array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 178

إصرار أوروبا ودول الخليج على قيادة التغيير بدلاً من مجرد الاستجابة له أمر مشجع

الأربعاء، 28 أيلول/سبتمبر 2022

"أصبحنا اليوم نسبح في مياه خَطِرة، إذا ما جاز التعبير".. بهذه العبارات أشار مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية باولو جينتيلوني إلى وضع الاقتصاد الأوروبي بشكل عام، الذي لايزال يئن تحت وطأة تبعات أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا، والحرب الروسية -الأوكرانية، التي تسببت في ارتفاع حاد لمعدلات التضخم، بالأخص في قطاع الطاقة، وبينما لم يكن الغزو الروسي لأوكرانيا السبب الوحيد، إلا أنه قد كشف الطبيعة الهشة غير المستقرة لأمن الطاقة الأوروبي، لاسيما ما يتعلق باعتماد دول القارة على واردات الطاقة، وحتى هذه اللحظة، لا يزال الاتحاد الأوروبي مصرًا على السير في اتجاهين متوازيين؛ مواصلة خفض اعتماده على واردات الطاقة الروسية مع تعزيز طاقته الإنتاجية للطاقة من المصادر المتجددة، ومواصلة العمل على بلوغ مرحلة الحياد الكربوني.

تحقيق هذين الهدفين سيكون مهمة شاقة وشائكة، حيث أن حقيقة ارتفاع أسعار الطاقة لمستويات غير مسبوقة، ستُجبر الاتحاد الأوروبي على تقديم تنازلات، تضمن إطالة إنتاج الطاقة من الفحم ومصادر الطاقة النووية، من أجل تلبية احتياجاته من الطاقة. فضلا عن أن الخطط التي وضعها الاتحاد للتحول إلى الطاقة الخضراء تتطلب مبالغ طائلة من الاستثمارات، فيما قد يستمر العمل على إنشاء البنية التحتية اللازمة على مدار العقد المقبل بأكمله، مما يعني أن فترة انتقالية صعبة ومليئة بالتقلبات في انتظار دول القارة العجوز. في ضوء هذه المعطيات، قد يبرز دور منطقة الخليج كشريك مهم يساعد في التخفيف من حدة الانعكاسات السلبية على الدول الأوروبية. مع ذلك، ونظرًا إلى الجمع بين هدفين مُلحين يتمثلان في خفض الاعتماد على واردات الطاقة، ومكافحة التغير المناخي، تبدو أوروبا عازمة على المضي قدمًا في مسارها، من أجل الوقوف على أرضية أكثر صلابة اعتبارًا من 2030م، فصاعدًا.

اعتماد أوروبا على الطاقة

 صرحت المفوضية الأوروبية بشكل واضح أن ازدهار القارة مرهون بتأمين إمدادات مستقرة من الطاقة بأسعار مناسبة. في عام 2021م، تمت تلبية أكثر من نصف احتياجات الطاقة في أوروبا من خلال الواردات. فمن روسيا وحدها، تلقت أوروبا 40٪ من وارداتها من الغاز، و27٪ من وارداتها النفطية، و46٪ من وارداتها من الفحم. ومع ذلك، فإن الاعتماد الكلي للطاقة الأوروبية على روسيا آخذ في التراجع. حيث انخفض إجمالي واردات أوروبا من الطاقة الروسية إلى 62٪ بحلول عام 2021م، بعدما كان قد سجل 77 % خلال عام 2011م، وساهمت العديد من العوامل في تبلور إشكالية الطاقة الأوروبية، التي تركز على ثلاثة محاور؛ الأمن، والقدرة على تحمل التكاليف، إلى جانب الاستدامة. اثنين من أهم هذه العوامل يتمثلان في العدوان الروسي ضد أوكرانيا، وحيثيات الطقس. حيث أدى الشتاء الأكثر برودة عما كان متوقعًا داخل كل من أوروبا، وآسيا، وأجزاء من الولايات المتحدة إلى نمو الطلب على الطاقة، فضلاً عن عرقلة وصول الإمدادات، وبعض من الشحنات التي أُجبرت على تغيير مسارها بعيدًا عن أوروبًا.

 وردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلن الاتحاد الأوروبي تطبيق سياسات صارمة من أجل إنهاء كافة واردات النفط والغاز الروسية إلى القارة الأوروبية بحلول عام 2030م، وتم بالفعل اتخاذ بعض الخطوات في هذا الشأن أدت إلى تراجع إجمالي واردات أوروبا من الغاز من 40% إلى 9 % خلال شهر سبتمبر الجاري.

تشمل تلك العوامل أيضًا قرار بعض الدول الأوروبية بالتخلص تدريجيًا من الطاقة النووية، إلى جانب ندرة سعة الشحن نتيجة أزمة تفشي فيروس كورونا. وكان قرار الغرب باستخدام الطاقة كأداة لمعاقبة روسيا بسبب هجومها على أوكرانيا، ما أدى إلى زيادة سريعة في معدلات التضخم لتسجل مؤخراً مستويات غير مسبوقة، إذ ارتفع معدل التضخم السنوي لدول منطقة العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" خلال شهر سبتمبر الجاري إلى 9.1% مسجلا أعلى مستوى له منذ إدخال الرقم القياسي المنسق لأسعار المستهلكين عام ١٩٩٧.  ويوضح الرسم البياني (رقم ١) وضع التضخم خلال شهر يوليو 2022.بينما بلغ متوسط التضخم في أوروبا 8.9% خلال شهر سبتمبر الجاري، فيما سجلت غالبية دول الاتحاد الأوروبي معدلات تضخم بنسبة 10 % فما فوق.

 

الرسم البياني (1)

معدلات التضخم في منطقة اليورو خلال يوليو 2022

 

وكما هو موضح في الرسم البياني رقم (2) يعد قطاع الطاقة الأوروبي أكثر القطاعات التي شهدت زيادة سريعة في معدل التضخم متجاوزًا 38% خلال شهر أغسطس الماضي. وفي مجال الطاقة، تعتبر أسعار الغاز الأكثر تأثيرًا بنسبة بلغت 51.7%، تليها مواد الوقود بنسبة 45.2%، ثم الكهرباء بنسبة 29.7%.

 

الرسم البياني (2)

 

 

 

ويوضح الرسم البياني رقم (٣)، الزيادة السريعة لأسعار الطاقة داخل الاتحاد الأوروبي منذ عام 2018م، وجاءت غالبية هذه الزيادة خلال عام 2022م، وحتى وقت كتابة هذا المقال، لم يكن هناك ما يشير إلى إمكانية تسطح المنحنى سريعًا. وفي ظل استمرار اضطراب سلاسل التوريد في أعقاب أزمة تفشي كورونا، واحتمالات قدوم فصل آخر من الشتاء شديد البرودة، قد يطيل أمد زيادة الأسعار. ذلك بالإضافة، إلى إعلان روسيا عدة انقطاعات في عمليات تسليم شحنات الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم ١" بسبب اندلاع حرائق الغابات وإجراءات الصيانة. ومن جانبها، حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن روسيا قد توقف كافة صادراتها من الغاز إلى أوروبا خلال فصل الشتاء المقبل.

 

الصفقة الخضراء الأوروبية

في حين سلطت الأزمة الأوكرانية الضوء على اعتماد أوروبا على واردات الطاقة، محدثة صدمة في كافة أنحاء القارة بشأن ارتفاع أسعار الطاقة، كانت مضاعفة الحاجة إلى التحول الأخضر، وتسريع عملية تحقيق أهداف "صافي الصفر" أحد أسرع الاستجابات الفورية لمخاطبة هذه الأزمة. إن الحاجة لتأمين إمدادات الطاقة على المدى القصير، ومساعدة المواطنين الأوروبيين على تجاوز موسم الشتاء المقبل، تتعارض مع حاجة الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل لتحقيق أهدافه بشأن الانبعاثات الصفرية. ولايزال غير واضحًا ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيكون قادرًا على إدارة الفوارق بين هذين الهدفين خلال هذه المرحلة، نظرًا إلى أن ثمة العديد من العوامل والأحداث الطارئة، التي في إمكانها التأثير على الخطط المستقبلية.

وقد حدد الاتحاد الأوروبي ثلاثة أهداف للعمل على تحقيقها على المدى القصير؛ الأول، توفير إمدادات كافية من الطاقة من أجل تجاوز فترة الشتاء المقبل. والثاني، الاستمرار في مساعي تنويع مصادر الطاقة الأوروبية، لتحل محل شحنات النفط والغاز الروسية الحالية. حيث تبنى الاتحاد الأوروبي حزمة سادسة من العقوبات المفروضة ضد روسيا في 3 من يونيو الماضي، تشمل فرض حظر على الواردات المنقولة بحرًا من النفط الروسي اعتبارا من 5 ديسمبر 2022م، وحظر على واردات المنتجات البترولية اعتبارًا من 5 فبراير 2023. نتيجة لذلك، ستتوقف 90 % من واردات النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية العام، باستثناء السماح فقط لبعض خطوط الأنابيب للدول الأعضاء بالاتحاد: المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك عبر خط أنابيب دروبا. الهدف الثالث، يتمثل في ضرورة العمل على التخفيف من حدة التبعات المصاحبة لارتفاع أسعار الطاقة والتضخم، على الشركات والأسر الأكثر تضررًا، عبر طرح مجموعة متنوعة من برامج الدعم على مستوى القارة الأوروبية. وفي 8 سبتمبر 2022م، كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسوا فون دير لاين عن سلسلة من المقترحات لكبح جماح الأسعار، بما في ذلك خطة لترشيد استهلاك الكهرباء على مستوى دول القارة، وهي آلية للحد من الإيرادات الزائدة التي يحصدها مزودو الطاقة مثل شركات الوقود الأحفوري، إلى جانب إتاحة سيولة إضافية لشركات المرافق، التي تكافح في ظل الأزمة، فضلاً عن وضع سقف لأسعار الغاز الروسي، وذلك في سبيل " تسطيح المنحنى المرتفع للتضخم والأسعار"، كما شددت فون دير لاين.

وفي الوقت الحالي، تظل شحنات الغاز والنفط الروسية مكونًا مهمًا في نمط الطاقة الأوروبي كما يتضح من خلال الرسم البياني (1). لكن يشهد هذا النمط العديد من التغيرات السريعة في حين لا يزال الاتحاد الأوروبي مصرًا على التعجيل بوتيرة تنويع إمدادات الطاقة بعيدًا عن روسيا. وإن لم يكن يعني هذا بالضرورة الاضطرار إلى استبدال كافة وارداته من النفط الروسي بمصادر أخرى. وفي ظل تركيز أوروبا أهدافها على زيادة حصة المصادر المتجددة في مزيج الطاقة الكلي، صرحت المفوضية الأوروبية أن ثلث واردات الوقود الأحفوري الروسي فقط سوف يتم استبدالها. واعتبارًا من سبتمبر 2022، ستبلغ واردات الطاقة الروسية إلى أوروبا نحو 1.4 مليون برميل يوميًا فقط، وسيكون تركيز دول القارة خلال الوقت الراهن على التواصل مع شركاء جديرين بالثقة. يشمل ذلك الولايات المتحدة، ومنطقة الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. وفي هذا الإطار، ليس من قبيل المصادفة أن يقوم كل من رئيس المجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل، والمستشار الألماني أولاف شولتز بزيارة إلى السعودية والإمارات وقطر خلال شهر سبتمبر الجاري.

 

واردات النفط الأوروبي حسب كل دولة

 

وما يعد أكثر أهمية من خطوات السياسة التي تم تحديدها حتى الآن على المدى القصير، هي تلك الأهداف طويلة الأجل التي وضعها الاتحاد الأوروبي لنفسه من خلال خطة عمل” ريباور إي يو”. فهناك هدفان رئيسيان للاتحاد الأوروبي يتمثلان في إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027، وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050م. وتأكيدًا على هذه الأهداف، صوت البرلمان الأوروبي خلال جلسته العامة بمدينة “ستراسبورج” في 14 من سبتمبر الماضي، لصالح دعم زيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 45٪ بحلول عام 2030م، حسبما اقترحت المفوضية الأوروبية. وتشمل خطوط السياسة الأوروبية أيضًا خلال الفترة المقبلة، العمل على استبدال واردات الغاز بحصص أعلى من الطاقة المتجددة، بما يشمل ذلك الهيدروجين، مثلما أكدت خطة “ريباور إي يو” التي تم الإعلان عنها في مايو الماضي. وهنا، يتسنى للدول الخليجية إمكانية الاضطلاع بدور بارز، خاصة في ظل التزاماتها بأن تصبح منطقة رائدة في مجال تصدير الهيدروجين الأزرق والأخضر.

ويعمل الاتحاد الأوروبي أيضًا على توفير الاستثمارات اللازمة من أجل تحقيق أهداف الطاقة، بما يشمل ذلك تخصيص مبلغ 113 مليار يورو للطاقة المتجددة، وتدعيم البنية التحتية للهيدروجين، إلى جانب مبلغ 56 مليار يورو لخدمة تدابير كفاءة الطاقة والمضخات الحرارية. كما خصص الاتحاد مبلغ 41 مليار يورو من أجل تهيئة صناعة الطاقة على استخدام أقل من الوقود الأحفوري، و29 مليار يورو لدعم كفاءة شبكة الكهرباء في قطاع الكهرباء.

في الوقت ذاته، يوجد عائقان أمام أهداف الطاقة يجب أن يسلط عليهما الضوء ؛ الأول يتمثل في إشكالية إعادة إدخال الفحم والطاقة النووية كحلول قصيرة الأجل، في سبيل سد النقص المتوقع في إمدادات الطاقة، مثلما يحدث  حاليًا في دول مثل ألمانيا، والنمسا، وهولندا، وإيطاليا ، وهو الأمر الذي إذ ما تحول لخط من خطوط السياسة الأوروبية على مدار الأعوام القليلة المقبلة، قد يتسبب في تعطيل مسار الاتحاد الأوروبي على نحو بالغ صوب بلوغ هدف صافي الصفر،  بالإضافة إلى ترسيخ استخدام الوقود الأحفوري الذي يتعارض مع استراتيجية الاتحاد الأوروبي الطموحة لإزالة الكربون. وبشكل عام، قد يؤدي السير المطول في هذا الاتجاه إلى تهديد الصفقة الأوروبية الخضراء، والدور الريادي لدول الاتحاد الأوروبي بشكل عام في قضية المناخ.

ويكمن التهديد الثاني في ارتفاع أسعار الطاقة، الأمر الذي إذا ما لم يتم احتواؤه، سيؤدي إلى تآكل ميزانية الاتحاد الأوروبي بشكل عام، وميزانية كل دولة منفردة. فضلاً عن تقويض الثقة في الجهود الأوروبية المبذولة لتحقيق تعافي اقتصادي شامل جنباً إلى جنب الخطط المناخية المعلنة.

حتى الآن، نجحت المواقف الأوروبية الموحدة في الصمود بشأن رفض الغزو الروسي لأوكرانيا. ومع ذلك، إذا استمرت الضغوط التضخمية، وشعور دافع الضرائب الأوروبي بتراجع دخله على نحو كبير، فقد يتبين قصر أمد الوحدة الأوروبية، مع توجه حكومة كل دولة منفردة لتبني سياسات بعيدة على نحو متزايد عن سياسات الاتحاد الأوروبي ككتلة موحدة.

 

الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في التحول الأخضر

عند التفكير في كيفية تعاون الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي معًا من أجل مواجهة التحديات المطروحة في مجال الطاقة، يجب الأخذ في الاعتبار وجود عاملين مؤثرين؛ الأول هو الحاجة إلى تأمين احتياجات أوروبا من الطاقة على المدى القصير، والتوصل في الوقت ذاته إلى اتفاق بشأن مستوى مقبول من أسعار النفط. والثاني يتعلق بالجهود المبذولة على المدى المتوسط ​​إلى البعيد، من أجل تأسيس علاقة استراتيجية حول روابط الطاقة المستقبلية، والتي تشمل الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز التكنولوجيا الجديدة، والقدرة على التخفيف من المخاوف المناخية والبيئية.

فيما يتعلق بقضية العرض والتسعير قصيرة الأجل، دعا رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي تشارلز ميشيل خلال زيارته إلى كل من المملكة العربية السعودية، والإمارات، ودولة قطر خلال شهر سبتمبر الجاري إلى إجراء مفاوضات مع دول مجلس التعاون الخليجي حول قضايا الطاقة. في الوقت ذاته، يجب الإقرار بأن دول مجلس التعاون الخليجي لن تكون حلاً قصير الأجل لأزمات الطاقة الأوروبية، وذلك لعدة أسباب أولها، عدم إمكانية تنفيذ عقود التوريد الجديدة في أي لحظة كما هو موضح في عقود تسليم الغاز الطبيعي المسال في قطر، والتي يتم تأمينها لفترة زمنية طويلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتقاد بأنه من الممكن ببساطة الاستعانة بالطاقة الفائضة التي يملكها منتج النفط الخليجي لسد النقص والفراغات في موارد الطاقة، يتجاهل حقيقة أن غياب الاستثمارات اللازمة في البنية التحتية النفطية على مدار السنوات الأخيرة، قد أدى إلى تضاؤل شديد في ​هذه ​السعة الإنتاجية الفائضة. وأخيرًا، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ليست مهتمة أيضًا بعقد صفقات قصيرة الأجل أو بالإصلاحات السريعة، بل ترغب في ترسيخ شراكة للطاقة المستدامة تخدم مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وتحترم أيضًا المخاوف المتعلقة بالعرض والطلب.

أما على صعيد الحاجة من أجل تحقيق شراكة أوسع نطاقًا على المدى المتوسط إلى البعيد، يعد المشهد أفضل. وبشكل عام، ثمة توافق واسع بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن تحقيق ما يسمى بالأهداف الخضراء. إذ تؤكد الوثيقة المشتركة الصادرة عن المفوضية الأوروبية في مايو الماضي، "شراكة استراتيجية مع الخليج"، على أهمية قضية أمن الطاقة المستدام، وترى أن "هناك مصلحة مشتركة سائدة" بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي "في تعميق انخراطهم على الصعيد الاستراتيجي، وتسريع خطى التحول الأخضر، والانتقال إلى الاقتصادات الدائرية، ومعالجة المصالح التجارية الخاصة بكلتا المنطقتين، والنجاح في الوفاء بالالتزامات المتعلقة بالمناخ". كما تعكس الوثيقة إيمان الاتحاد الأوروبي بأهمية الدور المركزي الذي تلعبه دول مجلس التعاون الخليجي، عندما يتعلق الأمر بأمن الطاقة بشكل عام. ويسعى الاتحاد الأوروبي من خلال استراتيجية" البوابة العالمية" إلى الجمع بين القدرات الاستثمارية للاتحاد الأوروبي ودول الخليج، من أجل تمويل التحول للطاقة الخضراء، فيما حرص الاتحاد على تشجيع دول مجلس التعاون الخليجي على المشاركة في المنصة الدولية للتمويل المستدام.

والعديد من المشروعات التي يجري تنفيذها بالفعل، شملت تسليم الشحنة الأولى من الأمونيا منخفضة الكربون من دولة الإمارات إلى ألمانيا مع بداية شهر سبتمبر الجاري، إلى جانب مشروع “تيسين كروب” وشركة نيوم الخضراء السعودية للهيدروجين لإنشاء أول مصنع في العالم للمحلل الكهربائي للهيدروجين الأخضر بحجم جيجا. فضلاً عن محطات التوسعة لمزيد من منشآت الهيدروجين في الدقم بسلطنة عمان. وقد صرحت سينزيا بيانكو الباحثة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "إذا ما أراد الاتحاد الأوروبي تحقيق أهدافه المناخية والجيوسياسية، سيحتاج إلى تعميق انخراطه مع دول الخليج في الصفقة الأوروبية الخضراء".

في الوقت ذاته، تحتاج أوروبا إلى فهم أن النفط والهيدروكربونات سيحتفظون بدورهم الرئيسي في المزيج الكلي للطاقة لبعض الوقت في المستقبل. ففي الوقت الحالي، لا تزال عملية الانتقال الطاقي في صورة مختلطة غير واضحة:

فأولاً، أبرزت الأزمة الأوكرانية كيف أدى نقص الاستثمار في قدرات إنتاج النفط على مدى السنوات الماضية إلى ارتفاع أسعار النفط بسبب نقص القدرات الإنتاجية. وبالتالي، فإن الحفاظ على استقرار الأسعار يحتاج إلى مواصلة الاستثمارات اللازمة في صناعة النفط.

ثانيًا، لا تزال عائدات الاستثمار في أسواق الطاقة التقليدية تفوق تلك المحصلة من مشاريع الطاقة المتجددة مما يلقي بظلال من الشك على جدوى العديد من المشروعات المعلن عنها حاليًا.

ثالثًا، التحول الجوهري للطاقة يظل غير واضح، في ضوء ارتفاع أسعار النفط حيث تشتد المعارك الاستثمارية.

ونخلص مما سبق إلى أن فترة من التقلبات ستتخلل عملية الانتقال الطاقي صوب هدف اقتصاد منخفض الكربون لكل من أوروبا ودول الخليج. وبصفة خاصة، ستواجه أوروبا في السنوات القليلة القادمة بعض الخيارات الصعبة التي يتعين اتخاذها. من ناحية أخرى، فإن الإصرار الواضح لدى أوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي على قيادة التغيير بدلاً من مجرد الاستجابة له يعد أمراً مشجعاً.

مقالات لنفس الكاتب