array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 178

زيادة حصة أوبك إلى 39% وتدفقات الشرق الأوسط لآسيا 19.5 مليون برميل يوميًا عام 2045

الأربعاء، 28 أيلول/سبتمبر 2022

يعد “التقلب" السمة الأساسية لأسعار النفط على مدار العقود الماضية بسبب العديد من العوامل. حيث تعكس أسعار النفط، كما هو حال غيرها من السلع العالمية حجم التوازن بين معدلات العرض والطلب. وبنفس القدر من الأهمية، وكونه يعد سلعة استراتيجية، تؤثر الجغرافيا السياسية بشكل كبير على عملية الإنتاج النفطي، ومعدلات الطلب، والتجارة، والتسعير. وأخيرًا، فإن شركات النفط تعد من أغنى الشركات عالميًا، ولطالما حرصت على تخصيص موارد كبيرة في سبيل تحسين وتطوير آليات التنقيب وتقنيات الإنتاج.

 كانت الارتفاعات القياسية لأسعار النفط، في أعقاب اندلاع الحرب بين الأمة العربية وإسرائيل عام 1973م، مدفوعة بالتطورات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط حينذاك. حيث قررت الدول العربية المصدرة للنفط، بقيادة المملكة العربية السعودية، خفض الإنتاج، وفرض حظر على الولايات المتحدة وبعض الدول القليلة الأخرى بسبب دعمهم لإسرائيل. تلى ذلك صدمة ارتفاعات ثانية -خلال الفترة ما بين عامي 1978/1980م، متأثرة بتبعات اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979م، والحرب الإيرانية -العراقية (1980-1988م). دفعت مخاوف كبريات شركات النفط العالمية بشأن عدم استقرار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، واضطراب حركة الإمدادات، إلى الاستثمار بشكل مكثف على مدار العقود الماضية، في تطوير مصادر أخرى للطاقة، شمل ذلك عمليات التنقيب بمنطقتي خليج المكسيك وبحر الشمال. كما استثمرت أيضًا في تطوير تقنية حديثة للإنتاج: وهي التكسير الهيدروليكي مع الحفر الأفقي.

وقد ساهم استخدام تقنية التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي في الولايات المتحدة بشكل كبير في توسيع قدرة المنتجين على استخراج الغاز الطبيعي والنفط من المواقع المعقدة على الصعيد الجيوسياسي. وبشكل عام، وفي ظل هذا المزيج من التقنيات الحديثة، يتم حقن الماء والرمل والمواد الكيميائية داخل الثقب الأفقي للبئر عند مستويات ضغط شديدة العلو، لتسمح بتشقق وتفتت الكتل الصخرية، ومن ثم استخراج الغاز. وساعد ذلك على النفاذ بشكل أوسع إلى مصادر النفط والغاز الكامنة داخل التكوينات الصخرية الضيقة، حيث تتسبب كثافة الكتل الصخرية، في الحيلولة دون انتقال الهيدروكربونات إلى خزانات النفط والغاز التقليدية. وقادت شركة "ميتشل" للطاقة والتنمية في "بارنيت شيل"، وشمال وسط ولاية تكساس، واحدة من أقدم التطبيقات الناجحة في استخدام هذه التقنية الحديثة. ومنذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم التعرف على هذا المزيج من التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي على نطاق واسع داخل الولايات المتحدة وحول العالم بوصفه "عامل تغيير قواعد اللعبة".

ساهم الابتكار التقني في تغيير مشهد الطاقة الأمريكي بشكل جذري؛ حيث شهدت معدلات الإنتاج قفزة هائلة، وقل الاعتماد على الواردات النفطية بنسبة كبيرة. وبرغم هذا المشهد الإيجابي، إلا أنه عجز عن التغلب على التحديات الجيوسياسية، التي باتت تتعرض لها أسواق الطاقة العالمية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا بداية العام الجاري. تسببت الحروب الدامية التي شهدتها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، في كشف هشاشة الدول التي تستورد النفط والغاز لاسيما داخل أوروبا. وعلى مدار أشهر ماضية، منذ اندلاع الحرب الأوكرانية حتى الآن، سعى العديد من القادة الأوروبيين، بالأخص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى لعب دور الوسيط لعملية السلام بين موسكو وكييف. لكن لم تنجح هذه الجهود في تدعيم استقرار أسواق النفط والغاز.

من جانبه، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مطلع شهر سبتمبر الماضي، وقف شحنات الغاز، والنفط، والفحم وغيرهم من المعادن الأخرى. وقد عمدت موسكو منذ شهر سبتمبر من العام الماضي إلى تحجيم إمداداتها من الغاز إلى الأسواق الأوروبية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الجملة بنحو 10 مرات، وزيادة معدلات التضخم إلى أعلى مستوى لها منذ 40 عامًا، لتدفع بالاقتصادات إلى الوقوف على حافة الركود. وجاء استخدام الكرملين للطاقة والموارد الأحفورية كسلاح ضد الغرب، ليجبر الحكومات الأوروبية على اتخاذ تدابير صارمة لم يكن في الإمكان تصورها قبل بضعة أشهر قليلة، وذلك من أجل صد الهجوم الروسي، وحماية أسواق الطاقة والاقتصادات من تبعات الحرب. فوجدت دول مثل السويد وفنلندا، نفسها مضطرة إلى تقديم سيولة مالية طارئة لمساعدة منتجي الطاقة، الذين كانوا يواجهون ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الطلب. فيما كشفت ألمانيا النقاب عن حزمة دعم ثانية للأسر والشركات بقيمة 65 مليار يورو. ليصل إجمالي قيمة المساعدات التي خصصتها الحكومات الأوروبية حتى الآن من أجل تعويض ارتفاع الأسعار وتنويع مصادر الإمداد إلى 350 مليار يورو. وبالمثل، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، ليز تروس، عن وضع حد أقصى لفواتير الطاقة للمنازل والشركات، والتي من المتوقع أن تصل تكلفتها لما يقرب من 150 مليار جنيه استرليني على مدى عامين. وأخيرًا، وافقت مجموعة الدول السبع (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وكندا، واليابان) بداية شهر سبتمبر الماضي على فرض سقف عالمي لأسعار النفط الخام الروسي. الأمر الذي قد يتعذر تطبيقه، وربما تعارضه كبار الدول المستوردة الأخرى مثل الصين والهند وتركيا.

ثمة ثقة متنامية لدى العواصم الأوروبية بشأن قدرة القارة العجوز على تجاوز فصل الشتاء المقبل دون حدوث اضطرابات اقتصادية واجتماعية حادة أو الحاجة لترشيد الطاقة. حيث بلغ مخزون الغاز داخل المنشآت الأوروبية نحو 82 %، أي متقدمًا عن هدف 80% الذي حددته الكتلة الأوروبية لنهاية أكتوبر الحالي. وعمدت دول الاتحاد إلى تنويع مصادر الإمدادات، وزيادة واردات خطوط الأنابيب من النرويج والجزائر وأذربيجان والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة ومنتجين آخرين.

وقبل غزوها لأوكرانيا، كانت روسيا تستحوذ على 40 % من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز، لتتراجع هذه النسبة حاليًا إلى 9 % فقط. ومع ذلك، يدرك القادة الأوروبيون جيدًا حجم الألم المرافق لارتفاع فواتير الطاقة خلال فصل الشتاء المقبل إلى جانب الأعباء المالية المتزايدة على الحكومات الأوروبية، في سبيل حماية الأسر من التكاليف الباهظة. وفي ظل توقعات باستمرار معدلات التضخم المرتفعة، يستعد القطاع الاستهلاكي لتلقي أكبر ضربة قاسمة لمستويات المعيشة منذ أجيال. حيث تراجع مؤشر ثقة المستهلك بالمملكة المتحدة إلى أدنى مستوياته على الإطلاق منذ بدء السجلات في عام 1974م، كما سجل المؤشر مستوىً قياسيًا منخفضًا داخل منطقة العملة الأوروبية الموحدة “اليورو". فضلاً عن انكماش الاقتصاد البريطاني خلال الربع الثاني من العام الجاري، فيما تشير توقعات البنك المركزي الأوروبي إلى تسجيل اقتصاد منطقة اليورو ركودًا خلال الربع الأخير من عام 2022م، والأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023م، ثم يتقلص تمامًا خلال العام المقبل.

نظام الطاقة العالمي الصاعد

بحسب الوكالة الدولية للطاقة، ومقرها في باريس، ثمة اقتصاد عالمي جديد للطاقة آخذ في الصعود، مع إمكانية خلق ملايين من الوظائف اللائقة عبر مجموعة من سلاسل التوريد الجديدة، التي ستكون أكثر كفاءة وترابطًا ونظافة ومزودة بالكهرباء. فقد أضحت تكنولوجيا الطاقة النظيفة مجالاً رئيسيًا جديدًا للاستثمار، والتوظيف، وساحة ديناميكية للتعاون والمنافسة الدوليين. فالعالم لا يستثمر ما يكفي لتلبية احتياجاته المستقبلية من الطاقة، كما أن حالة عدم اليقين الغالبة على السياسات ومسارات الطلب باتت تشكل تهديدًا خطيرًا، متمثلا في معايشة فترة من التقلبات في أسواق الطاقة. ويشهد الإنفاق المرتبط بعملية الانتقال الطاقي ارتفاعًا تدريجيًا، لكنه لا يزال أقل بكثير مما هو مطلوب لتلبية الطلب المتزايد على خدمات الطاقة بطريقة مستدامة.

وفي تحليلها بشأن مجريات أسواق الطاقة العالمية، أصدرت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" توقعاتها بشأن ارتفاع الطلب العالمي الأولى على النفط بنسبة 28 % في الفترة ما بين عام 2020 م، إلى 2045م، مدفوعا بتضاعف متوقع في حجم الاقتصاد العالمي، وزيادة التعداد السكاني العالمي بمقدار 1.7 مليار نسمة بحلول عام 2045م، كما من المتوقع أن تشهد كافة مصادر الطاقة نموًا، عدا الفحم. وأن تستحوذ مصادر الطاقة المتجددة على أكبر معدل نمو يليها الغاز، كذلك من المتوقع أن يظل النفط محتفظا بمكانته كرقم واحد على صعيد مصادر الطاقة.

هناك حاجة ملحة إلى ضخ استثمارات ضخمة من أجل تلبية احتياجات الطاقة. حيث يشكل نقص الاستثمارات واحدًا من أكبر التحديات التي تواجه صناعة النفط حاليًا، وتسبب تفشي جائحة فيروس كورونا في تفاقم هذه الأزمة، بعد تراجع الاستثمارات بنحو 30% على مدار عام 2020م. وفي ظل غياب الاستثمارات اللازمة، تتنامى احتمالات حدوث مزيد من التقلبات، ونقص الطاقة في المستقبل، وهو الأمر الذي يهدد مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء. من جانبها، تظل منظمة" أوبك "ملتزمة بدعم الاستثمارات، التي تستفيد من استقرار السوق المستدام، والبيئة التمكينية الملائمة.

وتشير التوقعات إلى استمرار استحواذ النفط على الحصة الأكبر من مزيج الطاقة العالمي حتى عام 2045م. ومن المقرر أن يزداد الطلب الأولي على النفط على المدى الطويل من 82.5 مليون برميل يوميًا، إلى 99 مليون برميلاً يوميًا خلال عام 2045م. وعلى الرغم من تباطؤ نمو الطلب على النفط خلال العقود القليلة القادمة، مقابل نمو متزايد لمصادر الطاقة الأخرى مثل الطاقة المتجددة والغاز والطاقة النووية، من المتوقع أن يظل المعدن الأسود محتفظًا بحصته الأعلى على صعيد مزيج الطاقة العالمي في المستقبل المنظور. وخلال عام 2020م، شكل النفط 30٪ من متطلبات الطاقة العالمية. وبحسب التوقعات، ستزداد حصة النفط تدريجيًا إلى أكثر من 31 % بحلول عام 2025م، بدعم تعافي الطلب خلال مرحلة ما بعد كورونا، قبل أن تعاود حصته الانخفاض لتصل إلى 28 % بحلول عام 2045م.

وتشير التوقعات أيضًا إلى أن مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي سيكون لها السهم الأكبر في تدعيم الطلب المتزايد على الطاقة في المستقبل. كما من المتوقع أن ينمو الطلب على مصادر الطاقة المتجددة من -ما يعادل 6.8 مليون برميل يوميًا خلال عام 2020-إلى 36.6 مليون برميل يوميًا خلال عام 2045م -وهو ما يمثل أكبر مساهمة فردية تزايديه في مزيج الطاقة المستقبلي. فضلاً عن أنه يعد أسرع مصادر الطاقة نموًا، حيث ستتجاوز حصته في مزيج الطاقة الأولية العالمي 10 % خلال عام 2045، ارتفاعًا من 2.5 % المسجلة خلال عام 2020م، ويعزى ذلك إلى انخفاض التكاليف وتحول السياسات صوب التركيز على الحد من الانبعاثات. من المتوقع أيضًا أن يزداد الطلب على الغاز بمقدار 21.6 مليون برميل يوميًا خلال الفترة ما بين عامي 2020 و2045م. وبذلك يرتفع إجمالي الطلب على الغاز إلى 85.7 مليون برميل يوميًا خلال عام 2045م، ليصبح ثاني أكبر وقود في مزيج الطاقة بعد النفط.

الجغرافيا السياسية للطاقة

تعكس التوقعات المستقبلية على المدى البعيد صورة متناقضة لمعدلات الطلب على النفط بين الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكبار المستهلكين الآخرين لاسيما من القوى الآسيوية. حيث من المتوقع أن يتراجع الطلب على النفط داخل الدول الأعضاء بمنظمة التعاون والتنمية، بينما سيواصل نموه بالأسواق خارج المنظمة. ومن المفترض أن تبدأ ملامح هذا الاتجاه في الظهور على المدى المتوسط، قبل أن يترسخ على المدى البعيد. وبحسب التقديرات، سيصل الطلب على النفط داخل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذروته خلال عام 2023م، بما يقارب 46.6 مليون برميل يوميًا. وذلك قبل أن يبدأ انخفاضه على المدى البعيد ليبلغ مستوى 34 مليون برميل يوميًا خلال عام 2045م، على النقيض، سيواصل الطلب على المعدن الأسود ارتفاعه بالمنطقة خارج المنظمة، مدفوعًا بالتوسع الذي تشهده الطبقة الوسطى داخل هذه المنطقة، ومعدلات النمو السكاني المرتفعة، علاوة عن توافر إمكانية تحقيق نمو اقتصادي. ومن المتوقع أن ينمو الطلب على النفط بالأسواق الآسيوية بمقدار 25.5 مليون برميل يوميًا خلال الفترة ما بين 2020 إلى 2045م، ليصل إلى مستوى 74.1 مليون برميل يوميًا في عام 2045م.

على صعيد الإمدادات، يعد النفط الصخري الأمريكي محركًا رئيسيًا للنمو على المدى المتوسط لكن سيصل ذروته بحلول عام 2030م. ومن المفترض أن تشكل أساسيات السوق التدعيمية حافزًا لعودة النمو لإنتاج النفط الصخري الأمريكي اعتبارًا من عام 2022م، حيث من المتوقع أن يحقق نموًا من 11.5 مليون برميل يوميًا خلال عام 2020م، إلى 14.8 مليون برميل يوميًا في 2026م. وبحسب التوقعات، سيبلغ إنتاج النفط الصخري ذروته خلال أواخر العشرينيات، بمعدل 15.2 مليون برميل يوميًا. ذلك بالتزامن مع تحقيق إجمالي الإنتاج الأمريكي من الوقود السائل الحد الأقصى له بما يقرب من 20.5 مليون برميل يوميًا خلال الفترة ذاتها. في غضون ذلك، ستتراجع إمدادات الوقود السائلة للدول غير الأعضاء بمنظمة أوبك على المدى البعيد. بينما ستشهد منظمة أوبك زيادة في حصتها السوقية. وبعد بلوغ المعروض الأمريكي من الوقود السائل ذروته، سيشهد إجمالي إنتاج الدول خارج منظمة أوبك من الوقود السائل انخفاضًا من مستوى مرتفع قياسي يبلغ 71 مليون برميل يوميًا مع حلول عام 2030، إلى 65.5 مليون برميل خلال عام 2045م. وهو في الأساس مستوى يقارب مستويات ما قبل انتشار جائحة كورونا. ونتيجة لذلك، سيشهد إنتاج أوبك من الوقود السائل-المتوقع له التعافي إلى مستويات ما قبل كورونا بحلول منتصف عشرينات القرن الحالي-نموا من 35.7 مليون برميل يوميًا خلال 2030 م، إلى 42.7 مليون برميل يوميًا في 2045م، وبحسب التقديرات، سترتفع حصة أوبك في السوق العالمي من 33% في 2020 إلى 39% في 2045م.

من ناحية أخرى، ستحتفظ منطقة آسيا والمحيط الهادئ بمكانتها كأهم منطقة مستوردة للنفط الخام والمنتجات البترولية على المدى الطويل، فمن المتوقع أن يرتفع إجمالي حجم وارداتها من حوالي 23.5 مليون برميل يوميًا عام 2019م، إلى ما يقرب من 30 مليون برميل يوميًا خلال عام 2045م، فيما تظل منطقة الشرق الأوسط المورد الرئيسي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، مع زيادة التدفقات إلى ما يزيد عن 19.5 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2045م، أي بما يزيد بنحو 4.8 مليون برميل يوميًا مقارنة مستويات عام 2019م.

من الأهمية بمكان، عدم المبالغة أو الاستهانة في تقدير ذلك التناقض الواضح بين معدلات الاستهلاك النفطية بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وأسواق منطقة آسيا-المحيط الهادي. حيث يشهد الاقتصاد العالمي حالة تكامل واندماج تام، ومن ثم فإن وجود نقص في منطقة واحدة كفيل بأن يخلف تداعيات واسعة على الاقتصاد العالمي برمته.

ويعتبر استقرار إمدادات الطاقة بأسعار معقولة ضرورة حاسمة لازدهار الاقتصادي العالمي، وتدعيم الاستقرار السياسي والسلام العالمي. لقد نجحت الولايات المتحدة، من خلال تطويع نفوذها عالميًا، وقوتها الاقتصادية والعسكرية ودورها المحوري في النظام العالمي بشكل عام، في أن تلعب دورًا حاسمًا في تأسيس سوق عالمي مستدام وآمن للطاقة. في الوقت ذاته، يعد كبار منتجي النفط والغاز في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام لاعبين وشركاء أساسيين في تدعيم استقرار الاقتصادات العالمية.

ولا تقتصر الأهداف الأمريكية الرئيسية داخل منطقة الشرق الأوسط على النفط فحسب، بل تشمل أيضًا محاربة الإرهاب، وعدم انتشار أسلحة الدمار الشامل. وبالتالي، فمن المبالغة في تبسيط الأمور الاعتقاد بأن هدف واشنطن الأوحد داخل المنطقة يقتصر على تأمين إمدادات الطاقة، وسيجانبنا الصواب أيضًا إذا تغافلنا عن الدور المحوري الذي يلعبه النفط والمنتجات البترولية في تحريك بوصلة السياسة الخارجية للولايات المتحدة داخل المنطقة. فعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، أكدت الأحداث والتطورات أهمية الشراكة الأمريكية -الخليجية في إعلاء الازدهار الاقتصادي العالمي وتدعيم الاستقرار السياسي. وتشمل قائمة الأحداث؛ تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي الناجم عن انتشار جائحة كورونا وتسييس المعروض العالمي من الطاقة والنفط بسبب تبعات حرب روسيا وأوكرانيا.

وهكذا شكل استقرار أسواق النفط الدافع الرئيسي المحرك لزيارة الرئيس الأمريكي جون بايدن الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية واجتماعه مع القادة العرب. لكنه لم يكن المحرك الوحيد. حيث تعد العلاقات الأمريكية -الخليجية محورية في سبيل الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والسلام العالمي. وطوال عقود ماضية، استثمر الجانبان بشكل كبير في ترسيخ الشراكة الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية فيما بينهما. حيث تمثل الولايات المتحدة أحد أكبر الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون الخليجي، ككتلة ولكل دولة على حده. كما تلعب الشركات الأمريكية الكبرى دورا رئيسيا في العديد من القطاعات الاقتصادية بمنطقة الخليج، وتعد صناديق الثروة السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي من كبار المستثمرين الأجانب في السوق الأمريكية، حيث توفر ملايين الوظائف وتعزز الرخاء الاقتصادي وتقاسم الثروة بين الجانبين.

ومنذ أواخر سبعينات القرن الماضي، ألزمت واشنطن نفسها بالدفاع عن دول مجلس التعاون الخليجي تجاه أي عدوان أجنبي. ووفقا ل "عقيدة كارتر" يعتبر أي عدوان ضد دول مجلس التعاون الخليجي بمثابة تهديد خطير للأمن القومي الأمريكي. ومنذ ذلك الحين، أبدت الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية على حد سواء احترامًا وإجلالاً لهذه العقيدة. وشمل التعاون العسكري الوثيق بين الجانبين؛ تدريب الكوادر الأمنية، وبيع الأسلحة، إضافة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية. كما يعقد كبار المسئولون الأمريكيون اجتماعات دورية مع نظرائهم من أجل تنسيق الاستراتيجيات الموضوعة في سبيل مخاطبة التحديات الإقليمية والعالمية.

ومثل أي علاقة، قد لا يتفق الجانبان على كافة الأمور، لكن يظل احترام القادة الخليجيين وكبار المسئولين الأمريكيين لسيادة بعضهم البعض، وحق اختيار السياسات التي يرونها مناسبة لتحقيق مصالحهم القومية. وتلعب الجامعات الأمريكية وغيرها من المؤسسات التعليمية الأخرى دورًا رائدا في تعميق التبادلات الثقافية، والتفاهم بين الشعب الأمريكي والعالم العربي. وبالمثل، يعد الطلاب العرب في الولايات المتحدة بمثابة سفراء لثقافة دولهم، حيث ينقلون الى المواطنين الأمريكيين المعرفة بتقاليد الإسلام والشرق الأوسط الكبير.

وعلى مدى العقود العديدة الماضية، تمكنت الشراكة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في النجاة من العديد من التحديات الرئيسية بما في ذلك تحرير الكويت في عام 1991م، وهجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة في عام 2001م، والغزو الأمريكي للعراق من أجل الإطاحة بصدام حسين في عام 2003م، ومما بات يعرف ب “الربيع العربي" خلال عام 2011م، وقد عززت هذه التحديات، وغيرها الكثير، العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي. ومن المؤكد أن هذه الشراكة باقية لعقود عديدة قادمة.

مقالات لنفس الكاتب