; logged out
الرئيسية / تشكيل قوة عربية مشتركة الأنسب لمنطقتنا وظروفنا وطبيعة التهديدات

العدد 176

تشكيل قوة عربية مشتركة الأنسب لمنطقتنا وظروفنا وطبيعة التهديدات

الخميس، 28 تموز/يوليو 2022

في مركز القيادة الرئيس -في أي دولة - الذي تدار منه  الحرب أو حتى العمليات العسكرية المصغرة ،عادة ما توجد صالة كبيرة نسبيًا بها طاولة كبيرة توضع عليها خارطة يلتف حولها عدد من الضباط تحسبهم خلية نحل من كثرة انشغالهم في التوقيع على الخريطة وإضافة بيانات وحذف بيانات -ديدنهم السرعة والتفاعل في استلام المعلومات ورسم صورة الموقف على جبهات/جبهة القتال أولاً بأول وتجهيز كل المعلومات والبيانات لصناعة القرار....إلخ

وعلى طرف بعيد من الطاولة أو في غرفة مجاورة للصالة الكبيرة -تنقل إليها نفس المعلومات إلكترونيًا على شاشات مُعدة لذلك: تجد مجموعة أخرى من الضباط ديدنهم الهدوء والتأمل والتفكير أمامهم خريطة أخرى -قد تكون شاشة عرض إلكترونية -عليها خطة العمليات التي هم بصددها -إلى جوار خارطة الموقف الحالي المتغير ،يقارنون فيه باستمرار بين ما هو مخطط وما تم تنفيذه، واستعراض أين النجاح ومعرفة أين الخلل وتحديد نقاط القوة و نقاط الضعف ،وما الذي يلزم عمله وفي أي توقيت وبأي سرعة وما الذي يلزم تجنبه وهل هناك حاجة لتغيير السيناريو أم يتم الاستمرار طبقًا للتخطيط....إلخ

المجموعة الأولى سريعة الحركة والتفاعل والتنفيذ هي مجموعة "العمليات" واجبها هو متابعة ما يحدث وتجميعه وتسجيله كما هو وكذلك إبلاغ الأوامر والتعليمات الصادرة من متخذ القرار إلى المرؤسين ومتابعة تنفيذها بكل دقة.

أما المجموعة الثانية فهي "مجموعة التخطيط" أو "صانعي القرار" مهمتهم متابعة تنفيذ الخطط/الخطة الموضوعة، وربط الحاضر بالماضي لاستنتاج ما هو قادم وتقديم الحلول والبدائل المقترحة لمتخذ القرار، مسؤوليتهم المحافظة على الهدف الذي تم تحديده  في التخطيط حتى لا يضيع الهدف عن  المنفذين بتأثير المتغيرات التي تواجههم.

كثيرون هم من يقومون بدور ضباط العمليات في متابعة الأحداث بكل حماسة ودقة وقد ينسى غالبيتهم ماذا كان الهدف ،وقد  تشدهم أعمال ثانوية أو مضللة ,قليلون هم من لا تغيب عنهم الأهداف ولا يضلون طريقها..... وواجبهم تسليط الضوء عليها باستمرار وتنبيه متخذ القرار لها.

أقول هذا الكلام الآن وأنا أرصد أقلامًا لايجف مددها وأصواتًا هنا وهناك تتحدث عن زيارة  الرئيس الأمريكي "جو بايدن" للشرق الأوسط التي تمت في شهر يوليو الماضي والتي زار فيها إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية وتم فيها المشاركة في قمة مجلس التعاون الخليجي وضمت مصر والعراق والأردن وأعضاء مجلس التعاون الستة وعلقوا عليها كثيرًا من الآمال بدعوى أن زيارة "بايدن" الأولى هذه للمنطقة تعكس نهجًا واقعيًا وعودة السياسة الأمريكية التي سادت خلال العقود السابقة حريصة على أهمية الشرق الأوسط في أجندة سياساتها وتعكس الأهمية الاستراتيجية لكل منهما نحو الآخر -منهم من يرجع الفضل أو السبب للحرب الروسية ـ  الأوكرانية التي أظهرت أهمية الشرق الأوسط في السياسة الأمريكية خاصة مع تفجر أزمة الطاقة والحاجة الملحة للدور السعودي في ضبط أسواق النفط العالمية في ظل الارتفاع الكبير في أسعاره وتأثيره في تصاعد التضخم بشكل غير مسبوق في الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي سارعت بفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا وتأثير ذلك على أسعار الغذاء العالمي.

وقالوا إن "بايدن" سوف يطلب من السعودية ودول الخليج زيادة إنتاج النفط لتقليل أسعاره عالميًا وإن كان ذلك مرتبطًا بسياسة العرض والطلب وسياسة أوبك+ كما أن "بايدن" لابد وأنه سوف يحرص على الدفع بتطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال استكمال الاتفاقيات الإبراهيمية ....ولن تخلو حقيبته من عروض الأسلحة الأمريكية ،أما الأهم في ذلك فهو التاكيد على أمن إسرائيل في مواجهة  التهديدات الإيرانية ،والدور الخليجي /العربي (الشرق أوسطي) بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية التي سيكون لها دور أكثر فاعلية في مواجهة التهديدات الأمنية للمنطقة.

ولن ينسى  أن يربت بيده على القضية الفلسطينية لدغدغة المشاعر العربية ،التي لن ترضى بديلاً عن الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ووقف كل أشكال الاستيطان والانتهاكات الإسرائيلية للاراضي الفلسطينية والمسجد الأقصى، إضافة إلى العمل على طمأنة دول الخليج التي تريد أن يراعي أي اتفاق نووي مع إيران مخاوفها من انتشار الأسلحة والصواريخ الإيرانية، وكذا انتشار الجماعات المسلحة وخاصة الحوثية التي لم تظهر الولايات المتحدة أية مواقف حازمة تجاهها.

إن جولة "بايدن" إلى المنطقة في تلك الحالة من الاحتقان العالمي ليس محركها الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي تتبنى مصر والسعودية والإمارات العربية فيها موقفًا حياديًا إيجابيًا لا يميل إلى هذا ولا إلى ذاك، وتحتفظ بعلاقات متعددة ومتوازنة مع القوى العالمية الفاعلة ،وفي نفس الوقت لديها من الأوراق العسكرية والسياسية والاقتصادية ما يمكنها من التأثير في الموقف بمختلف أبعاده – وفقط، ولكن هناك من الأسباب والدوافع ما هو تاريخي وأيدولوجي وجيوستراتيجي نتناول بعضها بالإيضاح:

  • الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط:

في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق "ريجان" اهتمت الإدارات الأمريكية المتتالية بأن تُصدر تقارير إلى الكونجرس حول استراتيجية الأمن القومي الخاص بها منذ عام 1986م وقد تجلت في هذه الوثائق -التقارير -رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة العربية على ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار بها، وذلك لضمان إمدادات الطاقة من النفط والغاز الطبيعي وحماية أمن إسرائيل التي تعتبرها امتدادًا لأمنها القومي مع حماية مصالحها من الإرهاب.

 وترتكز الاستراتيجية الأمريكية في سياستها الخارجية على فلسفة برجماتية واقعية ،لتحقيق مصالحها القومية وفي مقدمتها التفوق الأمريكي، ولقد كان للشرق الأوسط أو الشرق الأوسط الكبير -كما حدده الأمريكان - نصيب كبير في جميع وثائق الاستراتيجية الأمريكية التي صدرت منذ عهد "ريجان" وحتى الآن وإن كانت بدرجات متفاوتة من إدارة أمريكية لإدارة أخرى.

وظهر عنصر الأمن في محور تعزيز المصالح القومية الأمريكية ،مؤكداً على تفكيك وهزيمة تنظيم القاعدة وأنشطتها العنيفة وملاحقة المتطرفين ومكافحة انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية وتأمين المواد النووية، وأولوية السلام والأمن في الشرق الأوسط الكبير والاستثمار في قدرات الشركاء الأقوياء والقادرين على العمل.. وتأمين الفضاء الالكتروني وضمان تحالفات قوية وبناء التعاون مع مراكز النفوذ وتعزيز المؤسسات والآليات الخاصة بالتعاون واستدامة التعاون على نطاق عالمي وتطورت تلك الاستراتيجيات وصولاً لعهد "ترامب" الذي أعطى اهتمامًا خاصًا لمنطقة الشرق الأوسط مشيراً إلى ضرورة استمرار الولايات المتحدة في تدخلها للقضاء على الإرهاب الذي حدده في إيران وأذرعها المسلحة والتنظيمات الإرهابية المسلحة المحظورة دوليًا ،مشيرًا إلى أن السعي لتشكيل شرق أوسط لا يسمح له أن يكون مرتعاً أو ملاذاً للإرهابيين الجهاديين ولا تهيمن عليه قوة معادية لأمريكا ،الأمر الذي يسهم في استقرار سوق الطاقة العالمي.

ولم يشر للقضية الفلسطينية كمصدر معتاد لعدم استقرار المنطقة بل أوضح  "ترامب" في  استراتيجيته "أن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين لم يعد التهديد الرئيس للسلام و الازدهار في المنطقة من منطلق أن تهديدات المنظمات الإرهابية الجهادية وإيران توضح بجلاء أن إسرائيل ليست سببًا لمشاكل المنطقة كما أن الدول العربية قد حصلت بشكل كبير على مصالح مشتركة مع إسرائيل في مواجهة التهديدات المشتركة .ويقصد "ترامب" بذلك التلويح بل التأكيد على أن إيران والإرهاب هما التهديد المشترك للعرب السنة ولإسرائيل معًا.

ومن "ترامب" الذي  اختتم فترة رئاسته بالتمهيد للاتفاقات الإبراهيمية بين إسرائيل وبعض الدول العربية ،إلى "جو بايدن" والسعي الأمريكي / الإسرائيلي لتعديل مفهوم التهديد الرئيسي

للمعسكر العربي (السني) - كما يحلو لهم التصنيف -ليُختصر في ثلاثة تهديدات رئيسية هي:

 ١- معسكر إيران الشيعي و أذرعه الممثلة في حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين.

 ٢-معسكر السلفيين المتمثل في التنظيمات الإرهابية والمتطرفة.

 ٣- معسكر الإخوان المسلمين المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين وتركيا ومن يدعمهم.

 

وبناء على ذلك تظهر فكرة الناتو العربي والتي أطلت برأسها عام 2018م، ثم اختفت ليأتي  العام 2022م ليرى شهر مارس منه أحداثًا جديدة (مؤتمر شرم الشيخ المغلق) تحضره الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات والبحرين والأردن ومصر بطبيعة الحال، ويصدر عن هذا المؤتمر المغلق بيانات محددة ،عن نظام  أمني إقليمي جديد قائم على التقدم التكنولوجي والتسامح الديني والتعاون الأمني والاستخباراتي المشترك.

وقد تم تشكيل لجنة أمنية وإطار الإنذار المبكر المشترك، وتم الاتفاق على أن يسمى هذا التجمع بـ"منتدى النقب" وسوف يتم عقد اجتماعات دورية بصدده.

تلا ذلك عقد اجتماعات في المنامة تحت نفس المسمى "منتدى النقب" وفي نفس الإطار عقدت اجتماعات سبقتها اجتماعات حضرها قادة  إسرائيليون وعرب بشأن "برنامج الدفاع الأمني للمنطقة"

  • الاستراتيجية الروسية:

إن الاستراتيجية الروسية وفي القلب منها عقيدة "بوتين" عندما تم وضعها عام 2015م، سبقتها استراتيجية "أوباما" التي تكرر فيها اسم روسيا خمس عشرة مرة وتم وصف روسيا فيها بالعدو عشر مرات بشكل يوضح بجلاء لا لبس فيه أن هناك استهدافًا أمريكيًا  لروسيا ومصالحها وأمنها.

فجاءت الاستراتيجية الروسية هجومية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها  موجهة اليهم الاتهام بتقويض الاستقرار العالمي ،وقت تضمنت  الاستراتيجية الروسية ،ضمان حماية الأمن القومي ضد التهديدات الرئيسية للدولة وحماية مصالحها الوطنية وهي الدفاع الوطني والأمن العام والنمو الاقتصادي والعلوم والتكنولوجيا والتعليم والرعاية الصحية والثقافية وإيكولوجيا النظم الحية والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية والاستقرار الاستراتيجي والشراكة الاستراتيجية.

أما عقيدة "بوتين" التي أجمع عليها الروس منذ انهيار الاتحاد السوفيتي فإنها  تقوم على ثلاثة ثوابت جيو استراتيجية هي:

أ  -أن تظل روسيا قوة عظمى نووية.

ب -أن تتحول روسيا إلى قوة عظمى في  جميع جوانب النشاط الدولي.

جـ - قيام روسيا بالهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية على محيطها الإقليمي.

وتأتي أحداث ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا عام 2015 ثم الحرب الروسية ــ الأوكرانية في  فبراير من العام 2022م، وما تبعها من أحداث لتثبت أن القراءة المتفحصة للاستراتيجية الروسية ولعقيدة بوتن لو تمت بالشكل المهني لكانت توقعت كل ما تقوم به روسيا  الآن وما سوف تقوم به تجاه إيران  والشرق الأوسط ثم الشرق الأقصى لتحقيق الاتزان الاستراتيجي تجاه ما تقوم به الولايات المتحدة و دول حلف الناتو من محاولات جادة لضم معظم الدول الواقعة في نطاق الأمن بينها وبين روسيا إلى حلف الناتو.

 

  • الاستراتيجية الصينية:

سميت تلك الاستراتيجية تجاه المنطقة بـ"التنين الحذر" سعيًا لحماية مصالحها المتنامية من خلال تجنب التدخل في صراعات الشرق الأوسط ،وتتميز سياسة الصين تجاه الدول العربية والتي تضمنت وثائقها الصادرة باللغة العربية في يناير عام 2016م.

أ -تعميق علاقات التعاون الاستراتيجي الصيني/العربي ،القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة.

ب -الاحترام المتبادل و دعم القضية الفلسطينية وتنوع وتقابل الحضارات والثقافات.

 

جـ -تعزيز التعاون الصيني ـ العربي في المجالات السياسية والاستثمار والتجارة والتنمية الاجتماعية والسلم  والأمن.

د -العمل من خلال منتدى التعاون الصيني ـ العربي في إطار من التعاون الشامل والتنمية المشتركة.

هـ -تنمية العلاقات بين الصين وجامعة الدول العربية  ومجلس التعاون الخليجي.

 

  • الأحلاف في منطقة الشرق الأوسط:

إن فكرة الأحلاف أو التحالفات ليست سيئة كفكرة إذا ما تمت بشروطها ومتطلباتها فعادة ما تلجأ الدول إلى بناء التحالفات لزيادة قدراتها الشاملة بشكل عام والعسكرية منها بشكل خاص لمواجهة تهديد معادي يفوق قدراتها ،الأمر الذي يحقق لها القدرة على الدفاع عن نفسها كحد أدنى وتحقيق الردع الاستراتيجي للأعداء كحد أقصى تسعى الدول إلى تحقيقه بتحالفاتها مع بعضها البعض.

وأهم متطلبات هذا التحالف التي تضمن نجاحه أولاً واستمراره ثانياً هي وحدة الهدف ووحدة  العدو ولعل هذين المطلبين كانا هما الأساس الذي قامت عليه جامعة الدول العربية عام 1945م، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتقسيم الأراضي العربية تحت الانتدابات البريطانية والفرنسية ثم عندما تم اغتصاب فلسطين و إعلان دولة إسرائيل عام 1948م، عقد العرب معاهدة دفاع مشترك عام 1950م، فقد كان للعرب جميعًا عدو واحد وهدف واحد فالعدو هو الاستعمار التقليدي الإنجليزي والفرنسي والمغتصب الصهيوني ,الهدف هو التحرر.

وبسبب المشاكل القُطرية تاهت جامعة الدول العربية بين تغليب السيادة الوطنية والحفاظ على الهوية القومية ولم تفيق الأمة العربية إلا على هزيمة مدوية عام 1967م، احتلت فيها إسرائيل أراضي ثلاث  دول عربية وأجهزت على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية ،وبقدر شدة الآلام وارتفاع سقف الآمال شهدت الأعوام من 1967 حتى 1973م، ذروة نجاح المنظومة العربية ،وكان انتصار العرب في أكتوبر 1973م، بالجيش المصري والسوري ومعهما جيوش ثمان دول عربية (حتى وإن كانت قوات رمزية)،تكرر نفس الموقف مع فارق بسيط في الحرب العراقية ـ الإيرانية(1980-1988م) كانت العروبة كلها على قلب رجل واحد - إلا سوريا التي كان موقفها مخالفاً للعروبة.

وتتوالى الكوارث العربية بفعل فاعل أو بدونه وتغزو العراق الكويت عام 1990م، ويستجير العرب من الرمضاء بالنار ويهدموا جيشاً من أقوى الجيوش العربية ،ليأتي الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، وتضيع العراق العربية بين القهرة والدهشة ولم يحرك أحد ساكنًا.

إن المحاولات الغربية لربط الدول العربية بالأحلاف العسكرية لم تتوقف منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية فكانت محاولة ضم مصر إلى قيادة الشرق الأوسط عام 1951م، ثم تكررت المحاولة عام 1952م، ورفضتها مصر لأن العدو الذي يهدد مصر ليس الاتحاد السوفيتي وتكررت محاولات الضم لدول عربية أخرى مثل العراق (حلف بغداد) وفشلت مثلما فشل مشروع الرئيس الأمريكي "ايزينهاور" لملء الفراغ بعد هزيمة بريطانيا وفرنسا عام 1956م، وخروجهما من المنطقة وخشيته أن يملأه السوفييت، وإذا كانت محاولات الغرب سابقًا في الدعوة لحلف إسلامي يضم كبريات الدول الإسلامية مثل  "باكستان ،إيران ،تركيا" وربطهم بالغرب قد باءت بالفشل فإن فشلها الآن أدعي لأن كل منهم لها تهديدات وعدائيات خلاف الأخرى.

 

وقد أثبت الغزو العراقي للكويت عام 1990م، أن العرب لا يجتمعون على عدو واحد ،وأنهم لا مانع عندهم أن ينضموا إلى تجمع غير عربي وينضوا تحت لواء غير عربي ليقاتلوا عدوًا عربيًا،وهذا ما استثمرته الصهيونية الأمريكية ، والأمريكية الصهيونية في دق إسفين الفرقة بين العرب بعضهم البعض والمسلمين أيضًا بعضهم البعض فقسمتهم إلى أربعة معسكرات السنة والشيعة والسلفيين والإخوان وجعلت المعسكر السني في مواجهة معسكرات ثلاثة معادية لهم هم الشيعة والسلفيين والإخوان ولم يكن خافيًا على القادة العرب استغلال الاتفاقات الإبراهيمية في محاولة الزج بإسرائيل ودمجها في الكيان العربي السني بصفتها عدو صريح للشيعة الإيرانيين الأمر الذي يرونه محركًا لوحدة الهدف بينهم في مواجهه عدو ، يتطلب الاصطفاف ضده.

وقد كان القادة العرب جميعهم في مؤتمر جدة الذي حضره معهم الرئيس الأمريكي "جو بايدن" على مستوى المسؤولية والوعي حين أعلنوا احترامهم لحق الجوار الإيراني تاريخيًا وعقائديًا طالما هم يراعون حق الجوار، ولم ينسوا أبدًا قضية الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية والتزامهم بما سبق وقدموه كمبادرة سلام عربية.

وينتهي مؤتمر جدة للأمن والتنمية يوم السبت 17 من يونيو 2022 م، خاليًا من أي ذكر لناتو عربي أو ناتو شرق أوسطي... لأن القادة العرب أدركوا كل ما تقدم ذكره، ولعل دراسات سبقت لتشكيل قوة عربية مشتركة أحق بأن يعاد فتح ملفاتها ،فهي الأنسب لمنطقتنا وظروفنا،  تمت  فيها دراسات كاملة ودقيقة لطبيعة التهديدات المحيطة بنا وحجمها ونواياها كما تم دراسة كل ما يخص القوات المشتركة وحجمها وتسليحها وميزانيتها وقيادتها، وراعت الدراسات إمكانات وظروف كل دولة من الدول المشتركة  وما تستطيع أن تقدمه ،وميثاق إعداد وعمل هذه القوة.

مقالات لنفس الكاتب