array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 178

التعاون الخليجي / الأوروبي في إمدادات الطاقة

الأربعاء، 28 أيلول/سبتمبر 2022

بعد مرور سبعة أشهر على الحرب الروسية الأوكرانية التي يمكن وصفها بأنها الأكبر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م، غير أن تأثيراتها لا تزال تلقي بظلالها على الاقتصادات العربية والخليجية على السواء، فبينما أثرت معدلات التضخم وأسعار المواد الغذائية على الدول العربية المستوردة للنفط حققت الدول المصدرة للنفط وفورات ناجمة عن ارتفاع أسعار النفط والغاز.

وكان قطاعي النفط والغاز في الحرب الروسية الأوكرانية الحصان الرابح في الحرب حيث قفزت أسعاره لتحقق أعلى مستوى لها منذ 14 عامًا، ونجم عن ذلك ارتفاع معدلات التضخم والانكماش الاقتصادي ليس في الدول العربية وحدها، بل على مستوى العالم أجمع، وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي فإن الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط ستجني قرابة 1.3 تريليون دولار إضافية من عائدات النفط في السنوات الأربع المقبلة بعد 8 سنوات من الركود الاقتصادي الناجم عن انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا.

وإدراكًا من الولايات المتحدة الأمريكية لما للمملكة العربية السعودية من دور وثقل وتأثير كبير في الاقتصاد العالمي، قام رئيسها جو بايدن بزيارة للسعودية في مسعى منه لتحقيق زيادة إنتاجية في النفط للحد من أسعاره وخفض مستويات التضخم، غير أن مسعاه تكلل بعدم النجاح حيث قررت أوبك+ التي تقودها السعودية زيادة متواضعة في إنتاج النفط.

وللوقوف على أهمية النفط والغاز في مرحلة الحرب الروسية الأوكرانية ومدى احتياج الغرب والولايات المتحدة للنفط الخليجي فإنه من الأهمية بمكان بادئ ذي بدء إدراك حقيقة أن الغزو سيوفر حتماً فرصاً إضافية كبيرة لصناعة النفط في الخليج، حيث تشير التقديرات أنه ومع اندلاع فتيل الأزمة في أواخر فبراير من العام الحالي زاد الطلب على النفط السعودي والإماراتي بشكل كبير كبديل رئيسي للإمدادات الروسية في كل من أوروبا وآسيا، وهو ما يمثل قيمة مضافة كبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي تتمثل في تحقيق وفورات اقتصادية تعوض الخسائر التي صاحبت انخفاض الأسعار كنتيجة لوباء        كوفيد-19، مع الأخذ في الاعتبار أن مسألة ارتفاع الأسعار في أسواق النفط الدولية عادة ما يصاحبها حالة من حالات عدم الاستقرار.

ومن اللافت أن الحرب الروسية الأوكرانية عكست أهمية النفط والغاز ومدى احتياج الغرب واهتمامه بالنفط الخليجي وهو ما قد يكون له آثار محمودة فيما يتعلق بالنواحي الاقتصادية لدول الخليج العربية من نواحي عدة يمكن حصرها في جملة النقاط التالية:

  1. إنعاش حصيلة الاحتياطات المالية لدول الخليج نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز.
  2. تأثير إيجابي على مؤشرات نمو الاقتصاد الكلي وزيادة قوتها الناعمة.
  3. تحقيق استفادة كبيرة بالنسبة لبعض دول الخليج فيما يتعلق بقطاعي الهيدروكربونات والبتروكيماويات الروسية حيث قامت المملكة العربية السعودية بزيادة واردات زيت الوقود الروسي المخفض لتلبية الطلب الموسمي على المواد الأولية لمحطات توليد الطاقة الخاصة بها وبحلول يونيو 2022م، وصلت حصة زيت الوقود الروسي المنتج في الواردات السعودية إلى 86٪.

واللافت للنظر في هذا السياق العقوبات الاقتصادية على روسيا وفرض الحظر على الواردات النفطية الروسية وهو ما قد يدفع بالتساؤل نحو لماذا لا تقوم دول الخليج العربي بتعويض هذا النقص في الإمدادات للسوق بزيادة حجم الإنتاج؟ والواقع أن الأمر ليس بهذه السهولة من نواحي عدة يمكن إجمالها في النقاط التالية:

  1. نواحي أخلاقية وهي تلك المتعلقة بتعامل دول منظمة أوبك+ فيما بينها بحيث يتم مراعاة عدم استغلال الأوضاع السياسية والاقتصادية للأعضاء والقيام بزيادة الإنتاج.
  2. نواحي كمية وهي تلك المتعلقة بالمشكلات التي تعاني منها المنظمة والمتعلقة بتحديد حجم الإنتاج الملائم للوصول للحجم الأمثل لمدة 6 أشهر على الأقل، فعلى الصعيد الرسمي ترى أوبك أن لديها القدرة على إنتاج ما يصل إلى 12-12.3 مليون برميل يومياً مقابل 9.91 مليون برميل يومياً في الربع الرابع من عام 2021م، والمخطط رفع هذا إلى 13 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2027م.
  3. على الرغم من تمتع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بنصيب الأسد في الحصص الإنتاجية بما لديهم من طاقة إنتاجية كبيرة إلا إنهم أبداً لم يستغلوا الأمر لصالحهم في مسألة إعادة توزيع حصص الإنتاج حفاظاً منهما على وحدة النظام الداخلي لأعضاء أوبك+، فضلاً عن أن الظروف والأحداث السياسية والاقتصادية تحتاج من الأعضاء الاستعداد بالشكل المناسب بزيادة الإنتاج والتغلب على أي ظروف من شأنها إعاقة الإنتاج وبالتالي يكون من الأفضل دائمًا وجود هامش معين من نقص الإنتاج، بدلاً من زيادة الإنتاج، حفاظاً على استقرار السوق.
  4. علاوة على ذلك، فإن السعودية تستثمر بنشاط في تطوير إنتاج البتروكيماويات الخاص بها كجزء من برنامج التنويع الخاص بها، والذي نما بالفعل حجم صادراته في السنوات الأخيرة، ومن ثم فإن زيادة حجم تجارة النفط الخام من المحتمل أن تؤثر على قطاع البتروكيماويات.

والجدير بالذكر أن انضمام روسيا إلى أوبك+ هو الذي سمح لها بتقوية تأثيرها في أسواق النفط الدولية وسط ثورة النفط الصخري وتأثيراتها مع الأخذ في الاعتبار أن موسكو تعتبر شريكاً مهماً بالنسبة للمملكة العربية السعودية علماً بأنه على مدار العامين الماضيين تم تشكيل مثلث سعودي – أمريكي – روسي يعمل بشكل رئيسي على تحديد الاتجاهات المتعلقة بمسارات النفط. 

وتأسيساً على ما سبق يتضح أن دول الخليج العربي في العلاقات الدولية تسعى إلى الحفاظ على علاقات طيبة مع روسيا في إطار تنويع علاقاتها الدولية خاصة وأن موسكو قدمت الكثير من أجل دعم علاقاتها مع دول الخليج.

لا شك أن حزم العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على واردات النفط الروسية إلى الاتحاد الأوروبي سوف تحد من قدرة موسكو كلاعب رئيسي في سوق المحروقات وسيكون لها تأثيرات كبيرة على الدول العربية المصدرة للنفط.

إذ أنه بموجب هذه العقوبات يمكن القول إن نحو ثلاثة ملايين برميل يوميًا من النفط الروسي عليها الخروج من السوق الأوروبي وذلك بالرغم من الاستثناءات الممنوحة لكل من المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك غير أن الثلاث دول مجتمعة لا يتعدى حجم وارداتها النفطية من روسيا حاجز 250 ألف برميل يوميًا، وهو أمر يمكن استبداله بسهولة ويسر بالاعتماد على الواردات القادمة من منطقة الشرق الأوسط.

وتزود روسيا أوروبا بأكثر من 40٪ من الغاز و25٪ من النفط المستورد وهما شريان الحياة للنشاط الاقتصادي، وقد منح هذا روسيا قدراً كبيراً من النفوذ على أوروبا في الماضي، ومع ذلك فقد الصراع الروسي الأوكراني مخاوف شديدة في العواصم الأوروبية دفعت بروكسل للعمل على تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على إمدادات النفط الروسية وهو ما يحتم عليها أن تتجه صوب دول الخليج لتعويض الإمدادات الروسية المفقودة من الغاز والنفط.

إن شبح العقوبات الاقتصادية سيكون له دور مؤثر وكبير في إضعاف قدرة موسكو على إنتاجها من الطاقة حيث تشير التوقعات الروسية الرسمية أن ينخفض ​​إنتاجها بنسبة 9.3 إلى 17% بينما تزعم تقديرات أخرى أنه قد يصل إلى حوالي 20 إلى 30% بحلول عام 2023م، أخذاً في الاعتبار أن موسكو كانت تعاني بالأساس من قبل فرض العقوبات عليها من مشاكل تتعلق بقدرتها على المحافظة على نفس مستويات الإنتاج الحالية.

وبالتالي فإنه يمكن استنباط أن عوامل افتقار الدب الروسي إلى التكنولوجيا اللازمة للتطوير في مجالات الطاقة وخفض الطلب على النفط الروسي لن يؤدي فقط إلى الحد من الدور الروسي في مجال أسواق النفط الدولية بل أيضاً انخفاض أهمية هذا الدور في منظمة أوبك+.

ومما لا شك فيه أن المواجهة الحالية بين روسيا والدول الأوروبية قد وصلت إلى مفترق طرق يمكن معه تعزيز تواجد دول الخليج العربي في سوق النفط الأوروبية ولكن بشكل تدريجي حفاظاً على علاقاتها الطيبة مع موسكو، وهو الأمر الذي تنبهت إليه المملكة العربية السعودية مبكراً حيث دأبت منذ عام 2017م، على زيادة تواجدها في السوق البولندية من خلال الحصول على حصة في المستهلك النهائي للنفط وبالتالي ضمان الطلب على النفط السعودي وضمان وجوده على المدى الطويل في السوق، وهو ما قد يمهد الطريق في تعاون الطاقة السعودي مع دول أوروبا الشرقية، أضف إلى ذلك أن شركة أرامكو للتجارة السعودية وقعت اتفاقية في يناير 2022م، مع مجموعة كليش لتوريد حصري للمواد الأولية لمصفاة كالوندبورغ في الدنمارك.

وبالتالي فإن المملكة العربية السعودية لديها خطط جادة طويلة الأجل فيما يتعلق بأوروبا الوسطى والشرقية، وفي هذه الحالة ستفيد الرياض رغبة الاتحاد الأوروبي في الابتعاد عن النفط الروسي، وهو اتجاه طويل المدى وما عجل من حدوثه الأحداث الجارية في أوكرانيا.

بقيت الإشارة إلى أن التعاون الأوروبي الخليجي في مجال إمدادات النفط والغاز يظل مرتبطاً بمدى انخراط الاتحاد الأوروبي مع دول الخليج في الملفات الشائكة التي تتعلق بأمنها القومي مثل تلك المرتبطة بالتهديد الذي يشكله الحوثيون، أو سياسات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، أو حتى المخاوف من تدخل تركيا في الشؤون الداخلية للدول العربية، وبالفعل انتبه القادة الأوروبيون إلى ذلك وقام العديد منهم بزيارة الخليج في وقت مبكر من الأزمة لضمان تدفق إمدادات الطاقة من المنطقة.

غير أن وجهة النظر هذه يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن دول الخليج العربي ليست الموردين الوحيدين للنفط والغاز، حيث تعد إيران أيضًا منتجًا للطاقة، وقد تسعى أوروبا لتدفق منتجات الطاقة الإيرانية إليها خاصة بعد توقيع طهران ومجموعة 5 + 1 على نسخة معدلة من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وهو ما يدفع بدول الخليج العربي نحو مسألة أن تكون صادراتها النفطية ذات أهمية قصوى من أجل حماية أمنها القومي باعتبار أنه لا أحد يعلم ما هو الثمن الذي يجب دفعه للسماح بمزيد من صادرات الطاقة الإيرانية إلى أوروبا، وهل الدول الأوروبية مستعدة لمنح طهران نفوذًا أكبر في المنطقة؟.

أضف إلى جميع ما سبق العلاقات الصينية / الخليجية وتأثيرها في المعادلة حيث تمثل الصين الشريك التجاري الأكبر لدول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2020م، وأكبر مشتر للنفط، ومصدراً بارزاً للاستثمارات المباشرة من خلال مبادرة الحزام والطريق المميزة، ويتمتع الجانبان برؤية مشتركة تدعم فتح المنطقة أمام قوى أخرى مثل الصين وروسيا والهند والتعاون في الأمن البحري ومصادر الطاقة المتجددة والتقنيات العسكرية والاتصالات المتقدمة فضلاً عن مجالات التعاون الواسعة بين الجانبين في تجارة الطاقة والاستثمارات الصينية المباشرة المساعدة في التحول الاقتصادي لدول الخليج.

غير أن الدب الروسي لم يقف مكتوف الأيدي إزاء ما آلت إليه مجريات الأمور فكان التفكير نحو إعادة توجيه صادراته النفطية نحو آسيا التي تمثل السوق الاستهلاكية التقليدية بالنسبة لدول الخليج العربية وهو الأمر الذي يزيد من حدة المنافسة على هذه السوق، وبالفعل قد كان حيث زات الدول الآسيوية وارداتها من النفط الروسي المخفض إلى درجة كبيرة وهو ما يدعو متخذي القرار في دول الخليج إلى ضرورة وضع هكذا مستجدات نصب أعينهم بوصف آسيا تمثل السوق الرئيسي بالنسبة لهم منذ زمن طويل مع الأخذ في الاعتبار أن المشكلة تتركز بالأساس فقط لدى دول معينة مثل الهند، والصين بشكل جزئي، ومن ثم يظل مستقبل النفط الروسي في آسيا محل شك. 

وبالتالي يمكن القول إن موسكو حفزت المنافسة في هذه الصناعة مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال إعادة توجيه تدفقات صادراتها النفطية إلى آسيا التي تمثل السوق التقليدي لدول الخليج حيث نجح النفط الروسي الرخيص في جذب انتباه المستهلكين الهنود والصينيين وهو ما قد يؤثر بالسلب على حصة السعودية في هذه الأسواق ولو من الناحية النظرية.

وإجمالاً يمكن القول إن عاملي الوضع الاقتصادي الفريد والخصومات الكبيرة التي تقدمها موسكو على إنتاجها النفطي تساهم بشكل كبير في تحديد المكاسب الروسية، غير أن تلك العوامل لا تتسم بالاستدامة على المدى الطويل، مع الأخذ في الاعتبار أن بكين تعمل على مواءمة مشترياتها من النفط الروسي مع واردات أكبر من الخام السعودي.

لا شك أن العوامل السابقة تدفع بالتفكير نحو ماهية مآلات التعامل مع روسيا وفق المعطيات السابقة إذ أنه بنظرة ثاقبة يمكننا الوصول إلى حقيقة مفادها أنه بالنسبة لدول الخليج فإنه من الصعوبة بمكان أن تقوم بضخ كميات أكبر من النفط لأوروبا وهذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهي ينبغي أن تحافظ على علاقات متوازنة مع روسيا، وكذلك الحال بالنسبة لأوبك+ التي سبق لها وأن أعلنت أنها غير قادرة على استبدال النفط الروسي.

ومن خلال العرض السابق نجد أن حرب بوتين في أوكرانيا كان لها آثار اقتصادية لافتة على الدول الخليجية المنتجة للنفط غير أنه يتعين علينا إدراك حقيقة أنه من الصعب إعلان حرب سوق مفتوحة ضد موسكو في أسواق النفط الدولية وذلك نظراً للاعتبارات التالية:

  1. الرغبة الأوروبية التي قد تكون غير معلنة في تنويع الإمدادات النفطية المستوردة لدولهم وهو ما يرجح احتمالية استبدال روسيا بدول الخليج العربية بالنسبة لهم بشكل متدرج ووفق آلية تعمل على تنظيم سياسة تسعير النفط المستورد من دول الخليج العربية.
  2. إن دول الخليج العربي لا زالت تراقب عن كثب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على مجريات الأمور بالنسبة لسوق النفط الدولية، وتأثير COVID-19 على الاقتصاد الصيني، والعرض الزائد المحتمل، ومعدل النمو المنخفض للاقتصاد العالمي.
  3. يظل حجم الإنتاج من الأمور غير الواضحة حيث أنه من غير الواضح مدى الاستجابة التي تقوم بها أوبك+ لتلبية المطالب الأمريكية والغربية لزيادة معدلات الإنتاج لخفض الأسعار التي أثرت بالسلب على النمو في اقتصاداتهم، وهنا تجدر الإشارة إلى أن القيادة السعودية وعدت بضمان الإمداد الكافي للسوق.
  4. الاعتقاد الراسخ لدى أوبك بضرورة الاحتفاظ باحتياطي القدرات الاحتياطية لحالات الطوارئ.
  5. إن أي خطوة تقوم بها دول الخليج العربية في الأمور المتعلقة بحجم الإنتاج فإن تركيزها الأساسي سينصب بشكل كبير على الآثار النفسية لأسعار النفط عوضاً عن تغيير الأساسيات التي تحددها بالشكل الذي من شأنه إرضاء كلاً من الولايات المتحدة وروسيا.

وبالتالي نجد أن جميع العوامل سالفة الذكر سوف تؤثر بالسلب على أسواق النفط الدولية وهو ما يتطلب قدراً أكبر من التنسيق والاتساق داخل أوبك+ بالشكل الذي يمكن الدول الأعضاء من وضع سياسات إنتاج جديدة بإمكانها مواجهة كل تلك التحديات الناشئة خاصة في ظل تراجع الدور الروسي في هذه الأسواق.

وتأسيساً على ما سبق فإن دول الخليج العربي تدرك تماماً أنه وفق المعطيات السابقة فقد أضحى النفط العربي حاجة ماسة، وعلى تلك الدول مجتمعة تحقيق أقصى قدر ممكن من الاستفادة من تلك الحاجة واستخدامها كورقة تفاوضية لبيان مدى النفوذ الحقيقي الذي تحظى به دول الخليج العربي التي نجحت في أن تصبح أقوى من أي وقت مضى فيما يخص العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وفرض سيطرتها الأمنية على دول الجوار بالشكل الذي يخدم مصالح تلك الدول بعيداً عن الحلفاء التقليديين لها، ولعل ما يؤكد نجاح تلك الدول تجاهل المملكة العربية السعودية مطالب إدارة بايدن لزيادة حجم الإنتاج ونتائج الزيارة التي قام بها للسعودية والتي لم يكن لها التأثير المرغوب من ناحيتهم إذ ظلت مستويات الإنتاج مرتبطة بتحقيق أقصى قدر ممكن من المرونة بين العرض والطلب لضبط مستويات الأسعار.

وكنتيجة لما تم إيضاحه فإنه من غير المتوقع أن يكون هناك ثمة تدخل مباشر وعلني من منتجي النفط الخليجيين للحرب في أوكرانيا حرصاً على علاقات طيبة مع الروس خاصة في ظل الشكوك حول مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ذلك لا يعكس بالضرورة علاقات روسية ـ خليجية متينة إذ أن ذلك يظل مرتبطاً إلى حد كبير بمجموعة من العوامل الأخرى لعل من أبرزها مسار العلاقات الخليجية الأمريكية الفترة القادمة، ونتائج العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، وآليات العرض والطلب التي تحكم أسواق النفط الدولية. 

إن العلاقات الخليجية مع الروس تظل على الحياد ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتقلبات التي تسيطر على سوق النفط وقدرة روسيا المنخفضة كمنتج للنفط، ومسار العلاقات بين دول الخليج مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وأن حدوث أي خلل في العلاقات الخليجية / الروسية يظل رهناً برغبة منتجي النفط الخليجيين في أن يخدم تعاونهم مع الدب الروسي أجندات سياستهم الخارجية والاقتصادية الأوسع.

وخلاصة القول، إن الحرب الروسية / الأوكرانية كان لها آثار سلبية من جميع النواحي وهو ما يتطلب من المجتمع الدولي الركون إلى قواعد القانون الدولي والالتزام به حفاظاً على الإنسانية على أن يتم ذلك من خلال الجهات المعنية بحل النزاع بالطرق السلمية، وفي هذا الإطار فإن دول الخليج عليها أن تسعى جاهدة للسير على هذا النهج وتبنيه في إطار المجتمع الدولي لإنهاء حالة الحرب في الأجل القصير على أن تقف في الجانب الصحيح الذي يحافظ على مصالحها وأمنها في نهاية المطاف،  وأن تقف على مسافة آمنة من الصراع وأطرافه، وغني عن البيان أن مصلحة الدول الخليجية باقية طالما هناك مستوردون للنفط، وبينما يستمر هذا الصراع في زعزعة استقرار أوروبا فإنه من الأهمية بمكان أن تتوحد الدول داخل دول مجلس التعاون الخليجي نفسها وهو ما يتطلب العمل منهم سوياً تجاه تقوية وتعزيز العلاقات ورأب الصدع في أي خلافات داخلية وبناء شبكة من الشراكات الأمنية لضمان استقراره وأمنه في الأوقات المضطربة.

مقالات لنفس الكاتب