; logged out
الرئيسية / تسببت الحرب على أوكرانيا في انقسام عميق للرأي العام الصيني

العدد 177

تسببت الحرب على أوكرانيا في انقسام عميق للرأي العام الصيني

الأحد، 28 آب/أغسطس 2022

قلبت حرب روسيا وأوكرانيا موازين الجغرافيا السياسية العالمية، بما ينذر بمعايشة عالم أكثر انقسامًا واستقطابًا. إذ تتعرض الصين حاليًا إلى ضغوط متزايدة من قبل الغرب، فيما تزداد عزلة روسيا الدولية، لذلك قد تواجه دول الخليج أزمة استراتيجية تحت وطأة الانقسامات العالمية الراهنة، ستؤدي إلى حالة من الضبابية وعدم اليقين في المستقبل

كيف تنظر الصين إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟

رغم وصف المحللين الصين بـ “الرابح الأكبر" من وراء الحرب الروسيةــ الأوكرانية، غير أنها لم تحقق تلك الاستفادة المتوقعة. حتى أن بكين لم تكن تعلم سوى القليل عن نوايا موسكو بشأن العمليات العسكرية في أوكرانيا، وعبرت في مناسبات عدة عن عدم دعمها للحرب الدائرة في أوروبا الشرقية.

فالصين لا ترغب في اشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا لاعتبارات عدة؛ أولها، تفادي الوضع الاستراتيجي المتأزم الذي تواجهه حاليًا بين مطرقة الحفاظ على شراكة استراتيجية محورية مع روسيا، وسندان الاعتزاز بصداقة جيدة مع أوكرانيا.  وجدير بالذكر أن أول حاملة طائرات تمتلكها بكين باسم " لياونينج" تعد ذاتها السفينة الأوكرانية "فارياج" التي قامت الصين بشرائها مستعملة من أوكرانيا عام 1998م، فيما ترتبط شركات الأغذية الصينية بعلاقات تعاون وثيقة مع الجانب الأوكراني، كما وقع اختيار العديد من المواطنين الصينيين على أوكرانيا كوجهة للدراسة والسياحة.

 وبرغم التعاطف الذي أبدته بكين تجاه روسيا بسبب الضغوط التي تتعرض لها الأخيرة من جانب حلف شمال الأطلسي "الناتو" على الصعيد الاستراتيجي، إلا أنه لا يمكن ترجمة ذلك على أنه دعم صيني مباشر للغزو الروسي ضد دولة مستقلة. فلطالما عارضت الصين أية جهود تستهدف تحدي سيادة أراضي الدول الأخرى بسبب ذكرياتها المؤلمة خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لذلك تنظر إلى الغزو الروسي كرد فعل لما تتعرض له موسكو من ضغوط غربية من أجل عزلها دوليًا.  وترى بكين أن حل الأزمة يكمن في عقد محادثات سلمية بين موسكو وواشنطن بهدف تحجيم موجة التوسع التي يشهدها حلف الناتو.

ومع اندلاع الحرب بين موسكو وكييف، وتأجج مشاعر العداء بين الجانبين أصبح من المستحيل على الصين أن تحافظ على علاقات متوازنة مع طرفي النزاع، لذلك حرصت بكين على تجنب توجيه أية انتقادات مباشرة لروسيا من جهة، وإرسال مساعدات لأوكرانيا من جهة أخرى. غير أن استراتيجية التوازن التي يعتمدها الجانب الصيني لم تفلح في نيل رضا أي الجانبين؛ موسكو، من جانبها، تنتقد تذبذب بكين في إعلان دعمها الصريح للعملية العسكرية ضد أوكرانيا، فيما ينظر الأوكرانيون إلى الصين باعتبارها حليف روسيا، وتصفها وسائل إعلام أوروبية وأمريكية ب “المحرض" على الحرب.

 ثم تأتي أزمة تايوان كسبب ثاني لعدم رغبة بكين في اشتعال الحرب بين موسكو وكييف، بعد أن اضطر الصينيون إلى إعادة النظر في مسألة اللجوء للخيار العسكري ضد تايوان من خلال تقييمهم لمجريات وتطورات الحرب الدائرة. فمع بداية الغزو الروسي، اعتقد كثير من المحللين الصينيين أنه بإمكان الروس السيطرة على كافة الأراضي الأوكرانية في وقت قصير ربما لا يتعدى بضعة أسابيع.  ووفقًا للتصور الصيني، فقد تخلت أوكرانيا منذ تسعينيات القرن الماضي عن بناء وتحديث قواتها العسكرية، فضلاً عن ضعف أدائها العسكري أمام روسيا خلال عام 2014م، فيما أخفقت القوات الأوكرانية في قمع المليشيات في شرق البلاد، أو حتى إرسال قوات لإخماد الحركات الانفصالية في شبه جزيرة القرم.

وعلى النقيض، صبت روسيا تركيزها على تعظيم قدراتها العسكرية منذ تولي الرئيس فلاديمير بوتين الحكم في أوائل الألفينات، كما عاصرت القوات الروسية العديد من الحروب الإقليمية والدولية على مدار العقد الماضي، شملت الحرب ضد العناصر الانفصالية في الشيشان، والحرب ضد جورجيا عام 2008م، فضلا عن حرب أوكرانيا الشرقية والنزاع السوري عام 2015م، وبناء على المعطيات سالفة الذكر، ظن العديد من المحللين الصينيين أن القوات الأوكرانية ستمنى بهزيمة ساحقة أمام الغزو الروسي وأن سقوط كافة الأراضي الأوكرانية في قبضة الروس ليست سوى مسألة وقت.

إلى جانب ذلك، شكك الصينيون في احتمالات تبني دول أوروبا موقف موحد إزاء الحرب، بل ذهب العديد منهم في الاعتقاد بأن تدخل الأوروبيين في الحرب سيكون محدودًا، حرصًا منهم على عدم قطع العلاقات مع موسكو والمجازفة بتعاونهم المشترك في إمدادات الغاز والطاقة.  وبحسب وجهة النظر الصينية، أصبح الاتحاد الأوروبي أضعف كثيرًا من اتخاذ أي رد فعل يذكر ضد روسيا بسبب انقساماته الداخلية، كما تنظر بكين إلى النظام السياسي الديمقراطي المتبع في أوكرانيا باعتباره "مصدر الضعف والوهن الذي أصاب البلد". إذ يعتبر النظام الشيوعي الذي تعتمده بكين، الديمقراطية مسببًا لنزاعات داخلية لا حصر لها وانقسامات في القيادة السياسية. وأن تجربة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دليل حي على فشل الديمقراطية في أوكرانيا. فوفقًا لمبادئ الشيوعية الصينية، فإن طبقة الفنانين ورجال الأعمال والعلماء غير جديرة بقيادة الأوطان، وأن الساسة الذين ينحدرون من أصول تنتمي لطبقة العمال والفلاحين هم فقط الأكثر قوة وقدرة على تولي زمام الأمور.

لذا اعتقد كثير من المحللين الصينيين أنه في إمكان بلدهم استنساخ التجربة العسكرية الروسية في أوكرانيا للتأهب إلى شن عملية عسكرية مماثلة ضد تايوان. وبعد أيام قليلة من بداية الغزو الروسي لكييف نهاية فبراير الماضي، انبرى محللون ومراقبون في وضع توقعات متفائلة بشأن تفوق عسكري روسي سريع ومضمون خلال بضعة أيام فقط. غير أن طول أمد الصراع الذي تحول إلى حرب استنزاف، إلى جانب صلابة المقاومة الأوكرانية وعدم قدرة الروس في إلحاق الهزيمة بها، أجبرت المحللين على إعادة النظر في الخيار العسكري ضد تايوان. كما جاء الموقف الأوروبي الموحد والعقوبات المفروضة من جانب واشنطن وبروكسل ضد موسكو مفاجئًا أيضًا للصينيين، الذين تدبروا جيدًا قائمة العقوبات المفروضة ضد روسيا، خشية مواجهة عقوبات مماثلة من قبل الغرب في حال الإقدام على غزو تايوان.

 وبخلاف روسيا، فإن التعداد السكاني للصين يعد أعلى بنسبة كبيرة، في حين أن علاقاتها الاقتصادية مع الغرب تعد أكثر تشعبًا وعمقًا، فبمجرد أن يستخدم الغرب سلاح العقوبات ضد الصين، يمكن أن يهتز النظام الاجتماعي والسياسي في البلاد.

ثالثًا، تسببت الحرب الروسية على أوكرانيا في حدوث انقسام عميق داخل الرأي العام الصيني، وبدأت النقاشات حول هذا الشأن يعلو ضجيجها بين مواطنين صينيين داعمين ومتعاطفين بشدة مع روسيا، وآخرين يدعمون المقاومة الأوكرانية، داعين قادتهم إلى توفير الدعم الإنساني لأوكرانيا.

ويمكن أن يعزى هذا الانقسام إلى عدة عوامل، في مقدمتها أن الفريق الداعم للغزو الروسي من الصينيين ينظر إلى الحرب كشكل من أشكال "المقاومة “ضد هيمنة الغرب وضغوطه الممارسة على روسيا عبر حلف الناتو تحت زعامة واشنطن، التي تمارس من وجهة نظرهم ضغطًا مماثلاً على بلدهم عبر قنوات سياسية واقتصادية. فضلاً عن نظرة الصينيين من المنتمين لتيار اليسار والحزب الشيوعي إلى روسيا كخليفة للاتحاد السوفيتي الذي يأسفون على انهياره ويتعاطفون مع موسكو بوصفها شريكًا مهمًا.

أيضاً التشابه بين قوات العسكرية الصينية والروسية يعد سببًا في قلق بكين إزاء أداء الجيش الروسي في أوكرانيا. بالعودة إلى الوراء، تم تأسيس قوات الجيش الصيني بمساعدة الاتحاد السوفيتي إبان فترة خمسينات القرن الماضي، لذلك تم استنساخ الكثير من الفكر العسكري التقليدي والبنية العسكرية للقوات الصينية بشكل مباشر من الاتحاد السوفيتي خلال تلك الحقبة.

وبرغم من المواجهات العسكرية التي وقعت بين الجانبين خلال فترة ما بين ستينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن بكين احتفظت بمخزون وفير من الذخيرة العسكرية التي تم إنشاؤها من قبل الاتحاد السوفيتي. وبعد انتهاء حقبة الحرب الباردة، تم إعادة بدء التعاون بين موسكو وبكين، حيث واصلت الأخيرة شرائها الأسلحة الروسية وبدء مناورات عسكرية مشتركة مع الجانب الروسي. لذلك يأمل بعض الصينيين المتابعين لتطورات الحرب في انتصار القوات الروسية، الأمر الذي قد يظهر بدوره امتلاك بلدهم من القدرات ما يمكنها من الإطاحة بالنظام الحاكم في تايوان المدعوم من قبل الولايات المتحدة.

على النقيض، يرى المعسكر الداعم لأوكرانيا من الصينيين ضرورة أن تحافظ بلده على مكانتها كقوى عالمية مسؤولة تتشاطر مسؤولياتها مع المجتمع الدولي، وأيًا كانت المبررات التي تسوقها موسكو، لا يحق لها أن تغزو دولة أخرى ذات سيادة. حتى أن كثيرًا من الصينيين المنتقدين للغزو الروسي يشبهونه بالغزو الياباني للصين الذي حدث إبان فترة ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.

 كما يطلق العديد من الصينيين وصف "مستعمر" على روسيا، معيدين للأذهان حقبة الاحتلال الروسي لعدد كبير من الأراضي الصينية، حينما تم ذبح وأسر العديد من السكان المحليين على يد قوات روسية، وأصبحت دولة منغوليا مستقلة عن الصين خلال فترة الأربعينيات بمساعدة ودعم الاتحاد السوفيتي.كما أغارت القوات الروسية على مدن مهمة مثل خاباروفسك، التي تم بناؤها من قبل الصينيين خلال القرن التاسع عشر، لذلك فمعظم أبناء الشعب الصيني يعتبرون الغزو الروسي السابق لبلدهم فصلا مهينا في تاريخ البلاد، وبالتالي دعم أوكرانيا سيكون وسيلة لمحو الإذلال من جانب روسيا.

 

عالم أكثر انقسامًا

الزعيم الصيني الراحل دينج شياو بينج يعد صاحب الفضل في صعود الاقتصاد الصيني من جديد بعد فترة السبعينات بدعم برنامج الإصلاح وسياسات الانفتاح الاقتصادي، التي مهدت الطريق أمام إعادة انخراط الاقتصاد الصيني ضمن النظام العالمي المهيمن عليه من قبل الغرب لاسيما الولايات المتحدة.

 ومن جانبها، سعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منذ قدومها للسلطة إلى عزل الصين عن المجتمع الدولي ودرء تعاونها مع الغرب، ما جعل بكين أكثر حذرًا ويقظة لمشاعر المعسكر الغربي وشكوكه حول دعمها روسيا سرًا، حيث يخشى الصينيون أن تستغل هذه الشكوك كسلاح لبدء فصل جديد من العقوبات ضد بلادهم. كما تأمل الحكومة الصينية في أن تنأى بنفسها عن اتخاذ مواقف في الحرب ويتم مسح أية نقاشات تتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا على المواقع الصينية، فيما يظل الموقف الصيني الرسمي حياديًا إلى حد كبير.

 وقد ولدت الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا تحديات للاستقرار السياسي والاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط، في ظل التعقيدات التي لحقت بعملية الإنتاج الزراعي وتصدير الحبوب الغذائية عالميًا. علمًا أن روسيا وأوكرانيا- يعدان من أكبر مصدري الحبوب الغذائية وبالأخص القمح على الصعيد العالمي، وبالتالي فإن تراجع الإنتاج الغذائي وصعوبة التصدير سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق العالمي ونقص الغذاء في العديد من الدول النامية.

دول مثل مصر والسودان ولبنان تستورد القمح والحبوب من أوكرانيا وروسيا، إلا أن الحرب تسببت في تعقيد عملية التصدير وعدم ضمان وصولها بشكل آمن إلى دول العالم، فيما تقف روسيا عاجزة عن تصدير إنتاجها من المحاصيل الزراعية بفعل العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما جعلت الحرب مهمة ذهاب المزارعين والفلاحين إلى عملهم شاقة ومعقدة، وسط مخاوف من أن يتم التعرض أو استهداف إمدادات الأسمدة والبذور والمبيدات.

وفي سبيل معالجة التحديات الناجمة عن التعقيدات والمخاطر المحدقة بإمدادات الغذاء، ستضطر دول العالم النامي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة من أجل تحجيم موجة الارتفاع في الأسعار. وبالتالي زيادة الدعم لتحقيق الاستقرار في أسعار المواد الغذائية، ما يعني ضغوطًا جديدة على الإنفاق العام.

أما عن الدول المتقدمة، فيتسنى لها تصدير أعبائها المادية وضغوط الموازنة إلى الدول النامية من خلال رفع أسعار الفائدة، فضلاً عن إمكانية زيادة صادراتها من المنتجات التقنية الحديثة. مثلما حدث إبان اندلاع الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨م، حينما كانت الولايات المتحدة ضمن أولى الاقتصادات المهددة بمواجهة مخاطر مالية، غير أنها نجحت في الحفاظ على أداء اقتصادي متماسك نسبيًا، في وقت تكبدت الاقتصادات النامية في دول منطقة الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا العبء الأكبر.

هكذا يبدو الحال الآن، حيث تُترك دول العالم النامي لمواجهة التحديات وحدها؛ إما زيادة الدعم على السلع في مواجهة الغلاء أو المجازفة بانعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي من جهة، ومن جهة أخرى أن تضطر لزيادة الإنفاق العام، ومن ثم مواجهة مزيد من العجز في الموازنة والاقتراض من البنوك الدولية والغرب.

بات العالم يشعر بعد اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا بتنامي أجواء حرب باردة جديدة وكأن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يسعون لوضع خط فاصل يقسم الكرة الأرضية، ومن خلال فرض مزيد من العقوبات وإغراق موسكو في عزلتها الدولية. إذ يبدو وأن المعسكر الغربي يحاول إقصاء روسيا عن أسواق الطاقة والمال العالمية في سيناريو يعيد للأذهان ما حدث خلال عام 1946م، حينما وحدت واشنطن ولندن جهودهما من أجل عزل الاتحاد السوفيتي والدول التابعة له في منطقة أوروبا الشرقية.

ومن جانبها، تسعى موسكو لتأسيس نظامها الدولي والتعاملات في مجال الطاقة، حيث شهدت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران في يوليو الماضي توقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين يتم بمقتضاها تعزيز تعاون البلدين في مجالات التنقيب وإنتاج الغاز والنفط، كما تعتزم كلا من موسكو وطهران استخدام عملاتها المحلية في إجراء التعاملات التجارية عوضًا عن الدولار الأمريكي.

وعبر اتساع الفجوة والانقسامات بين روسيا والغرب على الصعيد الاستراتيجي قد يتم استهداف الصين أيضًا من جانب المعسكر الغربي بسبب تعاونها مع موسكو. فعادة ما يتم تطبيق العقوبات الأمريكية على دولة ما بموجب سلطة “الولاية القضائية طويلة المدى"، ومن ثم قد يتم إدراج أي من الدول أو الكيانات التي تتعاون مع البلدان المستهدفة على لائحة العقوبات الأمريكية أيضًا. وقد تشهد الأعوام المقبلة تنامي حالة العداء وانعدام الثقة بين الغرب وبكين بسبب نزاعات متنامية بين الجانبين في قضايا مختلفة من بينها أزمة تايوان وبحر الصين الجنوبي، إلى الجانب الخلافات بشأن إقليم شينجيناج وهونج كونج وإقليم التبت، ما ينذر بفرض مزيد من العقوبات وممارسة ضغوطًا استراتيجية من قبل الغرب على القيادة الصينية.

وتأثرت المصالح القومية الصينية بالفعل تحت ضغط من العقوبات أو التدخلات الممارسة من جانب أمريكا والاتحاد الأوروبي، مثل إقناع واشنطن حليفتها تل أبيب بالتخلي عن تعاونها مع شركات صينية عاملة في مجال البنية التحتية ما تسبب في خلق حالة من الشك وانعدام الثقة المتبادلة بين البلدين. وفي السياق ذاته، تسعى الولايات المتحدة إلى وقف التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط في مشروعات التقنية الحديثة والاتصالات والتعاون المالي أيضًا. وقد تتكرر مثل هذه التداخلات من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبا ضد مصالح بكين لاسيما بعد تحول نظرتهم إلى الصين من شريك موثوق به إلى كيان يشكل تحديًا لهم، ربما يصبح تهديدا لمصالحهم أيضًا.

إن العقوبات المحتملة ضد الصين ستتسبب في تعميق الانقسامات الدولية وستدفع ببكين إلى أحضان موسكو، كما سيؤدي الضغط الغربي المتواصل إلى إعادة بناء الهيكل العالمي لتصبح محصلته صفر، حيث تقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية في جانب واحد، بينما تقف الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران على الجانب الآخر. وكلما زاد الانقسام، كلما أصبحت محاولة تجاوزه مهمة بالغة الصعوبة.

فيما زادت الحرب التي لا تزال مشتعلة بين موسكو وكييف من حالة الضبابية وعدم الوضوح الغالبين على المشهد الدولي، ليصبح العالم أكثر انقساما وتشتتا، وفي حال تحولت "الحرب الباردة الجديدة" إلى واقع، ستضطر دول الشرق الأوسط إلى عقد خيار صفري إما الصين أو الولايات المتحدة.

ولطالما اعتزت بكين بصداقتها مع دول الخليج، حيث يمضي الجانبان الآن قدمًا صوب عقد محادثات تجارة حرة، إضافة إلى المكانة التي تتبوؤها الصين لدى المصدر الخليجي كأحد أكبر مستوردي النفط عالميًا، في الوقت ذاته تظل الولايات المتحدة أكبر داعم أمني لدول الخليج، وتمتلك تأثيرًا كبيرًا على الشأن الداخلي لكثير من دول المنطقة. لذلك أياً ما كان اختيار دول الخليج بين الجبهتين، فلابد لها من مواجهة خسائر جمة في نهاية المطاف.

مقالات لنفس الكاتب