array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 178

الهند تتجه للنفط الروسي الرخيص لارتفاع فاتورة الاستيراد إلى 119 مليار دولارًا

الأربعاء، 28 أيلول/سبتمبر 2022

بينما لايزال العالم يتلمس خطواته في سبيل التعافي من أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا، خلقت روسيا وأوكرانيا تحديات جديدة لم تقتصر على الصعيد السياسي فقط، بل امتدت إلى الصعيد الاقتصادي أيضًا، لاسيما قطاعي الغذاء والطاقة. حيث أثرت العقوبات الأمريكية ضد روسيا على إمدادات الطاقة بشكل خاص، مما أسفر عن تداعيات عدة؛ أولها، ارتفاع حاد في أسعار النفط وسط حالة من الركود تصيب العديد من الاقتصادات حول العالم، ثانيًا، جنى منتجي الطاقة لاسيما في منطقة الخليج عائدات أكبر من وراء مبيعات النفط، ثالثًا، توجه الدول الآسيوية، وخاصة الهند والصين، إلى تحويل مشترياتها من الطاقة إلى الخام الروسي بدلا من منتجي النفط في الخليج، رابعًا توجه دول أوروبا إلى استبدال إمدادات الطاقة الروسية بالإمدادات الخليجية.

 

يرى بعض المحللين أن أحد أبرز العواقب المترتبة على الغزو الروسي لأوكرانيا على المدى البعيد، يتمثل في إعادة تنظيم تدفق الصادرات في أسواق النفط العالمية. "ستكون هناك تبعات مباشرة على الأطراف اللاعبة في منطقة الشرق الأوسط، تضطرهم إلى الاختيار ما بين خوض غمار المنافسة مع روسيا وبعضهم البعض أو الاستمرار في تنسيق جهودهم المشتركة". ويركز المقال أدناه على تحليل هذا التقييم عبر تسليط الضوء على الاستراتيجيات الصينية والهندية للتكيف مع الاضطرابات التي تشهدها أسواق الطاقة، والأسباب المنطقية التي تعتمدها هذه الاستراتيجيات.ويناقش المقال ضرورة ألا تشعر دول الخليج بقلق مفرط إزاء هذه التحولات، نظرا إلى أن ديناميكيات الطاقة في منطقة الخليج وآسيا يتم تحديدها على المديين المتوسط والطويل من قبل الأسواق، وليس فقط الجغرافيا السياسية.

 

مع اندلاع الحرب الروسية -الأوكرانية، استثمرت شركة المملكة العربية السعودية القابضة 600 مليون دولار في ثلاث من أكبر شركات الطاقة المهيمنة داخل روسيا. وتأكيدًا على أهمية تعاونهما لضمان المستوى المنشود لأسعار النفط، عملت الدولتان، المُنتجتان للمعدن الأسود، والمُتنافستان في الوقت ذاته، على توسيع شراكتهما عبر تحالف "أوبك بلس"، برغم المساعي الأمريكية والأوروبية الرامية إلى عزل موسكو.

 

مكسب أحدهم خسارة للآخر

 

في دولة مثل الهند، حيث تلعب أسعار النفط المرتفعة والتضخم دورًا كبيرًا على الصعيد السياسي والانتخابي، تعمد الحكومة إلى شراء المزيد من النفط الروسي لتستفيد من أسعاره المخفضة. حيث عرضت روسيا تخفيض أسعار النفط بمقدار 35 دولارًا للبرميل، الأمر الذي أعاد أسعار النفط لمستويات ما قبل الحرب الأوكرانية، وأدى هذا بطبيعة الحال إلى التأثير على تعاملات الهند التجارية مع مورديها التقليديين في منطقة الشرق الأوسط (أو غرب آسيا)، كذلك مع دول أفريقيا والولايات المتحدة، الذين أضحوا مجبرين على إعادة ضبط بوصلة شحناتهم من الطاقة لأسواق جديدة. وتعتمد الهند بنسبة 85.5٪ على الواردات لتلبية احتياجاتها من النفط الخام، لكنها تمتلك في الوقت ذاته طاقة تكرير فائضة وتصدر بعض المنتجات البترولية. من ناحية أخرى، تعاني البلاد من نقص في إنتاج غاز الطهي أو غاز البترول المسال، الذي يتم استيراده. وبحسب بيانات وزارة البترول والغاز الطبيعي الهندية، قفزت حصة الطاقة المستوردة من منطقة أوراسيا، التي تضم روسيا، ضمن إجمالي واردات النفط الخام الهندية إلى 18.8٪ خلال الفترة ما بين شهر أبريل حتى يونيو الماضي. ذلك بعدما كانت قد سجلت 3.4٪ فقط في الأشهر الـ 12 السابقة. فيما جاءت مساهمة أذربيجان، أحد الموردين الآخرين التي تعتمد عليهم داخل منطقة أوراسيا، في الواردات الهندية محدودة.

 

في المقابل، تراجعت واردات النفط الهندية من منطقة الشرق الأوسط، التي تعد أكبر مورد للهند عالميا، بنسبة 2 % خلال 12 شهرا، لتسجل 61.9% بدلا من 63.9%. وبالمثل، انخفضت حصة الإمدادات النفطية لمنظمة "أوبك"في إجمالي واردات الطاقة الهندية خلال الفترة ما بين أبريل إلى يونيو الماضي لتسجل 64.8% مقارنة ب 69.7% المسجلة خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.

 

وعلى النقيض من الصين، التي تمتلك شبكة توريد للطاقة أكثر تنوعًا بشكل أفضل. تعتمد الهند بشكل كبير على منطقة الشرق الأوسط لضمان أمنها الطاقي. من جانبها، ساعدت الولايات المتحدة في محاولة تنويع إمدادات النفط الهندية، منذ أن بدأت الصادرات في أواخر عام 2015 م، وتعد كل من كندا والمكسيك من بين الموردين الآخرين للهند داخل منطقة أمريكا الشمالية. غير أن حجم المشتريات من البلدان الثلاثة مجتمعة انخفضت بمقدار النصف إلى 6.8٪ مقارنة بالعام السابق. وانخفضت الإمدادات الأفريقية بالمثل من 13.6٪ إلى 9.2٪. 

وقد جاءت زيادة واردات الهند من النفط الروسي بشكل واضح على حساب دول مثل العراق والمملكة العربية السعودية، التي تعد أكبر مصدري الخام إلى الهند، وهو ما يتضح في الرسم البياني أدناه:

 

 

حماية المصالح الوطنية

 

دافع وزير الشؤون الخارجية الهندي د. إس. جايشانكار بقوة عن موقف بلاده من النزاع الأوكراني، قائلا إن الهند لم تنحاز إلى أي من طرفي النزاع. وبرر استمرار التواصل مع موسكو بالحاجة لتلبية الاحتياجات الدفاعية، وإمدادات النفط الخام والأسمدة. وأضاف أن الانتقاد الدولي للهند كان "غير مبرر ولا داعي له".

ومن خلال شرح مفصل للنهج الذي تعتمده الهند تجاه المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، التي تعصف بالعالم، أكد الوزير الهندي أن مواقف بلاده تمليها المصالح الوطنية، مشيرا إلى أن الدول المنتقدة لرفض الهند قطع العلاقات مع روسيا، هي نفسها لم توقف تعاملاتها مع موسكو، من أجل خدمة مصالحهم الوطنية أيضًا.

وأكد الوزير الهندي أن مشتريات أوروبا من النفط والغاز الروسي خلال شهر مارس الماضي، فاقت مشتريات شهر فبراير السابق له بنسبة %15 وأن معظم المشترين الرئيسيين للنفط والغاز الروسي هم من أوروبا. كما أشار إلى العدوان الصيني على الحدود الهندية لتوضيح لماذا لم تستطع الهند أن تنضم إلى الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لقطع العلاقات مع روسيا.

 

من جانبها، أبدت واشنطن استعدادها لدعم الهند في تنويع وارداتها من الطاقة. وجدد البيت الأبيض رغبته في أن تتوقف نيودلهي عن شراء النفط من روسيا، "لا نعتقد أنه يجب على الهند تسريع أو زيادة واردات الطاقة الروسية والسلع الأخرى ... نحن على استعداد لدعم الهند كما هو الحال في أي جهود تبذل، من أجل تنويع وارداتها والعمل كمورد موثوق به ..."، في حين بررت الهند-التي تعد  ثالث أكبر دولة مستهلكة ومستوردة للنفط في العالم - سعيها للحصول على نفط روسي مخفض السعر، بسبب ارتفاع فاتورة استيراد النفط الخام، التي تضاعفت قيمتها لتصل إلى ما يقرب من 119 مليار دولارًا خلال السنة المالية المنتهية في 31 مارس ، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، بعد عودة الطلب في فترة ما بعد كورونا، واندلاع الحرب الأوكرانية.

 

بدأت أسعار النفط تشهد ارتفاعا بدءًا من يناير الماضي، متجاوزة مستوى 100 دولارا للبرميل خلال شهر فبراير، قبل أن تلامس 140 دولارا للبرميل مطلع شهر مارس الماضي ثم تراجعت الأسعار منذ ذلك الحين لتظل قرب مستوى 90 دولارا للبرميل خلال سبتمبر الجاري، وهو ما يظل مستوى جيدا للمنتجين، على عكس المستهلكين. وبالنسبة لدولة مثل الهند، التي تشهد إجراء استحقاقات انتخابية على مدار العام، يؤدي ارتفاع فاتورة استيراد النفط الخام إلى إضعاف معايير الاقتصاد الكلي، مما يضر بالمصالح السياسية للدولة والحكومة المركزية.

 

صادرات النفط إلى الهند من جانب كبار المنتجين (يناير-مايو 2022، مليون برميل يوميًا)

المصدر:  MEES

آخرون يسيرون على نفس الدرب

 

تعد الصين ثاني دولة إلى جانب الهند التي تتحول من السوق التقليدي للنفط، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، صوب روسيا. حيث بلغت مكاسب روسيا من بيع منتجات الطاقة إلى الصين والهند خلال ثلاثة أشهر فقط بعد غزوها لأوكرانيا 24 مليار دولار أمريكي. عكس ذلك كيفية مساهمة ارتفاع الأسعار العالمية في تقويض الجهود الأمريكية والأوروبية لاحتواء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

 

وأنفقت الصين 18.9 مليار دولار على النفط والغاز والفحم الروسي خلال الأشهر الثلاثة الاولى من العام حتى نهاية مايو، أي ضعف المبلغ المنفق قبل عام تقريبا. في حين أنفقت الهند 5.1 مليار دولار خلال الفترة ذاتها، أي أكثر من خمسة أضعاف القيمة المسجلة قبل عام. وبحساب قيمة إنفاق الدولتين مجتمعتين، يصل إجمالي العائدات الإضافية التي حققتها روسيا من مشتريات الصين والهند 13 مليار دولارًا مقارنة بالأشهر نفسها في عام 2021 م.

 

وبعد أن أبدت بكين عدم اهتمام في البداية بشراء النفط الروسي بسبب التهديد بفرض عقوبات غربية، سار المارد الصيني على خطى الهند، لترتفع وارداتها من النفط الروسي إلى 1.6 مليون برميل يوميا في أبريل، ونحو 2 مليون برميل يوميا خلال شهر مايو. بعدما كانت قد تراجعت من 1.7 مليون برميل يوميا خلال شهر يناير، إلى 1.4 مليون برميل يوميا خلال فبراير الماضي.

 

على صعيد آخر، تراجعت واردات الصين من النفط الخام السعودي من 1.85 مليون برميل يوميًا خلال شهر مايو الماضي، إلى 1.44 مليون برميل يوميا في يونيو. وتظل الصين سوقا محوريا لصادرات النفط الخام السعودية، والعمانية، والإماراتية والكويتية، كذلك الأمر بالنسبة لصادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال. علاوة على ذلك، تضاعف إجمالي الواردات الصينية من منطقة الشرق الأوسط بنسبة %10 على أساس سنوي هذا العام لتغطي الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022م.

 

وفي مارس الماضي، استكملت شركة "أرامكو" عملاق النفط السعودي، مشروع بناء مصفاة بمليارات الدولارات، ومجمع للبتروكيماويات في شمال شرق الصين بعد الاتفاق على الخطط الأولية للمشروع في عام 2019م، ووصفت أرامكو الصين بأنها تمثل "أولوية قصوى"لأهداف الشركة على مدى العقود الخمسة المقبلة.

 

 وكذلك زاد الطلب على النفط الروسي الأرخص ثمنًا في إندونيسيا وسريلانكا. وقد شكلت هذه التحولات مجتمعة تحديات لإمدادات الطاقة الإماراتية، والسعودية، والعراقية داخل آسيا. وأصبحت عمان أيضًا ضحية لتدفق مزيج الأورال الروسي إلى الصين.

 

ومنذ أن بدأت المصافي الأوروبية في تجنب النفط الروسي أواخر فبراير الماضي، شهدت واردات الخام الروسي إلى أوروبا انخفاضا قدره 554 ألف برميل يوميًا، من 2.04 مليون برميل يوميًا، إلى 1.49 مليون برميل يوميًا في الفترة ما بين مارس إلى مايو الماضي. في المقابل، شهدت واردات النفط الروسي المنشأ من قبل شركات التكرير الآسيوية (بما في ذلك الصين) زيادة مقابلة قدرها 503 آلاف برميل في اليوم، لترتفع من متوسط 1.14 مليون برميل يوميًا خلال الفترة ما بين يناير إلى فبراير الماضي، إلى متوسط 1.517 مليون برميل يوميًا، وذلك خلال الفترة ما بين شهر مارس إلى مايو.

 

 

عوامل السوق السائدة

في ظل غياب المؤشرات بشأن التراجع عن الحرب، بدأت دول الخليج إعادة النظر في سياسات التسعير الخاصة بها.  وفي أبريل، كانت العراق أولى الدول التي تبادر بخفض أسعار النفط. وسارت الدول المنتجة في منطقة الخليج على نفس الدرب. رفعت المملكة العربية السعودية إنتاجها من النفط الخام إلى ما يزيد قليلا عن 11 مليون برميل يوميًا في أغسطس الماضي، وهو أعلى مستوى في نحو عامين، حيث ساهمت المملكة في استقرار الأسواق العالمية. وتزامنت البراميل الإضافية مع انخفاض أسعار النفط الخام، التي خسرت نحو 23٪ خلال فترة ما بين شهر يونيو وأغسطس الماضيين. علاوة على ذلك، برزت المملكة العربية السعودية في أغسطس كثاني أكبر مورد للنفط إلى الهند، متجاوزة روسيا بهامش ضئيل. وخلال الفترة من مايو إلى يوليو، أصبحت روسيا المورد الثاني للهند، لتتراجع المملكة العربية السعودية إلى المركز الثالث.

وبلغت شحنات الهند، ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم، من النفط الخام السعودي 863.950 برميلاً يوميًا من الخام بارتفاع 4.8 % عن يوليو الماضي، بينما تراجعت مشترياتها من روسيا بنسبة 2.4 % لتصل إلى 855.950 برميلاً يوميًا.

وتراجعت واردات الهند من النفط الروسي، بعدما سجلت مستوى قياسيًا في يونيو الماضي. مع تقليص موسكو نسبة التخفيضات على معروضها النفطي بالتزامن مع تراجع الأسعار عالميًا.

ظل العراق المورد الرئيسي للهند قبل وأثناء الحرب الروسية الأوكرانية. وخلال شهر أغسطس، جاءت الإمارات العربية المتحدة في المركز الرابع، بينما حلت كازاخستان محل الكويت لتصبح خامس أكبر مورد للهند، تليها الولايات المتحدة.

 وعلى الرغم من مكاسب السعودية، تراجعت حصة النفط المصدر من قبل منظمة أوبك إلى الهند إلى 59.8٪، مسجلا أدنى مستوياته في 16 عامًا، بالتزامن مع تقليص الهند وارداتها من القارة الإفريقية. وساعد الوصول إلى مخزون نفطي وفير في منطقة بحر قزوين، وخاصة من دول كازاخستان وروسيا وأذربيجان، إلى تراجع مشتريات الهند من إفريقيا ودول أخرى. وسجلت حصة النفط الإفريقي في واردات الهند انخفاضًا خلال شهر أغسطس الماضي بمقدار النصف إلى 4.2٪ بينما انخفضت حصة أمريكا اللاتينية إلى 5.3٪ من حوالي 7.7٪.

 

وأخيرًا، ثمة تطوران آخران يستدعيان الاهتمام. أولاً، توقيع روسيا على تمديد بقيمة 37.5 مليار دولار لاتفاق تزويد الصين بالغاز قبيل الحرب الأوكرانية. وقد بدأت في ضخ الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب غاز سيبيريا البالغ طوله 3000 كيلومترًا في أواخر عام 2019م. ثانيًا، إعلان شركة غازبروم الروسية في سبتمبر الجاري توقيع اتفاق لبدء استبدال الدولار الأمريكي بالجوان والروبل في مدفوعات شحنات الغاز إلى الصين بهدف تقليص اعتماد روسيا على الدولار، واليورو، والعملات الصعبة الأخرى في نظامها المصرفي وفي التجارة بشكل عام، والتي تعرضت لعقوبات غربية بعد بدء الحرب. (هناك تقارير تفيد بأن المملكة العربية السعودية تدرس تسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان).

وبالتالي، فمن الواضح أن ديناميات السوق والجغرافيا السياسية تحدد معا علاقات الطاقة بين دول الخليج وآسيا. وعلى الرغم من كافة هذه القضايا، فإن أحد الدروس المستفادة من انقطاع إمدادات الطاقة الناجم عن الحرب بالنسبة للدول المصدرة للنفط والغاز هو السعي إلى إقامة شراكات متنوعة في مجال الطاقة. الأمر نفسه ينطبق على المستهلكين أيضًا.

مقالات لنفس الكاتب