; logged out
الرئيسية / العرب وتعاون "المصالح" مع الصين وروسيا واحتواء إيران دون تهديد مصالح واشنطن

العدد 177

العرب وتعاون "المصالح" مع الصين وروسيا واحتواء إيران دون تهديد مصالح واشنطن

الأحد، 28 آب/أغسطس 2022

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه السنوي للشعب الروسي، أبريل 2005م " إن انهيار الاتحاد السوفيتي كان أكبر كارثة جيوبولتيكية في القرن العشرين " ، وأضاف، لقد وجد عشرات الملايين من الروس خارج الأراضي الروسية موزعين في الجمهوريات السوفيتية السابقة حيث تفكك الاتحاد إلى خمسة عشر جمهورية مستقلة، والرئيس بوتين أحد رجالات المؤسسة الأمنية في الاتحاد السوفيتي السابق ، حيث كان عضوا في الاستخبارات السوفيتية KGB ، وحاول القادة الروس الجدد من يلستن الى بوتين لملمة الجمهوريات السابقة لتعزيز النفوذ الروسي في هذه الجمهوريات بتشكيل كومنولث الدول المستقلة حيث اعتبرتها موسكو منطقة نفوذ روسي اطلق عليه بعض الاستراتجيين " مبدأ مونرو الروسي" ، كناية عن مبدأ مونرو الأمريكي نسبة للرئيس الامريكي مونرو 1823م، على اعتبار أن الأمريكيتين منطقة  نفوذ  أمريكي ضد الدول الأوروبية ؟ وتعتبر جمهورية أوكرانيا ذات أهمية كبرى للأمن القومي الأمريكي.

وحسب قول  مستشار الأمن القومي الأمريكي الراحل  زبجنيو بريجنسكي في كتابه "رقعة الشطرنج"  إن استعادة أي نفوذ امبراطوري يستند إلى كومنولث الدول المستقلة أو الأورآسية تصبح غير ممكنة بدون أوكرانيا"؟ ، وأثًر قيام أوكرانيا دولة مستقلة على  الروس وحملهم على إعادة النظر بهويتهم السياسية والعرقية، بل مثل انتكاسة جيوبولتكية خطيرة للدولة الروسية. إن التنكر لأكثر من ثلاثمئة عام من التاريخ الامبراطوري الروسي يعني  خسارة اقتصاد زراعي وصناعي يحمل إمكانات ثرية،  إضافة الى خسارة 42 مليون نسمة يحملون من وشائج القرابة العرقية والدينية للروس ما يكفي لجعل روسيا دولة امبراطورية ومطمئنة . كما أن استقلال اوكرانيا قد حرم روسيا من موقعها المتحكم في البحر الاسود حيث كانت أوديسا قد أدت دور البوابة الحيوية لروسيا في التجارة عبر البحر الابيض المتوسط والعالم". وبدون أوكرانيا وملايينها من السلاف، فإن أية محاولة من جانب موسكو لإعادة بناء الامبراطورية الأورآسية يمكن أن تقود الى تورط روسيا منفردة في نزاعات طويلة مع غير السلافيين التي تصاعدت مشاعرهم القومية والدينية. إن اعلان استقلال أوكرانيا في ديسمبر 1991م، أذهل  موسكو، وكان انقلاباً استراتيجياً، فالبحر الأسود  منصة الانطلاق لبسط النفوذ البحري الروسي في البحر الأبيض المتوسط. وفي منتصف التسعينات، لم يبقى لروسيا سوى شريط ساحلي صغير على البحر الأسود ونقاش غير محسوم مع أوكرانيا حول حقوق القواعد لما تبقى من الأسطول السوفيتي في البحر الأسود ـ في الوقت الذي كانت روسيا تتابع فيه  المناورات البحرية والساحلية المشتركة بين أوكرانيا وحلف الناتو والدور التركي المتنامي في البحر الأسود  فالأخيرة عضو أيضا في حلف الناتو ولها تاريخ في القرم والبحر الأسود.

وبعد الانهيار قامت الولايات المتحدة بتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى بإقامة قواعد عسكرية بالجمهوريات المستقلة مستغلة ضعف الاقتصاد الروسي وفي 2001م، احتلت أفغانستان مما أقلق روسيا الاتحادية والصين وعملتا على الحد من النفوذ الأمريكي وهذا يظهر في المساعدة غير المباشرة لحركة طالبان لاستنزاف الولايات المتحدة كما فعلت واشنطن باستنزاف السوفيت في أفغانستان وخروجهم من أفغانستان 1989م، كما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان أغسطس 2021م، بشكل مذل أنه صراع اللعبة الكبرى كانت في القرن التاسع عشر بين روسيا القيصرية وبريطانيا العظمى وهذه اللعبة الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية وبجانبها الصين؟

 

النظام الدولي الأحادي وتوسع الناتو والقلق الروسي – الصيني

 

اصابت النخبة الحاكمة الأمريكية نشوة النصر بانهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الشيوعية حتى كتب فرانسيس فوكوياما مقالته المشهورة نهاية التاريخ مبشراً " بانتصار الديمقراطية الليبرالية" ، وتعهد قادة الناتو في مفاوضاتهم حول توحيد ألمانيا 1990م، بعدم توسع الناتو شرقا حتى أن وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جيمس بيكر قال في اجتماعه مع الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف 9 فبراير 1990 م" لن يتوسع الناتو بوصة واحدة شرقاً"، ولكن هذا التعهد تم تجاهله في ظل انهيار الاتحاد السوفيتي والضغف الروسي ووضعها الاقتصادي، فأخذت إدارة الرئيس كلنتون باستراتيجية توسع حلف الناتو ، بفتح المجال لدول أوروبا الشرقية بسبب هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي ، ففي 1999م، انضمت جمهورية التشكيك وهنغاريا وبولندا، وفي 2004 م، كانت الموجة الثانية حيث انضمت بلغاريا، استونيا، لاتفيا، ليثوانيا، رومانيا، سلوفاكيا وسلوفينيا، هذه الدول كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، أقلق هذا الانضمام روسيا لأنه أخذ يقترب منها، وعندما أعلن في قمة الناتو ،  بخارست أبريل 2008 م،  دعوة كل من جورجيا وأوكرانيا للانضمام للحلف، كان تجاوزاً للخط الأحنر للأمن القومي الروسي، وقد أيدت ادارة بوش الابن الانضمام ولكن ألمانيا وفرنسا خشيت من رد الفعل الروسي، فتم الاعلان عن امكانية الانضمام مستقبلاً ، وأعلن بوتين أن انضمام جورجيا وأوكرانيا يعتبر  تهديداً مباشراً لموسكو، فاستغلت الاضطرابات داخل جورجيا وتدخلت عسكريا في أغسطس 2008م، واعترفت بانفصال كل من أبخازيا وجنوب أستونيا ـ ومع التدخل الروسي كان رد الفعل الأوروبي ضعيفا بسبب مصالحها.  وما تريده روسيا من تدخلها أن تبقى جورجيا ضعيفة .

كان التدخل الغربي وخاصة التدخل الأمريكي في السياسة الداخلية لأوكرانيا مقلقا لروسيا بعد الاطاحة بالرئيس المنتخب المقرب من روسيا، فكتور بانوكوفيتش في فبراير 2014م، وهروبه إلى موسكو، واعتبرت حكومة موسكو ذلك انقلاباً للاطاحة برئيس شرعي ، فلم تعترف روسيا بالحكومة الجديدة ـ  وقامت مظاهرات مؤيدة لموسكو في شرق أوكرانيا وجنوبها مما أدى إلى اعلان انفصال دونتيسك ولوغانسك واعترفت روسيا بالانفصال، كما اتفاقية لقاعدة روسية  بالقرم  يتمركز فيها 25 الف جندي روسي ومعظم سكانها من اصول روسية وتتار وأجرت استفتاءً  لإعطاء شرعية لانضمامها إلى روسيا .

 

ورغم أن روسيا الاتحادية ساعدت الولايات المتحدة  في سحب معداتها العسكرية من أفغانستان عبر الاراضي الروسية وفي  الوصول الى الاتفاق حول المفاعل النووي الايراني   2015م،  وصفقة أوباما وبوتين حول التدخل الروسي في سوريا والمحاولة الأمريكية لجر روسيا  ضد الصين إلا أن الحكومة الأمريكية كانت تدعم التيار النازي المتطرف في الحكومة الأوكرانية الذي إتخذ  سياسة عنصرية ضد الاوكرانيين الروس وضد استعمال اللغة الروسية وتشجيع أوكرانيا للانضمام للاتحاد الاوروبي والناتو وكانت روسيا تراقب ذلك بقلق شديد، وكانت واشنطن واستخباراتها وراء انتخاب فولوديمير زيلينسكي رئيسا للجمهورية في 2019م، وهو يحمل الجنسية الاسرائيلية اضافة لجنسيته الأوكرانية كما أن رئيس الوزاء الحالي دينيس شميهال ينتمي لليهودية، وفي ظل سياسية اليمين النازي المتطرف كما تصفه موسكو كان التهديد الذي دشنه بوتين بالتدخل العسكري في 24 فبراير 2022م،  والحقيقة أن التدخل الروسي ليست مفاجأة للخبراء الأمريكيين وحتى النخب الحاكمة في واشنطن.

 

 وفي عام 1998م، كان قد حذر السياسي والاستراتيجي المخضرم والسفير السابق للولايات المتحدة  في موسكو جورج كنن بعدم استفزاز موسكو بتوسع الناتو شرقا، كما أن أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر،  قارن بين أزمة صواريخ  كوبا عام 1962م ، عندما نصبت موسكو الصواريخ في كوبا وحدثت الأزمة الكوبية بمحاصرة الولايات المتحدة كوبا لأنها لا تقبل أن تكون الصواريخ السوفيتية على بوابة الولايات المتحدة الجنوبية وأدت إلى صفقة سحب الصواريخ بين كنيدي وخوريتشوف وسحب الصواريخ الأمريكية من تركيا، فكيف تقبل موسكو أن تكون قوات الناتو والاتحاد الاوروبي على حدودها،  إضافة الى وجود نظام معاد لموسكو في اوكرانيا، فهي مسألة أمن قومي روسي أدت إلى ارتماء بوتين في أحضان الصين لمواجهة الناتو والاتحاد الاوروبي؟

النظام الدولي المتعدد الأقطاب الجديد

ساد بعد الحرب العالمية الثانية النظام الدولي الثنائي القطبية، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وكانت الولايات المتحدة قد استعملت حق الفيتو ضد الصين الشعبية ودعمت الصين الوطنية (تايوان) بالمقعد الدائم في مجلس الأمن الدولي، ولكن مع تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام، وانتخاب الرئيس نيكسون وتعيين هنري كيسنجر وزيراً للخارجية حدثت الزيارات السرية بين إدارة نيكسون والصين وبوساطة باكستانية قام كيسنجر بريارة لبكين ومقابلة الرئيس ماوتسي تونغ وتوجت بزيارة نيكسون لبكين في فبراير 1972م، وكان الهدف ايجاد حل لحرب فيتنام لأن الصين كانت تدعم ثوار الفيتكونغ وجر الصين لاحتواء الاتحاد السوفيتي بسبب الخلافات الصينية –السوفيتية وتم فتح المجال للصين لتحل محل تايون في المقعد الدائم بمجلس الأمن الدولي وطرد تايوان، وتطورت العلاقات الصينية –الأمريكية في المجال التجاري، ومع سقوط الاتحاد السوفيتي والتقدم الاقتصادي الذي أحرزته الصين بسبب الاصلاحات الاقتصادية بعد وفاة ماوتسي تونغ، أخذت الولايات المتحدة ترى في الصين منافساً قويا لها، وتحديا للنظام الدولي الأحادي، النظام الدولي الليبرالي، الذي هيمنت عليه واشنطن  منذ سقوط السوفييت 1991م، ومع تراجع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط والنشاط الاقتصادي التجاري في منطقة المحيط الهادئ الآسيوي، أعلنت ادارة أوباما عن أهمية المحور الآسيوي ونقل ثقلها إلى شرق آسيا لمواجهة النفوذ الصيني خاصة تطور نفوذ الصين في جنوب شرق آسيا وتبني مشروع الطريق والحزام BELT & ROAD)) الذي يوفر للصين مجالاً للتجارة والاستثمارات غربا في آسيا الوسطى ويمتد للشرق الأوسط وأفريقيا وحتى أوروبا ؟

أخذت واشنطن تشكل الأحلاف ومبادرات التعاون لمواجهة النفوذ الصيني في آسيا، فدعت للتعاون بين الدول الديمقراطية بشرق آسيا الولايات المتحدة وأستراليا واليابان وجرت الهند للاشتراك في هذا المنتدى الديمقراطي وعقدت قمة الر باعية QUAD في مايو الماضي في اليابان ورغم أن القمة أدانت التدخل الروسي في أوكرانيا ولكن الهندي ممثلة برئيس وزرائها مودي لم تدين روسيا ، والهدف أن الهند مجاورة للصين وبعدد سكانها الذي تجاوز المليار نسمة فواشنطن تريد أن يكون للهند دوراً في احتواء الصين ولكنها حذرة، كما أن الولايات المتحدة  شكلت حلفا أمنياً في سبتمبر 2021م، من أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا AUKU ))، والهدف مواجهة الصين في شرق آسيا والهادئ، وأعلنت القمة الرباعية حرية الملاحة في منطقة المحيط الهادي –الهندي ودعت لمبادرة تجارة المحيط الهادي في آسيا بمشاركة ثلاثة عشر دولة.

 

أن التحرك الأمريكي في شرق آٍسيا  خشيتها من التحرك الصيني اتجاه تايون على غرار روسيا في أوكرانيا وقد حذر الرئيس بايدن بأن الولايات المتحدة قد تتحرك عسكريا للدفاع عن تايوان،  فالاهتمام العسكري والسياسي الأمريكي تجاه تايوان ينبع من رغبتها في تحقيق تواجد جيوبولتيكي في عموم آسيا وشرق آسيا خاصة يساعدها في تقويض مساعي الصين للسيطرة الاقتصادية والسياسية على بلدان تلك المنطقة ؟ خاصة أن الصين أخذت في بناء قواعد لها على خطوطها التجارية كما في جيبوتي وتعزير وجودها في جنوب بحر الصين، وأعلنت رسميا في 19 أبريل الماضي على توقيع الاتفاق الأمني مع جزر سليمان مما أدى لإعتراض الولايات المتحدة وأستراليا على هذا الاتفاق الأمني بين الصين وجزر سليمان، وهو يعكس ازدواجية المعايير في النظام الدولي التي تدفع كلمن  روسيا والصين لتشكيل نظام دولي جديد.

وخلال قمة الناتو التي عقدت في مدريد،  يونيو الماضى اعلنت دول الحلف أن الصين ليست خصما ولكن روسيا هي التهديد الأكبر،  ولكن الصين تعي سياسة الحلف حيث علقت الصين على كلمة الرئيس بايدن في القمة " يسعى الرئيس بايدن لضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، احتواء الصين وتدمير روسيا والاضرار بأوروبا " ، لأن الولايات المتحدة استغلت الأزمة الأوكرانية لإعادة تفعيل دور حلف الناتو الذي تراجعت أهميته واعادة الهيمنة الأمريكية على أوروبا  تحت شعار مواجهة الخطر الروسي.

 

وأثناء قمة السبع التي عقدت في ألمانيا في يونيو الماضي أيضا كان بيان الدول السبع موجها للصين وروسيا، لمواجهة النشاط الصيني في الدول النامية، فأعلنت المجموعة استثمار 600 مليار دولار في البنى التحتية العالمية في السنوات القادمة لمواجهة طريق الحرير الصيني " مبادرة الطريق والحزام" وأعلنت المفوضية الأوروبية في القمة أن دول الاتحاد الاوروبي سيقدم خلال السنوات الخمس القادمة 300 مليار يورو لتمويل البنية التحتية في الدول النامية! ويظهر أن هناك سباقاً دولياً على الدول النامية بين المحور الروسي الصيني والمحور الغربي الأوروبي الأمريكي في ظل نظام دولي جديد .

ويتشكل في المقابل المحور الصيني الروسي فمنذ تفكك الاتحاد السوفيتي شكلت روسيا كومنولث الدول المستقلة، وفي عام 2001م، تم تشكيل منظمة شنغهاي للتعاون، وكانت بداية تعاون اقتصادي وتطور إلى التعاون العسكرية وجرت مناورات عسكرية صينية روسية، وتضم منظمة شنغهاي تسعة دول انضمت لها الهند وباكستان 2017م، وتبعتهما ايران عام 2021م، كما تشكلت مجموعة بريكس BRICS وهي تضم خمسة دول، روسيا، الصين، البرازيل، الهند وجنوب أفريقيا وقدمت كل من الأرجنتين وإيران طالباً للانضمام للمجموعة وهي مجموعة اقتصادية وهذا يفسر كيف تتجاوز روسيا العقوبات المفروضة عليها من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالتوجه شرقا للصين ودول بريكس في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وإثر كل أزمة دولية يحدث تشكيل جديد للنظام الدولي والمؤسسات الدولية كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى والحرب الثانية، فقد فشلت عصبة الأمم في تجنب الحرب العالمية الثانية وتفشل حاليا الأمم المتحدة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين وتبقى القرارات الدولية حبراً على ورق وتطبق فقط على الدول الضعيفة من دول العالم النامي .

 إن ميزان القوى في النظام الدولي هو الذي يحقق الأمن والاستقرار ، فتوازن الرعب الاستراتيجي في الحرب الباردة حقق نوعاً من الاستقرار في النظام الدولي الثنائي القطبية، ولما تحول الى نظام أحادي القطبية شهد العالم تجاوزاُ لمبادئ القانون الدولي والتدخل العسكري من قبل الدولة الأولى في العالم وفشل النظام الدولي الأحادي الذي روج للعولمة (الأمركة)، الذي يتبنى ايديولوجية الديمقراطية الليبرالية ومحاولة اليمين المحافظين الجدد فرضها لتحقيق الاستقرار كما تم الترويج لها، واحتلت الولايات المتحدة العراق بدون موافقة مجلس الأمن الدولي، وأصبحت الدول الخمسة الدائمة العضوية لا تلائم التحول في النظام الدولي مع بروز دول ومجموعات لها تأثيرها حالياً في النظام الدولي مما يؤكد الحاجة لتعديل ميثاق الأمم المتحدة ومبدأ توازن القوى في نظام تعدد الأقطاب الدولية؟ وحتى وثيقة هلسنكي لعام 1975م، لتحقيق الامن والتعاون بين الدول الاوروبية لم تعد تفي بحاجة الامن الاوروبي وحتى توسع حلف الناتو بضم فلندا والسويد ليصبح 32 دولة لن يحل مشكلة الأمن الاوروبي في ظل اختلاف مصالح دول الاتحاد الاوروبي وخروج بعضها مثل بريطانيا وتهديد دول أخرى بالخروج حتى أن موقفها من التدخل الروسي في أوكرانيا ليس متجانسا لاعتماد بعضها بشكل رئيس على الغاز  الروسي .

العالم العربي في ظل التحولات الدولية الجديدة

إن أمام العربي فرصة مهمة في ظل التعددية القطبية الجديدة لتحقيق مصالحة ولكن العقبة الأولى تمزق العالم العربي وضعف الجامعة العربية وحتى داخل مجلس التعاون هناك خلافات سياسية في السياسة الاقليمية والدولية سواء في الموقف من التطبيع أو إيران، ولذلك نلاحظ أن سياسات الحكومات العربية سياسة قطرية وليست موحدة، ولا زال العالم العربي يمتلك مقومات استراتيجية مهمة ذكرها الرئيس بايدن في مقالته الاخيرة في الواشنطن بوست مبرراً زيارته للمنطقة "الاهمية الجواستراتيجية ومصادر الطاقة ومصالحة إسرائيل، فهو يريد تخفيض أسعار الطاقة والاستمرار في سياسة التطبيع وتبقى إيران في أسفل قائمة اهتماماته لأنه يسعى بكل قوة للعودة لاتفاقية البرنامج النووي الإيراني.

إن عدم ادانة معظم الدول العربية التدخل الروسي في أوكرانيا وعدم تلبية طلب واشنطن في زيادة الانتاج وأزمة أسعار البترول في الولايات المتحدة وامتناع الامارات في مجلس الأمن  الدولي  الادانة والتوجه نحو الصين أقلق ادارة بايدن وتوجه الى الشرق الأوسط ليؤكد على أهمية العلاقات الأمريكية ــ السعودية فهي سياسة برجماتية، ولكن الواضح أن الولايات المتحدة لن تتورط في أي صراع عسكري في الشرق الاوسط بسبب تجربة أفغانستان والعراق وتريد هندسة حلف إقليمي في المنطقة يكون لإسرائيل دوراً فيه وتسويقها في المنطقة والعودة للسلام الابراهيمي ولكن بطريقة غير مباشر ة وحتى الآن لم يحدث تغيير في سياسة بايدن اتجاه إسرائيل يختلف عن سياسية ترامب فالسفارة الأمريكية في القدس والقنصلية الأمريكية لم يتم فتحها وما وعد به في حملته الانتخابية أصبح من الماضي .

إن التطبيع ليس في مصلحة الدول العربية لأنه يحدث انقساماً داخل دول النظام الإقليمي العربية وأزمة بين الأنظمة وشعوبها ويفقد ورقة ضغط على واشنطن لأنه إذا استطاعت ادماج إسرائيل في النظام الإقليمي وهو الهدف الاستراتيجي الرئيس بايدن فيترك المنطقة في دوامة صراعات إقليمية بين إيران وتركيا والدول العربية.

أن محوراً يتشكل الصين وروسيا الاتحادية وإيران ومحورها والى حد ما الهند تبقى ذات علاقات تاريخية مع روسيا ولن تتطور ضد الصين وكذلك دول البريكس، وحيث أن الصين تتوجه غرباً والولايات المتحدة شرقاً فيمكن تحقيق المصالح العربية والخليج خاصة بالتعاون القائم على المصالح مع الصين وروسيا دون تهديد مصالح واشنطن في المنطقة واحتواء إيران كما هو الآن في محاولة اعادة العلاقات الدبلوماسة بين الرياض وطهران، أما الجزائر حسمت أمرها بتوثيق علاقاتها مع المحور الصيني الروسي لتحقيق مصالحها ويمكن تشكيل مظلة تعاون بين تركيا وإيران وباكستان ومنطقة الخليج مع دعم بقية الدول العربية بعيداً عن التطبيع ونتذكر أن مناحيم بيغن كان يؤكد على استمرار الحرب العراقية الإيرانية لأنها تعيش على الخلافات العربية ــ العربية ، والخلافات والعربية مع دول الجوار كما كانت استراتيجية الأطراف التي هندسها بن غوريون مع شاه إيران وتركيا واثيوبيا منذ قيام إسرائيل، وحيث أن إسرائيل تعيش الآن أزمات داخلية وسيطرة اليمين اليهودي المتطرف فساسة إسرائيل يهربوا من المشاكل الاجتماعية والسياسية الداخلية للسياسة الإقليمية تحت للتطبيع .

إن أمام دول النظام الإقليمي فرصة ذهبية للاستفادة من تعددية النظام الدولي الجديد، فقد أثبتت الحرب الروسية الأوكرانية عن ضعف حلف الناتو وعدم قدرته على مواجهة الهجوم الروسي على أوكرانيا سوى بالادانات السياسية والعقوبات الاقتصادية والامداد بأسلحة تقليدية وليست استراتيجية، وانعكست الأزمة سلباً على أوروبا وتدفق اللاجئين الأوكران وأزمة الغذاء العالمية والخلافات السياسية داخل أوروبا نفسها بسبب اعتمادها على الطاقة الروسية.

أن الدول العربية يمكنها الانضمام إلى الدول المطالبة باصلاح ميثاق الأمم المتحدة ومن خلال التعاون في منظمة التعاون الاسلامي المطالبة بمقعد دائم بمجلس الامن الدولي، والدول الخليجية في يدها ورقة الطاقة فهي المصدر الرئيس للصين والهند وسوقا تجارية مهمة للبضائع الصينية والاستثمارات، كما أن روسيا استفادت من ارتفاع أسعار الطاقة بالتنسيق مع أوبك، فرصة لتعزير المصالح إذا تم التخطيط لها بعقلانية المصالح والبرجماتية السياسية، فأثبتت العلاقات العربية ــ الأمريكية أنها لم تحقق المصالح العربية بل ضد المصالح العربية، فالولايات المتحدة منذ سبعين عاماً المؤيد والمهندس للحروب الإسرائيلية على الدول العربية، فالأصل التوازن في العلاقات الدولية الذي  يحقق المصالح ، فاستغلال عناصر القوة  للدولة كفيل بتحقيق مصالحها، فليس هناك صداقة دائمة ولا عداوة دائمة فيمكن من هذه القاعدة السياسية تنويع الدول العربية علاقاتها لخدمة مصالحها. وإن أفضل محور يمكن أن يتشكل لتحقيق الأمن الإقليمي إذا صلحت النوايا من نفس دول المنطقة وبعيداً عن إسرائيل وأخطبوطها، وهو محور مصر والسعودية وتركيا وإيران يضاف لهم باكستان النووية ويمكن أن تلحقهم الجزائر، محور يمثل البعد العربي والإسلامي وتبقى أبوابه مفتوحة لمن يريد الإلتحاق به ولنتذكر قول عالم السياسة الأمريكي نيبور(1892-1971م )  " إن الذي  يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على أوروبا " ونضيف  يمكنه التحكم  في العالم أو على الأقل يفرض مكانتة في النظام الدولي.

مقالات لنفس الكاتب