيضًا من نظرة بوتين التاريخية للإمبراطورية الروسية العظمى (خلال حكم عائلة رومانوف تحت حكم كاترين العظيمة).

ومما لا شك فيه أن الرئيس بوتين أخطأ في تقدير صعوبة استخدام القوة لحل المشكلة طويلة الأمد بين روسيا وأوكرانيا، مُستلهمًا بشكل خاطئ من تجربته السابقة في الحرب الروسية الجورجية وضم القرم، وأدى استخفاف الرئيس بوتين بالقدرات القتالية الحالية لأوكرانيا وروحها القومية القوية إلى ظهور مستوى من المقاومة فشل هو وجنرالاته في تفسيره، مما قوض طموحه لتغيير نظام الحكم في أوكرانيا بالقوة.

 

ولقد أعلنت الولايات المتحدة صراحة عن رغبتها في إضعاف روسيا، حيث رأت أن روسيا لا تهدد أوكرانيا فحسب، بل تهدد أيضًا دول الناتو والاتحاد الأوروبي والدول المجاورة.

ونظرًا إلى حجم الدعم المالي والعسكري المُقدم من قبل الدول المتحالفة مع الناتو إلى أوكرانيا، فيبدو أن الحرب ستستمر إما حتى أن تصبح روسيا أضعف من الاستمرار في الحرب أو تنجح بشق الأنفس في تحقيق نصر تستطيع بالكاد تسويقه لشعبها، وبالرغم من ذلك، فقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن الصراع الروسي الأوكراني قد يتصاعد بسهولة وقد يتزايد خطر انتشار الأسلحة النووية إذا لم تتمكن روسيا من إيجاد مخرج من الحرب يحفظ لها ماء الوجه. 

وبحسب وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية، فإن مغادرة روسيا لأوكرانيا هي النتيجة التي يرغب العالم في حدوثها لكنها نتيجة غير مرجحة نظرًا لاعتقاد الرئيس بوتين بأن "أوكرانيا ليست دولة ذات أهمية، وقناعتها بأن بعضها ينتمي إلى أوروبا الشرقية وبعضها ينتمي إلى روسيا".

ويرى بيرنز أن استمرار أمد الحرب هو أمر لا مفر منه، متوقعًا أن تُحول أوكرانيا إلى "أمة ممزقة" من شرق البلاد إلى غربها على الحدود بين الحضارة الغربية والحضارات الأرثوذكسية الشرقية.

 

وعلى صعيد مختلف، وبحسب أحد مراكز الأبحاث الحكومية الصينية (معهد شارهار)، يجب على الولايات المتحدة ألا تخلط بين الصراع الروسي الأوكراني وبين مسألة تايوان نظرًا لأن ذلك قد يتسبب في الإضرار بالعلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، خاصة بعد تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينج لنظيره الأمريكي جو بايدن خلال اجتماع بالفيديو أن سوء التعامل مع قضية تايوان سيكون له تأثير سلبي على العلاقات الثنائية بين البلدين.

وخلال كلمته في مؤتمر صحفي دوري، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين إلى خطر اتساع نطاق الصراع الأوكراني، مُعربًا عن أمله في أن تتمكن "الأطراف المعنية" في منع حدوث المزيد من التصعيدات، وحذر في الوقت ذاته من "الثمن الباهظ" الذي قد تتكبده أوروبا وبقية دول العالم من وراء ذلك، وشجع الأطراف المعنية على التوصل إلى حل سلمي في أسرع وقت ممكن.

 

وتكشف التصريحات أن الصراع الروسي الأوكراني سيدفع الصين إلى إعادة النظر في العلاقات الصينية الروسية، ولكن على الأرجح ليس بالطريقة التي ترغب الولايات المتحدة في حدوثها.

ومما لا شك فيه أن الضغط الهائل الذي تواجهه البلدان من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أسهم في زيادة التقارب بين الصين وروسيا في السنوات الأخيرة، إلا أن بكين قد وضعت "مسافة آمنة" في علاقتها مع روسيا، واضعة في اعتبارها تقييم العبء الاستراتيجي للصراع الروسي الأوكراني على الصين، وكيف تتعامل بحكمة مع العلاقات الرباعية بين بلادها وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا ككل، وذلك في إطار أخذها في الاعتبار التدفقات التجارية الضخمة بين الصين والغرب والتي تتجاوز مثيلتها بين الصين وروسيا.

 

وبصفتها أحد الوسطاء الدوليين المحتملين من مجموعة دول أوراسيا، لا تزال اليابان غير قادرة على توقع نهاية لهذا الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وليست اليابان فحسب، بل أيضًا قادة مجموعة السبعة الآخرين الذين لا يستطيعون التنبؤ بكيفية الاستفادة من قدراتهم ومواردهم للقيام بدور الوسيط في ظل الظروف الراهنة.

وفي الوقت الحالي، يتحمس العالم الغربي لدعم أوكرانيا في الحرب، حيث تُعد التكاليف الاقتصادية والاجتماعية حادة من حيث المعاناة الإنسانية في منطقة الحرب وكذلك من حيث التأثير المحتمل للحرب على إمدادات الغذاء والطاقة، وأيضًا الضغوط التي ستكون أكثر حدة على الأرجح في الدول النامية.

ولتجنب الضغوط الاقتصادية العالمية، يتعين على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ودول مجموعة السبع وكذلك اليابان (كزعيم لأوراسيا والعضو الوحيد في مجموعة السبع من الدول الآسيوية) المُساهمة في تحديد الحلول الدبلوماسية والسلمية للصراع.

 وتخشى اليابان من ظهور قوة جديدة على الساحة بداخل أوراسيا، كنتيجة للصراع الروسي الأوكراني، خاصة في ظل التحالف المتنامي بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية، والذي من شأنه أن يدعم المزيد من النفوذ الصيني لإنشاء تكتل في الجانب الشرقي من البر الرئيسي لأوراسيا والذي سيتبعه على الأرجح سيناريو خطة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الصيني (وفقًا لرؤية الصين الطموحة لمبادرة الحزام والطريق في أوراسيا.

 

 وبالرغم أن الصين وروسيا لم يتشاركا تاريخيًا في تفكير مُماثل، إلا أن الوقت الحالي قد يكون مناسبًا لكلا الطرفين في تشكيل تحالف داعم متبادل ضد ما يعتبرانه هيمنة أمريكية.

وفي الوقت الذي يُعد فيه الرئيس الصيني حذرًا وواثقًا فيما يتعلق بالازدهار المستقبلي لبلاده وهيمنتها الاقتصادية في النهاية، ستُصبح روسيا في عهد الرئيس بوتين شريكًا صغيرًا في أي تحالف تكتيكي، وليس من الواضح كيف سيتفق هذا مع طموحات الأخير في إعادة إنشاء "روسيا الكبرى" التي يحلم بها.

وقال مسؤول حكومي ياباني رفيع المستوى معني بالشأن الروسي "في حال أصبحت روسيا تابعة للصين، فسوف يتضرر كبريائها بكونها إحدى القوى العظمى وسوف تُعاني من عقدة الدونية التي ستدفعها إلى الإضرار بالغرب"، وأضاف يقول "وكرد فعل على هذا التحالف، من المرجح أن يُصبح الغرب أكثر ميلًا إلى الحرب ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته".

 

 ومن المُرجح أن يُسهم التحالف الروسي الصيني في إحداث تغييرات كبيرة في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين؛ حيث سيضع التحالف الجانب الشرقي من القارة الأوراسية تحت نفوذ الصين، ومن المحتمل كذلك أن تشهد آسيا الوسطى، الواقعة بين الصين وروسيا، وأفغانستان نفوذًا صينياً أوسع نطاقًا.

 

وانتقالًا إلى الوضع الحالي في اليابان، ورُغم اعتماد اليابان على معاهدة التعاون والأمن المتبادلين بين الولايات المتحدة واليابان – المعروفة باسم معاهدة الأمن اليابانية الأمريكية -، إلا إن الصراع الروسي الأوكراني قد أثار شكوكًا حول مقدرة اليابان على الاعتماد بشكل أعمى على الحماية العسكرية من قبل الولايات المتحدة، خاصة أنه ليس من الواضح ما إذا كانت اليابان تؤمن بأنها محمية تمامًا تحت المظلة النووية الأمريكية.

وبدأت اليابان والولايات المتحدة في دراسة إمكانية تطبيق برنامج المشاركة النووية على غرار الناتو، وذلك في إطار مستقبل التحالف بين الولايات المتحدة واليابان، ويُضاف إلى ذلك أنه يجب التعامل مع الأسئلة الرئيسية الخاصة بكيفية التحكم في التوسع النووي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

 وأدركت طوكيو أيضًا خطر حدوث تصعيد خطير للتهديدات من جانب طوكيو، بما في ذلك غزوها المحتمل لتايوان أو جزيرة سينكاكو التي يُنظر إليها باعتبارها خطرًا متناميًا نظرًا لمدى تطور القوة البحرية الصينية واتساع مدى وصولها في النطاق الجنوبي الشرقي لمنطقة بحر الصين، خاصة في ظل التوقعات بأنها ستتحدى الهيمنة العسكرية الأمريكية في تلك المنطقة قريبًا.

ومن أجل تجنب التصعيد، يجب على اليابان العمل بشكل أكبر مع دول مجموعة الكواد (الحوار الأمني ​​الرباعي) لمنطقة المحيط الهادئ الهندي والشراكة العابرة للمحيط الهادئ ودول الآسيان لتعزيز حضور اليابان في المجتمع الدولي وتوطيد علاقاتها.

 

وحتى من قبل هذا الصراع، أدركت اليابان والولايات المتحدة وتايوان والعديد من الدول الآسيوية أن الصين في عهد الرئيس شي لن تتخلى أبدًا عن سعيها وراء الهيمنة على تايوان وتحقيق التفوق الاقتصادي والعسكري في بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك منطقة جزيرة سينكاكو.

ويؤكد الصراع في أوكرانيا على المخاطر التي يتعرض لها العالم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من قبل حكومات الدول ذات الأنظمة الاستبدادية التي ليست مسؤولة بشكل مباشر أمام ناخبيها.

وكان قبول أوروبا الغربية والولايات المتحدة في وقت سابق للنشاط الروسي في جورجيا وشبه جزيرة القرم وأماكن أخرى بمثابة سذاجة جيوسياسية، والتي اتضحت بشكل جلي في الضعف الواضح في التصدي للعدوان الروسي وذلك في ظل اعتماد العديد من الدول الأوروبية بدرجة مفرطة على إمدادات الطاقة الروسية، وخاصة في ألمانيا، ما حطم الآمال بأن تتغلب المنفعة المتبادلة والعلاقات التجارية الأخرى على طموحات روسيا التوسعية، والتي دفعت بدورها المعسكر الغربي إلى الرد بعقوبات واسعة النطاق وغير مسبوقة.

 

وفي ظل الدعم الدولي غير المسبوق لأوكرانيا، تحطمت آمال بوتين في تحقيق نصر سريع وبات من الواضح أن الصراع سيمتد إلى أمد طويل، لذا فقد أصبح من الصعب الحكم على كيفية تفسير الصين للرسالة التي يُرسلها المعسكر الغربي الآن إلى بوتين، لكن الاضطرابات العالمية على الصعيد العسكري والاقتصادي قد ارتفعا بشكل واضح للغاية ولم يُعد أمام الولايات المتحدة واليابان ودول الآسيان سوى آمال محدودة بتثبيط رغبة الرئيس الصيني الطموحة في هيمنة بلاده على أوراسيا.

 

وتسبب شبح الحرب النووية والحجم المروع للخسائر في صفوف المدنيين بأوكرانيا في دفع الشعب الياباني لمعرفة مخاطر الحرب وتكلفتها، وساهم في زيادة أصوات دعاة السلام المناهضين للحرب بأكثر من أي وقت مضى على الإطلاق.

وساهمت الحرب كذلك في دفع اليابان ودول آسيوية أخرى نحو تعديل سياساتها الدفاعية بدرجة كبيرة في ظل سعيها لتعزيز قدراتها العسكرية، وطالبت بعض الأحزاب السياسية اليابانية بالفعل بزيادة القدرات الدفاعية بدرجة قد تصل إلى حيازة أسلحة نووية.

 وبدأت اليابان في إجراء إعادة تقييم عاجلة للسياسة الحكومية وإحداث أكبر تغيير في سياساتها منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تتضمن قضايا مثل الدور المستقبلي لقوة الدفاع الذاتي واتجاهها لإجراء مراجعة عاجلة لميزانيتها الدفاعية والتي ستصل إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025م، والذي من شأنه أن يؤدي إلى أن تصبح اليابان ثالث أكبر مُنفق على الدفاع بعد الولايات المتحدة والصين.

ومن أجل تحقيق هذه التغييرات، يتعين على اليابان معالجة العديد من القضايا المعقدة، من بينها تعديل دستورها وخاصة المادة التاسعة، وهو بند في الدستور الوطني لليابان يحظر الدخول في حرب لتسوية النزاعات الدولية.

وفي نص المادة، تتخلى اليابان رسميًا عن حقها السيادي للقتال وتستهدف إقامة سلام دولي يرتكز على مبادئ العدل والنظام الدولي، وتنص كذلك على أنه من أجل تحقيق هذه الأهداف، لن تحتفظ القوات المسلحة بإمكانيات حربية، وقد دخل الدستور حيز التنفيذ في 3 مايو لعام 1947م، ولم يتم تعديل الدستور الياباني منذ ذلك الوقت، لذا فإن التعامل مع هذه المادة هو أمر ذو حساسية للشعب الياباني.

 

اتسمت الحرب الروسية على أوكرانيا حتى الآن ببزوغ عامل مميز، ألا وهو مفهوم "الحرب الهجينة"، حيث استخدم كل طرف مجموعة متنوعة من وسائل الإعلام لدعم حملته والتأثير على الرأي العام، وخاصة بعد التطور الذي حدث في حرب شبكات التواصل الاجتماعية وتأثير الهجمات الإلكترونية على الاتصالات والبنية التحتية المجتمعية واعتبارها بمثابة سلاح رئيسي يجب استخدامه.

وعلى غرار كوريا الجنوبية، سيصبح أحد الخيارات الأخيرة أمام اليابان هو الانضمام إلى مركز التميز للدفاع الإلكتروني التعاوني التابع لحلف الناتو، والذي يقع في تالين بإستونيا، وهي منظمة عسكرية دولية مهمتها تعزيز القدرة والتعاون وتبادل المعلومات بين أعضاء حلف الناتو؛ حيث تتشارك الدول الأعضاء في المنظمة في وسائل الدفاع السيبراني من خلال المُشاركة في وسائل التعليم والبحث والتطوير والاستشارات.

وتتجه اليابان أيضًا إلى توثيق تعاونها مع دول مجموعة الكواد وكذلك تحالف العيون الخمس الاستخباري -الذي يضم كلٍ من أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة -بهدف تبادل المعلومات الاستخبارية، خاصة بداخل منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وعلى مدار التاريخ، أسست اليابان نوعًا مشابهًا من التحالف مع بريطانيا -ما يسمى بـ"التحالف الأنجلو ياباني" خلال الفترة من 1902 حتى 1923م، والذي اعتبرته اليابان تحالفًا ناجحًا وفعالًا بشكل خاص؛ حيث ألزمت هذه المعاهدة بريطانيا واليابان بمساعدة بعضهما البعض في حماية مصالح كل منهما في الصين وكوريا خلال تلك الفترة، وكان التحالف موجهًا بشكل خاص ضد التوسع الروسي في الشرق الأقصى، وكان بمثابة الركيزة الأساسية للسياسة البريطانية واليابانية في آسيا حتى حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى. 

وبالنظر إلى أن اليابان هي ثالث أكبر اقتصاد في العالم وقائدة لدولة حرة ومنفتحة على المحيطين الهندي والهادئ، فهي تمتلك فرصة فريدة للعمل كوسيط دولي في هذا الصراع، كما يتعين عليها إبقاء سبل الحوار مفتوحة بين الأطراف المتحاربة وكذلك مع اللاعبين المؤثرين الآخرين، مثل تركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ودول الآسيان والهند.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تعلم اليابانيون درسًا قاسيًا وهو أن الدول يُمكنها بدء الحروب بسهولة، لكنها ستُعاني حقًا من صعوبة إنهائها.

وفي الختام، علمنا التاريخ دائمًا أنه لا ينبغي على الإطلاق التقليل من قوة الدبلوماسية أو التخلي عن السعي وراء الحلول الدبلوماسية من أجل منع اتساع نطاق الحروب واستمرارها، لذا يتعين على اليابان الاستمرار في لعب دورها كقائد للدول الديمقراطية بداخل منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأن تستمر في تطوير سياسة "الدبلوماسية العامة/الشعبية"، وليست فقط الدبلوماسية الكلاسيكية، بل أيضًا من خلال تعزيز دور الديمقراطية العامة الجديدة في الفضاء الإلكتروني وكذلك من أجل تعزيز سُبل التعاون الدولي للأجيال القادمة.

مقالات لنفس الكاتب