; logged out
الرئيسية / "الشورى السعودي" يمارس الدبلوماسية البرلمانية في 5 صور منذ ربع قرن

العدد 175

"الشورى السعودي" يمارس الدبلوماسية البرلمانية في 5 صور منذ ربع قرن

الثلاثاء، 28 حزيران/يونيو 2022

تاريخياً يعد الشأن الخارجي امتيازاً خاصاً بالسلطة التنفيذية التي تنفرد بإدارة العلاقات الخارجية لأسباب من أبرزها (1) الطابع الحساس للقضايا الخارجية حيث كانت تنحصر في مسائل الأمن والسلام والحرب وتوقيع اتفاقيات معاهدات الصلح (2) أن هذه القضايا تتطلب متابعة مستمرة وخبرة ومعرفة متخصصة قد لا تتوفر خارج دوائر السلطة التنفيذية (3) الحرص على حماية المصلحة الوطنية من أي مؤثرات داخلية تتعلق بمصالح الناخبين وصراع الأحزاب.

ولكن ومنذ بداية القرن العشرين ومع التخلي عن السرية في العمل الدبلوماسي وتزايد اهتمام الرأي العام بالقضايا الدولية حرصت السلطة التشريعية (برلمانات ومجالس تشريعية) على المشاركة في إدارة الشؤون الخارجية من منطلق أن أعضاء هذه السلطة يمثلون المواطنين وهو ما يقتضي التحرك الموازي لضمان أن النشاط الدبلوماسي الذي تقوم به السلطة التنفيذية يحقق مصالحهم، ويضمن كفاءة توظيف الموارد المخصصة للتحرك الخارجي. 

ولفترة طويلة بقي دور السلطة التشريعية محصوراً في مسائل محددة تتمثل في: (1) المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وسن القوانين التي تضمن تطبيق هذه الاتفاقيات والمعاهدات على المستوى الوطني (2) الموافقة على مشاركة القوات المسلحة خارج الدولة (3) الموافقة-في بعض الدول-على تعيينات كبار المسؤولين والسفراء في وزارة الخارجية. كما تمارس السلطة التشريعية دورها من خلال مناقشة مخصصات وزارة الخارجية ضمن الميزانية العامة.

وتدريجياً تنامى هذا الدور حيث أصبحت الدبلوماسية البرلمانية التي تمارسها السلطة التشريعية عنصراً مهماً في السياسة الدولية. وتقوم فكرة الدبلوماسية البرلمانية على دعم ومؤازرة الدبلوماسية الرسمية مستفيدة من تحللها من القيود الرسمية التي تضبط تحرك الدبلوماسيين، ومن المساحة الواسعة المتاحة لأعضاء المجالس التشريعية لطرح ومناقشة القضايا مع نظرائهم.  

من هنا يتبين أن المجالس التشريعية تمارس على السياسة الخارجية أدواراً رقابية وتشريعية وتؤازرها دبلوماسياً، وتتسع هذه الأدوار أو تضيق حسب طبيعة النظام السياسي؛ ففي بعض الأنظمة تلتزم الحكومة بتقديم تقارير للمجالس التشريعية عن أهم التطورات إقليمياً ودولياً والتي قد تمس بالمصلحة الوطنية، وكذلك احاطتها حول أي مفاوضات قد تجريها مع دول أو حول قضايا على الساحة الدولية.

ويبقى الدور الدبلوماسي للمجالس التشريعية هو الأبرز وقد زادت أهميته بسبب "تدويل" الشأن الداخلي حيث أصبحت القضايا الداخلية محل اهتمام ومتابعة سواء من قبل الحكومات أو من منظمات المجتمع المدني العالمي. كما تم ترقية قضايا حقوق الإنسان والبيئة والأقليات والتنمية إلى مصاف القضايا التقليدية للسياسة الخارجية والتي تتمثل في الشؤون الأمنية والسياسية والعسكرية.

هذا التضخم في أجندة العلاقات الدولية جعل الحكومات تستعين بالبرلمانات والمجالس التشريعية لمساعدتها في إدارة هذه الملفات وتخفيف الضغوط عنها؛ خاصة مع تزايد أهمية الصورة الذهنية وما يعرف بسمعة الدولة وتأثيرهما على مكانة الدولة وعلاقاتها. فالتصدي للصور الذهنية غير الإيجابية يقتضي الدخول في حوارات لتصحيح المفاهيم والتواصل من أجل بناء المشتركات، وهنا يلعب البرلمان وغيره من مؤسسات خارج إطار السلطة التنفيذية أدواراً مهمة قد لا يقل أثرها عن أثر الحراك الدبلوماسي الرسمي.

وفي المملكة العربية السعودية يؤازر مجلس الشورى وزارة الخارجية في الدفاع عن مصالح المملكة وتحقيق أهدافها. ومنذ 1992م، يتقاسم مجلس الشورى مع مجلس الوزراء السلطة التنظيمية للدولة التي "تختص بوضع الأنظمة واللوائح، فيما يحقق المصلحة، أو يرفع المفسدة في شؤون الدولة، وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية" حسب نص المادة السابعة والستون من النظام الأساسي للحكم. 

ووفقاً للمادة الخامسة عشر من نظام مجلس الشورى فإن للمجلس أن يبدي الرأي في السياسات العامة للدولة التي تحال إليه من رئيس مجلس الوزراء، وله على وجه الخصوص ما يلي:  

أ -مناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإبداء الرأي نحوها.
ب -دراسة الأنظمة واللوائح، والمعاهدات، والاتفاقيات الدولية، والامتيازات، واقتراح ما يراه بشأنها.
ج -تفسير الأنظمة.

د ــ مناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها.

 

ويتولى مجلس الشورى ذات المهام التي تختص بها المجالس التشريعية المماثلة وتشمل: الرقابة والتشريع والدبلوماسية. ويمارس المجلس دوره من خلال لجان متخصصة حيث يوجد خمسة عشر لجنة متخصصة من بينها: لجنة الشؤون الخارجية، ولجنة الشؤون الأمنية والعسكرية، ولجنة حقوق الإنسان ولجنة الشؤون المالية والاقتصادية. ويتمثل الدور الأساسي لهذه اللجان في دراسة ومناقشة التقارير السنوية للجهات الحكومية التي توزع بينها حسب الاختصاص.

وتختص لجنة الشؤون الخارجية بدراسة الموضوعات ذات العلاقة بالشؤون الخارجية والمنظمات الإقليمية والدولية، ودراسة التقارير السنوية لوزارة الخارجية والمركز السعودي للشراكات الاستراتيجية الدولية والصندوق السعودي للتنمية. كما تختص اللجنة بدراسة الموضوعات والأنظمة واللوائح والاتفاقيات الدولية والإقليمية ومسائل التمثيل الدبلوماسي وعلاقات المملكة مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية.

وتعد دراسة التقرير السنوي لوزارة الخارجية أبرز أعمال اللجنة فهي تمثل فرصة للمجلس لبحث تطورات السياسة الخارجية السعودية مع كبار المسؤولين في وزارة الخارجية. وتنهي اللجنة إلى تقديم توصيات على التقرير يتم التصويت عليها في المجلس، ويرفع ما يقر منها للملك باعتباره مرجعاً للسلطات. ووفقًا للمادة السابعة عشر من نظام المجلس فإن الملك "يقرر ما يحال من "قرارات المجلس" إلى مجلس الوزراء، وإذا اتفقت وجهات نظر مجلسي الوزراء والشورى تصدر القرارات بعد موافقة الملك عليها، وإذا تباينت وجهات نظر المجلسين يعاد الموضوع إلى مجلس الشورى ليبدي ما يراه بشأنه ويرفعه إلى الملك لاتخاذ ما يراه".

 مجلس الشورى والدبلوماسية البرلمانية

تاريخياً وبسبب ما توفر للمملكة من إمكانات كبيرة تستطيع توظيفها، وكذلك بسبب التمايز الواضح في سياسات ومواقف الدول على الساحتين الإقليمية والدولية، واقتصار العلاقات الدولية على القضايا السياسية التقليدية لم يكن هناك حاجة لأدوار دبلوماسية موزاية للتحرك الدبلوماسي الرسمي، إلا أن هذا الوضع تغير بشكل جذري الأمر الذي حتم توسيع دائرة التحرك ليشمل مؤسسات وجهات أوسع وخطاب دبلوماسي غير رسمي وأكثر تفصيلاً.  ويعد مجلس الشورى الطرف الأبرز في هذه الدائرة الدبلوماسية الواسعة.

 ومجلس الشورى ومنذ استئناف أعماله قبل ربع قرن تقريباً يمارس الدبلوماسية البرلمانية في عدة صور من أبرزها: (1) زيارات رئاسة المجلس الدورية للدول الشقيقة والصديقة (2) الاشتراك في اجتماعات الهيئات البرلمانية الإقليمية والدولية (3) استقبال الوفود البرلمانية (4) الانضمام للتجمعات البرلمانية الإقليمية والدولية فالمجلس عضو في الاتحاد البرلماني العربي واتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد البرلماني الدولي والجمعية البرلمانية الآسيوية ورابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي، (5) تشكيل لجان صداقة مع برلمانات كافة الدول التي تقيم المملكة علاقات دبلوماسية معها. وتمارس هذه اللجان دورها الدبلوماسي من خلال زيارات الدول واستقبال الوفود البرلمانية وعقد اللقاءات مع أعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي في المملكة.

ويستثمر مجلس الشورى مشاركاته المختلفة في الملتقيات السنوية للبرلمانات والمجالس التشريعية للتأكيد على مواقف المملكة تجاه القضايا والأحداث الدولية حيث جرت العادة أن يشارك معالي رئيس المجلس بكلمة تتضمن تفصيلاً لهذه المواقف وبياناً بالمبادئ الثابتة التي ترتكز عليها السياسة الخارجية السعودية، كما تمثل هذه الملتقيات فرصة للالتقاء بأعضاء المجالس التشريعية النظيرة لتبادل الرأي وتنسيق المواقف.

وخلال الزيارات التي تقوم بها لجان الصداقة يناقش الأعضاء مع نظرائهم كافة القضايا الثنائية المشتركة، إضافة إلى شرح مواقف المملكة تجاه القضايا الإقليمية والدولية.  وتتبين أهمية هذه الزيارات بالنظر إلى وجود صور ذهنية مغلوطة لدى أعضاء البرلمانات خاصة الغربية تسهم للأسف في تشكيل مواقفهم تجاه المملكة.  

والمراقب للعلاقات الخارجية بين المملكة وكثير من الدول الغربية يلحظ وجود فجوة في المواقف بين أعضاء السلطة التنفيذية الذي يقدرون أهمية العلاقات ويدركون مكانة المملكة وأدوارها الإيجابية في تعزيز الاستقرار في المنطقة ودعمها الدائم للمؤسسات الدولية واحترام مبادئ القانون الدولي كما يدركون ما تعيشه من تحولات إيجابية في الداخل تعزز من حضورها الدولي، وبين ما يحمله أعضاء السلطة التشريعية من صور نمطية سلبية مصدرها تقارير بعض منظمات المجتمع المدني أو قد تكون نتاج توجهاتهم الأيدلوجية الراسخة ويجعلونها معياراً لتقييم العلاقات مع المملكة.

لذلك تتأكد أهمية الزيارات التي يقوم بها أعضاء مجلس الشورى واللقاءات التي يعقدونها وتتخللها نقاشات موسعة وصريحة حول كافة القضايا المشتركة تسهم في تبديد ما يحمله نظراؤهم من صور سلبية.  ومنذ إعلان رؤية المملكة 2030م، يحرص المجلس سواء من خلال زيارات رئاسة المجلس أو زيارات لجان الصداقة على التعريف بالرؤية وأبعادها المختلفة وآثارها على التحولات العميقة التي تعيشها المملكة.

من خلال هذه الآليات المختلفة يساهم مجلس الشورى في دعم الجهود الدبلوماسية الرسمية التي تقوم بها وزارة الخارجية لتوضيح مواقف المملكة تجاه كافة القضايا، والدفاع عنها، وكذلك بيان الصورة الحقيقية عن المجتمع السعودي. وهذه الوظيفة الأخيرة تكاد تكون من أهم المهام وأصعبها بسبب ما تتعرض له المملكة من صورة ذهنية سلبية كرًستها حملات إعلامية زادت خلال العقدين الأخيرين ولم يعد كافِ الاقتصار على جهود الأجهزة الإعلامية والدبلوماسية الرسمية-رغم أهميتها-في التصدي لها وتصحيح الصور المغلوطة.

والمجلس يمتلك القدرة على التصدي لهذه المهمة بسبب الكفاءات التي يزخر بها بين أعضائه وتنوعها العلمي والفكري. هذا التنوع كاف بذاته في تبديد الصورة المغلوطة التي تنظر إلى المجتمع السعودي ككتلة واحدة (monolithic) جامدة تناقض حقيقة التعدد والتعقيد والحيوية المستمرة للمجتمع السعودي.

كما يدعم المجلس الدبلوماسية السعودية من خلال إصدار البيانات التي تعبر عن رأي أعضائه تجاه الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية. كما يستمع أعضاء المجلس للخطاب الملكي في بداية كل سنة الذي يشمل بياناً بمواقف وتوجهات المملكة تجاه مختلف القضايا، ويحرص الأعضاء على ترجمة ما تضمنه الخطاب الملكي في أعمال اللجان.

إن تشعب العلاقات الدولية وتنامي عدد القضايا على الساحة الدولية يجعل المجلس شريكاً مهماً لوزارة الخارجية من خلال أنشطة الدبلوماسية البرلمانية المختلفة وهو ما يقتضي تطوير جهوده الدبلوماسية من خلال:(1) زيادة مستوى التنسيق مع الوزارة بوضع آلية دائمة تجتمع بشكل دوري وثابت، وكذلك إحاطة المجلس دورياً بالمواقف الرسمية تجاه مستجدات القضايا المهمة على الساحتين الإقليمية والدولية (2) تشكيل لجان من أعضاء المجلس تُعنى بقضايا محددة مثل: حوار الأديان والثقافات، ومكافحة التطرف والبيئة وتعزيز القانون الدولي والمؤسسات الدولية يشارك أعضاؤها في المنتديات والملتقيات الدولية المعنية بهذه القضايا من أجل توضيح مواقف المملكة والمساهمة أيضًا في صياغة ما يصدر عنها من قرارات (3) تعزيز الشعبة البرلمانية في المجلس التي تعمل بمثابة سكرتارية الدبلوماسية البرلمانية من خلال تطوير قدرات منسوبيها بإلحاقهم في دورات في الدبلوماسية والعلاقات الدولية والقانون الدولي في مؤسسات دولية مرموقة متخصصة، مع زيادة منسوبي هذه الشعبة المؤهلين في هذه المجالات (4) رفع المستوى المعرفي لأعضاء المجلس بالقضايا الإقليمية والدولية وتعقيدات العلاقات الدولية من خلال تنظيم دورات وحلقات نقاش مع مراكز متخصصة (5) تكثيف الزيارات خاصة للدول التي ترتبط مع المملكة بشراكات استراتيجية (6) زيادة التنسيق بين المجالس التشريعية في دول مجلس التعاون، وصياغة وإعلان مواقف موحدة تجاه القضايا المشتركة (7) زيادة الاستفادة من الدبلوماسية البرلمانية كنوع من دبلوماسية المسار الثاني سواء في معالجة الإشكالات التي قد تواجه بعض العلاقات الثنائية، أو حتى من خلال التعبير عن مواقف لا يترتب عليها التزامات، ولا يتيسر للدبلوماسية الرسمية إعلانها وهو ما تمارسه كثير من المجالس التشريعية.

هذه الخطوات وغيرها كفيلة بزيادة فعالية وتأثير الدبلوماسية البرلمانية السعودية التي تزداد أهميتها كأحد أدوات تنفيذ السياسة الخارجية وتحقيق أهدافها.

مقالات لنفس الكاتب