; logged out
الرئيسية / موقف أمريكا متناقض بين الانخراط في المنطقة وتقليص التزاماتها

العدد 176

موقف أمريكا متناقض بين الانخراط في المنطقة وتقليص التزاماتها

الخميس، 28 تموز/يوليو 2022

تعتبر العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما المملكة العربية السعودية، من بين أقوى العلاقات الوثيقة التي يمكن أن نشهدها في المجتمع الدولي، ولا يوجد سوى عدد قليل جدًا من العلاقات الأخرى التي يمكن أن تكون بمثابة ند لهذه العلاقات، نظرًا لارتكاز تلك الروابط الوثيقة على تقاليد طويلة الأمد من الصداقة والتحالف غير الرسمي، بالإضافة إلى النفط الذي يلعب دورًا محوريًا في هذا التعاون الوثيق.

ويرى القادة من كلا الجانبين أن إمدادات النفط الهائلة والمستمرة من دول مجلس التعاون الخليجي هي أحد أهم عناصر أمن الطاقة العالمي وتنمية الاقتصاد العالمي، لذلك، لعبت دول الخليج في العقود الماضية من خلال تعاونها مع الحكومة الأمريكية وشركات النفط الأمريكية دورًا محوريًا في تعزيز استقرار أسعار وسياسات الطاقة العالمية، وبعكس منتجي النفط الرئيسيين الآخرين في الخليج ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، فإن عمليات التنقيب عن النفط والتطوير في ذلك القطاع بالمملكة العربية السعودية قد تم تنفيذها بشكل كامل تقريبًا بواسطة شركات أمريكية، ومنذ أوائل الثلاثينيات، كانت شركات النفط الأمريكية تبحث عن فرص تجارية في الخارج، وبعد اكتشاف مكامن نفطية واعدة في إيران والعراق والبحرين، سيطرت الشركات الأوروبية على تلك الثروة الهيدروكربونية المكتشفة، وخاصة الشركات البريطانية.

وفي غضون ذلك، أبدى قادة الدول الخليجية اهتمامًا بمنح امتيازات للشركات الأجنبية من أجل تعزيز قوتهم الاقتصادية والسياسية الصاعدة على الصعيد العالمي، ولذلك، وفي عام 1933م، منح الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، شركات النفط الأمريكية الحق في تطوير احتياطيات المملكة النفطية بسبب الشكوك التي كانت تساوره تجاه نوايا الشركات الأوروبية.

وفي عام 1973م، استحوذت الحكومة السعودية على حصة قدرها 25% من شركة أرامكو، وزادت هذه الحصة بعد عام إلى 60%، وفي عام 1980م، جرى الاتفاق بشكل ودي على أن تصبح أرامكو مملوكة للسعودية بنسبة 100%، وحصلت على نسبة الـ 40% المتبقية في عام 1976م، وهو التغيير الذي أسهم في الحفاظ على التعاون الودي بين السعودية والولايات المتحدة، وعلى مدار العقود الماضية، حققت أرامكو قصة نجاح رائعة من حيث تحقيق الأرباح وتطوير علاقاتها مع السكان المحليين والحكومة المضيفة، وبرزت تلك القصة في التفاهم المتبادل بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، خاصة في ظل الأهمية البالغة للشراكة والتعاون بين الجانبين والذي يؤثر على استقرار أسواق الطاقة العالمية والاقتصاد العالمي.

وتغيرت صناعة النفط بشكل جذري خلال العقود الماضية، حيث انضم إلى سوق النفط الكثير من المنتجين والمستهلكين الجدد، كما برزت مجموعة متنوعة من معايير الأسعار، وإطار جديد للعلاقات بين شركات النفط الدولية ومنتجي النفط الخام.

وبعد تلك التطورات، أصبح هناك سمتان من خصائص صناعة النفط التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، أولهما، أن أسواق النفط اليوم لا تحركها القوى الاقتصادية وحدها؛ فهي لا تزال مسيسة بشكل كبير، كما كان الحال في السبعينيات، حيث يتعين أخذ السياسات والعلاقات الدولية في الاعتبار؛ فصناعة النفط لا تتعلق بتوافر الموارد فحسب، بل إنها تخلق الظروف الجيوسياسية التي يمكن في ظلها الاستفادة من هذه الموارد بشكل كامل.

ولا تنجم التقلبات في أسعار النفط عن التوازن بين العرض والطلب بقدر ما هي انعكاس للتطورات السياسية في الرياض وواشنطن وأماكن أخرى، كما أنها وفي ظل كونها خلال المستقبل القريب بمثابة سلعة استراتيجية، فإن السياسة ستستمر في تشكيل صناعة النفط، وليس الاقتصاد فقط.

أما السمة الثانية لصناعة النفط فتتعلق بالعلاقات بين المنتجين والمستهلكين الرئيسيين وتصور أمن الطاقة؛ إذ أنه ولفترة طويلة، تم تعريف أمن الطاقة بشكل محدود على أنه يعني تقليل الاعتماد على النفط المستورد، لكن سوق النفط في يومنا الحالي أصبح يُعرَّف على أنه قضية مشتركة بين المنتجين والمستهلكين؛ فكلاهما يستفيد من ضمان استمرارية مرونة البنية التحتية للطاقة العالمية بما يكفي لتلبية الطلب العالمي، حيث برهنت الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا على الطابع الجيوسياسي الذي يتسم به سوق النفط العالمي، وارتبط قلق المستهلك بشأن توافر الإمدادات باهتمام المنتجين بأسواق آمنة لنفطهم الخام.

واختصارًا لذلك التعريف، فإن مصالح المنتجين والمستهلكين لا تتعارض في ظل رغبة الجانبين في استقرار السوق العالمي بالشكل الذي يضمن استمرارية الإمدادات من المنتجات النفطية واستقرار أسعارها عالميًا.

الأمن: تمتلك المملكة العربية السعودية ومنتجو الخليج الآخرون موارد هيدروكربونية هائلة، والتي تُسهم بدورها في بروز المملكة في دورها الرائد كقوة معتدلة تُسهم في تحقيق الاستقرار لأسواق الطاقة العالمية، وهو ما يُعزز التزام الولايات المتحدة بدورها المنوطة به في الدفاع عن أمن منطقة الخليج العربي.

وفي أوائل عام 1943م، أكد الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت، على أن الدفاع عن المملكة العربية السعودية هو أمر حيوي للدفاع عن أمن الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين أثبتت التطورات الدولية والإقليمية مدى جدية واشنطن في تنفيذ هذا الالتزام؛ فعلى سبيل المثال، عندما أصبح تنامي الحرب الأهلية في اليمن يُشكل تهديداً عبر الحدود للمملكة في أوائل الستينيات، أرسلت الولايات المتحدة حينها طائرات مقاتلة ومعدات عسكرية أخرى للدفاع عن المملكة، وعندما قام الاتحاد السوفيتي بغزو واحتلال أفغانستان، وهو ما يمثل تهديدًا محتملاً لمنطقة الخليج، أنشأ الرئيس الأمريكي جيمي كارتر قوة الانتشار السريع لاتخاذ إجراءات طارئة محتملة، إلا إن السعودية اعترضت على منح الولايات المتحدة أي قواعد جوية أو عسكرية أو بحرية.

وتسبب الغزو العراقي للكويت واحتلاله لها وما نجم عن تلك الخطوة من تهديد مباشر لمنطقة الخليج العربي في تغيير ديناميكيات الأمن الإقليمي للمنطقة، حيث دعت دول الخليج القوات الأمريكية للمشاركة في الدفاع عن المنطقة، ومنذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى سدة الحكم في يناير 2021م، أكد مرارًا وتكرارًا على سياسته الهادفة إلى التشاور مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى بشأن المفاوضات النووية الجارية مع إيران.

الصراع العربي الإسرائيلي

لم تكن الفجوة بين الولايات المتحدة ودول الخليج أكبر مما كانت عليه في الصراع العربي الإسرائيلي؛ حيث حاولت العديد من الإدارات الأمريكية المتعاقبة إبقاء قضايا الطاقة على مسار منفصل عن الصراع العربي الإسرائيلي / عملية السلام، فيما تمسكت واشنطن بفكرة أن الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط تكمن في السياسة السوفيتية (حتى انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991م) والافتقار إلى جهود حقيقية لإصلاح النظامين الاقتصادي والسياسي.

ومن ناحية أخرى، دأب قادة الخليج على دعم الشعب الفلسطيني والمطالبة بإجراء مفاوضات دبلوماسية لإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهي المفاوضات الرامية إلى تحقيق مبدأ حل الدولتين على أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، وأُدرجت تلك المطالب في مبادرة السلام العربية التي اقترحتها القيادة السعودية في أوائل الثمانينيات، وفي أغسطس 2020م، نجحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في إقناع البحرين والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بالتوقيع على اتفاقيات إبراهيم.

الولايات المتحدة ومنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط الكبير

 تتخذ الولايات المتحدة موقفًا متناقضًا في منطقة الشرق الأوسط، فهي منخرطة بقوة في المنطقة بينما تسعى إلى تقليص التزاماتها المباشرة، فهي لن تستطيع الخروج من المنطقة طالما ظلت قوة عالمية وطالما تستهدف الحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، الذي قد يتسبب أي خلخلة به في إلحاق الضرر المباشر بالأمريكيين أنفسهم.

ومع ذلك فإن حقبة "الشرق الأوسط ما بعد أمريكا" هي بالتأكيد مرحلة لا تخرج فيها أمريكا من حسابات المنطقة ومن التعاون معها. ولقد بدأ العصر الذي نصفه بأنه "الشرق الأوسط الأمريكي" في عام 1990م، بعد عقود من التنافس مع الاتحاد السوفيتي وبعد زواله، حيث ظهرت الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط، وأظهرت الجهود التي قادتها الولايات المتحدة لطرد القوات العراقية من الكويت بعد غزو صدام حسين في أغسطس 1990م، والتي أعقبتها حملة دبلوماسية مكثفة ذات نفوذ أمريكي لا مثيل له لعقد مؤتمر سلام عربي إسرائيلي دولي في مدريد عام 1991م.

وبعد الحرب الباردة وحالة التوازن الخارجي التي سادت على علاقات أمريكا بالعالم، زادت الولايات المتحدة من وجود قواتها المباشر في كافة أنحاء العالم، إلا إنها وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتحول الولايات المتحدة إلى قاعدة لمكافحة الإرهاب، وصلت المشاركة العسكرية الأمريكية المباشرة إلى مستويات غير مسبوقة.

وسعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة - من أوباما إلى ترامب إلى بايدن - إلى تركيز المزيد من الاهتمام على صعود الصين مع تزايد الإحباط من أخطاء أمريكا الفادحة في الشرق الأوسط بين صانعي السياسة الأمريكيين والجمهور على حدٍ سواء.

وفي غضون تلك الفترة، دأبت دول المنطقة على تنويع شراكاتها العالمية لا سيما في أعقاب غزو العراق في عام 2003م، والمخاوف المتزايدة بشأن النفوذ الإيراني المتزايد.

وبعد سياسة "القيادة من خلف الكواليس" سيئة السمعة التي تبنتها الولايات المتحدة في ليبيا، تجنبت واشنطن إلى حد كبير الاضطلاع بدور مباشر في الحروب الأهلية في مناطق مثل سوريا؛ حيث ركزت جهودها على المهمة المحدودة المتمثلة في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي غضون ذلك، تركزت ارتباطات الصين الموسعة إلى حد كبير على الاستثمارات الاقتصادية والتكنولوجية، في الوقت الذي كثفت فيه روسيا مشاركتها العسكرية بتدخلها في سوريا لدعم نظام الأسد الحاكم، وغذت مثل هذه المواقف التصورات بأن الولايات المتحدة كانت في طريقها إلى الانسحاب من المنطقة، مع ملء لاعبين عالميين وإقليميين آخرين هذا الفراغ.

ويرى الكثير أنه حتى لو لم تتغير حالة الوجود الأمريكي في المنطقة، فلقد أصبح هناك شعور متزايد بأن الالتزامات الأمريكية أصبحت غير موثوقة، وأن الدول الإقليمية لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتها من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة المتزايدة من قبل القوات المدعومة من إيران.

واستنادًا إلى هذه النظرة، فعدم وجود رد أمريكي على الهجمات على المنشآت النفطية السعودية والأهداف النفطية والعسكرية في الإمارات من قبل الجماعات المتحالفة مع إيران في السنوات الأخيرة يدل على تراجع الالتزام الأمريكي بالمنطقة.

وتُسلط هذه النظرة الضوء على تقاعس الولايات المتحدة عن دورها في المنطقة، بينما تتغاضى عن النشاط الأمريكي المستمر في المنطقة، حيث أمر الرئيس ترامب بقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير 2020م، في أحد أكثر الأعمال الأمريكية الاستفزازية ضد إيران مباشرةً منذ عقود. وتضمن أول عمل عسكري في إدارة بايدن غارات جوية ضد الجماعات العسكرية المدعومة من إيران في شرق سوريا في فبراير 2021م، في أعقاب سلسلة من الهجمات الصاروخية على القوات الأمريكية في العراق، وتلا ذلك الدعم العسكري الأمريكي المتزايد للإمارات في أعقاب الهجمات الصاروخية وبالطائرات بدون طيار التي شنها الحوثيون على أبو ظبي في أواخر يناير 2022م.

 

مستقبل الوجود الأمريكي في المنطقة

يعتقد الكثيرون، سواء في الولايات المتحدة أو في الشرق الأوسط، أن الولايات المتحدة آخذة في الانسحاب من المنطقة أو أنه يتعين عليها ذلك، إلا أن الواقع التجريبي لا يتماشى مع تصور الانسحاب، فهناك قواعد عسكرية أمريكية كبيرة ونشطة في الكويت والبحرين وقطر والإمارات، كما أن لدى القوات الأمريكية الحق في الوصول إلى المنشآت العسكرية في الأردن ومصر والعراق وسلطنة عمان، من بين أماكن أخرى. وهناك قواعد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في تركيا، كما تواصل الولايات المتحدة الانخراط في سوريا والعراق لمقاتلة ما تبقى من تنظيمي القاعدة وداعش هناك، وهي كلها دلائل لا تُشير إلى بلد يتطلع إلى مغادرة الشرق الأوسط الكبير.

ففي الوقت الذي تستمر فيه الولايات المتحدة في شن حملة نشطة لمكافحة الإرهاب وتغازل شركائها الذين يرغبون في استمرار التدخل الأمريكي، سيكون الانسحاب من المنطقة صعبا عليها، وفي حال قررت واشنطن احتواء القوة الإيرانية أو دحرها كهدف رئيسي للسياسة الخارجية، فإن ترك المنطقة لا معنى له، كما أن جماعات الضغط المحلية المهمة لا تزال تدعم دورًا إقليميًا أمريكيًا في المنطقة.

وفي الوقت ذاته، ترى مجتمعات السياسة الخارجية الأمريكية والعسكرية أن الدور الأمريكي ضروري بالمنطقة، فلقد تأثروا بها بسبب عقود من التناوب العسكري ومبيعات الأسلحة والمبادرات الدبلوماسية؛ فتغيير هذه العادات يتطلب تصميمًا سياسيًا أكبر مما كان ترامب أو بايدن على استعداد لحشده.

وكما هو الحال في مناطق أخرى من العالم، انتهت فترة ما بعد الحرب الباردة للهيمنة الأمريكية على المنطقة، لكن هذا لا يعني إنهاء التدخل الأمريكي بالمنطقة، حيث أصبحت تكاليف الوجود العسكري الأمريكي بالمنطقة تتجاوز التكاليف المالية.

لذلك، يتعين على الموقف العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط أن يرتكز على الاهتمام بمصالحها وأن يكون مستدامًا؛ حيث تضمن مصلحة أمريكا الرئيسية في منطقة الخليج العربي الحفاظ على التدفق الحر للنفط والغاز الطبيعي، وبالرغم من أن واشنطن في الوقت الحالي تستورد كميات أقل من النفط من المنطقة مما كانت عليه في الماضي القريب،  نظرًا لثورة التكسير الهيدروليكي والذي أسهم بالتالي في إنتاج الطاقة الأمريكية، فضلا عن أن حاجة أمريكا إلى نفط الخليج كانت منخفضة على الدوام، إلا أن ما يهم في الوقت الحالي، هو دور دول الخليج في استقرار سوق النفط العالمية.

وتتسبب الاضطرابات في سوق النفط العالمي في حدوث انخفاض كبير في إنتاجه، وهو ما يُسفر بالتالي عن تأثيرات سلبية على الأسعار، وبرهنت الحرب الروسية ــ الأوكرانية التي انطلقت في أواخر فبراير الماضي وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا الدور المهم الذي يلعبه المنتجون الخليجيون في سوق الطاقة العالمية، فلن يمنح منتجو النفط في كندا والمكسيك وحتى تكساس المستهلكين الأمريكيين أي انخفاض في الأسعار، خاصة في حال حصولهم على أسعار مرتفعة من الصين أو اليابان.

ولا تزال المملكة العربية السعودية وشركاؤها الكويت والإمارات العربية المتحدة من منتجي النفط يمتلكون طاقة إنتاجية فائضة يمكنها بسهولة تزويد السوق العالمي بمزيدٍ من الإمدادات النفطية الإضافية في أوقات الأزمات وخفض الإنتاج لدعم الأسعار، وهو ما يجعل منطقة الخليج دائمًا ذات أهمية محورية في سوق النفط العالمي برغم زيادة إنتاج النفط الأمريكي.

وفي السنوات الأخيرة، واجهت سياسة الولايات المتحدة في منطقة الخليج وأماكن أخرى منافسة شديدة من القوتين العالميتين - الصين وروسيا، حيث يتم تصدير معظم النفط والغاز الطبيعي من الخليج إلى الصين والأسواق الآسيوية الأخرى.

علاوة على ذلك، أصبحت الصين الشريك التجاري الرئيسي لجميع دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى نفس القدر من الأهمية، تُعد الصين مستثمرًا رئيسيًا في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات في المنطقة، بما في ذلك الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.

ولا تستورد روسيا، وهي مصدر رئيسي للنفط والغاز، أي نفط خام من المنتجين الخليجيين، لكنها في السنوات الماضية نسقت عن كثب سياستها في مجال الطاقة مع المنتجين الخليجيين في مجموعة تعرف باسم "أوبك +".

علاوة على ذلك، فإن دور روسيا في الحرب الأهلية السورية وفي المفاوضات النووية الإيرانية يمنح موسكو والرئيس فلاديمير بوتين نفوذاً سياسياً كبيراً، ما يجعل المنافسة بين القوى العالمية ذات أهمية بالغة.

ويحق لدول الخليج العربي متابعة مصالحها الوطنية والحفاظ على علاقات اقتصادية وعسكرية واستراتيجية مع جميع القوى الإقليمية والعالمية.

وفي السنوات القليلة الماضية، اتخذت دول الخليج عدة خطوات تستهدف إحداث استقرار سياسي وتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة من المرجح أن تسهم في الاستقرار السياسي وتعزز التعاون مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى، ففي أوائل يناير 2021م، انتهى الخلاف بين البحرين ومصر والسعودية والإمارات وقطر عندما شارك أمير قطر في قمة دول مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا السعودية.

ومنذ أن بدأت هذه الأزمة في يونيو 2017م، كانت واشنطن ثابتة على موقفها في حث جميع الأطراف على الانخراط في حوار سياسي وتسوية خلافاتهم، وفي أوائل عام 2022م، وقعت الحكومة اليمنية والحوثيين على اتفاق وقف إطلاق النار، والتي تُعد خطوة رئيسية نحو إنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ سبع سنوات، فيما تعمل إدارة بايدن عن كثب مع جميع الأطراف للتوصل إلى حل دبلوماسي للصراع وإنهاء هذه الأزمة الإنسانية.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت العلاقات بين تركيا، وهي قوة إقليمية كبرى، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تحسنًا ملحوظًا، حيث زار كبار القادة من الدول الثلاث عواصم بعضهم البعض، ووقعوا اتفاقيات مهمة وتعهدوا باستثمارات ضخمة. وعلى نفس القدر من الأهمية، استضافت الحكومة العراقية محادثات رفيعة المستوى بين المملكة العربية السعودية وإيران.

وقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتوصل الرياض وطهران إلى اتفاق لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية والتوفيق بين وجهات نظرهما المتعارضة بشأن الأزمات الإقليمية المختلفة، ومع ذلك، فمن المرجح أن تُفضي هذه المحادثات إلى تخفيف حدة التوتر وتسهم في تعزيز الأمن الإقليمي.

 

وفي الختام، ظلت الولايات المتحدة وجميع دول مجلس التعاون الخليجي الست حلفاء مقربين على مدار عقود من الزمن، ولطالما كان النفط هو القوة الدافعة وراء هذا التحالف، لكنه لم يكن القوة الوحيدة حتى الآن؛ حيث يتشارك الجانبان في وجهات نظر متقاربة حول مكافحة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة النووية والعديد من التحديات الأخرى، مما يجعل من المؤكد استمرار هذا التحالف، بل وازدياده قوة في السنوات القادمة.

مقالات لنفس الكاتب